٣١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَعَلّمَ آدَمَ الأسْمَآءَ كُلّهَا ثُمّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـَؤُلآءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ } قال أبو جعفر: ٤١٢ـ حدثنا مـحمد بن حميد، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن أبـي الـمغيرة، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس قال: بعث ربّ العزّة ملك الـموت، فأخذ من أديـم الأرض من عذبها ومالـحها، فخـلق منه آدم. ومن ثم سُمي آدم لأنه خـلق من أديـم الأرض. ٤١٣ـ وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا عمرو بن ثابت، عن أبـيه، عن جده، عن علـيّ، قال: إن آدم خـلق من أديـم الأرض فـيه الطيب والصالـح والرديء، فكل ذلك أنت راء فـي ولده الصالـح والرديء. ٤١٤ـ وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا مسعر، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير، قال: خـلق آدم من أديـم الأرض فسمي آدم. وحدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، عن أبـي حصين، عن سعيد بن جبـير قال: إنـما سمي آدم لأنه خـلق من أديـم الأرض. ٤١٥ـ وحدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره، عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس ، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى اللّه عليه وسلم: إن ملك الـموت لـما بعث لـيأخذ من الأرض تربة آدم، أخذ من وجه الأرض وخـلط فلـم يأخذ من مكان واحد، وأخذ من تربة حمراء وبـيضاء وسوداء فلذلك خرج بنو آدم مختلفـين، ولذلك سمي آدم، لأنه أخذ من أديـم الأرض. وقد رُوي عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خبر يحقق ما قال من حكينا قوله فـي معنى آدم، وذلك ما: ٤١٦ـ حدثنـي به يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن عوف، وحدثنا مـحمد بن بشار وعمر بن شبة، قالا: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا عوف، وحدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ ومـحمد بن جعفر وعبد الوهاب الثقـفـي قالوا: حدثنا عوف، وحدثنـي مـحمد بن عمارة الأسدي، قال: حدثنا إسماعيـل بن أبـان، قال: حدثنا عنبسة، عن عوف الأعرابـي، عن قسامة بن زهير، عن أبـي موسى الأشعري، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (إنّ اللّه خَـلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ علـى قَدْرِ الأرْضِ جاءَ مِنْهُمْ أَلاحْمَرُ وَالأسْوَدُ وَالأبْـيَضُ وَبَـيْنَ ذلكَ وَالسّهْلُ وَالـحَزْنُ وَالـخَبِـيثُ وَالطّيّبُ). فعلـى التأويـل الذي تأول آدم من تأوله بـمعنى أنه خـلق من أديـم الأرض، يجب أن يكون أصل آدم فعلاً سمي به أبو البشر، كما سمي أحمد بـالفعل من الإحماد، وأسعد من الإسعاد، فلذلك لـم يجرّ، ويكون تأويـله حينئذٍ: آدم الـملك الأرضَ، يعنـي به أبلغ أَدَمتها، وأدمتها وجهها الظاهر لرأي العين، كما أن جلدة كل ذي جلدة له أدمة، ومن ذلك سمي الإدام إداما، لأنه صار كالـجلدة العلـيا مـما هي منه، ثم نقل من الفعل فجعل اسما للشخص بعينه. القول فـي تأويـل قوله تعالى: الأسْمَاءَ كُلّها. قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي الأسماء التـي علـمها آدم ثم عرضها علـى الـملائكة. فقال ابن عبـاس ما: ٤١٧ـ حدثنا به أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس ، قال: علـم اللّه آدم الأسماء كلها، وهي هذه الأسماء التـي يتعارف بها الناس: إنسان ودابة، وأرض، وسهل، وبحر، وجبل، وحمار، وأشبـاه ذلك من الأمـم وغيرها. ٤١٨ـ وحدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنـي عيسى عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد في قول اللّه : وَعَلّـمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها قال: علـمه اسم كل شيء. وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن خصيف، عن مـجاهد: وَعَلّـمَ آدمَ الأسْماءَ كُلّها قال: علـمه اسم كل شيء. ٤١٩ـ وحدثنا علـي بن الـحسن، قال: حدثنا مسلـم الـحرمي، عن مـحمد بن مصعب، عن قـيس بن الربـيع، عن خصيف، عن مـجاهد، قال: علـمه اسم الغراب والـحمامة، واسم كل شيء. ٤٢٠ـ وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شريك، عن سالـم الأفطس، عن سعيد بن جبـير، قال: علـمه اسم كل شيء، حتـى البعير والبقرة والشاة. ٤٢١ـ وحدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي عن شريك، عن عاصم بن كلـيب، عن سعيد بن معبد، عن ابن عبـاس ، قال: علـمه اسم القصعة والفسوة والفسية. وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن عاصم بن كلـيب، عن الـحسن بن سعد، عن ابن عبـاس : وَعَلّـمَ آدَمَ الأسْمَاءَ كُلّها قال: حتـى الفسوة والفسية. حدثنا علـيّ بن الـحسن، قال: حدثنا مسلـم، قال: حدثنا مـحمد بن مصعب، عن قـيس، عن عاصم بن كلـيب، عن سعيد بن معبد، عن ابن عبـاس في قول اللّه : وَعَلّـمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها قال: علـمه اسم كل شيء حتـى الهنة والهنـية والفسوة والضرطة. وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا علـيّ بن مسهر، عن عاصم بن كلـيب، قال: قال ابن عبـاس : علـمه القصعة من القصيعة، والفسوة من الفسية. ٤٢٢ـ وحدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة قوله: وَعَلّـمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها حتـى بلغ: إنّكَ أنْتَ العَلِـيـمُ الـحَكِيـمُ قال: يا آدم أنبئهم بأسمائهم فأنبأ كل صنف من الـخـلق بـاسمه وألـجأه إلـى جنسه. ٤٢٣ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: حدثنا معمر، عن قتادة في قوله: وَعَلّـمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها قال: علـمه اسم كل شيء: هذا جبل، وهذا بحر، وهذا كذا وهذا كذا، لكل شيء، ثم عرض تلك الأشياء علـى الـملائكة فقال: أنْبِئُونِـي بِأسْماءِ هَولاءِ إِنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ. ٤٢٤ـ وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن جرير بن حازم ومبـارك، عن الـحسن، وأبـي بكر عن الـحسن وقتادة قالا: علـمه اسم كل شيء: هذه الـخيـل، وهذه البغال، والإبل، والـجنّ، والوح٥ وجعل يسمي كل شيء بـاسمه. ٤٢٥ـ وحدثت عن عمار، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر عن أبـيه، عن الربـيع، قال: اسم كل شيء. وقال آخرون: علـم آدم الأسماء كلها، أسماء الـملائكة. ذكر من قال ذلك: ٤٢٦ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: وَعَلـمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلها قال: أسماء الـملائكة. وقال آخرون: إنـما علـمه أسماء ذريته كلها. ذكر من قال ذلك: ٤٢٧ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وَعَلـمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها قال: أسماء ذرّيته أجمعين. وأولـى هذه الأقوال بـالصواب وأشبهها بـما دلّ علـى صحته ظاهر التلاوة قول من قال في قوله: وَعَلّـمَ آدمَ الأسْماءَ كُلّها إنها أسماء ذرّيته وأسماء الـملائكة، دون أسماء سائر أجناس الـخـلق. وذلك أن اللّه جل ثناؤه قال: ثُمّ عَرَضَهُمْ علـى الـمَلائِكَةِ يعنـي بذلك أعيان الـمسمين بـالأسماء التـي علـمها آدم، ولا تكاد العرب تكنـي بـالهاء والـميـم إلا عن أسماء بنـي آدم والـملائكة وأما إذا كانت عن أسماء البهائم وسائر الـخـلق، سوى من وصفنا، فإنها تكنـي عنها بـالهاء والألف، أو بـالهاء والنون، فقالت: عرضهن، أو عرضها. وكذلك تفعل إذا كنت عن أصناف من الـخـلق، كالبهائم والطير وسائر أصناف الأمـم، وفـيها أسماء بنـي آدم والـملائكة، فإنها تكنـي عنها بـما وصفنا من الهاء والنون، أو الهاء والألف. وربـما كنت عنها إذ كان كذلك بـالهاء والـميـم، كما قال جل ثناؤه: وَاللّه خَـلَقَ كُلّ دَابّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي علـى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي علـى رِجْلَـيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي علـى أرْبَعٍ فكنـي عنها بـالهاء والـميـم، وهي أصناف مختلفة فـيها الاَدميّ وغيره. وذلك وإن كان جائزا فإن الغالب الـمستفـيض فـي كلام العرب ما وصفنا من إخراجهم كناية أسماء أجناس الأمـم إذا اختلطت بـالهاء والألف، أو الهاء والنون. فلذلك قلت: أولـى بتأويـل الآية أن تكون الأسماء التـي علـمها آدم أسماء أعيان بنـي آدم وأسماء الـملائكة. وإن كان ما قال ابن عبـاس جائزا علـى مثال ما جاء فـي كتاب اللّه من قوله: وَاللّه خَـلَقَ كُلّ دَابّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَـمْشِي علـى بَطْنِهِ الآية. وقد ذكر أنها فـي حرف ابن مسعود: (ثم عرضهن)، وأنها فـي حرف أبـيّ: (ثم عرضها). ولعلّ ابن عبـاس تأوّل ما تأوّل من قوله: علـمه اسم كل شيء حتـى الفسوة والفسية علـى قراءة أبـيّ، فإنه فـيـما بلغنا كان يقرأ قراءة أبـيّ. وتأويـل ابن عبـاس علـى ما حكي عن أبـيّ من قراءته غير مستنكر، بل هو صحيح مستفـيض فـي كلام العرب علـى نـحو ما تقدم وصفـي ذلك. القول فـي تأويـل قوله تعالى: ثُمّ عَرَضَهُمْ علـى الـمَلائِكَةِ. قال أبو جعفر: قد تقدم ذكرنا التأويـل الذي هو أوْلـى بـالآية علـى قراءتنا ورسم مصحفنا، وأن قوله: ثُمّ عَرَضَهُمْ بـالدلالة علـى بنـي آدم والـملائكة أولـى منه بـالدلالة علـى أجناس الـخـلق كلها، وإن كان غير فـاسد أن يكون دالاّ علـى جميع أصناف الأمـم للعلل التـي وصفنا. ويعنـي جل ثناؤه بقوله: ثُمّ عَرَضَهُمْ ثم عرض أهل الأسماء علـى الـملائكة. وقد اختلف الـمفسرون فـي تأويـل قوله: ثُمّ عَرَضَهُمْ علـى الـمَلاَئِكَةِ نـحو اختلافهم في قوله: وَعَلّـمَ آدَمَ الأسْماءَ كُلّها وسأذكر قول من انتهى إلـينا عنه فـيه قول. ٤٢٨ـ حدثنا مـحمد بن العلاء، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق عن الضحاك ، عن ابن عبـاس : ثُمّ عَرَضَهُمْ علـى الـمَلائِكَةِ ثم عرض هذه الأسماء يعنـي أسماء جميع الأشياء التـي علـمها آدم من أصناف جميع الـخـلق. ٤٢٩ـ وحدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي فـي خبر ذكره، عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس ، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى اللّه عليه وسلم: ثُمّ عَرَضَهُمْ ثم عرض الـخـلق علـى الـملائكة. ٤٣٠ـ وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أسماء ذريته كلها أخذهم من ظهره قال: ثم عرضهم علـى الـملائكة. ٤٣١ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة: ثُمّ عَرَضَهُمْ قال: علـمه اسم كل شيء ثم عرض تلك الأسماء علـى الـملائكة. ٤٣٢ـ وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: ثُمّ عَرَضَهُمْ عرض أصحاب الأسماء علـى الـملائكة. ٤٣٣ـ وحدثنا علـيّ بن الـحسن، قال: حدثنا مسلـم، قال: حدثنا مـحمد بن مصعب، عن قـيس، عن خصيف عن مـجاهد ثُمّ عَرَضَهُمْ علـى الـمَلائِكَةِ يعنـي عرض الأسماء الـحمامة والغراب. ٤٣٤ـ وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن جرير بن حازم، ومبـارك عن الـحسن، وأبـي بكر عن الـحسن، وقتادة قالا: علـمه اسم كل شيء هذه الـخيـل وهذه البغال وما أشبه ذلك، وجعل يسمي كل شيء بـاسمه، وعرضت علـيه أمة أمة. القول فـي تأويـل قوله تعالى: فقالَ أنْبِئُونِـي بِأسْماءِ هَولاءِ. قال أبو جعفر: وتأويـل قوله: أنْبِئُونِـي أخبرونـي، كما: ٤٣٥ـ حدثنا أبو كريب قال: حدثنا عثمان، قال: حدثنا بشر، عن أبـي روق، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس : أنْبِئُونِـي يقول: أخبرونـي بأسماء هؤلاء. ومنه قول نابغة بنـي ذبـيان: وأنْبأهُ الـمُنَبّىء أنّ حَيّاحُلُولٌ مِنْ حَرَامٍ أوْ جُذَامِ يعنـي بقوله أنبأه: أخبره وأعلـمه. القول فـي تأويـل قوله تعالى: بِأسْماءِ هَولاءِ. قال أبو جعفر: ٤٣٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى وحدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد في قول اللّه : بِأسْماءِ هَؤلاءِ قال: بأسماء هذه التـي حدثت بها آدم. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد: أنْبئُونِـي بأسماءِ هَؤلاءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقـينَ يقول: بأسماء هؤلاء التـي حدثت بها آدم. القول فـي تأويـل قوله تعالى: إنْ كُنْتُـمِ صَادِقِـينَ. قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويـل فـي ذلك. ٤٣٧ـ فحدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس : إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ إن كنتـم تعلـمون لِـمَ أجعل فـي الأرض خـلـيفة. ٤٣٨ـ وحدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط عن السدي فـي خبر ذكره عن أبـي مالك، وعن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس ، وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى اللّه عليه وسلم: إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ أن بنـي آدم يفسدون فـي الأرض ويسفكون الدماء. ٤٣٩ـ وحدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن جرير بن حازم، ومبـارك عن الـحسن وأبـي بكر، عن الـحسن وقتادة قالا: أنْبِئُونِـي بِأسْمَاءِ هَولاَءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ أنـي لـم أخـلق خـلقا إلا كنتـم أعلـم منه، فأخبرونـي بأسماء هؤلاء إن كنتـم صادقـين. قال أبو جعفر: وأولـى هذه الأقوال بتأويـل الآية تأويـل ابن عبـاس ومن قال بقوله. ومعنى ذلك فقال: أنبئونـي بأسماء من عرضته علـيكم أيتها الـملائكة القائلون: أتَـجْعَل فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها وَيَسْفِكُ الدّماءَ من غيرنا، أم منّا؟ فنـحن نسبح بحمدك ونقدس لك إن كنتـم صادقـين فـي قـيـلكم أنـي إن جعلت خـلـيفتـي فـي الأرض من غيركم عصانـي ذريته، وأفسدوا فـيها، وسفكوا الدماء، وإن جعلتـم فـيها أطعتـمونـي، واتبعتـم أمري بـالتعظيـم لـي والتقديس. فإنكم إن كنتـم لا تعلـمون أسماء هؤلاء الذين عرضتهم علـيكم من خـلقـي وهم مخـلوقون موجودون ترونهم وتعاينونهم، وعلـمه غيركم بتعلـيـمي إياه، فأنتـم بـما هو غير موجود من الأمور الكائنة التـي لـم توجد بعد، وبـما هو مستتر من الأمور التـي هي موجودة عن أعينكم أحرى أن تكونوا غير عالـمين، فلا تسألونـي ما لـيس لكم به علـم، فإنـي أعلـم بـما يصلـحكم ويصلـح خـلقـي. وهذا الفعل من اللّه جل ثناؤه بـملائكته الذين قالوا له: أتَـجْعَلُ فِـيها مَنْ يُفْسِدُ فِـيها من جهة عتابه جل ذكره إياهم، نظير قوله جل جلاله لنبـيه نوح صلوات اللّه علـيه، إذ قال: رَبّ إنّ ابْنِـي مِنْ أهْلِـي وَإِنّ وَعْدَكَ الـحَقّ وَأنْتَ أحْكَمُ الـحاكِمينَ: لا تَسْألْنِ ما لَـيْسَ لَكَ بهِ عِلْـمٌ إنّـي أعظُكَ أنْ تَكُونَ مِنَ الـجاهِلِـينَ. فكذلك الـملائكة سألت ربها أن تكون خـلفـاءه فـي الأرض يسبحوه ويقدسوه فـيها، إذ كان ذرية من أخبرهم أنه جاعله فـي الأرض خـلـيفة، يفسدون فـيها، ويسفكون الدماء، فقال لهم جل ذكره: إنـي أعْلَـمُ ما لا تَعْلَـمُونَ يعنـي بذلك أنـي أعلـم أن بعضكم فـاتـح الـمعاصي وخاتـمها وهو إبلـيس منكرا بذلك تعالـى ذكره قولهم. ثم عرّفهم موضع هفوتهم فـي قـيـلهم ما قالوا من ذلك، بتعريفهم قصور علـمهم عما هم له شاهدون عيانا، فكيف بـما لـم يروه ولـم يخبروا عنه بعرضه ما عرض علـيهم من خـلقه الـموجودين يومئذٍ، وقـيـله لهم: أنْبِئُونِـي بِأسْماءِ هَولاءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ أنكم إن استـخـلفتكم فـي أرضي سبحتـمونـي وقدستـمونـي، وإن استـخـلفت فـيها غيركم عصانـي ذريته، وأفسدوا وسفكوا الدماء. فلـما اتضح لهم موضع خطأ قـيـلهم، وبدت لهم هفوة زلتهم أنابوا إلـى اللّه بـالتوبة فقالوا: سُبحانَكَ لا علـمَ لنَا إِلاّ ما علـمتنا فسارعوا الرجعة من الهفوة، وبـادروا الإنابة من الزلة، كما قال نوح حين عوتب فـي مسألته، فقـيـل له: لا تَسألْنِ ما لَـيْسَ لَكَ بِهِ عِلْـمٌ: رَبّ إنّـي أعُوذُ بِكَ أنْ أسألَكَ مَا لَـيْسَ لِـي بِهِ عِلْـمٌ وإلا تَغْفِرْ لِـي وَتَرْحَمْنِـي أكُنْ مِنَ الـخاسِرِينَ وكذلك فعل كل مسدد للـحق موفق له، سريعة إلـى الـحقّ إنابته، قريبة إلـيه أوبته. وقد زعم بعض نـحويـي أهل البصرة أن قوله: أنْبِئُونِـي بِأسْمَاءِ هَولاَءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ لـم يكن ذلك لأن الـملائكة ادّعوا شيئا، إنـما أخبر اللّه عن جهلهم بعلـم الغيب وعلـمه بذلك وفضله، فقال: أنبئونـي إن كنتـم صادقـين كما يقول الرجل للرجل: أنبئنـي بهذا إن كنت تعلـم، وهو يعلـم أنه لا يعلـم يريد أنه جاهل. وهذا قول إذا تدبره متدبر علـم أن بعضه مفسد بعضا، وذلك أن قائله زعم أن اللّه جل ثناؤه قال للـملائكة إذ عرض علـيهم أهل الأسماء: أنْبِئُونِـي بِأسْماءِ هَؤلاءِ وهو يعلـم أنهم لا يعلـمون، ولا هم ادّعوا علـم شيء يوجب أن يوبخوا بهذا القول. وزعم أن قوله: إِنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ نظير قول الرجل للرجل: أنبئنـي بهذا إن كنت تعلـم، وهو يعلـم أنه لا يعلـم يريد أنه جاهل. ولا شك أن معنى قوله: إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ إنـما هو إن كنتـم صادقـين، إما فـي قولكم، وإما فـي فعلكم لأن الصدق فـي كلام العرب إنـما هو صدق فـي الـخبر لا فـي العلـم وذلك أنه غير معقول فـي لغة من اللغات أن يقال صدق الرجل بـمعنى علـم. فإذا كان ذلك كذلك فقد وجب أن يكون اللّه جل ثناؤه قال للـملائكة علـى تأويـل قول هذا الذي حكينا قوله فـي هذه الآية: أنْبِئُونِـي بِأسْمَاءِ هَؤلاءِ إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ وهو يعلـم أنهم غير صادقـين، يريد بذلك أنهم كاذبون. وذلك هو عين ما أنكره، لأن زعم أن الـملائكة لـم تدع شيئا، فكيف جاز أن يقال لهم: إن كنتـم صادقـين فأنبئونـي بأسماء هؤلاء؟ هذا مع خروج هذا القول الذي حكيناه عن صاحبه من أقوال جميع الـمتقدمين والـمتأخرين من أهل التأويـل والتفسير. وقد حكي عن بعض أهل التفسير أنه كان يتأوّل قوله: إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ بـمعنى: إذ كنتـم صادقـين. ولو كانت (إن) بـمعنى (إذ) فـي هذا الـموضع لوجب أن تكون قراءتها بفتـح ألفها، لأن (إذ) إذا تقدمها فعل مستقبل صارت علة للفعل وسببـا له، وذلك كقول القائل: أقوم إذ قمت، فمعناه: أقوم من أجل أنك قمت، والأمر بـمعنى الاستقبـال. فمعنى الكلام: لو كانت إن بـمعنى إذ أنبئونـي بأسماء هؤلاء من أجل أنكم صادقون. فإذا وضعت (إن) مكان ذلك، قـيـل: (أنبئونـي بأسماء هؤلاء أنْ كنتـم صادقـين مفتوحة الألف، وفـي إجماع جميع قرّاء أهل الإسلام علـى كسر الألف من (إن) دلـيـل واضح علـى خطأ تأويـل من تأوّل (إنْ) بـمعنى (إذ) فـي هذا الـموضع. |
﴿ ٣١ ﴾