سورة الأعلى

مكية وهي تسع عشرة آية

١

قول اللّه تبارك وتعالى { سبح اسم ربك الأعلى } قال الكلبي يعني صل بأمر ربك ويقال { سبح } هو من التنزيه والبراءة يعني نزه ربك والاسم صلة ويقال معناه { سبح اسم ربك الأعلى } قل سبحان ربي الأعلى كما روي في الخبر أنه قيل يا رسول اللّه ما نقول في ركوعنا فنزل { سبح اسم ربك الأعلى } بمعنى العالي كقوله أكبر بمعنى الكبير والعلو هو القهر والغلبة يعني أمره نافذ على خلقه فلما نزل { فسبح باسم ربك العظيم } فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ( اجعلوها في ركوعكم ) قالوا فما نقول في سجودنا فنزل { سبح اسم ربك الأعلى } قال ( اجعلوها في سجودكم ) ويقال { سبح اسم ربك } يعني اذكر توحيد ربك الأعلى ويقال كان بدء قوله { سبحان ربي الأعلى } أن ميكائيل خطر على باله عظمة الرب جلا وعلا سلطانه فقال يا رب أعطني قوة حتى أنظر إلى عظمتك وسلطانك فأعطاه قوة أهل السموات فطار خمسة آلاف سنة فنظر فإذا الحجاب على حاله واحترق جناحه من نور العرش

ثم سأل القوة فأعطاه القوة ضعف ذلك فجعل يطير ويرتفع عشرة آلاف سنة حتى احترق جناحه وصار في آخره كالفرخ ورأى الحجاب والعرش على حاله فخر ساجدا وقال { سبحان ربي الأعلى } يعني تعالى من أن يكون محسوسا مقهورا

ثم سأل ربه أن يعيده وإلى مكانه إلى حاله الأولى

٢

ثم قال عز وجل { الذي خلق فسوى } يعني الذي خلق كل ذي روح وجميع خلقه ويقال سبح للّه تعالى الذي خلقك فسوى خلقك يعني اليدين والرجلين والعينين ولم يخلقك زمنا ولا مكفوفا كما قال { وصوركم فأحسن صوركم } [ غافر ٦٤ ]

٣

قوله تعالى { والذي قدر فهدى } يعني قدر لكل شيء شكله يعني لكل ذكر وأنثى من شكله وهداه للأكل والشرب والجماع ويقال { فهدى } يعني فهداه السبيل { إما شاكرا وأما كفورا } [ الإنسان ٣ ] ويقال { والذي قدر فهدى } يعني سبح للّه الذي خلقك فقدر آجلك ورزقك وعملك ثم هداك إلى المعرفة والإسلام والأكل والشرب فصل بابن آدم وسبح لهذا

المنعم المكرم الذي هو الأحد الصمد السيد { هو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } [ الحديد ٣ ]

٤

ثم قال عز وجل { والذي أخرج المرعى } يعني أنبت الكلأ ويقال هو العشب والحشيش والقت وما أشبهه قرأ الكسائي { والذي قدر } بالتخفيف والباقون بالتشديد ومعناها واحد يقال قدرت الأمر وقدرته

٥

فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى

 

فجعله غثاء أحوى " يعني جعل المرعى يابسا بعد خضرته وقال القتبي " غثاء " يعني يابسا " أحوى " يعني أسود من قدمه واحتراقه

٦

ثم قال عز وجل { سنقرئك فلا تنسى } يعني سنعلمك القرآن وينزل عليك فلا تنسى { إلا ما شاء اللّه } يعني قد شاء اللّه أن لا تنسى القرآن فلم ينس القرآن بعد نزول هذه الآية

وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يأخذ في قراءته قبل أن يفرغ جبريل عليه السلام مخافة أن ينساه ويقال { سنقرئك فلا تنسى } يعني سنحفظ عليك حتى لا تنسى شيئا ويقال إن جبريل كان ينزل عليه في كل زمان ويقرأ عليه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ويبين له ما نسخ فذلك

٧

 قوله { إلا ما شاء اللّه } أن وينسخه ويذهب من قلبك

ثم قال تعالى { إنه يعلم الجهر وما يخفى } يعني يعلم العلانية والسر ويقال يعلم ما يجهر به الإمام في الفجر والمغرب والعشاء والجمعة { وما يخفى } يعني في الظهر والعصر والسنن ويقال { وما يخفى } من أقوالهم وأفعالهم ويقال { يعلم } ما ما يظهر من أفعال العبد { وما يخفى } يعني ما لم يعملوه وهم عاملوه

٨

ثم قال عز وجل { ونيسرك لليسرى } يعني سنهون عليك حفظ القرآن وتبليغ الرسالة ويقال نعينك على الطاعة

٩

قوله تعالى { فذكر } يعني فعظ بالقرآن الناس { إن نفعت الذكرى } يعني إن نفعتهم العظة ومعناه ما نفعت العظة بالقرآن إلا لمن يخشى ويقال { إن نفعت الذكرى } يعني إن قولك ودعوتك تنفع لكل قلب عاقل

ويقال { سنيسرك لليسرى } يعني نهون عليك عمل أهل الجنة

١٠

ثم قال { سيذكر من يخشى } يعني سيتعظ بالقرآن من يخشى اللّه تعالى ويسلم

ويقال معناه سيتعظ ويؤمن ويعمل صالحا من يخشى قلبه من عذاب اللّه تعالى

١١

 { ويتجنبها } يعني يتباعد عنها يعني عن عظتك { الأشقى } يعني الشقي الذي وجب في علم اللّه تعالى أنه يدخل النار مثل الوليد وأبي جهل ومن كان مثل حالهما

١٢

{ الذي يصلى النار الكبرى } يعني يدخل يوم

القيامة النار الكبرى يعني النار العظمى لأن نار الدنيا هي النار الصغرى ونار الآخرة هي النار الكبرى

وروى يونس عن الحسن عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال ( إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم وقد غمست في النار مرتين ليدنى منها وينتفع بها ولولا ذلك ما دنوتم منها ) ويقال إنها تستجير أن ترد إلى جهنم يعني تتعوذ منها

وقال بعض الحكماء علامة الشقاوة تسع أشياء كثرة الأكل والشرب والنوم والإصرار على الذنب والغيبة وقساوة القلب وكثرة الذنب ونسيان الموت والوقوف بين يدي الملك عز وجل وهذا هو الشقي الذي يدخل النار الكبرى

١٣

 { ثم لا يموت فيها ولا يحيى } يعني { لا يموت } في النار حتى يستريح من عذابها { ولا يحيا } حياة تنفعه وقال القتبي معناه هو العذاب بحال من يموت ولا يموت

١٤

ثم قال عز وجل { قد أفلح من تزكى } يعني قد فاز ونجا من هذا العذاب وسعد بالجنة { من تزكى } يعني وحد اللّه تعالى وزكى نفسه بالتوحيد

١٥

{ وذكر اسم ربه } يعني توحيد ربه { فصلى } مع الإمام الصلوات الخمس ويقال { قد أفلح من تزكى } يعني أدى زكاة الفطر { وذكر اسم ربه فصلى } مع الإمام صلاة العيد

ويقال { قد أفلح من تزكى } يعني أدى زكاة المال يعني نجا من خصومة الفقراء يوم القيامة { وذكر اسم ربه فصلى } يعني كبر وصلى للّه تعالى ويقال { قد أفلح من تزكى } يعني تاب من الذنوب { وذكر اسم ربه } يعني إذا سمع الآذان خرج إلى الصلاة

ثم ذم تارك الجماعة لأجل الاشتغال بالدنيا

١٦

 فقال { بل تؤثرون الحياة الدنيا } يعني تختارون عمل الدنيا على عمل الآخرة قرأ أبو عمرو { بل يؤثرون } بالياء على معنى الخبر عنهم والباقون بالتاء على معنى المخاطبة

١٧

ثم قال { والآخرة خير وأبقى } يعني عمل الآخرة { خير وأبقى } من اشتغال الدنيا وزينتها ويقال معناه يختارون عيش الدنيا الفانية على عيش الآخرة الباقية وإن عيش الآخرة { خير وأبقى } لأن في عيش الدنيا عيوبا كثيرة خوف المرض والموت والفقر والذل والهوان والزوال والحبس والمنع وما أشبه ذلك وليس في عيش الآخرة شيء من هذه العيوب لأجل هذا قيل إن الآخرة خير من الدنيا

١٨

ثم قال عز وجل { إن هذا لفي الصحف الأولى } يعني الذي ذكر في هذه السورة كان في الصحف الأولى يعني في الكتب الأولى ثم فسره

١٩

فقال { صحف إبراهيم وموسى } ويقال الذي ذكر في { الصحف الأولى } يعني أن الذي في آخر السورة أربع آيات لفي كتب الأولين وكل كتاب مكتوب يسمى الصحف يعني في قوله { قد أفلح من تزكى } إلى آخر الآية

﴿ ٠