سورة الملككلها مكية وهي ثلاثون آية ١قول اللّه تبارك وتعالى { تبارك الذي بيده الملك } يعني تعالى وتعظم وهذا قول ابن عباس وقيل تفاعل من البركة وقال الحسن { تبارك } يعني تقدس { الذي بيده الملك } يعني الذي له الملك كما قال { له ملك السموات والأرض } ويقال { الذي بيده الملك } يعني الذي له القدرة ونفاذ الأمر { وهو على كل شيء قدير } يعني من العز والذل يعز من يشاء ويذل من يشاء ٢ثم قال { الذي خلق الموت والحياة } قال مقاتل { خلق الموت } يعني النطفة والعلقة والمضغة وخلق { الحياة } يعني خلق إنسانا ونفخ فيه الروح فصار حيا وقال الكلبي { خلق الموت } بمنزلة كبش أملح لا يمر على شيء ولا يجد ريحه شيء إلا مات { والحياة } شيء كهيئة الفرس البلقاء الأنثى التي يركب عليها جبريل والأنبياء صلوات اللّه عليهم وقال قتادة في قوله { خلق الموت والحياة } يعني أذل اللّه ابن آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة وفناء وجعل الآخرة دار جزاء وبقاء ٣ويقال { خلق الموت والحياة } يعني قدر الحياة ثم قدر الموت بعد الحياة { ليبلوكم } يعني ليختبركم ما بين الحياة والموت { أيكم أحسن عملا } في حياته ويقال أيكم أكمل عملا وأخلص عملا ويقال { خلق الموت والحياة } أي خلق الحياة للامتحان وخلق الموت للجزاء كما قيل لولا المحن لقدمنا مفاليس وذلك أن اللّه تعالى خلق الجنة وخلق لها أهلا وخلق النار وخلق لها أهلا وابتلاهم بالعمل والأمر والنهي فيستوجبون بفعلهم الثواب والعقاب والابتلاء من اللّه تعالى أن يظهر من العبد ما كان يعلم منه في الغيب ثم قال تعالى { وهو العزيز الغفور } يعني { العزيز } بالنقمة للكفار و { الغفور } لمن تاب منهم ثم قال { الذي خلق } يعني تبارك الذي خلق { سبع سموات طباقا } يعني مطبقا بعضها فوق بعض مثل القبة { ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت } قرأ حمزة والكسائي { من تفوت } بغير ألف والباقون بالألف وهما لغتان ويقال تفاوت الشيء وتفوت إذا اختلف يعني ما ترى في خلق الرحمن اختلافا واضطرابا ويقال ما ترى فيها من اعوجاج ولكنه مستوي ويقال معناه ما ترى في خلق السموات من عيب وأصله من الفوت أي يفوت الشيء فيقع فيه الخلل ولكنه متصل بعضها ببعض ٤ثم أمر بأن ينظروا في خلقه ليعتبروا به ويتفكروا في قدرته فقال عز وجل { فارجع البصر } يعني رد البصر إلى السماء ويقال قلب البصر في السماء ويقال اجتهد بالنظر إلى السماء { هل ترى من فطور } يعني هل ترى فيها من شقوق ويقال هل ترى فروجا أو صدوعا أو خللا { ثم ارجع البصر كرتين } يعني انظر إليها مرتين وإنما أمر بالنظر مرتين لأن الإنسان إذا نظر في الشيء مرة لا يرى عيبه ما لم ينظر فيه مرة أخرى فأخبر اللّه تعالى أنه وإن نظر إلى السماء مرتين لا يرى فيها عيبا بل يتحير بالنظر إليها فذلك قوله { ينقلب إليك البصر خاسئا } يعني يرجع البصر ذليلا { وهو حسير } يعني قد أعيا تداعيا من قبل أن يرى في السماء خللا وقال القتبي { خاسئا } أي مبعدا { وهو حسير } أي كليل منقطع عن أن يلحق ما نظر إليه قبل أن يرى شيئا من الخلل ٥ثم قال { ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح } يعني بالنجوم والكواكب { وجعلناها رجوما للشياطين } يعني جعلنا بعض النجوم رميا للشياطين إذا قصدوا استراق السمع { وأعتدنا لهم } يعني للشياطين { عذاب السعير } يعني الوقود ٦
قرئ في الشاذ { عذاب جهنم } بالنصب يعني اعتدنا لهم عذاب جهنم فيصير نصبا لوقوع الفعل عليه وقراءة العامة بالضم على معنى خبر الابتداء ثم قال { وبئس المصير } يعني المرجع ٧ثم قال عز وجل { إذا ألقوا فيها } يعني ألقوا الكفار في نار جهنم { سمعوا لها } يعني سمعوا منها { شهيقا } يعني صوتا كصوت الحمار { وهي تفور } يعني تغلي كغلي المرجل ٨{ كلما ألقي فيها فوج } يعني من النار فوج يعني أمة من الأمم { سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير } يعني رسولا يخبركم ويخوفكم ٩{ قالوا بلى } يعني يقولون بلى { قد جاءنا نذير } يعني الرسل { فكذبنا } الرسول { وقلنا } إنكم لكاذبون على اللّه تعالى { ما نزل اللّه من شيء } أي كتابا ولا رسولا { إن أنتم إلا في ضلال كبير } يعني قلنا لهم ما أنتم إلا في خطأ عظيم ١٠{ ما كنا في أصحاب السعير } يعني مع أصحاب الوقود في النار ويقال معناه ما كنا من أهل النار ١١
وقال الزجاج { فسحقا } نصب على المصدر فمعناه أسحقهم اللّه سحقا فباعدهم من رحمته والسحق البعد كقوله { في مكان سحيق } [ الحج ٣١ ] أي بعيد قرأ الكسائي { فسحقا } بضم السين والحاء والباقون بضم السين وجزم الحاء وهما لغتان معناهما واحد ١٢ثم بين حال المؤمنين فقال عز وجل { إن الذين يخشون ربهم بالغيب } يعني يخافون اللّه تعالى ويخافون عذابه الذي هو { بالغيب } فهو عذاب يوم القيامة { لهم مغفرة } يعني مغفرة لذنوبهم { وأجر كبير } يعني ثوابا عظيما في الجنة ١٣قوله تعالى { وأسروا قولكم أو اجهروا به } اللفظ لفظ الأمر والمراد به الخبر يعني إن أخفيتم كلامكم في أمر محمد صلى اللّه عليه وسلم أو جهرتم به { إنه عليم بذات الصدور } يعني بما في القلوب من الخير والشر وذلك أن جماعة من الكفار كانوا يتشاورون فيما بينهم فقال بعضهم لبعض لا تجهروا بأصواتكم فإن رب محمد صلى اللّه عليه وسلم يسمع فيخبره قال اللّه تعالى للنبي صلى اللّه عليه وسلم قل لهم يا محمد { وأسروا قولكم أو اجهروا به } فإنه يعلم به ثم أخبر بما هو أخفى من هاتين الحالتين فقال { إنه عليم بذات الصدور } يعني فكيف لا يعلم قول الس ١٤ر ثم قال عز وجل { ألا يعلم من خلق } يعني ألا يعلم السر من خلق السر يعني هو خلق السر في قلوب العباد فكيف لا يعلم بما في قلوب العباد ثم قال { وهو اللطيف الخبير } يعني لطف علمه بكل شيء يعني يرى أثر كل شيء بما في القلوب من الخير والشر ويقال { لطيف } يرى أثر النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء { خبير } يعني عالم بأفعال العباد وأقوالهم ثم ذكر نعمه على خلقه ليعرفوا نعمته فيشكروه ويوحدوه فقال تعالى { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا } يعني خلق لكم الأرض ومدها وذللّه ا وجعلها لينة لكي تزرعوا فيها وتنتفعوا منها بألوان المنافع { فامشوا في مناكبها } يعني لكي تمشوا في أطرافها ونواحيها وأكامها وجبالها وهذا خبر بلفظ الأمر وقال القتبي { فامشوا في مناكبها } يعني جوانبها ومنكبا الرجل جانباه وقال قتادة { مناكبها } جبالها قال وكان لبشر بن كعب سرية فقال لها إن أخبرتيني ما مناكب الأرض فأنت حرة لوجه اللّه فقالت مناكبها جبالها فصارت حرة فأراد أن يتزوجها فسأل أبو الدرداء فقال له دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ١٥ويقال { هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا } أي سهل لكم السلوك فيها { فامشوا في مناكبها } أي امشوا فيها { وكلوا من رزقه } يعني تأكلون من رزق اللّه تعالى وتشكرونه { وإليه النشور } يعني إلى اللّه تبعثون من قبوركم ويقال معناه هو الذي ذلل لكم الأرض قادر على أن يبعثكم لأنه ذكر أولا خلق السماء ثم ذكر خلق الأرض ثم ذكر النشور ١٦ثم خوفهم فقال عز وجل { ءأمنتم من في السماء } قال الكلبي ومقاتل يعني أمنتم عقوبة من في السماء يعني الرب تعالى إن عصيتموه ويقال هذا على الاختصار ويقال أمنتم عقوبة من هو جار حكمه في السماء قرأ أبو عمرو ونافع { آمنتم } بالمد والباقون بغير مد بهمزتين ومعناهما واحد وهو الاستفهام والمراد به التوبيخ وقرأ إبن كثير بهمزة واحدة بغير مد على لفظ الخبر { أن يخسف بكم الأرض } يعني تغور بكم الأرض كما فعل بقارون { فإذا هي تمور } يعني تدور بكم إلى الأرض السفلى { أم أمنتم من في السماء } يعني عذاب من في السماء { أن يرسل عليكم حاصبا } يعني حجارة كما أرسلنا إلى قوم لوط ١٧وقال القتبي { أم } على وجهين مرة يراد بها الاستفهام كقوله { أم يحسدون الناس } ومرة يراد بها أو كقوله { أم أمنتم } ويعني أو أمنتم وهذا كقوله { أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا } [ الإسراء ٦٨ ] ثم قال { فستعلمون كيف نذير } يعني تعييري عليهم بالعذاب ويقال معناه سيظهر لكم كيف عذابي ١٨قوله تعالى { ولقد كذب الذين من قبلهم } يعني الأمم الخالية كذبوا رسلهم { فكيف كان نكير } يعني كيف كانت عقوبتي إياهم وإنكاري لهم ١٩ثم قال { أو لم يروا إلى الطير } يعني أو لم يعتبروا في خلق اللّه تعالى كيف خلق الطيور { فوقهم صافات } يعني باسطات أجنحتها في الهواء { ويقبضن } يعني ويضممن أجنحتهن ويضربن بها { ما يمسكهن } يعني ما يحفظهن في الهواء عند القبض والبسط { إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير } يعني عالما بصلاح كل شيء ٢٠قوله عز وجل { أمن هذا الذي هو جند لكم } يعني حزب لكم ومنفعة لكم { ينصركم من دون الرحمن } يعني من عذاب الرحمن ومعناه هاتوا أخبروني من الذي يمنعكم من عذاب اللّه تعالى إن عصيتموه ثم قال { إن الكافرون إلا في غرور } يعني ما الكافرون إلا في خداع وأباطيل ٢١ثم قال عز وجل { أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه } يعني من ذا الذي يرزقكم إن حبس اللّه رزقه في الذنب وهذا كقوله { هل من خلاق غير اللّه يرزقكم من السماء والأرض } [ فاطر ٣ ] ثم قال { بل لجوا } يعني تمادوا في الذنب ويقال تمادوا في الكفر ويقال بل مضوا { في عتو } يعني في تكبر { ونفور } يعني تباعدا من الإيمان ٢٢ثم قال عز وجل { أفمن يمشي مكبا على وجهه } يعني الكافر يمشي ضالا في الظلمة أعمى القلب { أهدى } يعني هو أصوب دينا { أفمن يمشي سويا على صراط مستقيم } هو المؤمن يعمل بطاعة اللّه يعني على دين الإسلام وقال قتادة { أفمن يمشي مكبا على وجهه } قال هو الكافر عمل بمعصية اللّه تعالى يحشره اللّه تعالى يوم القيامة على وجهه { أمن يمشي سويا على صراط مستقيم } هو المؤمن يعمل بطاعة اللّه تعالى يسلك به يوم القيامة طريق الجنة وقال الزجاج أعلم اللّه تعالى أن المؤمن يسلك الطريق المستقيم وإن كان الكافر في ضلالته بمنزلة الذي يمشي مكبا على وجهه قال مقاتل نزلت في شأن أبي جهل وقال بعضهم هذا لجميع الكفار وجميع المؤمنين ٢٣ثم قال { قل هو الذي أنشأكم } يعني خلقكم { وجعل لكم السمع } لكي تسمعوا بها الحق { والأبصار } يعني لكي تبصروا بها الحق { والأفئدة } يعني القلوب لكي تعقلوا بها الهدى { قليلا ما تشكرون } يعني شكركم فيما صنع إليكم قليلا ويقال معناه خلق لكم السمع والأبصار والأفئدة آلة لطاعات ربكم وقطعا لحجتكم وقدرة على ما أمركم فاستعملتم الآلات في طاعة غير اللّه تعالى ولم توحدوه ٢٤قوله عز وجل { قل هو الذي ذرأكم في الأرض } يعني خلقكم من الأرض ويقال كثركم في الأرض وأنزلكم في الأرض { وإليه تحشرون } يعني إليه ترجعون بعد الموت فيجازيكم بأعمالكم ٢٥قوله تعالى { ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين } يعني البعث بعد الموت إن كنتم صادقين أنا نبعث خاطبوا به النبي صلى اللّه عليه وسلم بلفظ الجماعة ويقال أراد به النبي صلى اللّه عليه وسلم وأصحابه ٢٦
قوله تعالى { فلما رأوه زلفة } يعني لما رأوا العذاب قريبا ويقال لما رأوا القيامة قريبة { وسيئت وجوه الذين كفروا } يعني ذللت ويقال قبحت وسودت ٢٧وقال القتبي { فلما رأوه زلفة } يعني لما رأوا ما وعدهم اللّه تعالى قريبا منهم وقال الزجاج { سيئت } أي تبين فيها السوء { في وجوه الذين كفروا } { وقيل هذا الذي كنتم به تدعون } يعني تشكون في الدنيا قرأ قتادة والضحاك ويعقوب الحضرمي { تدعون } بالتخفيف يعني تستعجلون وتدعون اللّه في قولكم فأمطر علينا حجارة من السماء وقراءة العامة { تدعون } بالتشديد يعني تكذبون ويقال من أجله { تدعون } الأباطيل يعني تدعون أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما لا ترجعون ولا تجازون ويقال { تدعون } أي تتمنون ٢٨قوله تعالى { قل أرأيتم إن أهلكني اللّه ومن معي } يعني إن عذبنا اللّه { أو رحمنا } يعني غفر لنا
٢٩ثم قال عز وجل { هو الرحمن آمنا به } يعني قل هو الرحمن بفضله إن شاء عذبنا وإن شاء رحمنا آمنا به { وعليه توكلنا } يعني فوضنا إليه أمورنا { فستعلمون من هو في ضلال مبين } يعني فستعرفون عند نزول العذاب من هو في خطأ بين قرأ الكسائي { فسيعلمون } بالياء بلفظ الخبر والباقون بالتاء على معنى المخاطبة يعني سوف تعلمون يا كفار مكة ٣٠{ فمن يأتيكم بماء معين } يعني بماء طاهر والغور والغائر يقال ماء غور ومياه غور وهو مصدر لا يثنى ولا يجمع وقال مجاهد { بماء معين } يعني جار وروى عكرمة عن ابن عباس يعني الطاهر
وروى زر بن حبيش عن عبد اللّه بن مسعود قال يؤتى بالرجل في قبره من قبل رأسه فيقول له ليس لك علي من سبيل قد كان يقرأ علي سورة الملك فيؤتى من قبل رجليه فيقول ليس لك علي سبيل كان يقوم بسورة الملك فيؤتى من قبل جوفه فيقول ليس لك علي سبيل قد أوعاني سورة الملك قال وهي المنجية تنجي صاحبها من عذاب القبر وروى ابن الزبير عن جابر قال كان النبي صلى اللّه عليه وسلم لا ينام حتى يقرأ سورة { ألم تنزيل الكتاب لا ريب فيه } و { تبارك الذي بيده الملك } واللّه أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب و صلى اللّه عليه وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه وسلم |
﴿ ٠ ﴾