٥٨القول فـي تأويـل قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَـَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً .....} والقرية التـي أمرهم اللّه جل ثناؤه أن يدخـلوها، فـيأكلوا منها رغدا حيث شاءوا فـيـما ذكر لنا: بـيت الـمقدس. ذكر الرواية بذلك: ٧١٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أنبأنا عبد الرزاق، قال: أنبأنا معمر، عن قتادة في قوله: ادْخُـلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ قال: بـيت الـمقدس. ٧١٥ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنـي عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُـلُوا هَذِذِ القَرْيَةَ أما القرية فقرية بـيت الـمقدس. ٧١٦ـ حدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُـلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ يعنـي بـيت الـمقدس. ٧١٧ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألته يعنـي ابن زيد عن قوله: ادْخُـلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا قال: هي أريحا، وهي قريبة من بـيت الـمقدس. القول فـي تأويـل قوله تعالى: فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُـمْ رَغَدا. يعنـي بذلك: فكلوا من هذه القرية حيث شئتـم عيشا هنـيا واسعا بغير حساب. وقد بـينا معنى الرغد فـيـما مضى من كتابنا، وذكرنا أقوال أهل التأويـل فـيه. القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَادْخُـلُوا البـابَ سُجّدا. أما البـاب الذي أمروا أن يدخـلوه، فإنه قـيـل: هو بـاب الـحطة من بـيت الـمقدس. ذكر من قال ذلك: ٧١٨ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو البـاهلـي، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: ادْخُـلُوا البـابَ سُجّدا قال: بـاب الـحطة من بـاب إيـلـياء من بـيت الـمقدس. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ٧١٩ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: وادْخُـلُوا البـابَ سُجّدا أما البـاب فبـاب من أبواب بـيت الـمقدس. ٧٢٠ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: حدثنـي أبـي، قال: حدثنـي عمي، قال حدثنـي أبـي عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: وَادْخُـلُوا البـابَ سُجّدا أنه أحد أبواب بـيت الـمقدس، وهو يدعى بـاب حطة. وأما قوله: سُجّدا فإن ابن عبـاس كان يتأوّله بـمعنى الركع. ٧٢١ـ حدثنـي مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا سفـيان عن الأعمش، عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس في قوله: ادْخُـلُوا البـابَ سُجّدا قال: ركعا من بـاب صغير. حدثنا الـحسن بن الزبرقان النـخعي، قال: حدثنا أبو أسامة، عن سفـيان، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن سعيد، عن ابن عبـاس في قوله: ادْخُـلُوا البـابَ سُجّدا قال: أمروا أن يدخـلوا ركعا. وأصل السجود: الانـحناء لـمن سجد له معظما بذلك، فكل منـحن لشيء تعظيـما له فهو ساجد، ومنه قول الشاعر: بِجَمْعٍ تَضِلّ البُلْقُ فِـي حَجَرَاتِهِتَرَى أُلاكْمَ فِـيهِ سُجّدا للْـحَوَافِرِ ) يعنـي بقوله: سجدا: خاشعة خاضعة. ومن ذلك قول أعشى بنـي قـيس بن ثعلبة: يُرَاوِحُ مِنْ صَلَوَاتِ الـمَلِـيكِ طَوْرا سُجُودا وَطَوْرا جُءَوارَا فذلك تأويـل ابن عبـاس قوله: سُجّدا ركعا، لأن الراكع منـحن، وإن كان الساجد أشدّ انـحناء منه. القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَقُولُوا حِطّةٌ. وتأويـل قوله: حِطّةٌ: فعلة، من قول القائل: حطّ اللّه عنك خطاياك فهو يحطها حطة، بـمنزلة الردة والـحدّة والـمدة من حددت ومددت. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـله، فقال بعضهم بنـحو الذي قلنا فـي ذلك. ذكر من قال ذلك منهم: ٧٢٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال أنبأنا معمر: وَقُولُوا حِطّةٌ قال الـحسن وقتادة: أي احطط عنا خطايانا. ٧٢٣ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وَقُولُوا حِطّةٌ: يحطّ اللّه بها عنكم ذنبكم وخطاياكم. ٧٢٤ـ حدثنا القاسم بن الـحسن، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عبـاس : قُولُوا حِطّةٌ قال: يحطّ عنكم خطاياكم. ٧٢٥ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن سفـيان، عن الأعمش، عن الـمنهال بن عمرو، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس قوله: حِطّةٌ: مغفرة. ٧٢٦ـ حدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: حِطّةٌ قال: يحطّ عنكم خطاياكم. ٧٢٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: أخبرنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال لـي عطاء في قوله: وَقُولُوا حِطّةٌ قال: سمعنا أنه يحطّ عنهم خطاياهم. وقال آخرون: معنى ذلك: قولوا لا إلَه إلا اللّه . كأنهم وجهوا تأويـله: قولوا الذي يحطّ عنكم خطاياكم، وهو قول لا إلَه إلا اللّه . ذكر من قال ذلك: ٧٢٨ـ حدثنـي الـمثنى وسعد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم الـمصري، قالا: أخبرنا حفص بن عمر، حدثنا الـحكم بن أبـان، عن عكرمة: وَقُولُوا حِطّةٌ قال: قولوا لا إلَه إلا اللّه . وقال آخرون بـمثل معنى قول عكرمة، إلا أنهم جعلوا القول الذي أمروا بقـيـله الاستغفـار. ذكر من قال ذلك: ٧٢٩ـ حدثنا الـحسن بن الزبرقان النـخعي، حدثنا أبو أسامة، عن سفـيان، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : وَقُولُوا حِطّةٌ قال: أمروا أن يستغفروا. وقال آخرون نظير قول عكرمة، إلا أنهم قالوا القول الذي أمروا أن يقولون هو أن يقولوا هذا الأمر حقّ كما قـيـل لكم. ذكر من قال ذلك: ٧٣٠ـ حدثت عن الـمنـجاب، قال: حدثنا بشر، عن أبـي روق، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس في قوله: وَقُولُوا حِطّةٌ قال: قولوا هذا الأمر حقّ كما قـيـل لكم. واختلف أهل العربـية فـي الـمعنى الذي من أجله رفعت الـحطة، فقال بعض نـحويـي البصرة: رفعت الـحطة بـمعنى (قولوا) لـيكن منكم حطة لذنوبنا، كما تقول للرجل سَمْعُك. وقال آخرون منهم: هي كلـمة أمرهم اللّه أن يقولوها مرفوعة، وفرض علـيهم قـيـلها كذلك. وقال بعض نـحويـي الكوفـيـين: رفعت الـحطة بضمير (هذه)، كأنه قال: وقولوا هذه حطة. وقال آخرون منهم: هي مرفوعة بضمير معناه الـخبر، كأنه قال: قولوا ما هو حطة، فتكون حطة حينئذٍ خبرا ل(ما). والذي هو أقرب عندي فـي ذلك إلـى الصواب وأشبه بظاهر الكتاب، أن يكون رفع حطة بنـية خبر مـحذوف قد دل علـيه ظاهر التلاوة، وهو دخولنا البـاب سجدا حطة، فكفـى من تكريره بهذا اللفظ ما دل علـيه الظاهر من التنزيـل، وهوقوله: وَادْخُـلُوا البـابَ سُجّدا كما قال جل ثناؤه: وَإِذْ قَالَتْ أُمّة مِنْهُمْ لِـمَ تَعِظُونَ قَوْما اللّه مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذّبُهُمْ عَذَابـا شَدِيدا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلـى رَبّكُمْ يعنـي موعظتنا إياهم معذرة إلـى ربكم. فكذلك عندي تأويـل قوله: وَقُولُوا حِطّةٌ يعنـي بذلك: وَإِذْ قُلْنَا ادْخُـلُوا هَذِهِ القَرْيَةَ... وَادْخُـلُوا البـابَ سُجّدا وَقُولُوا دخولنا ذلك سجدا حُطّةٌ لذنوبنا، وهذا القول علـى نـحو تأويـل الربـيع بن أنس وابن جريج وابن زيد الذي ذكرناه آنفـا. وأما علـى تأويـل قول عكرمة، فإن الواجب أن تكون القراءة بـالنصب فـي (حطة)، لأن القوم إن كانوا أمروا أن يقولوا: لا إلَه إلا اللّه ، أو أن يقولوا: نستغفر اللّه ، فقد قـيـل لهم: قولوا هذا القول، ف(قولوا) واقع حينئذٍ علـى الـحطة، لأن الـحطة علـى قول عكرمة هي قول لا إلَه إلا اللّه ، وإذ كانت هي قول لا إلَه إلا اللّه ، فـالقول علـيها واقع، كما لو أمر رجل رجلاً بقول الـخير، فقال له: (قل خيرا) نصبـا، ولـم يكون صوابـا أن يقول له (قل خير) إلا علـى استكراه شديد. وفـي إجماع القراء علـى رفع (الـحطة) بـيان واضح علـى خلاف الذي قاله عكرمة من التأويـل في قوله: وَقُولُوا حِطّةٌ. وكذلك الواجب علـى التأويـل الذي رويناه عن الـحسن وقتادة في قوله: وَقُولُوا حِطّةٌ أن تكون القراءة فـي (حطة) نصبـا، لأن من شأن العرب إذا وضعوا الـمصادر مواضع الأفعال وحذفوا الأفعال أن ينصبوا الـمصادر، كما قال الشاعر: أُبِـيدوا بأيْدِي عُصْبَةٍ وَسُيُوفُهُمْعلـى أُمّهاتِ الهَامِ ضَرْبـا شآمِيَا وكقول القائل للرجل: سمعا وطاعة، بـمعنى: أسمع سمعا وأطيع طاعة، وكما قال جل ثناؤه: مَعَاذ اللّه بـمعنى: نعوذ بـاللّه . القول فـي تأويـل قوله تعالى: نَغْفِرْ لَكُمْ. يعنـي بقوله: نَغْفِرْ لَكُمْ نتغمد لكم بـالرحمة خطاياكم ونسترها علـيكم، فلا نفضحكم بـالعقوبة علـيه. وأصل الغفر: التغطية والستر، فكل ساتر شيئا فهو غافره. ومن ذلك قـيـل للبـيضة من الـحديد التـي تتـخذ جنة للرأس (مِغْفر)، لأنها تغطي الرأس وتُـجِنّه، ومثله غمد السيف، وهو ما يغمده فـيواريه ولذلك قـيـل لزئبر الثوب (عَفْرة)، لتغطيته الثوب، وحَوْلِه بـين الناظر والنظر إلـيها. ومنه قول أوس بن حجر: فَلا أعْتِبُ ابنَ العَمّ إنْ كانَ جاهِلاًوأغْفِرُ عَنْهُ الـجَهْلَ إنْ كانَ أَجْهَلاَ يعنـي بقوله: وأغفر عنه الـجهل: أستر علـيه جهله بحلـمي عنه. القول فـي تأويـل قوله تعالى: خَطاياكُمْ والـخطايا جمع خطية بغير همز كما الـمطايا جمع مطية، والـحشايا جمع حشية. وإنـما ترك جمع الـخطايا بـالهمز، لأن ترك الهمز فـي خطيئة أكثر من الهمز، فجمع علـى خطايا، علـى أن واحدتها غير مهموزة. ولو كانت الـخطايا مـجموعة علـى خطيئة بـالهمز لقـيـل خطائي علـى مثل قبـيـلة وقبـائل، وصحيفة وصحائف. وقد تـجمع خطيئة بـالتاء فـيهمز فـيقال خطيئات، والـخطيئة فعلـية من خَطِىء الرجل يَخْطَا خِطْأً، وذلك إذا عدل عن سبـيـل الـحق. ومنه قول الشاعر: وَإِنْ مُهاجِرَينَ تَكَنّفـاهُلَعَمْرُ اللّه قَدْ خَطِئا وَخابَـا يعنـي أضلا الـحقّ وأثما. القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَسَنَزِيدُ الـمُـحْسِنِـينَ. وتأويـل ذلك ما رُوي لنا عن ابن عبـاس ، وهو ما: ٧٣١ـ حدثنا به القاسم بن الـحسن، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج، قال ابن عبـاس : وَسَنَزِيدُ الـمُـحْسِنِـينَ: من كان منكم مـحسنا زيد فـي إحسانه، ومن كان مخطئا نغفر له خطيئته. فتأويـل الآية: وإذْ قلنا ادخـلوا هذه القرية مبـاحا لكم كل ما فـيها من الطيبـات، موسعا علـيكم بغير حساب، وادخـلوا البـاب سجدا، وقولوا: سجودنا هذا للّه حطة من ربنا لذنوبنا يحطّ به آثامنا، نتغمد لكم ذنوب الـمذنب منكم، فنسترها علـيه، ونـحطّ أوزاره عنه، وسنزيد الـمـحسنـين منكم إلـى إحساننا السالف عنده إحسانا. ثم أخبر اللّه جل ثناؤه عن عظيـم جهالتهم، وسوء طاعتهم ربهم وعصيانهم لأنبـيائهم واستهزائهم برسله، مع عظيـم آلاء اللّه عز وجل عندهم، وعجائب ما أراهم من آياتهم وعبره، موبخا بذلك أبناءهم الذين خوطبوا بهذه الاَيات، ومعلـمهم أنهم إن تعدّوا فـي تكذيبهم مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم وجحودهم نبوّته مع عظيـم إحسان اللّه بـمبعثه فـيهم إلـيهم، وعجائب ما أظهر علـى يديه من الـحجج بـين أظهرهم، أن يكونوا كأسلافهم الذين وصف صفتهم. وقصّ علـينا أنبـاءهم فـي هذه الآيات فقال جل ثناؤه: فَبَدّلَ الّذِينَ ظَلَـمُوا قَوْلاً غَيْرَ الّذِي قـيـل لهمْ فَأَنْزَلْنا علـى الّذِينَ ظَلَـمُوا رِجْزا مِنَ السّماء الآية. |
﴿ ٥٨ ﴾