سورة التغابن

مدنية وهي ثماني عشرة آية

١

قول اللّه تبارك وتعالى { يسبح للّه ما في السموات وما في الأرض له الملك } يعني له الملك الدائم الذي لا يزول

{ وله الحمد } يعني يحمده المؤمنون في الدنيا وفي الجنة كما قال { له الحمد في الأولى والآخرة } [ القصص ٧٠ ] ويقال { له الحمد } يعني هو المحمود في شأنه وهو أهل أن يحمد لأن الخلق كلهم في نعمته

فالواجب عليهم أن يحمدوه

ثم قال { وهو على كل شيء قدير } يعني قادر على ما يشاء

٢

هو الذي خلقكم " يعني خلقكم من نفس واحدة " فمنكم كافر ومنكم مؤمن " يعني منكم من يصير كافرا ومنكم من يصير أهلا للإيمان ويؤمن بتوفيق اللّه  تعالى

ويقال منكم من خلقه كافرا ومنكم من خلقه مؤمنا كما قال النبي صلى اللّه عليه وسلم ( ألا إن بني آدم خلقوا على طبقات شتى )

وإلى هذا ذهب أهل الجبر

ويقال { فمنكم كافر } يعني كافر بأن اللّه تعالى خلقه وهو كقوله { قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه } [ عبس ١٧ - ١٨ ] وكقوله { أكفرت بالذي خلقك من تراب } [ الكهف ٣٧ ] ويقال { فمنكم كافر } يعني كافر في السر وهم المنافقون { ومنكم مؤمن } وهم المخلصون

ويقال هذا الخطاب لجميع الخلق ومعناه هو الذي خلقكم فمنكم كافر باللّه وهم المشركون ومنكم مؤمن وهم المؤمنون يعني استويتم في خلق اللّه إياكم واختلفتم في أحوالكم فمنكم من آمن باللّه ومنكم من كفر

ثم قال { واللّه بما تعملون بصير } يعني عليم بما تعملون من الخير والشر

٣

ثم قال عز وجل { خلق السموات والأرض بالحق } يعني للحق والحجة والثواب وللعقاب

{ وصوركم } يعني خلقكم { فأحسن صوركم } يعني خلقكم على أجمل

 

وهذا كقوله { لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } [ التين ٤ ] وكقوله { ولقد كرمنا بني ءادم } [ الإسراء ٧٠ ] ثم قال { وإليه المصير } يعني إليه المرجع في الآخرة فهذا تهديد يعني كونوا على الحذر لأن مرجعكم إليه

٤

ثم قال { يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون } يعني ما تخفون وما تضمرون في قلوبكم وما تظهرون وتعلنون بألسنتكم

{ واللّه عليم بذات الصدور } يعني عليكم بسرائركم

٥

قوله عز وجل { ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل }

اللفظ لفظ الاستفهام والمراد به التوبيخ والتقريع يعني قد أتاكم خبر الذين كفروا من قبلكم

{ فذاقوا وبال أمرهم } يعني أصابتهم عقوبة ذنبهم في الدنيا

ثم أخبر أن ما أصابهم في الدنيا لم يكن كفارة لذنوبهم فقال { ولهم عذاب أليم } في الآخرة

ثم بين السبب الذي أصابهم به العذاب

٦

 فقال { ذلك } يعني وذلك العذاب

{ بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات } يعني بالأمر والنهي ويقال { بالبينات } يعني بالدلائل والحجج

{ فقالوا أبشر يهدوننا } يعني آدميا مثلنا يرشدنا ويأتينا بدين غير دين آبائنا { فكفروا } يعني جحدوا بالرسل والكتاب { وتولوا } يعني أعرضوا عن الإيمان

{ واستغنى اللّه } اللّه تعالى عن إيمانهم

{ واللّه غني } أي عن إيمان العباد { حميد } في فعاله يقبل اليسير ويعطي الجزيل

٧

ثم قال عز وجل { زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا } يعني مشركي العرب زعموا أن لن يبعثوا بعد الموت

{ قل } يا محمد صلى اللّه عليه وسلم { بلى وربي لتبعثن }

فهذا قسم أقسم أنهم يبعثون بعد الموت

{ ثم لتنبؤن بما عملتم } يعني تخبرون بما عملتم في دار الدنيا ويجزون على ذلك

ثم قال { وذلك على اللّه يسير } يعني البعث والجزاء على اللّه هين

٨

قوله تعالى { فآمنوا باللّه ورسوله } يعني صدقوا بوحدانية اللّه تعالى وصدقوا برسالة محمد صلى اللّه عليه وسلم

{ والنور الذي أنزلناه } يعني صدقوا بالقرآن الذي نزل به جبريل على محمد صلى اللّه عليه وسلم

فسمى القرآن نورا لأنه يهتدى به في ظلمة الجهالة والضلالة ويعرف به الحلال والحرام

ثم قال { واللّه بما تعملون خبير } يعني عالم بأعمالكم فيجازيكم بها

٩

ثم قال { يوم يجمعكم } يعني لتبعثن في يوم يجمعكم { ليوم الجمع } يعني يوم تجمع فيه أهل السماء وأهل الأرض ويجمع فيه الأولون والآخرون

قرأ يعقوب الحضرمي { يوم نجمعكم } بالنون وقراءة العامة بالياء ومعناهما واحد

ثم قال { ذلك يوم التغابن } يعني يغبن فيه الكافر نفسه وأهله ومنازله في الجنة يعني يكون له النار مكان الجنة وذلك هو الغبن والخسران

ثم قال { ومن يؤمن باللّه ويعمل صالحا } يعني يقر بوحدانية اللّه تعالى ويؤدي الفرائض

{ يكفر عنه سيئاته } يعني يغفر ذنوبه { ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم } يعني النجاة الوافرة

قرأ نافع وابن عامر { نكفر } و { ندخله } كلاهما بالنون والباقون كلاهما بالياء ومعناهما واحد

١٠

ثم وصف حال الكافرين فقال عز وجل { والذين كفروا بآياتنا } يعني بالكتاب والرسول

{ أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير } يعني بئس المرجع الذي صار إليه المغبونون

١١

ثم قال عز وجل { ما أصاب من مصيبة } يعني ما أصاب بني آدم من شدة ومرض وموت الأهلين { إلا بإذن اللّه } يعني إلا بإرادة اللّه تعالى وبعلمه

{ ومن يؤمن باللّه } يعني يصدق باللّه على المصيبة ويعلم أنها من اللّه تعالى { يهد قلبه } يعني إذا ابتلي صبر وإذا أنعم عليه شكر وإذا ظلم غفر

وروي عن علمقة بن قيس أن رجلا قرأ عنده هذه الآية فقال أتدرون ما تفسيرها وهو أن الرجل المسلم يصاب بالمصيبة في ماله ونفسه يعلم أنها من عند اللّه تعالى فيسلم ويرضى

ويقال { من يؤمن باللّه يهد قلبه } للاسترجاع يعني يوفقه اللّه تعالى لذلك

{ واللّه بكل شيء عليم } أي عالم بثواب من صبر على المصيبة

١٢

ثم قال عز وجل { وأطيعوا اللّه } في الفرائض { وأطيعوا الرسول } في السنن

ويقال { أطيعوا اللّه } في الرضا بما يقضي عليكم من المصيبة { وأطيعوا الرسول } فيما يأمركم به من

الصبر وترك الجزع

{ فإن توليتم } يعني أبيتم وأعرضتم عن طاعة اللّه وطاعة رسوله

{ فإنما على رسولنا البلاغ المبين } أي ليس عليه أكثر من التبليغ

١٣

ثم وحد نفسه فقال عز وجل { اللّه لا إله إلا هو } يعني لا ضار ولا نافع ولا كاشف إلا هو

{ وعلى اللّه فليتوكل المؤمنون } يعني على المؤمنين أن يتوكلوا على اللّه تعالى ويفوضوا أمورهم إليه

١٤

قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم } حين يمنعونكم عن الهجرة { فاحذروهم } أن تطيعوهم في ترك الهجرة

روى سماك عن عكرمة عن ابن عباس أن قوما أسلموا بمكة فأرادوا أن يخرجوا إلى المدينة فمنعهم أزواجهم وأولادهم

فلما قدموا على النبي صلى اللّه عليه وسلم رأوا الناس قد فقهوا في الدين فأرادوا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم فنزل قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذرهم } { وإن تعفوا } يعني إن تتركوا ولا تعاقبوهم { وتصفحوا } يعني وتتجاوزوا { وتغفروا فإن اللّه غفور } لذنوب المؤمنين { رحيم } بهم

١٥

قوله عز وجل { إنما أموالكم وأولادكم فتنة } يعني الذين بمكة بلية لا يقدر الرجل على الهجرة

روي عن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه قال كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يخطبنا فأقبل الحسن والحسين يمشيان ويعثران فلما رآهما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم نزل إليهما وأخذهما واحدا من هذا الجانب وواحدا من هذا الجانب

ثم صعد المنبر فقال ( صدق اللّه  " إنما أموالكم وأولادكم فتنة "

لما رأيت هذين الغلامين لم أصبر أن قطعت كلامي ونزلت إليهما )

ثم أتم الخطبة

ثم قال { واللّه عنده أجر عظيم } أي ثواب عظيم لمن آمن ولمن لم يعص اللّه تعالى لأجل الأموال والأولاد وأحسن إليهم

١٦

ثم قال عز وجل { فاتقوا اللّه ما استطعتم } يعني على قدر ما أطقتم

{ واسمعوا } يعني اسمعوا ما تؤمرون به من المواعظ

{ وأطيعوا } يعني وأطيعوا اللّه والرسول

{ وانفقوا خيرا } يعني تصدقوا خيرا يعني وأنفقوا من أموالكم في حق اللّه تعالى { لأنفسكم } يعني ثوابه لأنفسكم ويكون زادا لكم إلى الجنة

ويقال معناه تصدقوا خير لأنفسكم من إمساك الصدقة

{ ومن يوق شح نفسه } يعني يدفع البخل عن نفسه { فأولئك هم المفلحون } يعني الناجين السعداء

١٧

وقوله تعالى { إن تقرضوا اللّه قرضا حسنا } يعني صادقا من قلوبكم

{ يضاعفه لكم } يعني القرض يضاعف حسناتكم

ويقال { يضاعفه لكم } يعني اللّه تعالى يضاعف القرض لكم فيعطي للواحد عشرة

إلى سبعمائة إلى ما لا يحصى

{ ويغفر لكم } يعني يغفر لكم ذنوبكم

{ واللّه شكور } يعني يقبل اليسير ويعطي الجزيل

{ حليم } لا يعجل بالعقوبة لمن يبخل

١٨

ثم قال { عالم الغيب والشهادة } وقد ذكرناه

{ العزيز الحكيم } يعني { العزيز } في ملكه { الحكيم } في أمره سبحانه وتعالى و صلى اللّه عليه وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم

﴿ ٠