سورة التكوير

مكية وهي عشرون وتسع آيات

١

قول اللّه تبارك وتعالى { إذا الشمس كورت } قال أبو الليث رحمه اللّه حدثنا الحاكم أبو الفضل قال حدثنا محمد بن أحمد الكاتب المروزي حدثنا محمد بن حموية النيسابوري قال حدثنا إبراهيم بن موسى قال حدثنا هشام بن عبد اللّه ويحيى بن عبد الرحمن بن يزيد عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ( من أحب أن ينظر إلي يوم القيامة فليقرأ إذا الشمس كورت ) قال روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما في قوله { إذا الشمس كورت } قال إذا ذهب ضوؤها وكذلك قال الضحاك وعكرمة وقال مجاهد { إذا الشمس كورت } يعني إذا اضمحلت وذهب نورها ويقال تكور كما تكور العمامة يعني جمع ضوؤها ولف كما تلف العمامة

٢

ثم قال عز وجل { وإذ النجوم انكدرت } يعني تناثرت وتساقطت

٣

 { وإذا الجبال سيرت } يعني قلعت عن الأرض وسيرت في الهواء كقوله { ويوم نسير الجبال وترى الأرض بارزة } [ الكهف ٤٧ ] يعني خالية ليس عليها شيء من الماء والشجر وغيرها

٤

 ثم قال { وإذا العشار عطلت } يعني النوق الحوامل عطلها أربابها اشتغالا بأنفسهم وواحدها عشراء وهي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر وهي أحسن ما يكون في الحمل فلا يعطلها أهلها إلا في يوم القيامة

وهذا على وجه المثل لأن في يوم القيامة لا يكون ناقة عشراء ولكن أراد به المثل يعني إن هول يوم القيامة بحال لو كان عند الرجل ناقة عشراء لعطلها واشتغل بنفسه

٥

ثم قال { وإذا الوحوش حشرت } يعني جمعت

٦

 { وإذا البحار سجرت } يعني فجرت بعضها إلى بعض فصارت بحرا واحدا فملئت وكثر ماؤها كقوله { والبحر المسجور } [ الطور ٦ ] يعني الممتلئ ويقال { سجرت } أي أحميت بالكواكب إذا تساقطت فيها

وقال ابن عباس إذا كان يوم القيامة كور اللّه تعالى الشمس والقمر والنجوم في البحر ثم بعث عليها ريحا دبورا فتنفخها فتصير نارا وهو قوله { وإذا البحار سجرت } أي أحميت

وقال قتادة { سجرت } أي غار ماؤها وقال الزجاج وقد قيل إنه جعل مياهها نارا يعذب بها الكفار فهذه الأشياء الست التي ذكرها قبل النفخة الأخيرة والتي ذكرها بعدها تكون بعد النفخة الآخرة وهو

٧

 قوله { وإذا النفوس زوجت } قال الكلبي ومقاتل يعني نفوس المؤمنين قرنت بالحور العين ونفوس الكفار بالشياطين

وقال عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه { وإذا النفوس زوجت } قال الفاجر مع الفاجر والصالح مع الصالح

وقال أبو العالية الرياحي قرنت الأجساد بالأرواح وقال القتبي الزوج القرين كقوله { احشروا الذين ظلموا وأزواجهم } [ الصافات ٢٢ ] يعني قرناءهم

ويقال { وإذا النفوس زوجت } أي قرنت نفوس الكفار بعضها ببعض والعرب تقول زوجت إبلي إذا قرنت بعضها ببعض

ويقال { وإذا النفوس زوجت } يعني الأبرار مع الأبرار في زمرة والأشرار مع الأشرار في زمرة

٨

وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ

ثم قال " وإذا الموءودة سئلت

٩

 بأي ذنب قتلت "

كانت العرب إذا ولد لأحدهم ابنة دفنها حية فهي الموءودة فتسأل يوم القيامة بأي ذنب قتلك أبوك وإنما يكون السؤال على وجه التوبيخ لقاتلها يوم القيامة لأن جوابها قتلت بغير ذنب وهو مثل قوله تعالى { يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس } [ المائدة ١١٦ ] وإنما سؤاله وجوابه تبكيت على من ادعى هذا عليه

وقال عكرمة { الموؤودة } المدفونة كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت فجاء أوان ولادتها حفرت حفرة فإن ولدت جارية رمتها في الحفرة وإن ولدت غلاما حبسته

وقرئ في الشاذ { وإذا الموءودة سألت بأي ذنب قتلتماني } يعني المقتولة سألت لأبويها بأي ذنب قتلتماني ولا ذنب لي

١٠

قوله تعالى { وإذا الصحف نشرت } يعني تطايرت الصحف وهي الكتب التي فيها أعمال بني آدم

قرأ إبن كثير وأبو عمرو { سجرت } و { سعرت } مخففتين و { نشرت } مشددة

وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم { سجرت } و { سعرت } مشددتين و { نشرت } مخففة

وقرأ حمزة والكسائي { سجرت } و { نشرت } مخففتين و { سعرت } مشددة

فمن شددها فللتكثير ومن خففها فعلى غير التكثير

١١

ثم قال عز وجل { وإذا السماء كشطت } يعني نزعت من أماكنها كما يكشف الغطاء عن الشيء يعني كشفت عما فيها

١٢

ثم قال عز وجل { وإذا الجحيم سعرت } يعني وقدت للكافرين

١٣

 { وإذا الجنة أزلفت } يعني قربت للمتقين

فجواب هذه الأشياء

١٤

 قوله تعالى { علمت نفس ما أحضرت } يعني عند ذلك تعلم كل نفس ما عملت من خير أو شر وهذا كقوله { يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا } [ آل عمران ٣٠ ] الآية

١٥

قوله تعالى { فلا أقسم بالخنس } يعني الذي خنس بالنهار وظهر بالليل ويقال { الخنس } التي تخنس بالنهار وتظهر بالليل

١٦

 { الجوار } الجوار التي تجري و { الكنس } التي ترتفع وتغيب

وقال أهل التفسير { الخنس } يعني خمسة من الكواكب بهرام وزحل وزهرة والمشتري وعطارد التي تخنس بالنهار وتظهر بالليل { الجواري } لأنهن يجرين بالليل في السماء { الكنس } يعني تستتر كما تكنس الظباء في كناسة وقال أهل اللغة { الخنس } واحدها خانس كقوله راكع وركع

وقال بعضهم { الخنس } أرادها هنا الوحوش وظباء الوحوش { والجواري الكنس } التي تدخل الكنائس وهو غصن من أغصان الشجر ويكون معناه أقسم برب هذه الأشياء

وروى عكرمة عن ابن عباس قال { الخنس } المعز و { الكنس } الظباء

ألم ترها إذا كانت في الظل كيف تكنس بأعناقها ومدت ببصرها وروى الأعمش عن إبراهيم عن عبد اللّه بن مسعود قال { الجوار الكنس } هي بقر الوحش

وقال علي بن أبي طالب هي النجوم وقال القتبي هي النجوم الخمسة الكبار لأنها تخنس أي ترجع في مجراها وتكنس أي تستتر كما تكنس الظباء

١٧

ثم قال عز وجل { والليل إذا عسعس } يعني إذا أدبر

وقال الزجاج { عسعس } إذا أقبل

و { عسعس } إذا أدبر والمعنيان يرجع إلى شيء واحد وهذا ابتداء الظلام في أوله وانتهاؤه في آخره

وقال مجاهد { إذا عسعس } يعني إذا أظلم

١٨

{ والصبح إذا تنفس } يعني إذا استضاء وارتفع ويقال إذا ارتفع حتى يصير النهار بينا فأقسم بهذه الأشياء ويقال بخالق هذه الأشياء

١٩

{ إنه } يعني القرآن { لقول رسول كريم } على ربه يقرأ على النبي صلى اللّه عليه وسلم وهو جبريل عليه السلام

ثم أثنى على جبريل وبين فضله فقال { ذي قوة } يعني ذا شدة ويقال معناه أعطاه اللّه تعالى القوة ومن قوته أنه قلع مدائن قوم لوط بجناحه

٢٠

ثم قال عز وجل { عند ذي العرش مكين } يعني عند رب العرش له منزلة { مطاع } يعني يطيعه أهل السماوات { ثم أمين } فيما استودعه اللّه من الرسالات ويقال

٢١

{ مطاع } يعني طاعته على أهل السموات واجبة كطاعة محمد صلى اللّه عليه وسلم على أهل الأرض { أمين } على الرسالة والوحي ويقال { أمين } في السماء كما أن محمدا صلى اللّه عليه وسلم أمين في الأرض

٢٢

ثم قال عز وجل { وما صاحبكم بمجنون } فهذا أيضا جواب القسم

يعني " وما

صاحبكم ) الذي يدعوكم إلى التوحيد للّه  تعالى " بمجنون

٢٣

وَلَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ

 ولقد رءاه بالأفق المبين " يعني رأى محمد صلى اللّه  عليه وسلم جبريل عليه السلام " بالأفق المبين " عند مطلع الشمس

٢٤

ثم قال { وما هو على الغيب بضنين } أي ليس محمد صلى اللّه عليه وسلم فيما يوحى اللّه تعالى إليه من القرآن ببخيل وقرأ ابن مسعود { بظنين } بالظاء وهكذا قرأ إبن كثير وأبو عمرو والكسائي { بظنين } يعني بمتهم والباقون بالضاد يعني البخيل

٢٥

 { وما هو بقول شيطان رجيم } يعني القرآن ليس بمنزلة قول الكهان

٢٦

قوله عز وجل { فأين تذهبون } يعني تذهبون عن طاعتي وكتابي ويقال { أين تذهبون } يعني تعدلون عن أمري وقال الزجاج فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي بينت لكم

٢٧

 { إن هو إلا ذكر للعالمين } يعني ما هذا القرآن إلا عظة للجن والإنس

٢٨

 لمن شاء منكم أن يستقيم " يعني لمن شاء أن يستقيم على التوحيد فليستقم

٢٩

{ وما تشاؤون إلا أن يشاء اللّه رب العالمين } فأعلمهم أن المشيئة والتوفيق والخذلان إليه وأن الأمور كلها بمشيئة اللّه وإرادته واللّه الموفق و صلى اللّه عليه وسلم على سيدنا محمد

﴿ ٠