سورة المزملوهي عشرون آية مكية ١قال اللّه تبارك وتعالى { يا أيها المزمل } يعني الملتف في ثيابه وأصله في اللغة المتزمل وهو الذي يتزمل في ثيابه وكل من التف بثوبه فهو متزمل وقد تزمل فأدغمت التاء في الزاي وشددت الزاي فقيل مزمل يعني به النبي صلى اللّه عليه وسلم ٢{ قم الليل } يعني قم الليل للصلاة { إلا قليلا } من الليل { نصفه } يعني قم نصفه ٣فاكتفى بذكر فعل الأول من الثاني لأنه دليل عليه { أو انقص منه قليلا } يعني أو انقص من النصف قليلا { أو زد عليه } يعني زد على النصف يعني ما بين الثلث إلى الثلثين ٤ثم قال { ورتل القرآن ترتيلا } يعني ترسل فيه وقال الحسن بينه إذا قرأته فلما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين فنزلت الرخصة في آخر السورة وقال مقاتل كان هذا قبل أن يفرض الصلوات الخمس وقال الضحاك { ورتل القرآن ترتيلا } قال اقرأه حرفا حرفا وقال مجاهد أحب الناس إلى اللّه تعالى في القراءة أعقلهم عنه ٥قوله تعالى { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } يعني سننزل عليك القرآن بالأمر والنهي يعني يثقل لما فيه من الأمر والنهي والحدود وكان هذا في أول الأمر ثم سهل اللّه تعالى الأمر في قيام الليل وقال قتادة في قوله { إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا } قال يثقل اللّه تعالى فرائضه وحدوده ويقال يعني قيام الليل ثقيل على المجرمين ويقال ثقيل على من خالفه ويقال ثقيل في الميزان خفيف على اللسان ويقال نزوله ثقيل كما قال { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل } [ الحشر ٢١ ] الآية وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته وضعت جبرانها وما تستطيع أن تتحرك حتى يسري عنه أي يذهب عنه ٦ثم قال { إن ناشئة الليل هي أشد وطئا } يعني ساعات الليل أشد موافقة للقراءة والسمع ويقال هي أشد نشاطا من النهار إذا كان الرجل محتسبا ويقال هي أرق لقلوبهم { وأقوم قيلا } يعني أبين وأصوب وأثبت قراءة وقال القتبي { ناشئة الليل } يعني ساعاته وهي مأخوذة من نشأت أي ابتدأت شيئا بعد شيء فكأنه قال إن ساعات الليل الناشئة فاكتفى بالوصف من الاسم قوله { أشد وطئا } يعني أثقل على المصلي من ساعات النهار فأخبر أن الثواب على قدر الشدة { وأقوم قيلا } يعني أخلص للقول وأسمع له لأن الليل تهدأ فيه الأصوات وتنقطع فيه الحركات قرأ أبو عمرو وابن عامر { أشد وطأ } بكسر الواو ومد الألف والباقون بنصب الواو بغير مد فمن قرأ بالكسر يعني أشد مواطأة أي موافقة لقلة السمع يعني أن القرآن في الليل يتواطأ فيه قلب المصلي ولسانه وسمعه على التفهم ومن قرأ بالنصب يعني أبلغ في القيام وأبين في القول ويقال أغلظ على اللسان ٧قوله تعالى { إن لك في النهار سبحا طويلا } يعني فراغا طويلا تقضي حوائجك فيه ففرغ نفسك لصلاة الليل وقال القتبي { سبحا } أي تصرفا إقبالا وإدبارا بحوائجك وأشغالك ٨قوله عز وجل { واذكر اسم ربك } يعني اذكر توحيد ربك ويقال فاذكر ربك ويقال صل لربك { وتبتل إليه تبتيلا } يعني أخلص إليه إخلاصا في دعائك بعبادتك وهو قول مجاهد وقتادة ويقال { وتبتل إليه تبتيلا } يعني انقطع إليه وأصل التبتل القطع ولهذا قيل لمريم العذراء البتول لأنها انقطعت إلى اللّه تعالى في العبادة ٩ثم قال عز وجل { رب المشرق والمغرب } قرأ حمزة وابن عامر والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر { رب المشرق } بالكسر والباقون { رب } بالضم فمن قرأ بالكسر اتباعا لقوله { واذكر اسم ربك } { رب المشرق والمغرب } ومن قرأ بالضم فهو على الابتداء ويقال معناه هو رب المشرق والمغرب ثم قال { لا إله إلا هو } وقد ذكرناه { فاتخذه وكيلا } يعني وليا وحافظا وناصرا وكفيلا ١٠ثم قال عز وجل { واصبر على ما يقولون } يعني على ما يقولون من التكذيب والأذى { واهجرهم هجرا جميلا } يعني اعتزلهم اعتزالا حسنا بلا جزع ولا فحش ١١قال اللّه تعالى { وذرني والمكذبين } هذا كلام على ما جرت به عادات الناس لأن اللّه تعالى لا يحول بينه وبين إرادته أحد ولكن معناه فوض أمورهم إلي يعني أمور المكذبين { أولي النعمة } يعني ذا المال والغنى { ومهلهم قليلا } يعني أجلهم يسيرا لأن الدنيا كلها قليلة يعني إلى قوم القيامة ثم بين ما لهم من العقوبة يوم القيامة ١٢فقال عز وجل { إن لدينا } يعني إن عندنا { أنكالا } يعني قيودا في الآخرة ويقال عقوبة من ألوان العذاب { وجحيما } ما عظم من النار ١٣{ وطعاما ذا غصة وعذابا أليما } يعني ذا شوك يستمسك في الحلق لا يدخل ولا يخرج فيبقى في الحلق ومع ذلك لهم عذاب أليم ١٤ثم قال اللّه تعالى { يوم ترجف الأرض والجبال } يعني تتحرك وتتزلزل صار اليوم منصوبا لنزع الخافض يعني هذه العقوبة في يوم ترجف { الأرض والجبال } { وكانت } يعني وصارت { الجبال كثيبا مهيلا } يعني صارت الجبال رملا سائلا وهو كقوله { فكانت هباء منثورا } ١٥ثم قال عز وجل { إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم } يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم يشهد عليكم بتبليغ الرسالة { كما أرسلنا إلى فرعون رسولا } يعني موسى بن عمران ١٦{ فعصى فرعون الرسول } يعني كذبه ولم يقبل قوله { فأخذناه أخذا وبيلا } يعني عاقبناه عقوبة شديدة وهو الغرق فهذا تهديد لهم يعني إنكم إن كذبتموه فهو قادر على عقوبتكم ١٧قوله عز وجل { فكيف تتقون إن كفرتم } يعني تنجون { يوما } في الآخرة إن كفرتم في الدنيا ويقال فيه تقديم ومعناه إن كفرتم في الدنيا كيف تحذرون { يوما } وتنجون { يوما يجعل الولدان شيبا } وهذا على وجه المثل لأن يوم القيامة لا يكون فيه ولدان { يجعل الولدان شيبا } يعني يوم القيامة يشيب الولدان يعني من هيبته يشيب الصبيان ولكن معناه أن هيبة ذلك اليوم بحال لو كان هناك صبي يشيب رأسه من الهيبة ويقال هذا وقت الفزع قبل أن ينفخ في الصور نفخة الصعق ١٨ثم قال عز وجل { السماء منفطر به } يعني انشقت السماء من هيبة الرحمن { كان وعده مفعولا } يعني كائنا في البعث ثم قال { إن هذه تذكرة } يعني هذه السورة موعظة { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } يعني من أراد أن يؤمن ويتخذ بذلك التوحيد إلى ربه مرجعا فليفعل وقال أهل اللغة في قوله { السماء منفطر به } ولم يقل السماء منفطرة به فالتذكير على وجهين أحدهما أنه انصرف إلى المعنى ومعنى السماء السقف كقوله { وجعلنا السماء سقفا محفوظا } [ الأنبياء ٣٢ ] والثاني أن معناه السماء ذات الانفطار كما يقال امرأة مرضع أي ذات رضاع على وجه النسب ويقال قوله { السماء منفطر به } يعني فيه شيء في يوم القيامة ويقال يعني باللّه تعالى أي من هيبته ١٩قوله تعالى { إن هذه تذكرة } يعني إن هذه الآيات التي ذكر موعظة بليغة { فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا } يعني من شاء أن يرغب فليرغب فقد أمكن له لأنه أظهر له الحجج والدلائل ٢٠ثم قال عز وجل { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى } يعني أقل { من ثلثي الليل ونصفه وثلثه } قرأ حمزة والكسائي وإبن كثير وعاصم { ونصفه وثلثه } كلاهما بالنصب والباقون بالكسر فمن قرأ بالنصب فهو على تفسير الأدنى لأنه لما قال { أدنى من ثلثي الليل } وكان { نصفه وثلثه } تفسير لذلك الأدنى ومن قرأ بالكسر فمعناه أدنى من نصفه وثلثه وقال الحسن لما نزل قوله { قم الليل إلا قليلا } فكان قيام الليل فريضة فقام بها المؤمنون حولا فأجهدهم ذلك وما كلهم قام بها فأنزل اللّه تعالى رخصة { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى } إلى قوله { علم أن لن تحصوه } فصار تطوعا ولا بد من قيام الليل فذلك قوله { إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه } { وطائفة من الذين معك } يعني وجماعة من المؤمنين معك تقومون نصف الليل وثلثه { واللّه يقدر الليل والنهار } يعني يعلم ساعات الليل والنهار { علم أن لن تحصوه } يعني أن لن تطيعوه ولم تقدروا أن تحفظوا ما فرض اللّه عليكم على الدوام ويقال معناه لن تطيقوا حفظ ساعات الليل { فتاب عليكم } يعني تجاوز عنكم ورفع عنكم وجوب القيام { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } في صلاة الليل ويقال { فاقرؤوا ما تيسر من القرآن } في جميع الصلوات { علم أن سيكون منكم مرضى } يعني علم اللّه تعالى أن منكم مرضى لا يقدرون على قيام الليل { وآخرون يضربون في الأرض } يعني يسافرون في الأرض { يبتغون من فضل اللّه } يعني في طلب المعيشة يطلبون الرزق من اللّه تعالى { وآخرون يقاتلون في سبيل اللّه } يعني يجاهدون في طاعة اللّه وفي الآية دليل أن الكسب الحلال بمنزلة الجهاد لأنه جمعه مع الجهاد في سبيل اللّه وروى إبراهيم عن علقمة قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( ما من جالب يجلب طعاما من بلد إلى بلد فيبيعه بسعر يومه إلا كانت منزلته عند اللّه تعالى منزلة الشهيد ) ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم { وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل اللّه وآخرون يقاتلون في سبيل اللّه } ثم قال { فاقرأوا ما تيسر منه } يعني من القرآن { وأقيموا الصلاة } يعني الصلوات الخمس { وآتوا الزكاة } يعني الزكاة المفروضة { وأقرضوا اللّه قرضا حسنا } يعني تصدقوا من أموالكم بنية خالصة من المال الحلال { وما تقدموا لأنفسكم من خير } يعني ما تعملون من عمل من الأعمال الصالحة بنية خالصة { تجدوه عند اللّه } يعني تجدون ثوابه عند اللّه في الآخرة { هو خيرا وأعظم أجرا } يعني الصدقة خير من الإمساك وأعظم ثوابا من معاملتكم وتجارتكم في الدنيا وروي عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه اتخذ له حيسا يعني تمرا بلبن فجاءه مسكين فأخذه ودفعه إليه فقال بعضهم ما يدري هذا المسكين ما هذا فقال عمر لكن رب المسكين يدري ما هو فكأنه تأول قوله تعالى { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدون عند اللّه } هو خيرا وأعظم أجرا ثم قال عز وجل { واستغفروا اللّه } يعني اطلبوا المغفرة لذنوبكم بالرجوع إلى اللّه تعالى { إن اللّه غفور } لمن تاب { رحيم } بعد التوبة واللّه أعلم |
﴿ ٠ ﴾