سورة عبس

مدنية وهي أربعون وآيتان

١

قوله تبارك وتعالى { عبس وتولى } يعني كلح وأعرض بوجهه يعني النبي صلى اللّه عليه وسلم

وروى هشام بن عروة عن أبيه قال كان النبي صلى اللّه عليه وسلم جالسا ومعه عتبة بن ربيعة في ناس من وجوه قريش وهو يحدثهم بحديث فجاء ابن أم مكتوم على تلك الحال فسأله عن بعض ما ينتفع به فكره النبي صلى اللّه عليه وسلم أن يقطع كلامه وقال في رواية مقاتل كان اسم ابن أم مكتوم عمرو بن قيس

وقال في رواية الكلبي كان اسمه عبد اللّه بن شريح

فقال يا رسول اللّه علمني مما علمك اللّه تعالى

فأعرض عنه شغلا بأولئك القوم حرصا على إسلامهم فنزل { عبس وتولى } قال وهو بلفظ المغايبة تعليما للنبي صلى اللّه عليه وسلم ومعناه { عبس } محمد صلى اللّه عليه وسلم وجهه { وتولى } يعني فأعرض

٢

 { أن جاءه الأعمى } يعني إن جاءه الأعمى

ويقال حين جاءه الأعمى وهو ابن أم مكتوم

٣

ثم قال { وما يدريك لعله يزكى } يعني وما يدريك يا محمد لعله يصلي أو يفلح فيعمل خيرا أو يتعظ بالقرآن

ويقال يعني يزداد خيرا

٤

أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى

 أو يذكر " يعني يتعظ بالقرآن " فتنفعه الذكرى " يعني العظة

٥

ثم قال { أما من استغنى } يعني استغنى بنفسه عن ثواب اللّه

ويقال استغنى بماله ونفسه عن دينك وعظتك

٦

 { فأنت له تصدى } يعني تقبل بوجهك عليه

ويقال { تصدى } أي تعرض

يقال فلان تصدى لفلان إذا تعرض له ليراه

قرأ عاصم { أو يذكر فتنفعه الذكرى } بنصب العين جعله جوابا ل { لعله } يعني { يتذكر فتنفعه } الفطة

وقرأ الباقون بالضم جعلوه جوابا للفعل

قرأ نافع وإبن كثير { تصدى } بتشديد الصاد لأن الأصل تتصدى فأدغمت وشددت

وقرأ الباقون بحذف التاء للتخفيف فهذا كقوله { فقل هل لك إلى أن تزكى } [ النازعات ١٨ ]

٧

ثم قال { وما عليك إلا يزكى } يعني ليس شيء عليك إن لم يوحد عتبة وأصحابه

ويقال لا يضرك إن لم يؤمنوا ولم يصلحوا

٨

ثم قال عز وجل { وأما من جاءك يسعى } يعني يسرع إلى الخير ويعمل به وهو ابن أم مكتوم

٩

ويقال يعني يمشي برجليه { وهو يخشى } يعني يخشى ربه

١٠

 { فأنت عنه تلهى } يعني تشتغل وتتلاهى وتتغافل

وكان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يكرم ابن أم مكتوم بعد نزول هذه الآية

١١

ثم قال تعالى { كلا } يعني لا تفعل ولا تقبل على من استغنى عن اللّه تعالى بنفسه وتعرض عمن يخشى اللّه تعالى { إنها تذكرة } يعني هذه الموعظة تذكرة

ويقال هذه السورة تذكرة يعني موعظة { فمن شاء ذكره } يعني ذكر المواعظ وذكره يلفظ التذكير ولم يقل ذكرها لأنه ينصرف إلى المعنى لأن الموعظة إنما هي بالقرآن

١٢

يعني فمن شاء أن يتعظ بالقرآن فليتعظ

١٣

 { في صحف مكرمة } يعني أن هذا القرآن في صحف مكرمة

يعني مطهرة مبجلة معظمة وهو اللوح المحفوظ

١٤

 { مرفوعة } يعني مرتفعة { مطهرة } يعني منزهة عن التناقض والكذب والعيب

١٥

بأيدي سفرة " يعني الكتبة الذين يكتبون في اللوح المحفوظ

ثم أثنى على الكتبة

١٦

فقال { كرام بررة } يعني كراما على اللّه تعالى { بررة } أي مطيعين للّه تعالى

ويقال { بررة } من الذنوب

وقال القتبي السفرة الكتبة

وأحدهما سافر وإنما يقال للكاتب سافر لأنه يبين الشيء ويوضحه

ويقال أسفر الصبح إذا أضاء والبررة جمع بار مثل كفرة وكافر

١٧

ثم قال تعالى { قتل الإنسان ما أكفره } يعني لعن الكافر باللّه تعالى يعني عتبة وأصحابه ومن كان مثل حاله إلى يوم القيامة

{ ما أكفره } يعني ما الذي أكفره وهذا قول مقاتل

وقال الكلبي يعني أي شيء أكفره

ويقال نزلت في عتبة بن أبي لهب حيث قال إني كفرت بالنجم إذا هوى

ويقال { ما أكفره } يعني ما أشده في كفره

١٨

ثم قال { من أي شيء خلقه } يعني هل يعلم من أي شيء خلقه ويقال أفلا يعتبر من أي شيء خلقه ثم أعلمه ليعتبر في خلقه

١٩

 فقال { من نطفة خلقه فقدره } يعني خلقه في بطن أمه طورا بعد طور

٢٠

ثم السبيل يسره " يعني يسره للخروج من بطن أمه

ويقال يسره طريق الخير والشر

وقال مجاهد هو مثل قوله { إنا هديناه السبيل إما شاكرا وأما كفورا } [ الدهر ٣ ]

٢١

قوله { ثم أماته فأقبره } يعني جعل له قبرا يوارى فيه

ويقال أمر به ليعتبر ويقال { فأقبره } أي جعله ممن يقبر ولم يجعله ممن يلقى على وجه الأرض كالبهائم

٢٢

 { ثم إذا شاء أنشره } يعني يبعثه في القبر إذا جاء وقته

٢٣

ثم قال { كلا لما يقض ما أمره } يعني لم يؤد ما أمره من التوحيد و { ما } هنا صلة كقوله { فبما رحمة من اللّه } [ آل عمران ١٥٩ ]

وقال مجاهد { لما يقضي ما أمره } يعني لا يقضي أحدا أبدا كما افترض عليه

٢٤

ثم أمرهم بأن يعتبروا بخلقه فقال تعالى { فلينظر الإنسان إلى طعامه } يعني إلى رزقه ومن أي شيء يرزقه فليعتبر به { أنا صببنا الماء صبا } يعني المطر

قرأ أهل الكوفة

٢٥

{ أنا صببنا } بنصب الألف والباقون بالكسر

فمن قرأ بالنصب جعله بدلا عن الطعام يعني { فلينظر الإنسان إلى طعامه } أي { أنا صببنا الماء صبا } ومن قرأ بالكسر فهو على الاستئناف { أنا صببنا الماء صبا } يعني المطر على الأرض بعد المطر

٢٦

ثُمَّ شَقَقْنَا اْلأَرْضَ شَقًّا

ثم شققنا الأرض شقا " يعني شققناها بالنبات والشجر

٢٧

{ فأنبتا فيها حبا وعنبا } يعني في الأرض ومعناه أخرجنا من الأرض { حبا } يعني الحبوب كلها

٢٨

 { وعنبا } يعني الكروم { وقضبا } قال ابن عباس يعني الفصة وهي القت الرطب

وقال القتبي القضب القت سمي قضبا لأنه يقضب مرة بعد مرة أي يقطع

وكذلك القصيل لأنه يقصل أي يقطع

ويقال { وقضبا } يعني جميع ما يقضب مثل القت والكرات وسائر البقول التي تقطع فينبت من أصله

٢٩

{ وزيتونا } وهي شجرة الزيتون { ونخلا } يعني النخيل { وحدائق غلبا } قال عكرمة غلاظ الرقاب ألا ترى أن الرجل إذا كان غليظ الرقبة يقال له أغلب والحدائق واحدها حديقة { غلبا } أي نخلا غلاظا طوالا

٣٠

ويقال { حدائق غلبا } يعني حيطان النخيل والشجر

وقال الكلبي كل شيء أحيط عليه من نخيل أو شجر فهو حديقة وما لم يحط به فليس بحديقة

ويقال الشجر يعني ملتف بعضه ببعض

٣١

ثم قال عز وجل { وفاكهة وأبا } ويعني الثمر كلها وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( خلقتم من سبع ورزقتم من سبع فاسجدوا للّه على سبع ) وإنما أراد بقوله ( خلقتم من سبع ) يعني من نطفة ثم من علقه الآية ( والرزق من سبع ) وهو قوله { فأنبتنا فيها حبا وعنبا } إلى قوله { وفاكهة }

ثم قال { وأبا } يعني العنب وقال مجاهد ما يأكل الدواب والأنعام وقال الضحاك هو التين

٣٢

مَتَاعًا لَكُمْ وَ ِلاَنْعَامِكُمْ

متاعا لكم ولأنعامكم " يعني الحبوب والفواكه منفعة لكم والكلأ والعشب منفعة لأنعامكم

٣٣

ثم ذكر القيامة فقال { فإذا جاءت الصاخة } يعني الصيحة تصخ الأسماع أي تصمها فلا يسمع إلا ما يدعا به

ويقال { الصاخة } اسم من أسماء القيامة وكذلك { الطامة } و { القارعة } و { الحاقة }

٣٤

ثم وصف ذلك اليوم فقال { يوم يفر المرء من أخيه } وفراره أنه يعرض عنه منشغلا بنفسه وقال شهر بن حوشب { يوم يفر المرء من أخيه } يعني هو هابيل يفر من أخيه قابيل

٣٥

 { وأمه وأبيه } يعني محمدا صلى اللّه عليه وسلم من أمه وأبيه وإبراهيم من أبيه

٣٦

 { وصاحبته } يعني لوط من امرأته { وبنيه } يعني نوح من ابنه

ويقال هذا في بعض أحوال يوم القيامة أن كل واحد منهم يشتغل بنفسه يعني فلا ينظر المرء إلى أخيه ولا إلى ابنه ولا إلى أبيه

٣٧

ثم قال تعالى { لكل امرئ منهم شأن يغنيه } يعني لكل إنسان شغل يشغله عن هؤلاء

وروي في الخبر أن عائشة رضي اللّه عنها قالت يا رسول اللّه كيف يحشر الناس قال ( حفاة عراة ) فقالت وكيف يحشر النساء قال ( حفاة عراة ) قالت عائشة واسوأتاه النساء مع الرجال حفاة عراة فقرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية { لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه } يعني لكل واحد منهم عمل يشغله بنفسه عن غيره

٣٨

ثم قال تعالى { وجوه يومئذ مسفرة } يعني من الوجوه ما يكون في ذلك اليوم مشرقة مضيئة

٣٩

{ ضاحكة مستبشرة } يعني مفرحة بالثواب وهم المؤمنون المطيعون

٤٠

 { ووجوه يومئذ عليها غبرة } يعني من الوجوه ما يعلوها السواد كالدخان وأصل الغبرة يعني الغبار

٤١

تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ

 ترهقها قترة " يعني تلحقها قترة يعني يغشاها الكسوف والسواد

٤٢

{ أولئك هم الكفرة الفجرة } يعني أن أهل هذه الصفة هم الكفرة باللّه تعالى الكذبة على اللّه تعالى

ويقال { ترهقها قترة } يعني المذلة والكآبة و { الفجرة } يعني الظلمة

واللّه الموفق بمنه و صلى اللّه عليه وسلم على سيدنا محمد وآل

﴿ ٠