سورة النبأمكية وهي أربعون آية ١قول اللّه تبارك وتعالى { عم يتساءلون } وذلك أن النبي صلى اللّه عليه وسلم لما بعث جعلوا يتساءلون فيما بينهما ويقولون ما الذي جاء به هذا الرجل فنزل { عم يتساءلون } يعني عماذا يتساءلون ٢{ عن النبأ العظيم } يعني الخبر العظيم وهو القرآن كقوله { أنتم عنه معرضون } [ ص ٦٨ ] ويقال معناه عن ماذا يتحدثون وعن أي شيء يتحدثون ثم قال { عن النبأ العظيم } يعني خبرا عظيما وقال الزجاج أصله عن ما فأدغمت النون في الميم والمعنى عن أي شيء يتساءلون ثم بين فقال { عن النبأ العظيم } يعني عن أمر النبي صلى اللّه عليه وسلم وقيل عن القرآن وقيل { عن النبأ العظيم } يعني عن البعث والدليل عليه قوله تعالى { إن يوم الفصل كان ميقاتا } [ النبأ ١٧ ] ثم بين لهم الأمر الذي كانوا يتساءلون وهو البعث ٣ثم قال عز وجل { الذي هم فيه مختلفون } يعني مصدقا ومكذبا بالبعث بعضهم مصدق وبعضهم مكذب ويقال بالقرآن ويقال بمحمد صلى اللّه عليه وسلم ٤ثم قال تعالى { كلا سيعلمون } يعني سيعرفون ٥{ ثم كلا سيعلمون } يعني سيعرفون ذلك الوعيد على أثر الوعيد يعني سيعلمون عند الموت وفي الآخرة ويتبين لهم بالمعاينة قرأ ابن عامر { ستعلمون } بالتاء على وجه المخاطبة وقرأ الباقون بالياء على معنى الخبر عنهم ٦ثم ذكر صنعه ليستدلوا بصنعه على توحيده فقال تعالى { ألم نجعل الأرض مهادا } يعني فراشا ومناما ويقال موضع القرار ويقال معناه ذللنا لهم الأرض ليسكنوها ويسيروا فيها ٧وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا
٨ثم قال { وخلقناكم أزواجا } يعني أصنافا وأضدادا ذكرا وأنثى ويقال ألوانا بيضا وسودا وحمرا ٩{ وجعلنا نومكم سباتا } يعني راحة لأبدانكم وأصله التمدد فلذلك سمي السبت لأنه قيل لبني إسرائيل استريحوا فيه ويقال { سباتا } يعني سكونا وانقطاعا عن الحركات ١٠ثم قال { وجعلنا الليل لباسا } يعني سكنا يسكنون فيه ويقال سترا يستر كل شيء ١١{ وجعلنا النهار معاشا } يعني مطلبا للمعيشة ١٢{ وبنينا فوقكم سبعا شدادا } يعني خلقنا فوقكم سبع سموات غلاظا غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام ١٣{ وجعلنا سراجا وهاجا } يعني وقادا مضيئة ١٤{ وأنزلنا من المعصرات } يعني من السحاب سمي معصرات لأنها تعصر الماء ويقال المعصرات هي الرياح يعني ذوات الأعاصير كقوله { إعصارا فيه نار } { ماء ثجاجا } يعني سيالا ويقال منصبا كبيرا ١٥{ لنخرج به حبا ونباتا } يعني بالماء حبوبا كثيرة للناس ونباتا للدواب من العشب والكلأ ١٦{ وجنات ألفافا } يعني شجرها ملتفا بعضها في بعض ١٧فأعلم اللّه تعالى قدرته أنه قادر على البعث ثم بين أن البعث حق عليهم فقال { إن يوم الفصل كان ميقاتا } يعني يوم القيامة ميقات وميعاد للأولين والآخرين ١٨{ يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا } يعني جماعة جماعة
١٩ثم قال عز وجل { وفتحت السماء } يعني أبواب السماء { فكانت أبوابا } يعني فصارت طرقا قرأ حمزة والكسائي وعاصم { وفتحت السماء } بالتخفيف والباقون بالتشديد وهو لتكثير الفعل والتخفيف بفتح مرة واحدة ٢٠ثم قال عز وجل { وسيرت الجبال } يعني قلعت من أماكنها { فكانت سرابا } يعني فصارت كالسراب تسير في الهواء كالسراب في الدنيا ٢١{ إن جهنم كانت مرصادا } أي رصدا لكل كافر ويقال سجنا ومحبسا ٢٢{ للطاغين مآبا } أي للكافرين مرجعا يرجعون إليها ٢٣{ لابثين فيها أحقابا } يعني ماكثين فيها أبدا دائما والأحقاب وأحدها حقب والحقب ثمانون سنة وكل سنة اثنا عشر شهرا وكل شهر ثلاثون يوما وكل يوم منها مقدار ألف سنة مما تعدون بأهل الدنيا فهذا حقب واحد والأحقاب هو التأبيد كلما مضى حقب دخل حق وإنما ذكر أحقابا لأن ذلك كان أبعد شيء عندهم فذكر وتكلم بما تذهب إليه أوهامهم ويعرفونه وهو كناية عن التأبيد أي يمكثون فيها أبدا قرأ حمزة { لبثين } بغير ألف والباقون { لابثين } بالألف ومعناهما واحد ٢٤ثم قال عز وجل { لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا } يعني لا يكون فيها برد يمنعهم من حرها وقال القتبي البرد النوم وقال الزجاج يجوز أن يكون البرد نوما ويجوز أن يكون معناه لا يذوقون فيها برد ريح ولا ظل { ولا شرابا } ينفعهم ٢٥{ إلا حميما } يعني ماء حارا قد انتهى حره { وغساقا } يعني زمهريرا وقال الزجاج الغساق ما يغسق من جلودهم أي ما يسيل وقد قيل الشديد البرد قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص { وغساقا } بالتشديد والباقون بالتخفيف ومعناهما واحد ٢٦ثم قال { جزاء وفاقا } يعني العقوبة موافقة لأعمالهم لأن أعظم الذنوب الشرك وأعظم العذاب النار ووافق الجزاء العمل ٢٧
ويقال كانوا لا يرجون ثواب الآخرة أنهم كانوا ينكرون البعث ٢٨قوله تعالى { وكذبوا بآيتنا كذابا } يعني جحدوا بمحمد صلى اللّه عليه وسلم وبالقرآن { كذابا } يعني تكذيبا وجحودا ٢٩وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا
٣٠{ فذوقوا } يعني يقال لهم فذوقوا العذاب { فلن نزيدكم إلا عذابا } ٣١ثم بين حال المؤمنين فقال عز وجل { إن للمتقين مفازا } يعني نجاة من النار إلى الجنة ويقال المفاز بمعنى الفوز ٣٢يعني موضع النجاة { حدائق وأعنابا } يعني لهم حدائق في الجنة والحدائق ما أحيط بالجدار وفيه من النخيل والثمار { وأعنابا } يعني كروما ٣٣{ وكواعب أترابا } والكواعب الجواري مفلكات الثديين { أترابا } مستويات في الميلاد والسن وقال أهل اللغة الكواعب النساء قد كعب ثديهن ٣٤{ وكأسا دهاقا } كل إناء فيه شراب فهو كأس فإذا لم يكن فيه شراب فليس بكأس كما يقال للمائدة إذا كان عليها طعام مائدة وإذا لم يكن فيها طعام خوان يقال { دهاقا } يعني سائغا وقال الكلبي { وكأسا دهاقا } يعني إناء فيه خمر ملآن متتابعا وهذا قول عطية وسعيد والعباس بن عبد المطلب ومجاهد وإبراهيم النخعي ٣٥ثم قال { لا يسمعون فيها لغوا } يعني حلفا وباطلا ويقال { لوا يسمعون } في مشربها فحشا خبثا { ولا كذابا } يعني تكذيبا في شربها يعني لا يكذبون فيها قرأ الكسائي { كذابا } بالتخفيف يعني لا يكذب بعضهم بعضا وقرأ الباقون بالتشديد وهو من التكذيب ٣٦ثم قال { جزاء من ربك } يعني ثوابا من ربك { عطاء حسابا } يعني كثيرا وقال مجاهد عطاء من اللّه حسابا بما عملوا وقال أهل اللغة { حسابا } أي كثيرا كما يقال أعطينا فلانا عطاء حسابا أي كثيرا وقال قتادة { جزاء من ربك } جزاؤهم بالعمل اليسير الخير الجسيم حسابا أي كثيرا وأصله أن يعطيه حتى يقول حسبي وقال الزجاج { حسابا } أي ما يكفيهم يعني فيه ما يشتهون ٣٧ثم قال عز وجل { رب السموات والأرض } يعني خالق السموات والأرض قرأ إبن كثير ونافع وأبو عمرو { رب السموات والأرض } بضم الباء والباقون بالكسر فمن قرأ بالضم فمعناه هو رب السموات والأرض ومن قرأ بالكسر فهو على معنى الصفة أي جزاء من ربك رب السموات والأرض { وما بينهما الرحمن } يعني الرحمن هو رب السموات والأرض { لا يملكون منه خطابا } يعني لا يملكون الكلام بالشفاعة إلا بإذنه ٣٨قوله عز وجل { يوم يقوم الروح } قال الضحاك هو جبريل وقال قتادة عن ابن عباس قال هو خلق على صورة بني آدم ويقال هو خلق واحد يقوم صفا واحدا { والملائكة صفا } يعني صفوفا ويقال الروح لا يعلمه إلا اللّه كما قال { قل الروح من أمر ربي } [ الإسراء ٨٥ ] { لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن } يعني لا يتكلمون بالشفاعة { إلا من أذن له الرحمن } بالشفاعة { وقال صوابا } يعني لا إله إلا اللّه يعني من كان معه التوحيد فهو من أهل الشفاعة ٣٩ثم قال عز وجل { ذلك اليوم الحق } يعني القيامة كائنة { فمن شاء اتخذ } يعني من شاء وحد واتخذ بذلك التوحيد { إلى ربه مآبا } يعني مرجعا ويقال من شاء اتخذ بالطاعة إلى ربه مرجعا ٤٠ثم خوفهم فقال { إنا أنذرناكم عذابا قريبا } يعني خوفناكم بعذاب قريب وهو يوم القيامة ثم خوف المؤمنين ووصف ذلك اليوم فقال { يوم ينظر المرء ما قدمت يداه } يعني عملت وأسلفت من الخير والشر يعني ينظر المؤمن إلى عمله وينظر الكافر إلى عمله { ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا } يعني لو كنت نهما منها فأكون ترابا أستوي بالأرض وذلك أن اللّه تعالى يقول للسباع والبهائم كوني ترابا فعند ذلك يتمنى الكافر فيقول { يا ليتني كنت ترابا } وروى عبد اللّه بن عمرو وأبو هريرة أن اللّه يحشر البهائم والدواب والناس ثم يقتص بعضهم من بعض حتى يقتص للشاة الجماء من الشاة القرناء ثم إن اللّه تعالى يقول لها كوني ترابا فيراها الكافر ويتمنى أن يكون مثلها ترابا ويقول { يا ليتني كنت ترابا } يعني يا ليتني لم أبعث كقوله { يا ليتني لم أوت كتابيه } [ الحاقة ٢٥ ] إلى قوله { يا ليتها كانت القاضية } [ الحاقة ٢٧ ] واللّه أعلم و صلى اللّه عليه وسلم على سيدنا محمد وآله وسلم |
﴿ ٠ ﴾