سورة الغاشية

وهي ست وعشرون آية مكية

١

قول اللّه تبارك وتعالى { هل أتاك حديث الغاشية } { هل } استفهام استفهم اللّه تعالى نبيه صلى اللّه عليه وسلم ولم يكن أتاه بعد فكأنه قال الآن يأتيك خبره ثم أخبره

ويقال معناه قد أتاك حديث الغاشية و { الغاشية } اسم من أسماء يوم القيامة وإنما سميت غاشية لأنها تغشى الخلق كلهم

كما قال { يوما كان شره مستطيرا } [ الإنسان ٧ ] ويقال { الغاشية } النار وإنما سميت غاشية لأنها تغشى وجوه الكفار

كما قال { وتغشى وجوههم النار } [ إبراهيم ٥ ] أو كقوله { يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم } [ العنكبوت ٥٥ ] ويقال { الغاشية } دخان النار يخرج من النار يوم القيامة عنق من النار فيحيط بالكفار مثل السرادق ويجيء دخانها فيغشى الخلائق حتى لا يرى بعضهم بعضا إلا من جعل اللّه تعالى له نورا بصالح عمله في الدنيا كقوله { كالقصر كأنه جمالات صفر } [ المرسلات ٣٣ ] وكقوله { وظل من يحموم } [ الواقعة ٤٣ ] ويقال غاشية الصراط تغشى المنافقين

كقوله { انظرونا نقتبس من نوركم } [ الحديد ١٣ ] الآية

٢

ثم وصف ذلك اليوم وقال { وجوه يومئذ خاشعة } يعني من الوجوه وجوه يومئذ خائفة ذليلة في العذاب وهي وجوه الكفار

٣

ثم قال { عاملة } يعني تجر على وجوهها في النار { ناصبة } يعني من تعب وعذاب في النار

ويقال ( عاملة ناصبة ) يعني تكلف الصعود على عتبة ملساء من النار فيرتقيها في عناء ومشقة فإذا ارتقى إلى ذروتها هبط منها إلى أسفلها

ويقال نزلت في رهبان النصارى { عاملة } في الدنيا { ناصبة } في العبادة أشقياء في الدنيا والآخرة

ويقال { عاملة } في الدنيا بالمعاصي والذنوب { ناصبة } في الآخرة بالعذاب

٤

{ تصلى نارا حامية } يعني تدخل نارا حارة قد أوقدت ثلاثة آلاف سنة حتى اسودت

فهي سوداء مظلمة

٥

قوله تعالى { تسقى من عين آنية } أي من عين حارة قد انتهى حرها

٦

 { ليس لهم طعام } وهذا في بضع دركها { إلا من ضريع } قرأ أبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر بضم التاء { تصلى نارا } وقرأ الباقون بالنصب

فمن قرأ بالضم بمعنى المفعول الذي لم يسم فاعله

ونصب { نارا } على أنه مفعول ثان

ومن قرأ بالنصب جعل الفعل الذي يدخل النار وهو كناية عن الوجوه ولهذا ذكره بلفظ التأنيث

ثم قال { ليس لهم طعام إلا من ضريع } والضريع نبات بين طريق مكة واليمن فإذا أكل الإبل منه رطبا بعضه فإذا يبس صار كأظفار الهرة فإذا أكل الكفار منه بقي في حلوقهم { ليس لهم طعام إلا من ضريع } يعني غير الضريع

٧

{ لا يسمن } يعني لا يشبع الضريع { ولا يغني من جوع } يعني ولا ينفع من جوع وهذا الجزاء للذي يتعب نفسه للعمل في الدنيا والمعاصي وما لا يحتاج إليه

٨

ثم وصف مكان الذي يعمل للّه تعالى ويترك عمل المعصية ويؤدي ما أمر اللّه به ويترك ما نهي عنه فقال { وجوه يومئذ ناعمة } يعني من الوجوه ما تكون ناعمة يعني في نعمة وكرامة وهي وجوه المؤمنين والتائبين والصالحين

ويقال { وجوه يومئذ ناعمة } يعني مشرقة مضيئة مثل القمر ليلة البدر

٩

 { لسعيها راضية } يعني لثواب عملها راضية

ويقال لثواب سعيه الذي عمل في الدنيا من الخير حين رأى ثوابه في الجنة { راضية } مرضية رضي اللّه عنه بعمله في الدنيا ويرضى العبد من اللّه تعالى في الآخرة بالثواب

١٠

 { في جنة عالية } يعني ذلك الثواب في جنة مرتفعة في الدرجات العلى

وروي عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال ( إن المتحابين في اللّه في غرفة ينظر إليهم أهل الجنة كما ينظر أهل الأرض إلى كواكب السماء )

١١

ثم قال عز وجل { لا تسمع فيها لاغية } يعني لا يكون في الجنة لغو ولا باطل وليس فيها غل ولا غش

قرأ نافع { لا تسمع } بالتاء المضمومة بلفظ التأنيث لأن { لاغية } مؤنثة

وقرأ إبن كثير وأبو عمرو { لا يسمع } بضم الياء على معنى فعل ما لم يسم فاعله وإنما ذكر بلفظ التذكير لأنه انصرف إلى المعنى

يعني إلى اللغو

وروي عن إبن كثير ونافع في إحدى الروايتين { لا تسمع } بنصب التاء يعني لا تسمع في الجنة أيها الداخل كلمة لغو لأن أهل الجنة لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد اللّه تعالى

١٢

ثم قال { فيها عين جارية } يعني في الجنة عين جارية ماؤها أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فمن شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا ويذهب من قلبه الغل والغش والحسد والعداوة والبغضاء

١٣

ثم قال { فيها سرر مرفوعة } يعني مرتفعة

١٤

 { وأكواب موضوعة } يعني الكيزان التي لا عرى لها مدورة الرأس

١٥

 { ونمارق مصفوفة } يعني وسائد قد صف بعضها إلى بعض على الطنافس

١٦

قوله عز وجل { وزرابي مبثوثة } قال القتبي الزرابي الطنافس

ويقال البسط زرابي واحدها زربى

قوله عز وجل { مبثوثة } أي كثيرة متفرقة أو مبسوطة والنمارق الوسايد واحدها نمرقة والمؤمن جالس فوق هذا كله وعلى رأسه وصفا كأنهن الياقوت والمرجان جزاء بما كانوا يعملون

فإن شك شاك فيها وتعجب كيف هذا وهو غائب عنا فقل انظر إلى صنعة الرب تبارك وتعالى في الدنيا

١٧

وهو قوله تعالى { أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت } يعني خلق من قطرة ماء خلقا عظيما يحمل عليه وإنما خص ذكر الإبل لأن الإبل كانت أقرب الأشياء إلى العرب

١٨

ثم قال عز وجل { وإلى السماء } يعني أفلا ينظرون إلى السماء { كيف رفعت } بلا عمد تحتها وحبست في الهواء بقدرة الرب سبحانه وتعالى

١٩

ثم قال { وإلى الجبال } يعني أفلا ينظرون إلى الجبال { كيف نصبت } على ظهر الأرض أوتادا لها وليس جبل من الجبال إلا وله عرق في قاف وملك موكل بجبل قاف

فإذا أراد اللّه تعالى بأهل أرض شيئا أوحى إلى ملك قاف فيحرك تلك العروق فيتزلزل

٢٠

ثم قال { وإلى الأرض كيف سطحت } يعني بسطت على ظهر الماء

٢١

ثم قال { فذكر إنما أنت مذكر } يعني فذكر يا محمد صلى اللّه عليه وسلم وخوفهم بالعذاب في الآخرة { إنما أنت مذكر } يعني مخوفا بالقرآن

٢٢

 { لست عليهم بمسيطر } يعني بمسلط تجبرهم على الإسلام وهذا قبل أن يؤمر بالقتال

وقال مقاتل في الآية تقديم يعني فذكر

٢٣

 { إلا من تولى } يعني أعرض عن الإيمان { وكفر } باللّه تعالى

٢٤

 { فيعذبه اللّه العذاب الأكبر } يعني فيدخله النار وهو العذاب الأكبر الدائم وهو عذاب النار حرها شديد وقعرها بعيد ومقامها حديد

٢٥

قوله تعالى { إن إلينا إيابهم } يعني إن إلينا مرجعهم بعد الموت

٢٦

 { ثم إن علينا حسابهم } يعني يحاسبون بكل صغيرة وكبيرة وقليل وكثير كما قال { لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها } [ الكهف ٤٩ ]

ويقال { إن علينا حسابهم } يعني جزاءهم بأعمالهم يعني ثوابهم بما عملوا

﴿ ٠