٦٣

القول فـي تأويـل قوله تعالى:

{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطّورَ خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ }

قال أبو جعفر: الـميثاق: الـمفعال من الوثـيقة إما بـيـمين، وإما بعهد أو غير ذلك من الوثائق.

ويعنـي بقوله: وَأذْ أخَذْنا ميثاقَكُمْ الـميثاق الذي أخبر جل ثناؤه أنه أخذ منهم في قوله: وَإذْ أخَذْنا مِيثاقَ بَنِـي إسْرائيـلَ لاَ تَعْبُدُونَ إلاّ اللّه وَبـالْوَالِدَيْنِ إحْسانا الآيات

 الذي ذكر معها. وكان سبب أخذ الـميثاق علـيهم فـيـما ذكره ابن زيد ما:

٨١٥ـ حدثنـي به يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب قال: قال ابن زيد: لـما رجع موسى من عند ربه بـالألواح قال لقومه بنـي إسرائيـل: إن هذه الألواح فـيها كتاب اللّه ، وأمره الذي أمركم به، ونهيه الذي نهاكم عنه،

فقالوا: ومن يأخذه بقولك أنت؟ لا واللّه حتـى نرى اللّه جهرة حتـى يطلع اللّه علـينا فـ

يقول: هذا كتابـي فخذوه فما له لا يكلـمنا كما كلـمك أنت يا موسى فـ

يقول: هذا كتابـي فخذوه؟ قال: فجاءت غضبة من اللّه فجاءتهم صاعقة فصعقتهم، فماتوا أجمعون

قال: ثم أحياهم اللّه بعد موتهم، فقال لهم موسى: خذوا كتاب اللّه

فقالوا: لا، قال: أي شيء أصابكم؟

قالوا: متنا ثم حيـينا، قال: خذوا كتاب اللّه

قالوا: لا. فبعث ملائكته فنتقت الـجبل فوقهم، فقـيـل لهم: أتعرفون هذا؟

قالوا: نعم، هذا الطور، قال: خذوا الكتاب وإلا طرحناه علـيكم قال: فأخذوه بـالـميثاق. وقرأ قول اللّه : وَإذْ أخَذْنا مِيثاقَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ لا تَعْبُدونَ إلاّ اللّه وَبـالوَالِدَيْنِ إحْسانا حتـى بلغ: وَما اللّه بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ قال: ولو كانوا أخذوه أوّل مرّة لأخذوه بغير ميثاق.

القول فـي تأويـل قوله تعالى: ورَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطّورَ.

قال أبو جعفر: وأما الطور فإنه الـجبل فـي كلام العرب، ومنه قول العجاج:

دَانَى جنَاحَيْهِ مِنَ الطّورِ فَمَرّتَقَضّيَ البـازِي إذا البـازِي كَسَرْ

وقـيـل إنه اسم جبل بعينه. وذكر أنه الـجبل الذي ناجى اللّه علـيه موسى.

وقـيـل: إنه من الـجبـال ما أنبت دون ما لـم ينبت. ذكر من قال: هو الـجبل كائنا ما كان.

٨١٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: أمر موسى قومه أن يدخـلوا البـاب سجدا ويقولوا حطة وطؤطىء لهم البـاب لـيسجدوا، فلـم يسجدوا ودخـلوا علـى أدبـارهم، وقالوا حنطة. فنتق فوقهم الـجبل

يقول: أخرج أصل الـجبل من الأرض فرفعه فوقهم كالظلة، والطور بـالسريانـية: الـجبل تـخويفـا أو خوفـا، شك أبو عاصم فدخـلوا سُجّدا علـى خوف وأعينهم إلـى الـجبل، وهو الـجبل الذي تـجلـى له ربه.

٨١٧ـ وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: رفع الـجبل فوقهم كالسحابة، فقـيـل لهم: لتؤمننّ أو لـيقعنّ علـيكم، فآمنوا. والـجبل بـالسريانـية: الطور.

٨١٨ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وإذْ أخَذْنا ميثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطّورَ قال: الطور: الـجبل، كانوا بأصله فرفع علـيهم فوق رءوسهم،

فقال: لتأخذُنّ أمري أو لأرمينكم به.

حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطّورَ قال: الطور: الـجبل اقتلعه اللّه فرفعه فوقهم،

فقال: خُذُوا ما آتَـيْنَاكُمْ بِقُوّةٍ فأقرّوا بذلك.

٨١٩ـ وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر عن الربـيع، عن أبـي العالـية: ورفَعْنا فَوْقَكُمُ الطّور قال: رفع فوقهم الـجبل يخوّفهم به.

٨٢٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـيّ، عن النضر، عن عكرمة، قال: الطور: الـجبل.

٨٢١ـ وحدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: لـما قال اللّه لهم: ادْخُـلُوا البـاب سُجدا وقُولُوا حِطّة فأبوا أن يسجدوا أمر اللّه الـجبل أن يقع علـيهم، فنظروا إلـيه وقد غشيهم، فسقطوا سجدا علـى شقّ، ونظروا بـالشق الاَخر. فرحمهم اللّه ، فكشفه عنهم. فذلك قوله: وإذْ نَتَقْنَا الـجَبَلَ فَوْقَهُمْ كأنّهُ ظُلّة

وقوله: ورفَعْنا فَوْقَكُمُ الطّور.

٨٢٢ـ وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: الـجبل بـالسريانـية: الطور.

وقال آخرون: الطور: اسم للـجبل الذي ناجى اللّه موسى علـيه. ذكر من قال ذلك:

٨٢٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس الطور: الـجبل الذي أنزلت علـيه التوراة، يعنـي علـى موسى، وكانت بنو إسرائيـل أسفل منه.

قال ابن جريج: وقال لـي عطاء: رفع الـجبل علـى بنـي إسرائيـل فقال: لتؤمننّ به أو لـيقعن علـيكم، فذلك قوله: كأنّهُ ظُلّة.

وقال آخرون: الطور من الـجبـال: ما أنبت خاصة. ذكر من قال ذلك:

٨٢٤ـ حدثت عن الـمنـجاب، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس في قوله: الطّورَ قال: الطور من الـجبـال: ما أنبت، وما لـم ينبت فلـيس بطور.

القول فـي تأويـل قوله تعالى: خُذُوا ما آتَـيْنَاكُمْ بقُوّةٍ.

قال أبو جعفر: اختلف أهل العربـية فـي تأويـل ذلك، فقال بعض نـحويـي أهل البصرة: هو مـما استغنـي بدلالة الظاهر الـمذكور عما ترك ذكره له، وذلك أن معنى الكلام: ورفعنا فوقكم الطور وقلنا لكم خذوا ما آتـيناكم بقوة، وإلا قذفناه علـيكم.

وقال بعض نـحويـي أهل الكوفة: أخذ الـميثاق قول فلا حاجة بـالكلام إلـى إضمار قول فـيه، فـيكون من كلامين غير أنه ينبغي لكل ما خالف القول من الكلام الذي هو بـمعنى القول أن يكون معه أن كما

قال اللّه جل ثناؤه: إنّا أرْسَلْنا نُوحا إلـى قَوْمِهِ أنْ أنْذِرْ قَوْمَكَ قال: ويجوز أن تـحذف أن.

والصواب فـي ذلك عندنا أن كل كلام نطق به مفهوم به معنى ما أريد ففـيه الكفـاية من غيره، ويعنـي بقوله: خُذُوا ما آتَـيْناكُمْ: ما أمرناكم به فـي التوراة، وأصل الإيتاء: الإعطاء. ويعنـي بقوله: بِقُوّةٍ بجدّ فـي تأدية ما أمركم فـيه وافترض علـيكم. كما:

٨٢٥ـ حدثت عن إبراهيـم بن بشار، قال: حدثنا ابن عيـينة، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: خُذُوا ما آتَـيْنَاكُمْ بِقُوّةٍ قال: تعملوا بـما فـيه.

وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

٨٢٦ـ وحدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية: خُذُوا مَا آتَـيْنَاكُمْ بِقُوّةٍ قال: بطاعة.

٨٢٧ـ وحدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة: خُذُوا ما آتَـيْنَاكُمْ بِقُوّةٍ قال: القوّة: الـجدّ، وإلا قذفته علـيكم

قال: فأقرّوا بذلك أنهم يأخذون ما أوتوا بقوّة.

٨٢٨ـ وحدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: بِقُوةً: يعنـي بجدّ واجتهاد.

٨٢٩ـ وحدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد وسألته عن قول اللّه : خُذُوا ما آتَـيْنَاكُمْ بِقُوّةٍ قال: خذوا الكتاب الذي جاء به موسى بصدق وبحقّ.

فتأويـل الآية إذا: خذوا ما افترضناه علـيكم فـي كتابنا من الفرائض فـاقبلوه واعملوا بـاجتهاد منكم فـي أدائه من غير تقصير ولا توان. وذلك هو معنى أخذهم إيّاه بقوّة بجدّ.

القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَاذْكُرُوا ما فِـيهِ لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ.

قال أبو جعفر: يعنـي: واذكروا ما فـيـما آتـيناكم من كتابنا من وعد ووعيد شديد وترغيب وترهيب، فـاتلوه واعتبروا به وتَدبّرُوه إذا فعلتـم ذلك كي تتقوا وتـخافوا عقابـي بإصراركم علـى ضلالكم فتنتهوا إلـى طاعتـي وتنزّعوا عما أنتـم علـيه من معصيتـي. كما:

٨٣٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنـي ابن إسحاق، عن داود بن الـحصين، عن عكرمة عن ابن عبـاس : لَعَلّكُمْ تَتّقُونَ قال: تنزعون عما أنتـم علـيه.

والذي آتاهم اللّه هو التوراة. كما:

٨٣١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية: وَاذْكُرُوا ما فِـيهِ

يقول: اذكروا ما فـي التوراة.

٨٣٢ـ كما حدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع في قوله: اذْكُرُوا ما فِـيهِ

يقول: أمروا بـما فـي التوراة.

وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألت ابن زيد عن قول اللّه : وَذْكُرُوا ما فِـيهِ قال: اعملوا بـما فـيه طاعةٍ للّه وصدق، قال: وقال اذكروا ما فـيه لا تنسوه ولا تُغفلوه.

﴿ ٦٣