٨١القول فـي تأويـل قوله تعالى: {بَلَىَ مَن كَسَبَ سَيّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـَئَتُهُ ........} وقوله: بَلـى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً تكذيب من اللّه القائلـين من الـيهود: لَنْ تَـمَسّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاما مَعْدُودَةً وإخبـار منه لهم أنه يعذّب من أشرك وكفر به وبرسله وأحاطت به ذنوبه فمخـلّدُه فـي النار فإن الـجنة لا يسكنها إلا أهل الإيـمان به وبرسوله، وأهل الطاعة له، والقائمون بحدوده. كما: ١٠٣٩ـ حدثنا مـحمد بن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنـي مـحمد بن إسحاق، قال: حدثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد، عن سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس : بَلـى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ أي من عمل مثل أعمالكم وكفر بـمثل ما كفرتـم به حتـى يحيط كفره بـما له من حسنة، فـاولَئِك أصْحَابُ النّارِ هُمْ فِـيها خَالِدُونَ. قال: وأما بَلـى فإنها إقرار فـي كل كلام فـي أوله جحد، كما (نعم) إقرار فـي الاستفهام الذي لا جحد فـيه، وأصلها (بل) التـي هي رجوع عن الـجحد الـمـحض فـي قولك: ما قام عمرو بل زيد فزيد فـيها الـياء لـيصلـح علـيها الوقوف، إذ كانت (بل) لا يصلـح علـيها الوقوف، إذْ كانت عطفـا ورجوعا عن الـجحد، ولتكون أعنـي بلـى رجوعا عن الـجحد فقط، وإقرارا بـالفعل الذي بعد الـجحد فدلت الـياء منها علـى معنى الإقرار والإنعام، ودلّ لفظ (بل) عن الرجوع عن الـجحد. قال: وأما السيئة التـي ذكر اللّه فـي هذا الـمكان فإنها الشرك بـاللّه . كما: ١٠٤٠ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفـيان، قال: حدثنـي عاصم، عن أبـي وائل بَلْـى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً قال: الشرك بـاللّه . ١٠٤١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: بَلَـى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً شركا. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ١٠٤٢ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: بَلَـى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً قال: أما السيئة فـالشرك. حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، مثله. ١٠٤٣ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: بَلـى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً أما السيئة فهي الذنوب التـي وعد علـيها النار. ١٠٤٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: بَلـى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً قال: الشرك. قال ابن جريج، قال: قال مـجاهد: سَيّئَةً شركا. ١٠٤٥ـ حدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: بَلـى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً يعنـي الشرك. وإنـما قلنا: إن السيئة التـي ذكر اللّه جل ثناؤه أن من كسبها وأحاطت به خطيئته فهو من أهل النار الـمخـلدين فـيها فـي هذا الـموضع، إنـما عنى اللّه بها بعض السيئات دون بعض، وإن كان ظاهرها فـي التلاوة عاما، لأن اللّه قضى علـى أهلها بـالـخـلود فـي النار، والـخـلود فـي النار لأهل الكفر بـاللّه دون أهل الإيـمان به لتظاهر الأخبـار عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بأن أهل الإيـمان لا يخـلدون فـيها، وأن الـخـلود فـي النار لأهل الكفر بـاللّه دون أهل الإيـمان به فإن اللّه جل ثناؤه قد قرن بقوله: بَلـى مَن كَسَبَ سَيّئَةً وَأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فـاولئِكَ أصحَابُ النارِ هُم فِـيها خالِدُونَ قوله: والّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِـحَاتِ أُولَئِكَ أصحَابُ الـجَنّةِ هُمْ فِـيها خَالِدُونَ فكان معلوما بذلك أن الذين لهم الـخـلود فـي النار من أهل السيئات، غير الذي لهم الـخـلود فـي الـجنة من أهل الإيـمان. فإن ظنّ ظانّ أن الذين لهم الـخـلود فـي الـجنة من الذين آمنوا هم الذين عملوا الصالـحات دون الذين عملوا السيئات، فإن فـي إخبـار اللّه أنه مكفر بـاجتنابنا كبـائر ما ننهى عنه سيئاتنا، ومدخـلنا الـمدخـل الكريـم، ما ينبىء عن صحة ما قلنا فـي تأويـل قوله: بَلـى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً بأن ذلك علـى خاص من السيئات دون عامها. فإن قال لنا قائل: فإن اللّه جل ثناؤه إنـما ضمن لنا تكفـير سيئاتنا بـاجتنابنا كبـائر ما ننهى عنه، فما الدلالة علـى أن الكبـائر غير داخـلة في قوله: بَلـى مَنْ كَسَبَ سَيّئَةً؟ قـيـل: لـما صحّ من أن الصغائر غير داخـلة فـيه، وأن الـمعنّى بـالآية خاص دون عام، ثبت وصحّ أن القضاء والـحكم بها غير جائز لأحد علـى أحد إلا علـى من وَقَـفَه اللّه علـيه بدلالة من خبر قاطع عذر من بلغه. وقد ثبت وصحّ أن اللّه تعالـى ذكره قد عنى بذلك أهل الشرك والكفر به، بشهادة جميع الأمة، فوجب بذلك القضاء علـى أن أهل الشرك والكفر مـمن عناه اللّه بـالآية. فأما أهل الكبـائر فإن الأخبـار القاطعة عذر من بلغته قد تظاهرت عندنا بأنهم غير معنـيـين بها، فمن أنكر ذلك مـمن دافع حجة الأخبـار الـمستفـيضة والأنبـاء الـمتظاهرة فـاللازم له ترك قطع الشهادة علـى أهل الكبـائر بـالـخـلود فـي النار بهذه الآية ونظائرها التـي جاءت بعمومهم فـي الوعيد، إذْ كان تأويـل القرآن غير مدرك إلا ببـيان من جَعَلَ اللّه إلـيه بـيانَ القرآن، وكانت الآية تأتـي عاما فـي صنف ظاهرها، وهي خاص فـي ذلك الصنف بـاطنها. ويُسئل مدافعوا الـخبر بأن أهل الكبـائر من أهل الاستثناء سؤالنا منكر رجم الزانـي الـمـحصن، وزوال فرض الصلاة عن الـحائض فـي حال الـحيض، فإن السؤال علـيهم نظير السؤال علـى هؤلاء سواء. القول فـي تأويـل قوله تعالى: وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ. يعنـي بقوله جل ثناؤه: وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ اجتـمعت علـيه فمات علـيها قبل الإنابة والتوبة منها. وأصل الإحاطة بـالشيء: الإحداق به بـمنزلة الـحائط الذي تـحاط به الدار فتـحدق به، ومنه قول اللّه جل ثناؤه: نارا أحاطَ بِهِمْ سُرَادِقُها. فتأويـل الآية إذا: من أشرك بـاللّه واقترف ذنوبـا جمة فمات علـيها قبل الإنابة والتوبة، فأولئك أصحاب النار هم فـيها مخـلدون أبدا. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك، قال الـمتأولون. ذكر من قال ذلك: ١٠٤٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن يـمان، عن سفـيان، عن الأعمش، عن أبـي روق، عن الضحاك : وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ قال: مات بذنبه. ١٠٤٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جرير بن نوح، قال: حدثنا الأعمش، عن أبـي رزين، عن الربـيع بن خثـيـم: وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ قال: مات علـيها. ١٠٤٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: أخبرنـي ابن إسحاق، قال: حدثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد، عن سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس : وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ قال: يحيط كفره بـما له من حسنة. ١٠٤٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنـي عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ قال: ما أوجب اللّه فـيه النار. ١٠٥٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ قال: أما الـخطيئة فـالكبـيرة الـموجبة. حدثنا الـحسن، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن قتادة: وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ قال: الـخطيئة: الكبـائر. ١٠٥١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا وكيع ويحيى بن آدم، عن سلام بن مسكين، قال: سأل رجل الـحسن عن قوله: وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فقال: ما ندري ما الـخطيئة يا بنـيّ اتْلُ القرآن، فكل آية وعد اللّه علـيها النار فهي الـخطيئة. حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن مـجاهد في قوله: بَلَـى مَنْ كَسَبَ سَيئَةً وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ قال: كل ذنب مـحيط فهو ما وعد اللّه علـيه النار. ١٠٥٢ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا سفـيان، عن الأعمش، عن أبـي رزين: وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ قال: مات بخطيئته. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا الأعمش، قال: حدثنا مسعود أبو رزين، عن الربـيع بن خثـيـم في قوله: وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ قال: هو الذي يـموت علـى خطيئته، قبل أن يتوب. ١٠٥٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: قال وكيع: سمعت الأعمش يقول في قوله: وأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ مات بذنوبه. ١٠٥٤ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: وَأحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ الكبـيرة الـموجبة. ١٠٥٥ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: أحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فمات ولـم يتب. ١٠٥٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حسان، عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: وأحاطَت بِهِ خَطِيئَتُهُ قال: الشرك، ثم تلا: وَمَنْ جَاءَ بِـالسّيّئَةِ فَكُبّتْ وجُوهُهُمْ فِـي النّارِ. القول فـي تأويـل قوله تعالى: فـاولَئِكَ أصحَابُ النّارِ هُمْ فِـيها خَالِدُونَ. يعنـي بقوله جل ثناؤه: فأولئك الذين كسبوا السّيئات وأحاطتْ بهم خطيئاتهم أصحاب النار هم فـيها خالدون. ويعنـي بقوله جل ثناؤه: أصحَابُ النّارِ أهل النار وإنـما جعلهم لها أصحابـا لإيثارهم فـي حياتهم الدنـيا ما يوردهموها، ويوردهم سعيرها علـى الأعمال التـي توردهم الـجنة، فجعلهم جل ذكره بإيثارهم أسبـابها علـى أسبـاب الـجنة لها أصحابـا، كصاحب الرجل الذي يصاحبه مؤثرا صحبته علـى صحبة غيره حتـى يعرف به. هُمْ فِـيها يعنـي فـي النار خالدون، ويعنـي بقوله خالِدُونَ مقـيـمون. كما: ١٠٥٧ـ حدثنـي مـحمد بن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد، عن سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس : هُمْ فِـيها خالِدُونَ: أي خالدون أبدا. ١٠٥٨ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: هُمْ فِـيها خالِدُونَ لا يخرجون منها أبدا. |
﴿ ٨١ ﴾