٢٦القول فـي تأويـل قوله تعالى: {إِنّ اللّه لاَ يَسْتَحْى أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمّا الّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنّهُ الْحَقّ مِن رّبّهِمْ وَأَمّا الّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَآ أَرَادَ اللّه بِهَـَذَا مَثَلاً يُضِلّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلّ بِهِ إِلاّ الْفَاسِقِينَ } قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي الـمعنى الذي أنزل اللّه جل ثناؤه فـيه هذه الآية وفـي تأويـلها. فقال بعضهم بـما: ٣٣٩ـ حدثنـي به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس ، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى اللّه عليه وسلم: لـما ضرب اللّه هذين الـمثلـين للـمنافقـين، يعنـي قوله: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الّذِي اسْتَوْقَدَ نارا وقوله: أوْ كَصَيّبٍ مِنَ السّماءِ الاَيات الثلاث، قال الـمنافقون: اللّه أعلـى وأجلّ من أن يضرب هذه الأمثال. فأنزل اللّه إنّ اللّه لا يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مّا بَعُوضَةً إلـى قوله: أُولَئِكَ هُمُ الـخَاسِرُونَ. وقال آخرون بـما: ٣٤٠ـ حدثنـي به أحمد بن إبراهيـم، قال: حدثنا قُراد عن أبـي جعفر الرازي، عن الربـيع بن أنس، في قوله تعالى: إنّ اللّه لا يَسْتَـحِيِـي أنْ يَضرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةٌ فَمَا فَوْقَهَا قال: هذا مثل ضربه اللّه للدنـيا، إن البعوضة تـحيا ما جاعت، فإذا سمنت ماتت، وكذلك مثل هؤلاء القوم الذين ضرب اللّه لهم هذا الـمثل فـي القرآن، إذا امتلئوا من الدنـيا رِيّا أخذهم اللّه عند ذلك قال: ثم تلا فلَـمّا نَسُوا ما ذُكّرُوا بِهِ فَتَـحْنَا عَلَـيْهِمْ أبْوَابَ كُلّ شَيْءٍ الآية. ٣٤١ـ وحدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم، قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس بنـحوه، إلا أنه قال: فإذا خـلت آجالهم، وانقطعت مدتهم، صاروا كالبعوضة تـحيا ما جاعت وتـموت إذا رويت فكذلك هؤلاء الذين ضرب اللّه لهم هذا الـمثل إذا امتلئوا من الدنـيا ريّا أخذهم اللّه فأهلكهم، فذلك قوله: حَتّـى إذَا فَرِحُوا بِـمَا أُوتُوا أخَذْناهُمْ بَغْتَةً فإذا هُمْ مُبْلِسُونَ. وقال آخرون بـما: ٣٤٢ـ حدثنا به بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة قوله: إن اللّه لا يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا أي إن اللّه لا يستـحيـي من الـحقّ أن يذكر منه شيئا ما قل منه أو كثر. إن اللّه حين ذكر فـي كتابه الذبـاب والعنكبوت، قال أهل الضلالة: ما أراد اللّه من ذكر هذا؟ فأنزل اللّه : إنّ اللّه لا يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا. وحدثنا الـحسن بن يحيى قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: لـما ذكر اللّه العنكبوت والذبـاب، قال الـمشركون: ما بـال العنكبوت والذبـاب يذكران؟ فأنزل اللّه : إنّ اللّه لاَ يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَها. وقد ذهب كل قائل مـمن ذكرنا قوله فـي هذه الآية وفـي الـمعنى الذي نزلت فـيه مذهبـا، غير أن أولـى ذلك بـالصواب وأشبهه بـالـحقّ ما ذكرنا من قول ابن مسعود وابن عبـاس . وذلك أن اللّه جل ذكره أخبر عبـاده أنه لا يستـحي أن يضرب مثلاً ما بعوضة فما فوقها عقـيب أمثال قد تقدمت فـي هذه السورة ضربها للـمنافقـين دون الأمثال التـي ضربها فـي سائر السور غيرها. فلأن يكون هذا القول، أعنـي قوله: إنّ اللّه لاَ يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما جوابـا لنكير الكفـار والـمنافقـين ما ضُرب لهم من الأمثال فـي هذه السورة أحقّ وأولـى من أن يكون ذلك جوابـا لنكيرهم ما ضرب لهم من الأمثال فـي غيرها من السور. فإن قال قائل: إنـما أوجب أن يكون ذلك جوابـا لنكيرهم ما ضرب من الأمثال فـي سائر السور لأن الأمثال التـي ضربها اللّه لهم ولاَلهتهم فـي سائر السور أمثال موافقة الـمعنى، لـما أخبر عنه أنه لا يستـحي أن يضربه مثلاً، إذْ كان بعضها تـمثـيلاً لاَلهتهم بـالعنكبوت وبعضها تشبـيها لها فـي الضعف والـمهانة بـالذبـاب، ولـيس ذكر شيء من ذلك بـموجود فـي هذه السورة فـيجوز أن يقال: إن اللّه لا يستـحيـي أن يضرب مثلاً ما فإن ذلك بخلاف ما ظن، وذلك أن قول اللّه جل ثناؤه: إنّ اللّه لاَ يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا إنـما هو خبر منه جل ذكره أنه لا يستـحيـي أن يضرب فـي الـحقّ من الأمثال صغيرها وكبـيرها ابتلاءً بذلك عبـاده واختبـارا منه لهم لـيـميز به أهل الإيـمان والتصديق به من أهل الضلال والكفر به، إضلالاً منه به لقوم وهداية منه به لاَخرين كما: ٣٤٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد في قوله: مَثَلاً مَا بَعُوضَةً يعنـي الأمثال صغيرها وكبـيرها، يؤمن بها الـمؤمنون، ويعلـمون أنها الـحقّ من ربهم، ويهديهم اللّه بها، ويضلّ بها الفـاسقـين. يقول: يعرفه الـمؤمنون فـيؤمنون به، ويعرفه الفـاسقون فـيكفرون به. وحدثنـي الـمثنى، قال حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد بـمثله. وحدثنـي القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد مثله. قال أبو جعفر: لا أنه جل ذكره قصد الـخبر عن عين البعوضة أنه لا يستـحيـي من ضرب الـمثل بها، ولكن البعوضة لـما كانت أضعف الـخـلق كما: ٣٤٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا أبو سفـيان، عن معمر، عن قتادة، قال: البعوضة أضعف ما خـلق اللّه . ٣٤٥ـ وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج بنـحوه. خصها اللّه بـالذكر فـي القلة، فأخبر أنه لا يستـحيـي أن يضرب أقلّ الأمثال فـي الـحقّ وأحقرها وأعلاها إلـى غير نهاية فـي الارتفـاع جوابـا منه جل ذكره لـمن أنكر من منافقـي خـلقه ما ضرب لهم من الـمثل بـموقد النار والصيّب من السماء علـى ما نَعَتهما به من نَعْتهما. فإن قال لنا قائل: وأين ذكر نكير الـمنافقـين الأمثال التـي وصفت الذي هذا الـخبر جوابه، فنعلـم أن القول فـي ذلك ما قلت؟ قـيـل: الدلالة علـى ذلك بـينها جلّ ذكره في قوله: فأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَـيَعْلَـمُونَ أنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّهِمْ وأمّا الّذِينَ كَفَرُوا فَـيَقُولُونَ ماذَا أرَادَ اللّه بِهَذَا مَثَلاً وأن القوم الذين ضرب لهم الأمثال فـي الاَيتـين الـمقدمتـين، اللتـين مثّل ما علـيه الـمنافقون مقـيـمون فـيهما بـمُوقِدِ النار وبـالصيب من السماء علـى ما وصف من ذلك قبل قوله: إنّ اللّه لاَ يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً قد أنكروا الـمثل و قالوا: ماذَا أرَادَ اللّه بِهَذَا مَثَلاً، فأوضح خطأ قـيـلهم ذلك، وقبح لهم ما نطقوا به وأخبرهم بحكمهم فـي قـيـلهم ما قالوا منه، وأنه ضلال وفسوق، وأن الصواب والهدى ما قاله الـمؤمنون دون ما قالوه. وأما تأويـل قوله: إنّ اللّه لاَ يَسْتَـحْيِـي فإن بعض الـمنسوبـين إلـى الـمعرفة بلغة العرب كان يتأول معنى: إنّ اللّه لاَ يَسْتَـحْيِـي إن اللّه لا يخشى أن يضرب مثلاً، ويستشهد علـى ذلك من قوله بقول اللّه تعالـى: وَتَـخْشَى الناسَ وَاللّه أحَقّ أنْ تَـخْشاهُ ويزعم أن معنى ذلك: وتستـحي الناسَ واللّه أحقّ أن تستـحيه فـ يقول: الاستـحياء بـمعنى الـخشية، والـخشية بـمعنى الاستـحياء. وأما معنى قوله: أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً فهو أن يبـين ويصف، كما قال جل ثناؤه: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ بـمعنى وصف لكم، وكما قال الكميت: وذَلِكَ ضَرْبُ أخْماسٍ أُرِيدَتْلأِسْدَاسٍ عَسَى أنْ لا تَكُونا بـمعنى وصف أخماس. والـمثل: الشبه، يقال: هذا مَثَلُ هذا ومِثْلُه، كما يقال: شَبَهُه وشِبْهُه، ومنه قول كعب بن زهير: كانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلاًوَمَا مَوَاعِيدُها إلاّ الأبـاطِيـلُ يعنـي شَبَها. فمعنى قوله إذا: إنّ اللّه لاَ يَسْتَـحْيِـي أنْ يَضْرِبَ مَثَلاً: إن اللّه لا يخشى أن يصف شبها لـما شبه به وأما (ما) التـي مع (مثل) فإنها بـمعنى (الذي)، لأن معنى الكلام: إن اللّه لا يستـحيـي أن يضرب الذي هو بعوضة فـي الصغر والقلة فما فوقها مثلاً. فإن قال لنا قائل: فإن كان القول فـي ذلك كما قلت فما وجه نصب البعوضة، وقد علـمت أن تأويـل الكلام علـى ما تأوّلت: إنّ اللّه لاَ يَسْتَـحْيِـي أن يَضْرِبَ مَثَلاً الذي هو بعوضة، فـالبعوضة علـى قولك فـي مـحل الرفع، فأنّى أتاها النصب؟ قـيـل: أتاها النصب من وجهين: أحدهما أن ما لـما كانت فـي مـحل نصب بقوله: يَضْرِب وكانت البعوضة لها صلة أعربت بتعريبها فألزمت إعرابها كما قال حسان بن ثابت: وكَفَـى بِنا فَضْلاً علـى مَنْ غَيْرِناحُبّ النّبِـيّ مُـحَمّدٍ إيّانا فعرّبت غير بإعراب (مَنْ)، فـالعرب تفعل ذلك خاصة فـي (من) و(ما) تعرب صلاتهما بإعرابهما لأنهما يكونان معرفة أحيانا ونكرة أحيانا. وأما الوجه الاَخر، فأن يكون معنى الكلام: إن اللّه لا يستـحيـي أن يضرب مثلاً ما بـين بعوضة إلـى ما فوقها، ثم حذف ذكر (بـين) و(إلـى)، إذ كان فـي نصب البعوضة ودخول الفـاء فـي (ما) الثانـية دلالة علـيهما، كما قالت العرب: (مُطرنا ما زبـالة فـالثعلبـية)، و(له عشرون ما ناقة فجملاً)، و(هي أحسن الناس ما قرنا فقدما)، يعنون: ما بـين قرنها إلـى قدمها، وكذلك يقولون فـي كل ما حسن فـيه من الكلام دخول (ما بـين كذا إلـى كذا)، ينصبون الأول والثانـي لـيدلّ النصب فـيهما علـى الـمـحذوف من الكلام. فكذلك ذلك في قوله: ما بعوضة فما فوقها. وقد زعم بعض أهل العربـية أن (ما) التـي مع الـمَثَل صلة فـي الكلام بـمعنى التطوّل، وأن معنى الكلام: إن اللّه لا يستـحيـي أن يضرب بعوضة مثلاً فما فوقها. فعلـى هذا التأويـل يجب أن تكون بعوضة منصوبة ب(يضرب)، وأن تكون (ما) الثانـية التـي فـي (فما فوقها) معطوفة علـى البعوضة لا علـى (ما). وأما تأويـل قوله: فَمَا فَوْقَهَا: فما هو أعظم منها عندي لـما ذكرنا قبل من قول قتادة وابن جريج أن البعوضة أضعف خـلق اللّه ، فإذا كانت أضعف خـلق اللّه فهي نهاية فـي القلة والضعف، وإذ كانت كذلك فلا شك أن ما فوق أضعف الأشياء لا يكون إلا أقوى منه، فقد يجب أن يكون الـمعنى علـى ما قالاه فما فوقها فـي العظم والكبر، إذ كانت البعوضة نهاية فـي الضعف والقلة. وقـيـل فـي تأويـل قوله: فَمَا فَوْقَها فـي الصغر والقلة، كما يقال فـي الرجل يذكره الذاكر فـيصفه بـاللؤم والشحّ، فـيقول السامع: نعم، وفوق ذاك، يعنـي فوق الذي وصف فـي الشحّ واللؤم. وهذا قول خلاف تأويـل أهل العلـم الذين تُرتضى معرفتهم بتأويـل القرآن، فقد تبـين إذا بـما وصفنا أن معنى الكلام: إن اللّه لا يستـحيـي أن يصف شبها لـما شبه به الذي هو ما بـين بعوضة إلـى ما فوق البعوضة. فأما تأويـل الكلام لو رفعت البعوضة فغير جائز فـي ما إلا ما قلنا من أن تكون اسما لا صلة بـمعنى التطول. القول فـي تأويـل قوله تعالى: فَأما الّذِينَ آمَنُوا فَـيَعْلَـمُونَ أنهُ الـحَقّ مِنْ رَبّهِمْ وأما الّذِينَ كَفَروا فَـيَقُولُونَ ماذَا أرَادَ اللّه بِهَذَا مَثَلاً. قال أبو جعفر: يعنـي بقوله جل ذكره: فأمّا الّذِينَ آمَنُوا فأما الذين صدقوا اللّه ورسولهوقوله: فَـيَعْلَـمُونَ أنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّهِمْ يعنـي فـيعرفون أن الـمثل الذي ضربه اللّه لـما ضربه له مثل. كما. ٣٤٦ـ حدثنـي به الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس: فأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَـيَعْلَـمُونَ أنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّهِمْ أن هذا الـمثل الـحق من ربهم أنه كلام اللّه ومن عنده. وكما: ٣٤٧ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، قوله: فأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَـيَعْلَـمُونَ أنّهُ الـحَقّ مِنْ رَبّهِمْ: أي يعلـمون أنه كلام الرحمن وأنه الـحقّ من اللّه . وأمّا الّذِينَ كَفَرُوا فَـيَقُولُونَ ماذَا أرَادَ اللّه بِهَذا مَثَلاً قال أبو جعفر: وقوله: وأما الّذِينَ كَفَرُوا يعنـي الذين جحدوا آيات اللّه وأنكروا ما عرفوا وستروا ما علـموا أنه حقّ. وذلك صفة الـمنافقـين، وإياهم عنى اللّه جل وعزّ ومن كان من نظرائهم وشركائهم من الـمشركين من أهل الكتاب وغيرهم بهذه الآية، فـيقولون: ماذا أراد اللّه بهذا مثلاً، كما قد ذكرنا قبل من الـخبر الذي رويناه عن مـجاهد الذي. ٣٤٨ـ حدثنا به مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: فأمّا الّذِينَ آمَنُوا فَـيَعْلَـمُونَ أنّهُ الـحَق مِنْ رَبّهِمْ الآية، قال: يؤمن بها الـمؤمنون، ويعلـمون أنها الـحقّ من ربهم، ويهديهم اللّه بها ويضلّ بها الفـاسقون. يقول: يعرفه الـمؤمنون فـيؤمنون به، ويعرفه الفـاسقون فـيكفرون به. وتأويـل قوله: ماذَا أرَادَ اللّه بِهَذَا مَثَلاً ما الذي أراد اللّه بهذا الـمثل مثلاً، ف(ذا) الذي مع (ما) فـي معنى (الذي) وأراد صلته، وهذا إشارة إلـى الـمثل. القول فـي تأويـل قوله تعالى: يضلّ به كَثِـيرا ويَهْدِي بِهِ كَثِـيرا. قال أبو جعفر: يعنـي بقوله جل وعزّ: يُضِلّ بِهِ كَثِـيرا يضلّ اللّه به كثـيرا من خـلقه، والهاء فـي (به) من ذكر الـمثل. وهذا خبر من اللّه جل ثناؤه مبتدأ، ومعنى الكلام: أن اللّه يضلّ بـالـمثل الذي يضرّبه كثـيرا من أهل النفـاق والكفر. كما: ٣٤٩ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس ، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى اللّه عليه وسلم: يُضِلّ بِهِ كَثِـيرا يعنـي الـمنافقـين، وَيَهْدِي بِهِ كَثِـيرا يعنـي الـمؤمنـين فـيزيد هؤلاء ضلالاً إلـى ضلالهم لتكذيبهم بـما قد علـموه حقا يقـينا من الـمثل الذي ضربه اللّه لـما ضربه له وأنه لـما ضربه له موافق، فذلك إضلال اللّه إياهم به. ويهدي به يعنـي بـالـمثل كثـيرا من أهل الإيـمان والتصديق، فـيزيدهم هدى إلـى هداهم وإيـمانا إلـى إيـمانهم، لتصديقهم بـما قد علـموه حقا يقـينا أنه موافق ما ضربه اللّه له مثلاً وإقرارهم به، وذلك هداية من اللّه لهم به. وقد زعم بعضهم أن ذلك خبر عن الـمنافقـين، كأنهم قالوا: ماذا أراد اللّه بـمثل لا يعرفه كل أحد يضلّ به هذا ويهدي به هذا. ثم استؤنف الكلام والـخبر عن اللّه فقال اللّه : وَما يُضِلّ بِهِ إِلاّ الفـاسِقِـينَ وفـيـما فـي سورة الـمدثر من قول اللّه : وَلِـيَقُولَ الّذِينَ فِـي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والكافِرُونَ ماذَا أرَادَ اللّه بِهَذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلّ اللّه مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ما ينبىء عن أنه فـي سورة البقرة كذلك مبتدأ، أعنـي قوله: يُضِلّ بِهِ كَثِـيرا وَيَهْدِي بِهِ كَثِـيرا. القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَما يُضِلِ بِهِ إِلاّ الفَـاسِقِـينَ. وتأويـل ذلك ما: ٣٥٠ـ حدثنـي به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره، عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس ، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى اللّه عليه وسلم: وَما يُضِلّ بِهِ إِلاّ الفَـاسِقِـينَ: هم الـمنافقون. ٣٥١ـ وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: وَمَا يُضِلّ بِهِ إِلاّ الفَـاسِقِـينَ فسقوا فأضلهم اللّه علـى فسقهم. ٣٥٢ـ وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بن أنس: وَما يُضِل بِهِ إِلاّ الفَـاسِقِـينَ: هم أهل النفـاق. قال أبو جعفر: وأصل الفسق فـي كلام العرب: الـخروج عن الشيء، يقال منه: فسقت الرطبة، إذا خرجت من قشرها ومن ذلك سميت الفأرة فويسقة، لـخروجها عن جحرها. فكذلك الـمنافق والكافر سُميا فـاسقـين لـخروجهما عن طاعة ربهما، ولذلك قال جل ذكره فـي صفة إبلـيس: إلاّ إبْلِـيسَ كَانَ مِنَ الـجنّ فَفَسَقَ عَنْ أمْرِ رَبّهِ يعنـي به: خرج عن طاعته واتبـاع أمره. كما: ٣٥٣ـ حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنـي ابن إسحاق عن داود بن الـحصين، عن عكرمة مولـى ابن عبـاس ، عن ابن عبـاس في قوله: بِـمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ أي بـما بعدوا عن أمري. فمعنى قوله: وَمَا يُضِلِ بِهِ إِلاّ الفـاسِقِـينَ: وما يضلّ اللّه بـالـمثل الذي يضربه لأهل الضلال والنفـاق إلا الـخارجين عن طاعته والتاركين اتبـاع أمره من أهل الكفر به من أهل الكتاب وأهل الضلال من أهل النفـاق. |
﴿ ٢٦ ﴾