سورة المرسلات

مكية وهي خمسون آية

١

قول اللّه تبارك وتعالى { والمرسلات عرفا } قال الكلبي ومقاتل يعني الملائكة أرسلوا بالمعروف

ويقال كثرتها لها عرف كعرف الفرس

وقال أهل اللغة ويحتمل وجهين أحدهما أنها متتابعة بعضها في إثر بعض وهو مشتق من عرف الفرس

ووجه آخر أنه يرسل بالعرف أي بالمعروف

وروى سفيان عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن أبي عبيدة الساعدي قال سألت عبد اللّه بن مسعود عن قوله { والمرسلات عرفا } قال الريح { فالعاصفات عصفا } قال الريح { والناشرات نشرا } قال الريح { فالفارقات فرقا } قال حسبك معناه { والمرسلات عرفا } يعني أرسل الرياح متتابعة كعرف الفرس

٢

 { فالعاصفات عصفا } يعني الريح الشديدة التي تذر التراب بالبراري وتسمى ريح عاصف { والناشرات نشرا } يعني الريح التي تنشر السحاب

٣

ويقال { الناشرات نشرا } يعني البعث يوم القيامة ويقال الملائكة الذي ينشرون الكتاب

٤

فالفارقات فرقا " يعني القرآن فرق بين الحق والباطل

ويقال هو القبر فرق بين الدنيا والآخرة

ويقال آيات الكتاب الذي فيه بيان عقوبة الكفار

٥

فالملقيات ذكرا " يعني فالمنزلات وحيا وهم الملائكة " عذرا أو نذرا " يعني أنزل الوحي " عذرا " من اللّه  تعالى من الظلم " أو نذرا " لخلقه من عذابه

قرأ حمزة والكسائي وأبو عمرو وعاصم في رواية حفص

٦

 { عذرا } بضم العين وجزم الذال { أو نذرا } بضم النون وجزم الذال والباقون بضم الحرفين في كليهما والنذر جمع نذير بمعنى الإنذار

ومن قرأ بالجزم فمعناه كذلك وهو للتخفيف وإنما نصب { عذرا أو نذرا } لأنهما مفعولا لهما فمعناه { فالملقيات ذكرا } للإعذار والإنذار

٧

ثم قال عز وجل { إنما توعدون لواقع } وهو جواب قسم

أقسم اللّه تعالى بهذه الأشياء { إن ما توعدون } من أمر الساعة والبعث { لواقع } يعني لكائن ولنازل

٨

ثم قال عز وجل { فإذا النجوم طمست } يعني الموعد الذي توعدون في اليوم الذي فيه طمست النجوم يعني ذهب ضوؤها

٩

{ وإذا السماء فرجت } يعني انشقت من خوف الرحمن

١٠

 { وإذا الجبال نسفت } يعني قلعت من أصولها حتى سويت بالأرض

١١

 { وإذا الرسل أقتت } يعني جمعت وروى منصور عن إبراهيم قال { وإذا الرسل أقتت } قال وعدت

وقال مجاهد أي أجلت

قرأ أبو عمرو { وقتت } بغير همز { أقتت } بالهمز لأن الواو ضمت إلى الهمزة فجاز أن يبدل منها همزة

والعرب تقول صلى القوم إحدانا ووحدانا ومعناهما واحد يعني يجعل لها وقتا واحدا

وقيل جمعت لوقتها

١٢

ثم قال عز وجل { لأي يوم أجلت } على وجه التعظيم يعني لأي يوم أجلت الرسل ليشهدوا على قومهم

١٣

ثم بين فقال عز وجل { ليوم الفصل } يعني أجلها ليوم الفصل وهو يوم القضاء ويقال يوم الفصل يعني يوم يفصل بين الحبيب والحبيبة وبين الرجل وأمه وأبيه وأخيه

١٤

{ وما أدراك ما يوم الفصل } يعني ما تدري أي يوم القضاء تعظيما لذلك اليوم

١٥

 { ويل يومئذ للمكذبين } يعني الشدة من العذاب في ذلك اليوم للذين أنكروا وحدانية اللّه وجحدوا بيوم القيامة

١٦

ثم قال عز وجل { ألم نهلك الأولين } يعني ألم يهلك اللّه تعالى من كان قبلهم بتكذيبهم لأنبيائهم

١٧

 { ثم نتبعهم الآخرين } يعني نهلك الآخرين يعني إن كذبوا رسلهم

١٨

 { كذلك نفعل بالمجرمين } يعني هكذا يفعل اللّه تعالى بالكفار

١٩

 { ويل يومئذ للمكذبين } يعني الذين كذبوا رسلهم

٢٠

ثم قال { ألم نخلقكم من ماء مهين } يعني من نطفة وهو ماء ضعيف

٢١

 { فجعلناه في قرار مكين } يعني في رحم الأم

٢٢

إلى قدر معلوم " يعني إلى وقت معروف وهو وقت الخروج من البطن

٢٣

فقدرنا " يعني فخلقنا " فنعم القادرون " يعني نعم الخالق وهو أحسن الخالقين

قرأ نافع والكسائي { فقدرنا } بتشديد الدال والباقون بالتخفيف ومعناهما واحد يقال قدرت كذا

وكذا وقدرت يعني خلقه في بطن الأم نطفة ثم علقة ثم مضغة

يعني قدرنا خلقه قصيرا وطويلا

{ فنعم القادرون } يعني فنعم ما قدر اللّه تعالى خلقهم

ثم أخبرهم بصنعه ليعتبروا فيؤمنوا بالبعث وعرفوا الخلق الأول فقال

٢٤

 { ويل يومئذ للمكذبين } يعني الشدة من العذاب لمن رأى الخلق الأول فأنكر الخلق الثاني

ويقال { فنعم القادرون } يعني نعم المقدرون

ويقال نعم المالكون

٢٥

ثم قال عز وجل { ألم نجعل الأرض كفاتا } يعني أوعية للخلق

ويقال موضع القرار ويقال بيوتا ومنزلا

٢٦

 { أحياء وأمواتا } يعني ظهرها منازل الأحياء وبطنها منازل الأموات

وقال الأخفش يعني أوعية للأحياء والأموات

وقال الشعبي بطنها لأمواتكم وظهرها لأحياءكم

ويقال يعني ويضمكم فيها والكفت الضم

٢٧

 { وجعلنا فيها رواسي } يعني الجبال الثقال { شامخات } يعني عاليات طوالا { وأسقيناكم ماء فراتا } يعني ماء عذبا من السماء ومن الأرض

٢٨

ثم قال تعالى { ويل يومئذ للمكذبين } يعني ويل لمن عاين هذه الأشياء وأنكر وحدانية اللّه تعالى والبعث

٢٩

انظر تفسير الآية  ٠ ٣

 انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون " يعني يوم الفصل يقال لهؤلاء الذين أنكروا البعث " انطلقوا إلى ما كنتم تكذبون " يعني انطلقوا إلى العذاب

٣٠

انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللّه ب " وذلك أنه يخرج عنق من النار فيحيط الكفار مثل السرادق ثم يخرج من دخان جهنم ظل أسود فيتفرق فيهم ثلاث فرق رؤوسهم فإذا فرغ من عرضهم قيل لهم " انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل " ينفعهم " ولا يغني من اللّه ب " يعني السرادق من لهب النار

وقال القتبي وذلك أن الشمس تدنو من رؤوسهم يعني رؤوس الخلق أجمع وليس عليهم يومئذ لباس ولا لهم أكنان فتلفهم الشمس يعني تسودهم وتأخذ بأنفاسهم ثم ينجي اللّه برحمته من يشاء إلى ظل من ظله

ثم قال للمكذبين { انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون } من عذاب اللّه وعقابه { انطلقوا إلى ظل } أي دخان من نار جهنم قد سطع ثم افترق ثلاث فرق فيكونون فيه إلى أن يفرغ من الحساب كما يكون أوليائه في ظله

ثم يؤمر بكل فريق إلى مستقره من الجنة أو النار

٣١

وصف الظل فقال { لا ظليل } يعني لا يظلكم من حر هذا اليوم بل يزيدكم من لهب النار إلى ما هو أشد عليكم من حر الشمس { ولا يغني من اللّه ب } وهذا مثل قوله { وظل من يحموم } [ الواقعة ٤٣ ] وهو الدخان وهو سرادق أهل النار كما ذكر المفسرون

٣٢

ثم قال عز وجل { إنها ترمي بشرر كالقصر } يعني النار ترمي بشرر القصر قال الكلبي يعني يشبه القصر وهو القصور الأعاريب التي على الماء واحدهما عربة وهي الأرحية التي تكون على الماء تطحن الحنطة

وقال مقاتل القصور أصول الشجر العظام

وقال مقاتل { إنها ترمي بشرر كالقصر } أراد القصور من قصور أحياء العرب

وقرأ بعضهم { كالقصر } بنصب الصاد شبه بأعناق النخل ثم شبه في لونه بالجمالات الصفر

٣٣

فقال { كأنه جمالت صفر } وهي السود

والعرب تسمي السود من الإبل الصفر لأنه تشوبه صفرة كما قال الأعشى

( تلك خيلي وتلك منها ركابي  هن صفر أولادها كالزبيب )

يعني هن سود قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { جمالة صفر } وهي جمع جمل يقال جمل وجمال وجمالة وقرأ الباقون { جمالات } وهو جمع الجمع

وقال ابن عباس الجمالات الصفر حبال السفينة يجمع بعضها إلى بعض حتى يكون مثل أوساط الرجال

٣٤

 { ويل يومئذ للمكذبين } يعني ويل لمن جحد هذا اليوم بعدما سمعه

٣٥

ثم قال عز وجل { هذا يوم لا ينطقون } يعني لا يتكلمون وهذا في بعض أحوال يوم القيامة ومواضعها

٣٦

{ ولا يؤذن لهم فيعتذرون } يعني لا يؤذن لهم في الكلام يعني الكفار ليعتذروا

٣٧

 { ويل يومئذ للمكذبين } يعني ويل لمن جحد يوم القيامة وهو يقدر على الكلام في هذا اليوم يعني كان في الدنيا يقدر على المعذرة فتركها

٣٨

ثم قال { هذا يوم الفصل } يعني يوم القضاء ويقال يوم يفصل بين أهل الجنة أهل النار { جمعناكم والأولين } يعني جمعناكم يا أمة محمد صلى اللّه عليه وسلم مع من مضى قبلكم

٣٩

 { فإن كان لكم كيد فكيدون } يعني إن كان لكم حيلة فاحتالوا لأنفسكم

٤٠

{ ويل يومئذ للمكذبين } يعني ويل لمن أنكر قدرة اللّه والبعث والجمع يوم القيامة

٤١

ثم قال تعالى { إن المتقين } يعني إن الذين يتقون الشرك والفواحش { في ظلال } قال

الكلبي يعني في ظلال الأشجار

وقال مقاتل يعني في الجنان والقصور يعني في قصور الجنة { وعيون } يعني أي وأنهار جارية

٤٢

{ وفواكه } يعني وألوان الفواكه { مما يشتهون } يعني يتمنون ويقال لهم

٤٣

{ كلوا } يعني من الطعام { واشربوا } من الشراب { هنيئا } يعني سائغا مريئا لا يؤذيهم { بما كنتم تعملون } يعني ثوابا لكم بما عملتم في الدنيا

٤٤

{ إنا كذلك نجزي المحسنين } يعني هكذا يثيب اللّه الموحدين المؤمنين المحسنين في أعمالهم وأفعالهم

٤٥

 { ويل يومئذ للمكذبين } يعني ويل لمن أنكر هذا الثواب

٤٦

ثم قال للمجرمين { كلوا وتمتعوا قليلا } يعني كلوا في الدنيا كما تأكل البهائم وعيشوا مدة قليلة إلى منتهى آجالكم { إنكم مجرمون } يعني مشركين وهذا وعيد وتهديد

٤٧

 { ويل يومئذ للمكذبين } يعني لمن رضي بالدنيا ولا يقر بالبعث

٤٨

ثم قال عز وجل { وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون } يعني اخضعوا للّه تعالى بالتوحيد لا يخضعون ويقال وإذا قيل لهم صلوا وأقروا بالصلاة { لا يركعون } يعني لا يقرون بها ولا يصلون

٤٩

 { ويل يومئذ للمكذبين } يعني ويل طويل لمن لا يقر بالصلاة ولم يؤدها وقال مقاتل نزلت في ثقيف قالوا لا ننحني في الصلاة لأنه مذلة علينا

٥٠

 { فبأي حديث بعده يؤمنون } يعني إن لم يصدقوا به فبأي كلام يصدقون يعني لا حديث أصدق منه ولا دعوة أبلغ من دعوى النبي صلى اللّه عليه وسلم واللّه أعلم بالصواب و صلى اللّه عليه وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

﴿ ٠