سورة الفجرمكية وهي ثلاثون آية ١قول اللّه تبارك وتعالى { والفجر } هو قسم وجوابه { إن ربك لبالمرصاد } أقسم اللّه تعالى بالفجر يعني الصبح والفجر فجران المستطيل وهو من الليل والفجر المعترض وهو من النهار ويقال أراد به أول يوم من المحرم ٢ثم قال عز وجل { وليال عشر } يعني عشر ذي الحجة ويقال إنها عشر أيام العشر التي صام فيها موسى عليه السلام وهي قوله { وأتممناها بعشر } [ الأعراف ١٤٢ ] ويقال هي أيام عاشوراء ٣ثم قال عز وجل { والشفع والوتر } قال قتادة الخلق كله شفع ووتر فأقسم اللّه تعالى بالخلق وروى الحارث عن علي رضي اللّه عنه أنه قال الشفع آدم وحواء والوتر اللّه تعالى قال ابن عباس الوتر آدم شفع بزوجته حواء وقال عطاء الشفع الناس والوتر اللّه سبحانه وتعالى وقال الحسن الشفع هو الخلق الذكر والأنثى والوتر اللّه تعالى ويقال أقسم بالصلوات ومن الصلوات ما هو شفع وهو الفجر والظهر والعصر والعشاء ومنها ما هو وتر وهو الوتر في المغرب ويقال إنما هو الأعداد كلها شفع ووتر وعن ابن عباس الشفع أيام الذبح والوتر يوم عرفة ٤ثم قال عز وجل { والليل إذا يسر } قال الكلبي يعني ليلة المزدلفة يسير الخلق إلى المزدلفة وقال القتبي { والليل إذا يسر } يعني يسرى فيه كقوله ليل نائم أي ينام فيه وقال الزجاج أصله سرى يسري إلا أن الياء قد حذفت منه وهي القراءة المشهورة بغير ياء ويقرأ بالياء قرأ حمزة والكسائي { والوتر } بكسر الواو والباقون بالنصب وهما لغتان يقال للفرد وتر ووتر وقرأ إبن كثير { إذا يسر } بالياء في حال الوصل والقطع وقرأ نافع بالياء إذا وصل وقرأ الباقون بغير ياء في الوصل والقطع لأن الكسرة تدل عليه ٥ثم قال عز وجل { هل في ذلك قسم لذي حجر } يعني أن في ذلك الذي ذكرناه قسما لذي لب من الناس ويقال إن في ذلك قسم صدق لذي عقل ولب ورشد والحجر اللب ٦أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ
٧وقال بعضهم كلاهما واحد ويقال { إرم } اسم للجنة التي بناها فمات قبل أن يدخلها وذكر فيها حكاية طويلة عن وهب بن مبنه ثم قال { ذات العماد } يعني الفساطيط والعمود عمود الفسطاط ٨( التي لم يخلق مثلها في البلاد ) يعني في القوة والطول ويقال { ذات العماد } يعني ذات القوة ويقال { ذات العماد } يعني دائم الملك طويل العمر ويقال { ذات العماد } أي ذات البناء الرفيع وروى أسباط عن السدي قال عاد بن إرم نسبهم إلى أبيهم الأكبر كقولك بكر بن وائل ويقال لا ينصرف إرم لأنه اسم قبيلة وقال مقاتل { ذات العماد } يعني طولها اثنا عشر ذراعا { التي لم يخلق مثلها في البلاد } في الطول والقوة وإرم اسم أب قبيلة ينسب إليهم وهو إرم بن سمك بن نمك بن سام بن نوح وقال الكلبي { ذات العماد } يعني كانوا أهل ذات عمود وماشية فإذا هاج العمود يعني يبس العشب رجعوا إلى منازلهم ويقال عاد وإرم شيء واحد ٩ثم قال عز وجل { وثمود الذين جابوا الصخر بالواد } وهم قوم صالح نقبوا الجبل وقلعوا أحجارا لا يطيق مائتا رجل الآن بالواد وقال الكلبي هو واد القرى ١٠ثم قال عز وجل { وفرعون ذي الأوتاد } يعني قواده الكفرة الفجرة الذين خلقهم اللّه تعالى أوتادا لمملكته ليكفوا عنه عدوه ويقال إن له بيتا أوتد فيه أوتادا فإذا عذب أحدا طرحه فيها ويقال سمي ذو الأوتاد لأنه كان إذا غضب على أحد وثقه بأربعة أوتاد ويقال الأوتاد وهي الصلب إذا غضب على أحد صلبه كقوله لأصلبنكم ويقال سمي ذو الأوتاد يعني ذو ملك ثابت ١١ثم قال { الذين طغوا في البلاد } يعني عادا وثمودا وفرعون عصوا في البلاد ١٢{ فأكثروا فيها الفساد } يعني أكثروا في الأرض المعاصي ١٣{ فصب عليهم ربك سوط عذاب } يعني أرسل عليهم ربك شديد العذاب حتى أهلكهم { إن ربك لبالمرصاد } يعني ممر الخلق عليه ١٤ويقال { إن ربك لبالمرصاد } يعني ملائكة ربك على الصراط يرصدون العباد على جسر جهنم في سبع مواضع وقال ابن عباس رضي اللّه عنه يحاسب العبد في أولها بالإيمان فإن سلم إيمانه من النفاق والرياء نجا وإلا تردى في النار وفي الثاني يحاسب على الصلاة فإن أتم ركوعها وسجودها في مواقيتها نجا وإلا تردى في النار وفي الثالث يحاسب على الزكاة فإن أداها بشروطها وإلا تردى في النار والرابع يحاسب بصوم رمضان فإن صامه بحدوده وحقوقه نجا وإلا تردى في النار وفي الخامس في الحج والعمرة وفي السادس بالوضوء والغسل من الجنابة وفي السابع بر الوالدين وصلة الرحام ومظالم العباد فإن أداها نجا وإلا تردى في النار ١٥ثم قال عز وجل { فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه } قال الكلبي ومقاتل نزلت في أمية بن خلف ويقال في أبي بن خلف { إذا ما ابتلاه } يعني اختبره ربه { فأكرمه } يعني رزقه { ونعمه } يعني أعطاه النعمة { فيقول ربي أكرمن } يعني أحبني وفضلني وأنا أهل لذلك ١٦{ وأما إذا ما ابتلاه } بالفقر { فقدر عليه رزقه } أي قتر عليه رزقه قرأ أبو عمرو وابن عامر في إحدى الروايتين { فقدر } بالتشديد والباقون بالتخفيف ومعناهما واحد أي فقتر عليه رزقه وأصابه الجوع والأمراض { فيقول ربي أهانن } يعني طردني وعاقبني شكاية لربه ١٧قال اللّه تعالى { كلا } أي حقا يعني ليس إهانتي وإكرامي في نزع الماء والولد والفقر والمرض ولكن إهانتي في نزع المعرفة وإكرامي بتوفيق المعرفة والطاعة وقال قتادة لم يكن الغنى من الكرامة ولم يكن الفقر من الذل ولكن الكرامة مني بتوفيق الإسلام والهوان مني بالخذلان عنه إنما المكرم من أكرم بطاعتي والمهان من أهين بمعصيتي ثم قال { بل لا تكرمون اليتيم } يعني لا يعطون حق اليتيم وكان في حجر أمية بن خلف يتيم لا يؤدي حقه فنزلت الآية بسببه فصار فيها عظة لجميع الناس ١٨ثم قال عز وجل { ولا تحضون على طعام المسكين } يعني لا يحثون أنفسهم ولا غيرهم على إطعام المسكين ويقال لا تحاضون على إطعام المسكين ويقال لا يحض بعضهم بعضا قرأ حمزة والكسائي وعاصم { ولا تحاضون } بالألف يعني لا يحث بعضهم بعضا وقرأ أبو عمرو { ولا يحضون } بالياء يعني لا يحثون والباقون { لا تحضون } بالتاء على المخاطبة ١٩ثم قال { وتأكلون التراث } يعني الميراث { أكلا لما } يعني شديدا كقولك لممت الشيء إذا جمعته ومعناه يأكلون مال اليتيم أكلا شديدا سريعا ٢٠
قرأ أبو عمرو { ويكرمون } { ويأكلون } { ويحبون } كلها بالياء على معنى الخبر عنهم والباقون بالتاء على معنى الخطاب لهم ٢١ثم قال عز وجل { كلا } يعني حقا { إذا دكت الأرض دكا دكا } يعني زلزلت الأرض زلزلة والتكرار للتأكيد ٢٢وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا
٢٣ثم قال عز وجل { وجيء يومئذ بجهنم } يعني تحضر وتدنى من الكفار وروي عن عبد الرحمن بن حاطب قال كنا جلوسا إلى كعب يذكرنا فجاء عمر رضي اللّه عنه فجلس ناحية وقال ويحك يا كعب خوفنا فقال كعب إن جهنم لتقرب يوم القيامة لها زفير وشهيق حتى إذا قربت ودنت زفرت زفرة لا يبقى نبي ولا صديق إلا وهو يخر ساقطا على ركبتيه فيقول اللّه م لا أسألك اليوم إلا نفسي ولو كان لك يا ابن الخطاب عمل سبعين نبيا لظننت أن لا تنجو فقال عمر رضي اللّه عنه واللّه إن الأمر لشديد ثم قال { يومئذ يتذكر الإنسان } يعني يتعظ الكافر { وأنى له الذكرى } يعني من تنفعه العظة ويقال { يومئذ يتذكر الإنسان } يعني يظهر الإنسان التوبة يعني ومن أين له التوبة يعني كيف تنفعه التوبة يومئذ ٢٤يَقُولُ يَالَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي
٢٥ثم قال عز وجل { فيومئذ لا يعذب عذابه أحد } قرأ الكسائي { لا يعذب } بنصب الذال ٢٦{ ولا يوثق } بنصب التاء والباقون كلاهما بالكسر فمن قرأ بالنصب فمعناه ولا يعذب عذاب هذا الكافر وعذاب هذا الصنف من الكفار أحد وكذلك { لا يوثق وثاقه أحد } ومن قرأ بالكسر معناه لا يتولى عذاب اللّه يوم القيامة أحد الملك يومئذ للّه وحده والأمر بيده ويقال معناه لا يقدر أحد من الخلق أن يعذب كعذاب اللّه تعالى ولا يوثق في الغل والصفد كوثاق اللّه تعالى ٢٧ثم قال عز وجل { يا أيتها النفس المطمئنة } التي اطمأنت بلقاء اللّه عز وجل ويقال { المطمئنة } يعني الراضية بثواب اللّه القانعة بعطاء اللّه الشاكرة لنعمائه تعالى يقال لها عند ٢٨الفراق من الدنيا { ارجعي إلى ربك } يعني ارجعي إلى ثواب ربك إلى ما أعد اللّه لك في الجنة { راضية مرضية } ويقال له يوم القيامة ٢٩{ فادخلي في عبادي } يعني مع عبادي الصالحين { وادخلي جنتي } يعني ادخلي الجنة بلا حساب ويقال هذا الخطاب لأهل الدنيا يعني { أيتها النفس المطمئنة } في الدنيا التي أمنت من عذاب اللّه { ارجعي إلى ربك } يعني إلى طاعة ربك { راضية مرضية } { فادخلي في عبادي } يعني ادخلي في عبادي وفي طاعتي وادخلي في جنتي ويقال معناه تقول الملائكة { يا أيتها النفس المطمئنة } ارجعي إلى ما أعد اللّه لك { راضية } ٣٠{ فادخلي في عبادي } على محض التقديم يعني يا أيتها النفس المطمئنة الراضية بما أعطيت من الثواب مرضية بما عملت وادخلي جنتي مع عبادي واللّه الموفق بمنه وكرمه و صلى اللّه عليه وسلم على سيدنا محمد نبيه وعبده وعلى آله وصحبه |
﴿ ٠ ﴾