٢٥

القول فـي تأويـل قوله تعالى:

{وَبَشّرِ الّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصّالِحَاتِ ...}

أما قوله تعالى: وَبَشّرْ فإنه يعنـي: أخبرهم. والبشارة أصلها الـخبر بـما يسر الـمخبر به، إذا كان سابقا به كل مخبر سواه. وهذا أمر من اللّه نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم بإبلاغ بشارته خـلقه الذين آمنوا به وبـمـحمد صلى اللّه عليه وسلم وبـماء جاء به من عند ربه، وصدقوا إيـمانهم ذلك وإقرارهم بأعمالهم الصالـحة، فقال له: يا مـحمد بَشّرْ من صدقك أنك رسولـي وأن ما جئت به من الهدى والنور فمن عندي، وحقق تصديقه ذلك قولاً بأداء الصالـح من الأعمال التـي افترضتها علـيه وأوجبتها فـي كتابـي علـى لسانك علـيه، أن له جنات تـجري من تـحتها الأنهار خاصة، دون من كذّب بك وأنكر ما جئت به من الهدى من عندي وعاندك، ودون من أظهر تصديقك وأقرّ بأن ما جئته به فمن عندي قولاً، وجحده اعتقادا ولـم يحققه عملاً. فإن لأولئك النار التـي وقودها الناس والـحجارة معدة عندي. والـجنات جمع جنة، والـجنة: البستان. وإنـما عنى جل ذكر بذكر الـجنة ما فـي الـجنة من أشجارها وثمارها وغروسها دون أرضها، فلذلك قال عزّ ذكره: تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِهَا الأنْهَارُ لأنه معلوم أنه إنـما أرَادَ جل ثناؤه الـخبر عن ماء أنهارها أنه جار تـحت أشجارها وغروسها وثمارها، لا أنه جار تـحت أرضها لأن الـماء إذا كان جاريا تـحت الأرض، فلا حظّ فـيها لعيون من فوقها إلا بكشف الساتر بـينها وبـينه.

علـى أن الذي توصف به أنهار الـجنة أنها جارية فـي غير أخاديد. كما:

٣٠٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا الأشجعي، عن سفـيان، عن عمرو بن مرة، عن أبـي عبـيدة، عن مسروق، قال: نـخـل الـجنة نضيد من أصلها إلـى فرعها، وثمرها أمثال القِلال، كلـما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى، وماؤها يجري فـي غير أخدود.

وحدثنا مـجاهد، قال: حدثنا يزيد، قال: أخبرنا مسعر بن كدام، عن عمرو بن مرة، عن أبـي عبـيدة بنـحوه.

وحدثنا مـحمد بن بشار قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفـيان، قال: سمعت عمرو بن مرة يحدث عن أبـي عبـيدة، فذكر مثله

قال: فقلت لأبـي عبـيدة: من حدثك، فغضب وقال: مسروق.

فإذا كان الأمر كذلك فـي أن أنهارها جارية فـي غير أخاديد، فلا شك أن الذي أريد بـالـجنات أشجار الـجنات وغروسها وثمارها دون أرضها، إذ كانت أنهارها تـجري فوق أرضها وتـحت غروسها وأشجارها، علـى ما ذكره مسروق. وذلك أولـى بصفة الـجنة من أن تكون أنهارها جارية تـحت أرضها. وإنـما رغب اللّه جل ثناؤه بهذه الآية عبـاده فـي الإيـمان وحضهم علـى عبـادته، بـما أخبرهم أنه أعدّه لأهل طاعته والإيـمان به عنده، كما حذرهم فـي الآية التـي قبلها بـما أخبر من إعداده ما أعدّ لأهل الكفر به الـجاعلـين معه الاَلهة والأنداد من عقابه عن إشراك غيره معه، والتعرّض لعقوبته بركوب معصيته وترك طاعته.

القول فـي تأويـل قوله تعالى: كُلـمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقا قالُوا هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وأتُوا بِهِ مُتَشَابِها.

قال أبو جعفر: يعنـي: كُلّـما رُزِقُوا مِنْهَا من الـجنات، والهاء راجعة علـى (الـجنات)، وإنـما الـمعنـيّ أشجارها، فكأنه قال: كلـما رزقوا من أشجار البساتـين التـي أعدّها اللّه للذين آمنوا وعملوا الصالـحات فـي جناته من ثمرة من ثمارها رزقا

قالوا: هذا الذي رُزِقْنا من قبل.

ثم اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: هَذَا الّذِي رزِقْنا مِنْ قَبْلُ

فقال بعضهم: تأويـل ذلك هذا الذي رزقنا من قبل هذا فـي الدنـيا. ذكر من قال ذلك:

٣٠٤ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس ، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى اللّه عليه وسلم

قالوا: هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْل قال: إنهم أتوا بـالثمرة فـي الـجنة، فلـما نظروا إلـيها

قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل فـي الدنـيا.

٣٠٥ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة،

قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل: أي فـي الدنـيا.

٣٠٦ـ وحدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم عن عيسى بن ميـمون، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد،

قالوا: هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قبْل يقولون: ما أشبهه به.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد مثله.

٣٠٧ـ وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد،

قالوا: هَذَا الّذِي رزِقْنا مِنْ قَبْل فـي الدنـيا، قال: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها يعرفونه.

قال أبو جعفر:

وقال آخرون: بل تأويـل ذلك: هذا الذي رزقنا من ثمار الـجنة من قبل هذا، لشدة مشابهة بعض ذلك فـي اللون والطعم بعضا. ومن علة قائل هذا القول إن ثمار الـجنة كلـما نزع منها شيء عاد مكانه آخر مثله. كما:

٣٠٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفـيان، قال: سمعت عمرو بن مرّة يحدث عن أبـي عبـيدة، قال: نـخـل الـجنة نضيد من أصلها إلـى فرعها، وثمرها مثل القلال، كلـما نزعت منها ثمرة عادة مكانها أخرى.

قالوا: فإنـما اشتبهت عند أهل الـجنة، لأن التـي عادت نظيرة التـي نزعت فأكلت فـي كل معانـيها.

قالوا: ولذلك

قال اللّه جل ثناؤه: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها لاشتبـاه جميعه فـي كل معانـيه.

وقال بعضهم: بل

قالوا: هَذَا الّذِي رزِقْنا مِنْ قَبْلُ لـمشابهته الذي قبله فـي اللون وإن خالفه فـي الطعم. ذكر من قال ذلك:

٣٠٩ـ حدثنا القاسم بن الـحسين، قال: حدثنا الـحسين بن داود، قال: حدثنا شيخ من الـمَصّيصة عن الأوزاعي عن يحيى بن أبـي كثـير، قال: يؤتـي أحدهم بـالصحفة فـيأكل منها، ثم يؤتـي بأخرى فـ

يقول: هذا الذي أُتـينا به من قبل، فـيقول الـمَلَكُ: كل فـاللون واحد والطعم مختلف.

وهذا التأويـل مذهب من تأوّل الآية. غير أنه يدفع صحته ظاهر التلاوة. والذي يدل علـى صحته ظاهر الآية ويحقق صحته قول القائلـين إن معنى ذلك: هذا الذي رزقنا من قبل فـي الدنـيا. وذلك أن اللّه جل ثناؤه قال: كُلّـما رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقا فأخبر جل ثناؤه أن من قـيـل أهل الـجنة كلـما رزقوا من ثمر الـجنة رزقا أن يقولوا: هذا الذي رُزقنا من قبل. ولـم يخصص بأن ذلك من قـيـلهم فـي بعض ذلك دون بعض. فإذْ كان قد أخبر جل ذكره عنهم أن ذلك من قـيـلهم فـي كل ما رزقوا من ثمرها، فلا شك أن ذلك من قـيـلهم فـي أول رزق رزقوه من ثمارها أتوا به بعد دخولهم الـجنة واستقرارهم فـيها، الذي لـم يتقدمه عندهم من ثمارها ثمرة. فإذْ كان لا شك أن ذلك من قـيـلهم فـي أوله، كما هو من قـيـلهم فـي وسطه وما يتلوه، فمعلوم أنه مـحال أن يكون من قـيـلهم لأوّل رزق رزقوه من ثمار الـجنة: هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ هذا من ثمار الـجنة. وكيف يجوز أن يقولوا لأوّل رزق رزقوه من ثمارها ولـما يتقدمه عندهم غيره: هذا هو الذي رزقناه من قبل إلا أن ينسبهم ذو غرّة وضلال إلـى قـيـل الكذب الذي قد طهرهم اللّه منه، أو يدفع دافع أن يكون ذلك من قـيـلهم لأول رزق رزقوه منها من ثمارها، فـيدفع صحة ما أوجب اللّه صحته بقوله: كُلّـما رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقا من غير نصب دلالة علـى أنه معنـيّ به حال من أحوال دون حال. فقد تبـين بـما بـينا أن معنى الآية: كلـما رزق الذين آمنوا وعملوا الصالـحات من ثمرة من ثمار الـجنة فـي الـجنة رزقا،

قالوا: هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ هذا فـي الدنـيا.

فإن سألنا سائل فقال: وكيف قال القوم: هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ والذي رُزقوه من قبل قد عدم بأكلهم إياه؟ وكيف يجوز أن يقول أهل الـجنة قولاً لا حقـيقة له؟

قـيـل: إن الأمر علـى غير ما ذهبت إلـيه فـي ذلك، وإنـما معناه: هذا من النوع الذي رزقناه من قبل هذا من الثمار والرزق، كالرجل يقول لاَخر: قد أعدّ لك فلان من الطعام كذا وكذا من ألوان الطبـيخ والشواء والـحلوى، فـيقول الـمقول له ذاك: هذا طعامي فـي منزلـي. يعنـي بذلك أن النوع الذي ذكر له صاحبه أنه أعده له من الطعام هو طعامه، لأن أعيان ما أخبره صاحبه أنه قد أعدّه له هو طعامه. بل ذلك مـما لا يجوز لسامع سمعه يقول ذلك أن يتوهم أنه أراده أو قصده لأن ذلك خلاف مخرج كلام الـمتكلـم وإنـما يوجه كلام كل متكلـم إلـى الـمعروف فـي الناس من مخارجه دون الـمـجهول من معانـيه. فكذلك ذلك في قوله: قالُوا هَذَا الّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ إذ كان ما كانوا رزقوه من قبل قد فنـي وعدم فمعلوم أنهم عنوا بذلك هذا من النوع الذي رزقناه من قبل، ومن جنسه فـي السّمات والألوان علـى ما قد بـينا من القول فـي ذلك فـي كتابنا هذا.

القول فـي تأول قوله: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها.

قال أبو جعفر: والهاء في قوله: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها عائدة علـى الرزق، فتأويـله: وأُتوا بـالذي رزقوا من ثمارها متشابها.

وقد اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل الـمتشابه فـي ذلك،

فقال بعضهم: تشابهه أن كله خيار لا رذل فـيه. ذكر من قال ذلك:

٣١٠ـ حدثنا خلاد بن أسلـم، قال: أخبرنا النضر بن شميـل، قال: أخبرنا أبو عامر عن الـحسن في قوله: مُتَشابِها قال: خيارا كلها لا رذل فـيها.

٣١١ـ وحدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن أبـي رجاء: قرأ الـحسن آيات من البقرة، فأتـى علـى هذه الآية: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها قال: ألـم تروا إلـى ثمار الدنـيا كيف ترذلون بعضه؟ وإن ذلك لـيس فـيه رَذْل

٣١٢ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال الـحسن: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها قال: يشبه بعضه بعضا لـيس فـيه من رَذْل.

٣١٣ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها أي خيارا لا رذل فـيه، وأن ثمار الدنـيا ينقـى منها ويرذل منها، وثمار الـجنة خيار كله لا يرذل منه شيء.

٣١٤ـ وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: ثمر الدنـيا منه ما يرذل ومنه نُقاوة، وثمر الـجنة نقاوة كله يشبه بعضه بعضا فـي الطيب لـيس منه مرذول.

وقال بعضهم: تشابهه فـي اللون وهو مختلف فـي الطعم. ذكر من قال ذلك:

٣١٥ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي فـي خبر ذكره، عن أبـي مالك وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس ، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النّبـي صلى اللّه عليه وسلم: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها فـي اللون والـمرأى، ولـيس يشبه الطعم.

٣١٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها مثل الـخيار.

وحدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وأتُوا بِه مُتَشابِها لونه، مختلفـا طعمه، مثل الـخيار من القثاء.

٣١٧ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر. عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها يشبه بعضه بعضا ويختلف الطعم.

٣١٨ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا الثوري، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد في قوله: مُتَشابِها قال: مشتبها فـي اللون ومختلفـا فـي الطعم.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج عن ابن جريج، عن مـجاهد: وأتُوا بِهِ مُتَشَابِها مثل الـخيار.

وقال بعضهم: تشابه فـي اللون والطعم. ذكر من قال ذلك:

٣١٩ـ حدثنا ابن وكيع

قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن رجل، عن مـجاهد قوله: مُتَشَابِها قال: اللون والطعم.

٣٢٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن الثوري، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد ويحيى بن سعيد: مُتَشابِها قالا: فـي اللون والطعم.

وقال بعضهم: تشابهه تشابه ثمر الـجنة وثمر الدنـيا فـي اللون وإن اختلف طعومهما. ذكر من قال ذلك:

٣٢١ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها قال: يشبه ثمر الدنـيا غير أن ثمر الـجنة أطيب.

٣٢٢ـ وحدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: قال حفص بن عمر، قال: حدثنا الـحكم بن أبـان عن عكرمة في قوله: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها قال: يشبه ثمر الدنـيا، غير أن ثمر الـجنة أطيب.

وقال بعضهم: لا يشبه شيء مـما فـي الـجنة ما فـي الدنـيا إلا الأسماء. ذكر من قال ذلك:

٣٢٣ـ حدثنـي أبو كريب، قال: حدثنا الأشجعي ح، وحدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مؤمل، قالا جميعا: حدثنا سفـيان عن الأعمش، عن أبـي ظبـيان، عن ابن عبـاس قال أبو كريب فـي حديثه عن الأشجعي: لا يشبه شيء مـما فـي الـجنة ما فـي الدنـيا إلا الأسماء

وقال ابن بشار فـي حديثه عن مؤمل قال: لـيس فـي الدنـيا مـما فـي الـجنة إلا الأسماء.

حدثنا عبـاس بن مـحمد، قال: حدثنا مـحمد بن عبـيد عن الأعمش، عن أبـي ظبـيان، عن ابن عبـاس ، قال: لـيس فـي الدنـيا من الـجنة شيء إلا الأسماء.

٣٢٤ـ وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أنبأنا ابن وهب، قال: قال عبد الرحمن بن زيد في قوله: وأتُوا بِهِ مُتَشابِها قال: يعرفون أسماءه كما كانوا فـي الدنـيا، التفـاح بـالتفـاح، والرمان بـالرمان، قالوا فـي الـجنة: هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ فـي الدنـيا، وأتُوُا بِهِ مُتَشابِها يعرفونه، ولـيس هو مثله فـي الطعم.

قال أبو جعفر: وأولـى هذه التأويلات بتأويـل الآية، تأويـل من قال: وأُوتُوا بِهِ مُتَشابِها فـي اللون والـمنظر، والطعمُ مختلفٌ. يعنـي بذلك اشتبـاه ثمر الـجنة وثمر الدنـيا فـي الـمنظر واللون، مختلفـا فـي الطعم والذوق لـما قدمنا من العلة فـي تأويـل قوله: كُلـما رُزِقُوا مِنْعها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقا قالُوا هَذَا الّذِي رِزِقنا مِنْ قَبْلُ وأن معناه: كلـما رزقوا من الـجنان من ثمرة من ثمارها رزقا

قالُوا: هَذَا الّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ هذا فـي الدنـيا.

 فأخبر اللّه جل ثناؤه عنهم أنهم قالوا ذلك من أجل أنهم أُتوا بـما أتوا به من ذلك فـي الـجنة متشابها، يعنـي بذلك تشابه ما أتوا به فـي الـجنة منه والذي كانوا رزقوه فـي الدنـيا فـي اللون والـمرأى والـمنظر وإن اختلفـا فـي الطعم والذوق فتبـاينا، فلـم يكن لشيء مـما فـي الـجنة من ذلك نظير فـي الدنـيا.

وقد دللنا علـى فساد قول من زعم أن معنى قوله: قالُوا هَذَا الّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ إنـما هو قول من أهل الـجنة فـي تشبـيههم بعض ثمرات الـجنة ببعض، وتلك الدلالة علـى فساد ذلك القول هي الدلالة علـى فساد قول من خالف قولنا فـي تأويـل قوله: وأُتُوا بِهِ مُتَشابِها لأن اللّه جل ثناؤه إنـما أخبر عن الـمعنى الذي من أجله قال القوم: هَذَا الّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ بقوله: وأُتُوا بِهِ مُتَشابِها.

ويُسأل من أنكر ذلك فـيزعم أنه غير جائز أن يكون شيء مـما فـي الـجنة نظير الشيء مـما فـي الدنـيا بوجه من الوجوه، فـيقال له: أيجوز أن يكون أسماء ما فـي الـجنة من ثمارها وأطعمتها وأشربتها نظائر أسماء ما فـي الدنـيا منها؟ فإن أنكر ذلك خالف نصّ كتاب اللّه ، لأن اللّه جل ثناؤه إنـما عرّف عبـاده فـي الدنـيا ما هو عنده فـي الـجنة بـالأسماء التـي يسمى بها ما فـي الدنـيا من ذلك. وإن قال: ذلك جائز، بل هو كذلك

قـيـل: فما أنكرت أن يكون ألوان ما فـيها من ذلك نظائر ألوان ما فـي الدنـيا منه بـمعنى البـياض والـحمرة والصفرة وسائر صنوف الألوان وإن تبـاينت فتفـاضلت بفضل حسن الـمرآة والـمنظر، فكان لـما فـي الـجنة من ذلك من البهاء والـجمال وحسن الـمرآة والـمنظر خلاف الذي لـما فـي الدنـيا منه كما كان جائزا ذلك فـي الأسماء مع اختلاف الـمسميات بـالفضل فـي أجسامها؟ ثم يعكس علـيه القول فـي ذلك، فلن يقول فـي أحدهما شيئا إلا أُلزم فـي الاَخر مثله.

وكان أبو موسى الأشعري يقول فـي ذلك بـما:

٣٢٥ـ حدثنـي به ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ وعبد الوهاب، ومـحمد بن جعفر، عن عوف عن قسامة عن الأشعري، قال: إن اللّه لـما أخرج آدم من الـجنة زوّده من ثمار الـجنة، وعلـمه صنعة كل شيء، فثماركم هذه من ثمار الـجنة، غير أن هذه تَغَيّرُ وتلك لا تَغَيّرُ.

وقد زعم بعض أهل العربـية أن معنى قوله: وأُتُوا بِهِ مُتَشابِها أنه متشابه فـي الفضل: أي كل واحد منه له من الفضل فـي نـحوه مثل الذي للاَخر فـي نـحوه.

قال أبو جعفر: ولـيس هذا قولاً نستـجيز التشاغل بـالدلالة علـى فساده لـخروجه عن قول جميع علـماء أهل التأويـل، وحسب قول بخروجه عن قول أهل العلـم دلالة علـى خطئه.

القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَلَهُمْ فِـيهَا أزْواجٌ مُطَهّرَةٌ.

قال أبو جعفر: والهاء والـميـم اللتان فـي (لهم) عائدتان علـى الذين آمنوا وعملوا الصالـحات، والهاء والألف اللتان فـي (فـيها) عائدتان علـى الـجنات. وتأويـل ذلك: وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالـحات أن لهم جنات فـيها أزواج مطهرة. والأزواج جمع زوج، وهي امرأة الرجل، يقال: فلانة زوج فلان وزوجتهوأما قوله مُطَهّرَةٌ فإن تأويـله أنهن طهرن من كل أذى وقَذًى وريبة، مـما يكون فـي نساء أهل الدنـيا من الـحيض والنفـاس والغائط والبول والـمخاط والبصاق والـمنـيّ، وما أشبه ذلك من الأذى والأدناس والريب والـمكاره. كما:

٣٢٦ـ حدثنا به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي فـي خبر. ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس ، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى اللّه عليه وسلم، أما أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ فإنهن لا يحضن ولا يحدثن ولا يتنـخمن.

٣٢٧ـ وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: حدثنا معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس قوله: أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ

يقول: مطهرة من القذر والأذى.

٣٢٨ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى القطان، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: ولَهُمْ فِـيهَا أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ قال: لا يبلن ولا يتغوّطن ولا يَـمْذِين.

٣٢٩ـ وحدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد نـحوه، إلا أنه زاد فـيه: ولا يُـمنـين ولا يحضن.

٣٣٠ـ وحدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد في قول اللّه : وَلَهُمْ فِـيها أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ قال: مطهرة من الـحيض والغائط والبول والنـخام والبزاق والـمنـيّ والولد.

وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن ابن جريج، عن مـجاهد مثله.

٣٣١ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: لا يبلن ولا يتغوّطن، ولا يحضن، ولا يـلدن، ولا يـمنـين، ولا يبزقن.

أخبرنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد نـحو حديث مـحمد بن عمرو، عن أبـي عاصم.

٣٣٢ـ وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة: وَلَهُمْ فِـيها أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ أي واللّه من الإثم والأذى.

٣٣٣ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: وَلَهُمْ فِـيها أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ قال: طهرهن اللّه من كل بول وغائط وقذر، ومن كل مأثم.

٣٣٤ـ حدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن قتادة قال: مطهرة من الـحيض، والـحبل، والأذى.

٣٣٥ـ وحدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنـي ابن أبـي جعفر عن أبـيه، عن لـيث، عن مـجاهد، قال: الـمطهرة من الـحيض والـحبل.

٣٣٦ـ وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، عن عبد الرحمن بن زيد: وَلَهُمْ فـيها أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ قال: الـمطهرة: التـي لا تـحيض قال: وأزواج الدنـيا لـيست بـمطهرة، ألا تراهن يدمين ويتركن الصلاة والصيام؟ قال ابن زيد: وكذلك خـلقت حوّاء حتـى عصت، فلـما عصت قال اللّه : إنـي خـلقتك مطهرة وسأدميك كما أدميت هذه الشجرة.

٣٣٧ـ وحدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع عن الـحسن في قوله وَلَهُمْ فِـيها أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ قال:

يقول: مطهرة من الـحيض.

حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا خالد بن يزيد، قال: حدثنا أبو جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، عن الـحسن في قوله: وَلَهُمْ فـيها أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ قال: من الـحيض.

٣٣٨ـ وحدثنا عمرو، قال: حدثنا أبو معاوية، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء قوله: لَهُمْ فِـيها أزْوَاجٌ مُطَهّرَةٌ قال: من الولد والـحيض والغائط والبول، وذكر أشياء من هذا النـحو.

القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَهُمْ فـيها خالدُونَ.

قال أبو جعفر: يعنـي تعالـى ذكره بذلك: والذين آمنوا وعملوا الصالـحات فـي الـجنات خالدون، فـالهاء والـميـم من قوله وَهُمْ عائدة علـى الذين آمنوا وعملوا الصالـحات، والهاء والألف فـي (فـيها) علـى الـجنات، وخـلودهم فـيها: دوام بقائهم فـيها علـى ما أعطاهم اللّه فـيها من الـحَبْرَة والنعيـم الـمقـيـم.

﴿ ٢٥