٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: {والّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } قد مضى البـيان عن الـمنعوتـين بهذا النعت، وأيّ أجناس الناس هم. غير أنا نذكر ما روي فـي ذلك عمن روي عنه فـي تأويـله قول: ١٢٦ـ فحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : {وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} أي يصدقونك بـما جئت به من اللّه جل وعز، وما جاء به من قبلك من الـمرسلـين، لا يفرقون بـينهم ولا يجحدون ما جاءوهم به من عند ربهم. ١٢٧ـ حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح عن ابن عبـاس ، وعن مرة الهمدانـي، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِـمَا أُنْزِلَ إِلَـيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ هؤلاء الـمؤمنون من أهل الكتاب. القول فـي تأويـل قوله تعالى: وبـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ. قال أبو جعفر: أما الاَخرة، فإنها صفة للدار، كما قال جل ثناؤه: وَإِنّ الدّارَ الاَخِرَةِ لَهِيَ الـحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَـمُونَ وإنـما وصفت بذلك لـمصيرها آخرة لأولـى كانت قبلها كما تقول للرجل: أنعمت علـيك مرة بعد أخرى فلـم تشكر لـي الأولـى ولا الاَخرة. وإنـما صارت الاَخرة آخرة للأولـى، لتقدم الأولـى أمامها، فكذلك الدار الاَخرة سميت آخرة لتقدم الدار الأولـى أمامها، فصارت التالـية لها آخرة. وقد يجوز أن تكون سميت آخرة لتأخرها عن الـخـلق، كما سميت الدنـيا دنـيا لدنوّها من الـخـلقوأما الذي وصف اللّه جل ثناؤه به الـمؤمنـين بـما أنزل إلـى نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، وما أنزل إلـى من قبله من الـمرسلـين من إيقانهم به من أمر الاَخرة، فهو إيقانهم بـما كان الـمشركون به جاحدين، من البعث والنشر والثواب والعقاب والـحساب والـميزان، وغير ذلك مـما أعدّ اللّه لـخـلقه يوم القـيامة. كما: ١٢٨ـ حدثنا به مـحمد بن حميد، قال: حدثنا سلـمة عن مـحمد بن إسحاق عن مـحمد بن أبـي مـحمد مولـى زيد بن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : وبـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أي بـالبعث والقـيامة والـجنة والنار والـحساب والـميزان، أي لا هؤلاء الذين يزعمون أنهم آمنوا بـما كان قبلك، ويكفرون بـما جاءك من ربك. وهذا التأويـل من ابن عبـاس قد صرّح عن أن السورة من أولها وإن كانت الاَيات التـي فـي أولها من نعت الـمؤمنـين تعريض من اللّه عز وجل بذم الكفـار أهل الكتاب، الذين زعموا أنهم بـما جاءت به رسل اللّه عز وجل الذين كانوا قبل مـحمد صلوات اللّه علـيهم وعلـيه مصدقون وهم بـمـحمد علـيه الصلاة والسلام مكذبون، ولـما جاء به من التنزيـل جاحدون، ويدعون مع جحودهم ذلفك أنهم مهتدون وأنه لن يدخـل الـجنة إلا من كان هودا أو نصارى. فأكذب اللّه جل ثناؤه ذلك من قـيـلهم بقوله: {الـم ذَلِكَ الكِتابُ لا رَيْبَ فِـيهِ هُدًى للْـمُتّقِـينَ الّذِينَ يُؤْمِنُونَ بـالغَيْبِ وَيُقـيـمُونَ الصّلاةَ ومـمّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِهَا أُنْزِلَ إِلَـيكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِـالاَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}. وأخبر جل ثناؤه عبـاده أن هذا الكتاب هدى لأهل الإيـمان بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم، وبـما جاء به الـمصدقـين بـما أنزل إلـيه وإلـى من قبله من رسله من البـينات والهدى خاصة، دون من كذب بـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم وبـما جاء به، وادعى أنه مصدق بـمن قبل مـحمد علـيه الصلاة والسلام من الرسل وبـما جاء به من الكتب. ثم أكد جل ثناؤه أمر الـمؤمنـين من العرب ومن أهل الكتاب الـمصدقـين بـمـحمد علـيه الصلاة والسلام وبـما أُنزل إلـيه وإلـى من قبله من الرسل بقوله: {أُولئِكَ علـى هدَىً مِنْ رَبّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الـمُفْلِـحُونَ} فأخبر أنهم هم أهل الهدى والفلاح خاصة دون غيرهم، وأن غيرهم هم أهل الضلال والـخسار. |
﴿ ٤ ﴾