٨٦

القول فـي تأويـل قوله تعالى:

{أُولَـَئِكَ الّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدّنْيَا بِالاَخِرَةِ .....}

يعنـي بقوله جل ثناؤه أولئك الذين أخبر عنهم أنهم يؤمنون ببعض الكتاب فـيفـادون أسراهم من الـيهود، ويكفرون ببعض، فـيقتلون من حرّم اللّه علـيهم قتله من أهل ملتهم، ويخرجون من داره من حرّم اللّه علـيهم إخراجه من داره، نقضا لعهد اللّه وميثاقه فـي التوراة إلـيهم. فأخبر جل ثناؤه أن هؤلاء الذين اشتروا رياسة الـحياة الدنـيا علـى الضعفـاء وأهل الـجهل والغبـاء من أهل ملتهم، وابتاعوا الـمآكل الـخسيسة الرديئة فـيها، بـالإيـمان الذي كان يكون لهم به فـي الاَخرة لو كانوا أتوا به مكان الكفر الـخـلود فـي الـجنان. وإنـما وصفهم اللّه جل ثناؤه بأنهم اشتروا الـحياة الدنـيا بـالاَخرة لأنهم رضوا بـالدنـيا بكفرهم بـاللّه فـيها عوضا من نعيـم الاَخرة الذي أعده اللّه للـمؤمنـين، فجعل حظوظهم من نعيـم الاَخرة بكفرهم بـاللّه ثمنا لـما ابتاعوه به من خسيس الدنـيا. كما:

١٠٩٢ـ حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتَرُوا الـحَياةَ الدّنْـيَا بـالاَخِرَةِ: استـحبوا قلـيـل الدنـيا علـى كثـير الاَخرة.

قال أبو جعفر: ثم أخبر اللّه جل ثناؤه أنهم إذْ بـاعوا حظوظهم من نعيـم الاَخرة بتركهم طاعته، وإيثارهم الكفر به والـخسيس من الدنـيا علـيه، لا حظّ لهم فـي نعيـم الاَخرة، وأن الذي لهم فـي الاَخرة العذاب غير مخفف عنهم فـيها العذاب لأن الذي يخفف عنه فـيها من العذاب هو الذي له حظ فـي نعيـمها، ولا حظ لهؤلاء لاشترائهم الذي كان فـي الدنـيا ودنـياهم بآخرتهم.

وأما قوله: وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ فإنه أخبر عنهم أنه لا ينصرهم فـي الاَخرة أحد فـيدفع عنهم بنصرته عذاب اللّه ، لا بقوّته ولا بشفـاعته ولا غيرهما.

﴿ ٨٦