سورة المطففين

مدنية ويقال نزلت بين مكة والمدينة ويقال مكية وهي ثلاثون وست آيات

١

قول اللّه تبارك وتعالى { ويل للمطففين } يعني الشدة من العذاب للذين ينقصون المكيال والميزان وإنما سمي الذي يجور في المكيال والميزان مطففا لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء الخفيف الطفيف

٢

ثم بين أمرهم فقال { الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون } يعني استوفوا من الناس لأنفسهم و { على } بمعنى عن بمعنى { إذا اكتالوا عن الناس يستوفون } يعني يتمون الكيل والوزن { وإذا كالوهم } يعني إذا باعوا لغيرهم ينقصون الكيل ومعناه

٣

 { وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون } يعني ينقصون الكيل

وقال بعضهم { كالوهم } حرفان يعني كالوا ثم قال هم وكذلك أو وزنوا ثم قال هم { يخسرون } وذكر عن حمزة الزيات أنه قال هكذا { أو } معناه هم إذا كالوا أو وزنوا ينقصون

وكان الكسائي يجعلها حرفا واحدا { كالوهم } يعني كالوا لهم وكذلك أو وزنوا لهم وقال أبو عبيد وهذه هي القراءة لأنهم كتبوها في المصاحف بغير ألف ولو كان مقطوعا لكتبوا كالواهم بالألف

٤

ثم قال عز وجل { ألا يظن أولئك } يعني ألا يعلم المطفف وألا يستيقن بالبعث وهو قوله تعالى { أنهم مبعوثون } يعني يبعثون بعد الموت

٥

 { ليوم عظيم } يعني يوم القيامة هوله شديد

٦

 { يوم يقوم الناس لرب العالمين } يعني في يوم يقوم الناس بين يدي اللّه تعالى

وروى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ( يقوم الناس لرب العالمين مقدار نصف يوم يعني خمسمائة عام وذلك المقام على المؤمنين كتولي الشمس ) وروى نافع عن ابن عمر قال عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ( يقوم أحدكم ورشحه إلى أنصاف أذنيه ) وقال ابن مسعود إن الكافر ليلجم بعرقه حتى يقول أرحني ولو إلى النار

٧

ثم قال { كلا } يعني لا يستيقنون بالبعث ثم استأنف فقال { إن كتاب الفجار } ويقال هذا موصول ب { كلا إن كتاب } يعني حقا إن كتاب الفجار { لفي سجين } يعني أعمال الكفار { لفي سجين } قال مقاتل وقتادة السجين الأرض السفلى وقال الزجاج السجين فعيل من السجن والمعنى كتابهم في حبس جعل ذلك دليلا على خساسة منزلتهم وقال مجاهد سجين صخرة تحت الأرض السفلى فيجعل كتاب الفجار تحتها وقال عكرمة { لفي سجين } أي لفي خسارة وقال الكلبي السجين الصخرة التي عليها الأرضون وهي مسجونة فيها أعمال الكفار وأزواجهم فلا تفتح لهم أبواب السماء

٨

 ثم قال { وما أدراك ما سجين } ثم أخبر

٩

 فقال { كتاب مرقوم } يعني مكتوبا ويقال مكتوب مختوم

١٠

{ ويل يومئذ } يعني شدة العذاب { للمكذبين } يعني شدة العذاب للمكذبين

١١

ثم نعتهم فقال { الذين يكذبون بيوم الدين } يعني يكذبون بالبعث

١٢

 { وما يكذب به } يعني بيوم القيامة { إلا كل معتد أثيم } يعني كل معتد بالظلم { أثيم } عاص لربه ويقال كل مقيد للخلق { أثيم } يعني فاجر وهو الوليد بن المغيرة وأصحابه ومن كان في مثل حالهم

١٣

ثم قال { إذا تتلى عليه آياتنا } يعني القرآن { قال أساطير الأولين } يعني أحاديث الأولين وكذبهم

١٤

ثم قال { كلا } يعني لا يؤمن { بل ران على قلوبهم } يعني ختم ويقال غطى على قلوبهم { ما كانوا يكسبون } يعني ما عملوا من أعمالهم الخبيثة

وروى أبو هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( إذا أذنب العبد ذنبا كانت نكتة سوداء في قلبه فإذا تاب صقل قلبه وإن زاد زادت وذلك قوله { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } ) وقال قتادة الذنب على الذنب حتى مات القلب واسود ويقال غلف على قلوبهم ويقال غطا على قلوبهم

وقال أهل اللغة الرين هو الصدأ يغشى على القلب

١٥

ثم قال { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون } يعني لا يرونه يوم القيامة ويقال عن

١٦

رحمته لممنوعون { ثم إنهم لصالوا الجحيم } يعني إذا دخلوا النار

١٧

 { ثم يقال هذا } يعني يقول لهم الخزنة { هذا الذي كنتم به تكذبون } يعني تجحدون وقلتم إنه غير كائن

١٨

ثم قال عز وجل { كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين } يعني حقا إن كتاب المصدقين { لفي عليين } وهو فوق السماء السابعة فرفع كتابهم على قدر مرتبتهم

١٩

{ وما أدراك ما عليون }

٢٠

ثم وصفه فقال { كتاب مرقوم } يعني مكتوبا مختوما في عليين

٢١

{ يشهده المقربون } يعني يشهد ذلك الكتاب { المقربون } يعني يشهده سبعة أملاك من مقربي أهل كل سماء

وقال بعضهم الكتاب أراد به الروح والأعمال يعني يرفع روحه وأعماله إلى عليين

٢٢

ثم قال عز وجل { إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون } يعني المؤمنين الصالحين { لفي نعيم } في الجنة

٢٣

 { على الأرائك ينظرون } يعني على سرر في الحجال ينظرون إلى أهل النار ويقال { ينظرون } إلى عدوهم حين يعذبون

٢٤

 { تعرف في وجوههم نضرة النعيم } يعني أثر النعمة وسرورهم في وجوههم ظاهر

٢٥

 { يسقون من رحيق } يعني يسقون خمرا بيضاء وقال الزجاج الرحيق الشراب الذي لا غش فيه قال القتبي الرحيق الخمرة العتيقة

ثم قال { مختوم ختامة مسك } يعني إذا شرب وجد عند فراغه من الشراب ريح المسك

٢٦

قرأ الكسائي { خاتمه مسك } وروي عن الضحاك أنه قرأ مثله وقرأ الباقون { ختامه مسك } ومعناهما قريب والخاتم اسم والختام مصدر يعني يجد شاربه ريح المسك حين ينزع الإناء من فيه

ثم قال تعالى { وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } يعني بمثل هذا الثواب فليتبادر المتبادرون ويقال فليتحاسد المتحاسدون ويقال فليواظب المواظبون وليجتهد المجتهدون وهذا كما قال { لمثل هذا فليعمل العاملون }

٢٧

ثم قال { ومزاجه من تسنيم } يعني مزاج الخمر من ماء اسمه تسنيم وهو من أشرف الشراب في الجنة

وإنما سمي { تسنيم } لأنه يتسنم عليهم فينصب عليهم انصبابا

وقال

عكرمة ألم تسمع إلى الرجل يقول إني لفي السنام من قومه فهو في السنام من الشراب وقال القتبي أصله من سنام البعير يعني المرتفع

٢٨

ثم وصفه فقال { عينا يشرب بها المقربون } يعني التسنيم عينا يشرب بها المقربون صرفا ويمزج لأصحاب اليمين

٢٩

ثم قال عز وجل { إن الذين أجرموا } يعني أشركوا { كانوا من الذين آمنوا يضحكون } يعني من ضعفاء المؤمنين يضحكون ويسخرون ويستهزؤون بهم

٣٠

 { وإذا مروا بهم يتغامزون } يعني يطعنون ويغتابون

وذلك أن علي بن أبي طالب رضي اللّه عنه مر بنفر من المنافقين ومعه نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون ويقال هذا حكاية عن كفار مكة أنهم كانوا يضحكون من ضعفاء المسلمين وإذا مروا بهم وهم جلوس يتغامزون يعني يتطاعنون بينهم ويقولون هؤلاء الكسالى

٣١

ثم قال { وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين } يعني رجعوا معجبين بما هم فيه

٣٢

 { وإذا رأوهم } يعني رأوا المؤمنين { قالوا إن هؤلاء لضالون } يعني تركوا طريقهم

٣٣

{ وما أرسلوا عليهم حافظين } يعني ما أرسل هؤلاء حافظين على أصحابه وهم أصحاب النبي صلى اللّه عليه وسلم ليحفظوا عليهم أعمالهم

قال مقاتل هذا كله في المنافقين يعني ما وكل المنافقون بالمؤمنين يحفظون عليهم أعمالهم

قرأ عاصم { انقلبوا فكهين } بغير ألف وفي رواية حفص والباقون بالألف وقال بعضهم ومعناهما واحد

وقال بعضهم { فاكهين } ناعمين { فكهين } فرحين

٣٤

قوله عز وجل { فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون } يعني في الجنة يضحكون على أهل النار

٣٥

 { على الأرائك ينظرون } إلى أعدائهم يعذبون في النار وهم على السرر في الحجال وأعداؤهم في النار

٣٦

 { هل ثوب الكفار } يعني هل جزاء الكفار ويقال هل جوزي وعوقب الكفار إلا { ما كانوا يفعلون } يعني إلا بما عملوا في الدنيا من الاستهزاء وقال مقاتل يعني قد جوزي الكفار بأعمالهم الخبيثة جزاء مرا واللّه الموفق

﴿ ٠