سورة الانشقاقكلها مكية وهي عشرون وخمس آيات ١قوله اللّه تعالى { إذا السماء انشقت } يعني انفرجت لهيبة الرب تعالى ويقال { انشقت } لنزول الملائكة وما شاء من أمره ٢{ وحقت } يعني وحق للسماء أن تطيع ربها الذي خلقها ٣
وروى علي بن الحسن عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( إذا كان يوم القيامة مد اللّه الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه لكثرة الخلائق فيها ) ٤وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ
٥{ وأذنت لربها } يعني أجابت الأرض لربها بالطاعة وأدت إليه ما استودعها من الكنوز والموتى { وحقت } يعني وحق للأرض أن تطيع ربها الذي خلقها ٦ثم قال عز وجل { يا أيها الإنسان إنك كادح } يعني الأسود بن عبد الأسد ويقال أبي بن خلف ويقال جميع الكفار يعني أيها الكفار { إنك كادح } يعني ساع بعملك { إلى ربك كدحا } يعني سعيا قال مقاتل وقال الكلبي معناه إنك عامل لربك عملا { فملاقيه } يعني فملاقي عملك ما كان من خير أو شر فالأول قول مقاتل والثاني قول الكلبي وقال الزجاج الكدح في اللغة السعي في العمل وجاء في التفسير إنك عامل لربك عملا فملاقيه أي فملاقي ربك وقيل فملاقي عملك ٧قوله عز وجل { فأما من أوتي كتابه بيمينه } يعني المؤمن ٨{ فسوف يحاسب حسابا يسيرا } يعني حسابا هينا ٩{ وينقلب } يرجع { إلى أهله مسرورا } الذي أعد اللّه له في الجنة مسرورا به وروى ابن أبي مليكة عن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال ( من نوقش في الحساب يوم القيامة عذب ) فقلت أليس يقول اللّه تعالى { فسوف يحاسب حسابا يسيرا } قال ( ليس ذلك بالحساب إنما ذلك العرض ولكن من نوقش للحساب يوم القيامة عذب ) ويقال { يحاسب حسابا يسيرا } لأنه غفرت ذنوبه ولا يحاسب بها ويرجع من الجنة مستبشرا ١٠ثم قال { وأما من أوتي كتباه وراء ظهره } يعني الكافر يخرج يده اليسرى من وراء ظهره فيعطى كتابه بها ١١{ فسوف يدعو ثبورا } يعني بالويل والثبور على نفسه ١٢
قرأ أبو عمرو وعاصم وحمزة { ويصلى سعيرا } بنصب الياء وجزم الصاد مع التخفيف والباقون { ويصلى } بضم الياء ونصب الصاد مع التشديد فمن قرأ { يصلى } بالتخفيف فمعناه أنه يقاسي حر السعير وعذابه ويقال تصليت النار إذا قاسيت عذابها وحرها ومن قرأ بالتشديد فمعناه أنه يكثر عذابه في النار حتى يقاسي حرها ١٣إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا
١٤ثم قال عز وجل { إنه ظن أن لن يحور بلى } قال مقاتل ظن أن لن يرجع إلى اللّه في الآخرة وهي لغة الحبشة وقال قتادة يعني ظن أن لن يبعثه اللّه تعالى وقال عكرمة ألم تسمع الحبشي إذا قيل له حرا إلى أهلك يعني أرجع إلى أهلك ١٥ثم قال { بلى } يعني ليرجعن إلى ربه في الآخرة { إن ربه كان به بصيرا } يعني كان عالما به من يوم خلقه إلى يوم بعثه ١٦قوله تعالى { فلا أقسم بالشفق } والشفق الحمرة والبياض الذي بعد غروب الشمس وهذا التفسير يوافق قول أبي حنيفة رحمه اللّه وروي عن مجاهد أنه قال الشفق هو ضوء النهار وروي عنه أنه قال الشفق النهار كله وروي عن ابن عمر أنه قال الشفق الحمرة وهذا يوافق قول أبي يوسف ومحمد رحمهما اللّه ١٧ثم قال { والليل وما وسق } يعني ساق وجمع وقال القتبي أي حمل وجمع ومنه الوسق وهو الحمل وقال الزجاج أي ضم وجمع وقال مقاتل { والليل وما وسق } يعني ما ساق معه من الظلمة والكواكب وقال الكلبي يعني ما دخل فيه ١٨{ والقمر إذا اتسق } يعني إذا استوى وتم إلى ثلاث عشرة ليلة ويقال { اتسق } تم وتكامل { لتركبن طبقا عن طبق } قرأ إبن كثير وحمزة والكسائي ١٩{ لتركبن } بنصب التاء والباقون بالضم فمن قرأ بالنصب فمعناه لتركبن يا محمد من سماء إلى سماء ومن قرأ بالضم فالخطاب لأمته أجمعين يعني لتركبن حالا بعد حال حتى يصيروا إلى اللّه تعالى من إحياء وإماتة وبعث ويقال مرة نطفة ومرة علقة ويقال حالا بعد حال مرة تعرفون ومرة لا تعرفون يعني يوم القيامة ويقال يعني السماء لتحولن حالا بعد حال مرة تتشقق بالغمام ومرة تكون كالدهان قرأ بعضهم { ليركبن } بالياء يعني ليركبن هذا المكذب طبقا عن طبق يعني حالا بعد حال يعني الموت ثم الحياة ٢٠ثم قال عز وجل { فما لهم لا يؤمنون } يعني ما لكفار مكة لا يصدقون بالقرآن ٢١{ وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون } يعني لا يخضعون للّه تعالى ولا يوحدونه ويقال ولا يستسلمون لربهم ولا يطيعون ويقال لا يصلون للّه تعالى ٢٢قوله تعالى { بل الذين كفروا يكذبون } يعني يجحدون بالقرآن والبعث أنه لا يكون وقال مقاتل نزلت في بني عمرو بن عمير وكانوا أربعة فأسلم اثنان منهم ويقال هذا في جميع الكفار ٢٣ثم قال { واللّه أعلم بما يوعون } يعني يكتمون في صدورهم من الكذب والجحود ويقال مما يجمعون في قلوبهم من الخيانة ويقال معناه { واللّه أعلم } بما يقولون ويخفون ٢٤
وقال مقاتل ثم استثنى الاثنين اللذين أسلما ٢٥فقال { إلا الذين آمنوا } ويقال هذا الاستثناء لجميع المؤمنين يعني الذين صدقوا بتوحيد اللّه تعالى { وعملوا الصالحات } يعني أدوا الفرائض والسنن { لهم أجر غير ممنون } يعني غير منقوص ويقال غير مقطوع ويقال لهم أجر لا يمن عليهم ومعنى قوله { فبشرهم بعذاب أليم } يعني اجعل مكان البشارة للمؤمنين بالرحمة والجنة للكفار عذابا أليما على وجه التغيير لأن ذلك لا يكون بشارة في الحقيقة واللّه الموفق بمنه وكرمه و صلى اللّه عليه وسلم على سيدنا محمد وآله وسلم |
﴿ ٠ ﴾