٨٤القول فـي تأويـل قوله تعالى: قال أبو جعفر: قوله: وَإذْ أخَذْنا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ فـي الـمعنى والإعراب نظير قوله: وَإذْ أخَذْنا مِيثَاقَ بَنِـي إسْرائِيـلَ لا تَعْبُدُونَ إلاّ اللّه وأما سفك الدم، فإنه صبه وإراقته. فإن قال قائل: وما معنى قوله: لا تَسْفِكونَ دِماءَكُمْ وَلا تُـخْرِجُونَ أنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ؟ وقال: أَوَ كان القوم يقتلون أنفسهم، ويخرجونها من ديارها، فنهوا عن ذلك؟ قـيـل: لـيس الأمر فـي ذلك علـى ما ظننتَ، ولكنهم نهوا عن أن يقتل بعضهم بعضا، فكان فـي قتل الرجل منهم الرجلَ قتلُ نفسه، إذْ كانت ملّتهما بـمنزلة رجل واحد، كما قال علـيه الصلاة والسلام: (إنّـمَا الـمُؤْمِنُونَ فِـي تَرَاحُمِهمْ وَتَعَاطُفِهِمْ بَـيْنَهُمْ بـمَنْزِلَةِ الـجَسَدِ الوَاحِدِ إذَا اشْتَكَى بَعْضُهُ تَدَاعَى لَهُ سائرُ الـجَسَدِ بِـالـحُمّى وَالسّهَرِ). وقد يجوز أن يكون معنى قوله: لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ أي لا يقتل الرجل منكم الرجل منكم، فـيقاد به قصاصا، فـيكون بذلك قاتلاً نفسه لأنه كان الذي سبب لنفسه ما استـحقت به القتل، فأضيف بذلك إلـيه قتل ولـيّ الـمقتول إياه قصاصا بولـيه، كما يقال للرجل يركب فعلاً من الأفعال يستـحقّ به العقوبة فـيعاقب العقوبة: أنت جنـيت هذا علـى نفسك. وبنـحو الذي قلنا فـي تأويـل ذلك قال أهل التأويـل: ذكر من قال ذلك: ١٠٧٦ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله وَإذْ أخَذْنَا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ أي لا يقتل بعضكم بعضا، وَلاَ تُـخْرِجُونَ أنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ونفسُك يا ابن آدم أهل ملّتك. ١٠٧٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية في قوله: وَإذْ أَخَذْنَا مِيثاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ يقول: لا يقتل بعضكم بعضا، وَلاَ تُـخْرِجُونَ أنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ يقول: لا يخرج بعضكم بعضا من الديار. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن قتادة في قوله: لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ يقول: لا يقتل بعضكم بعضا بغير حق وَلا تُـخْرِجُونَ أنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ فتسفك يا ابن آدم دماء أهل ملتك ودعوتك. القول فـي تأويـل قوله تعالى: ثُمّ أقْرَرْتُـمْ. يعنـي بقوله: ثُمّ أقْرَرْتُـمْ بـالـميثاق الذي أخذنا علـيكم لا تَسْفِكُونَ دِماءَكُمْ وَلا تُـخْرِجُونَ أنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ. كما: ١٠٧٨ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية: ثُمّ أقْرَرْتُـمْ يقول: أقررتـم بهذا الـميثاق. وحدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع مثله. القول فـي تأويـل قوله تعالى: وأنْتُـمْ تَشْهَدُونَ. اختلف أهل التأويـل فـيـمن خوطب بقوله وأنْتُـمْ تَشْهَدُونَ. فقال بعضهم: ذلك خطاب من اللّه تعالـى ذكره للـيهود الذين كانوا بـين ظهرانَـيْ مهاجر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أيام هجرته إلـيه مؤنبـا لهم علـى تضيـيع أحكام ما فـي أيديهم من التوراة التـي كانوا يقرّون بحكمها، فقال اللّه تعالـى لهم: ثُمّ أقْرَرْتُـمْ يعنـي بذلك إقرار أوائلكم وسلفكم وأنْتُـمُ تَشْهَدُونَ علـى إقراركم بأخذ الـميثاق علـيهم، بأن لا يسفكوا دماءهم، ولا يخرجوا أنفسهم من ديارهم، ويصدقون بأن ذلك حقّ من ميثاقـي علـيهم. ومـمن حكي معنى هذا القول عنه ابن عبـاس . ١٠٧٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنـي ابن إسحاق، قال: حدثنـي مـحمد بن أبـي مـحمد، عن سعيد بن جبـير أو عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: وَإذْ أخَذْنا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلاَ تـخْرِجُونَ أنْفُسَكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ ثُمّ أَقْرَرْتُـمْ وأنْتُـمُ تَشْهَدُونَ أن هذا حق من ميثاقـي علـيكم. وقال آخرون: بل ذلك خبر من اللّه جل ثناؤه عن أوائلهم، ولكنه تعالـى ذكره أخرج الـخبر بذلك عنهم مخرج الـمخاطبة علـى النـحو الذي وصفنا فـي سائر الاَيات التـي هي نظائرها التـي قد بـينا تأويـلها فـيـما مضى. وتأولوا قوله وأنْتُـمْ تَشْهَدُونَ علـى معنى: وأنتـم شهود. ذكر من قال ذلك: ١٠٨٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع، عن أبـي العالـية قوله: وأنتُـمْ تَشْهَدُونَ يقول وأنتـم شهود. قال أبو جعفر: وأولـى الأقوال فـي تأويـل ذلك بـالصواب عندي أن يكون قوله: وأنْتُـمْ تَشْهَدُونَ خبرا عن أسلافهم، وداخلاً فـيه الـمخاطبون منهم الذين أدركوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، كما كان قوله: وَإذْ أخَذْنا ميثاقَكُمْ خبرا عن أسلافهم وإن كان خطابـا للذين أدركوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لأن اللّه تعالـى أخذ ميثاق الذين كانوا علـى عهد رسول اللّه موسى صلى اللّه عليه وسلم من بنـي إسرائيـل علـى سبـيـل ما قد بـينه لنا فـي كتابه، فألزم جميع من بعدهم من ذريتهم من حكم التوراة مثل الذي ألزم منه من كان علـى عهد موسى منهم. ثم أنّب الذين خاطبهم بهذه الاَيات علـى نقضهم ونقض سلفهم ذلك الـميثاق، وتكذيبهم ما وكدوا علـى أنفسهم له بـالوفـاء من العهود، بقوله: ثُمّ أقْرَرْتُـمْ وأنْتُـمْ تَشْهَدُونَ فإذْ كان خارجا علـى وجه الـخطاب للذين كانوا علـى عهد نبـينا صلى اللّه عليه وسلم منهم، فإنه معنـيّ به كل من واثق بـالـميثاق منهم علـى عهد موسى ومن بعده، وكل من شهد منهم بتصديق ما فـي التوراة لأن اللّه جل ثناؤه لـم يخصص بقوله: ثُمّ أقْرَرْتُـمْ وأنْتُـمْ تَشْهَدُونَ وما أشبه ذلك من الاَي بعضهم دون بعض والآية مـحتـملة أن يكون أريد بها جميعهم. فإذْ كان ذلك كذلك فلـيس لأحد أن يدعي أنه أريد بها بعض منهم دون بعض. وكذلك حكم الآية التـي بعدها، أعنـي قوله: ثُمّ أنْتُـمُ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أنْفُسَكُمْ الآية لأنه قد ذكر لها أن أوائلهم قد كانوا يفعلون من ذلك ما كان يفعله أواخرهم الذين أدركوا عصر نبـينا مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. |
﴿ ٨٤ ﴾