سورة الجمعةمدنية وهي إحدى عشرة آية ١قول اللّه تبارك وتعالى { يسبح للّه ما في السموات وما في الأرض } وقد ذكرناه { الملك القدوس } يعني الملك الذي يملك كل شيء ولا يزول ملكه { القدوس } يعني الطاهر عن الشريك والولد قرئ في الشاذ { الملك القدوس } بالضم ومعناه هو الملك القدوس وقرأه العامة بالكسر فيكون نعتا للّه تعالى يعني يسبح للّه الملك القدوس ثم قال { العزيز الحكيم } يعني { العزيز } في ملكه { الحكيم } في أمره ٢ثم قال { هو الذي بعث في الأميين } يعني في العرب والأميون الذين لا يكتبون وهم ما خلقت عليه الأمة قبل تعلم الكتابة { رسولا منهم } يعني من قومهم العرب { يتلو عليهم } يعني يقرأ عليهم { آياته } يعني القرآن { ويزكيهم } يعني يدعوهم إلى التوحيد ويطهرهم به من عبادة الأوثان ويقال { يزكيهم } أي يصلحهم ويقال يأمرهم بالزكاة { ويعلمهم الكتاب } يعني القرآن { والحكمة } يعني الحلال والحرام { وإن كانوا } يعني وقد كانوا { من قبل } أن يبعث إليهم محمدا صلى اللّه عليه وسلم { لفي ضلال مبين } يعني لفي خطأ بين يعني الشرك ٣
وروى جويبر عن الضحاك في قوله { آخرين منهم لما يلحقوا بهم } قال يعني من أسلم من الناس وعمل صالحا إلى يوم القيامة من عربي وعجمي ثم قال { وهو العزيز الحكيم } يعني { العزيز } في ملكه { الحكيم } في أمره ٤قوله تعالى { ذلك فضل اللّه يؤتيه } يعني الإسلام فضل اللّه يؤتيه { من يشاء } يعني يعطيه من يشاء ويكرم به من يشاء من كان أهلا لذلك { واللّه ذو الفضل العظيم } يعني ذو المن العظيم لمن اختصه بالإسلام ٥ثم قال عز وجل { مثل الذين حملوا التوراة } يعني صفة الذين علموا التوراة وأمروا بأن يعملوا بما فيها { ثم لم يحملوها } أي لم يعملوا بما أمروا فيها من الأمر والنهي وبيان صفة محمد صلى اللّه عليه وسلم ويقال { مثل الذين حملوا التوراة } وأمروا بأن يعلموا تفسيرها ثم لم يحملوها يعني لم يعلموا تفسيرها فمثلهم { كمثل الحمار يحمل أسفارا } يعني يحمل كتبا ولا يدري ما فيها كما لا يدري اليهود ما حملوا من التوراة ثم قال { بئس مثل القوم الذين } الذين ضربنا لهم المثل ويقال بئس صفة القوم الذين كذبوا بآيات اللّه يعني جحدوا بالقرآن وبمحمد صلى اللّه عليه وسلم { واللّه لا يهدي القوم الظالمين } يعني إلى طريق الجنة اليهود الذين لا يرغبون في الحق ٦قوله تعالى { قل يا أيها الذين هادوا } يعني مالوا عن الإسلام والحق إلى اليهودية { إن زعمتم أنكم } يعني إن ادعيتم وقلتم إنكم { أولياء للّه } يعني أحباء اللّه { من دون الناس } يعني من دون المؤمنين { فتمنوا الموت } يعني سلوا الموت فقولوا اللّه م أمتنا { إن كنتم صادقين } أي في مقالتكم بأنكم أولياء اللّه من دون المؤمنين ٧{ واللّه عليم بالظالمين } يعني عليما بحالهم بأنهم لا يتمنون الموت ٨{ ثم تردون } يعني ترجعون في الآخرة { إلى عالم الغيب والشهادة } وقد ذكرناه { فينبئكم بما كنتم تعملون } يعني يخبركم ويجازيكم بما كنتم تعملون في الدنيا ٩
ويقال { إلى ذكر اللّه } يعني الخطبة فاستمعوا إليها وروى الأعمش عن إبراهيم قال كان ابن مسعود يقرأ { فامضوا إلى ذكر اللّه } ويقول لو قرأتها فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي وقال القتبي السعي على وجه الإسراع في المشي كقوله تعالى { وجاء رجل من أقصا المدينة يسعى } [ القصص ٢٠ ] والسعي العمل كقوله تعالى { وسعى لها سعيها } [ الإسراء ١٩ ] وقال { إن سعيكم لشتى } [ الليل ٤ ] والسعي المشي كقوله تعالى { يأتينك سعيا } [ البقرة ٢٦٠ ] وكقوله تعالى { فاسعوا إلى ذكر اللّه } [ الجمعة ٩ ] وقال الحسن في قوله تعالى { فاسعوا إلى ذكر اللّه } قال ليس السعي بالأقدام ولكن سعي بالنية وسعي بالقلب وسعي بالرغبة ثم قال عز وجل { وذروا البيع } ولم يذكر الشراء لأنه لما ذكر البيع فقد دل على الشراء ومعناه اتركوا البيع والشراء وقال جماعة من العلماء لو باع بعد الأذان يوم الجمعة لم يجز البيع وقال الزهري يحرم البيع يوم الجمعة عند خروج الإمام وروى جويبر عن الضحاك أنه قال إذا زالت الشمس يوم الجمعة حرم الشراء والبيع ولو كنت قاضيا لرددته وروى معمر عن الزهري قال الأذان الذي يحرم نية البيع عند خروج الإمام وقت الخطبة وقال الحسن إذا زالت الشمس فلا تشتر ولا تبع وقال محمد يحرم البيع عند النداء يوم الجمعة عند الصلاة وروى عكرمة عن ابن عباس قال لا يصح البيع والشراء يوم الجمعة حين ينادى بالصلاة حتى تنقضي وقال عامة أهل الفتوى من الفقهاء إن البيع جائز في الحكم لأن النهي لأجل الصلاة وليس بمانع لمعنى في البيع ثم قال { ذلكم خير لكم } يعني السعي إلى الصلاة وترك الشراء والبيع والاستماع إلى الخطبة خير لكم من الشراء والبيع { إن كنتم تعلمون } يعني فاعلموا ذلك وكل ما في القرآن { إن كنتم تعلمون } إن كنتم مؤمنين فهو بمعنى التقرير والأمر ١٠ثم قال عز وجل { فإذا قضيت الصلاة } يعني فرغتم من الصلاة { فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللّه } يعني اطلبوا الرزق من اللّه تعالى بالتجارة والكسب اللفظ لفظ الأمر والمراد به الرخصة كقوله { وإذا حللتم فاصطادوا } [ المائدة ٢ ] وهي رخصة بعد النهي { واذكروا اللّه كثيرا } يعني واذكروا اللّه باللسان { لعلكم تفلحون } يعني لكي تنجوا ١١ثم قال عز وجل { وإذا رأوا تجارة أو لهوا } قال مجاهد اللّه و هو الضرب بالطبل فنزلت الآية حين قدم دحية بن خليفة الكلبي وروى سالم عن جابر قال أقبلت عير ونحن مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ونحن نصلي الجمعة فانفض الناس إليهما فما بقي غير اثني عشر رجلا فنزلت الآية { وإذا رأوا تجارة أو لهوا } { انفضوا إليها وتركوك قائما } وروى معمر عن الحسن أن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء سعر فقدمت عير والنبي صلى اللّه عليه وسلم قائم يخطب يوم الجمعة فسمعوا بها فخرجوا إليها والنبي صلى اللّه عليه وسلم قائم قال اللّه تعالى { وتركوك قائما } فقال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( ولو اتبع آخرهم أولهم لالتهب الوادي عليهم نارا ) قال معمر عن قتادة قال لم يبق يومئذ معه إلا اثنا عشر رجلا وامرأة ويقال إن أهل المدينة كانوا إذا قدمت عير ضربوا بالطبل فلما قدم دحية الكلبي بتجارته وتميم الداري ضربوا بالطبل وخرج الناس فنزل { وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها } يعني خرجوا إليها يعني إلى التجارة ويقال { إليها } يعني جملة ما رأوا من اللّه و والتجارة { وتركوك قائما } على المنبر { قل ما عند اللّه خير من اللّه و } يعني خير من اللّه و { ومن التجارة } يعني ثواب اللّه تعالى خير من اللّه و ومن التجارة { واللّه خير الرازقين } يعني أقوى الرازقين وخير المعطين واللّه أعلم بالصواب و صلى اللّه عليه وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وسلم |
﴿ ٠ ﴾