٩٧

القول فـي تأويـل قوله تعالى:

{قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لّجِبْرِيلَ ...}

أجمع أهل العلـم بـالتأويـل جميعا علـى أن هذه الآية نزلت جوابـا للـيهود من بنـي إسرائيـل، إذْ زعموا أن جبريـل عدوّ لهم، وأن ميكائيـل ولـيّ لهم. ثم اختلفوا فـي السبب الذي من أجله قالوا ذلك،

فقال بعضهم: إنـما كان سبب قـيـلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بـينهم وبـين رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي أمر نبوّته ذكر من قال ذلك:

١١٩٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس، عن بكير، عن عبد الـحميد بن بهرام، عن شهر بن حوشب، عن ابن عبـاس أنه قال: حضرت عصابة من الـيهود رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

فقالوا: يا أبـا القاسم حدثنا عن خلال نسألك عنهنّ لا يعلـمهن إلا نبـيّ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (سَلُوا عَمّا شِئْتُـمْ، وَلَكِنْ اجْعَلُوا لِـي ذِمّةَ اللّه وَمَا أخَذَ يَعْقُوبُ علـى بَنِـيهِ لَئِنْ أنا حَدّثْتُكُمْ شَيْئا فَعَرَفْتُـمُوهُ لَتُتابِعُنّـي علـى الإسْلامِ).

فقالوا: ذلك لك. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (سَلُونِـي عَمّا شِئْتُـمْ)

فقالوا: أخبرنا عن أربع خلال نسألك عنهن أخبرنا أي الطعام حرّم إسرائيـل علـى نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ وأخبرنا كيف ماء الـمرأة وماء الرجل، وكيف يكون الذكر منه والأنثى؟ وأخبرنا بهذا النبـيّ الأميّ فـي النوم ومَنْ ولـيه من الـملائكة؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (عَلَـيْكُمْ عَهْدُ اللّه لَئِنْ أنا أنْبَأْتُكُمْ لَتُتابعُنّـي). فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق،

فقال: (نَشَدْتُكُمْ بـالّذِي أنْزَلَ التّوْرَاةَ علـى مُوسَى هَلْ تَعْلَـمُونَ أنّ إسْرَائِيـلَ مَرِضَ مَرَضا شَدِيدا فَطالَ سَقَمُه مِنْه، فَنَذَرَ نَذْرا لَئِنْ عافـاه اللّه مِنْ سَقَمِهِ لَـيُحَرّمَنّ أحَبّ الطّعامِ والشرَابِ إلَـيْهِ وكانَ أحَبّ الطّعامِ إلَـيْهِ لَـحْمُ الإبِلِ؟) قال أبو جعفر: فـيـما أُري: (وأحَبّ الشّرَابِ إلَـيْهِ ألْبـانها)

فقالوا: اللّه م نعم. فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أشْهِد اللّه عَلَـيْكُمْ وأنْشُدُكُمْ بِـاللّه الّذِي لا إلَه إلاّ هُوَ الّذِي أنْزَلَ التّوْرَاةَ علـى مُوسَى، هَلْ تَعْلَـمُونَ أنّ ماءَ الرّجُلِ أبْـيَضُ غَلِـيظٌ، وأنّ مَاءَ الـمَرأةِ أصْفَرُ رَقِـيقٌ، فَأيّهُما عَلاَ كَانَ لَهُ الوَلَدُ وَالشّبَهُ بإذْنِ اللّه ، فَـاذَا عَلاَ مَاءُ الرّجُلِ مَاءَ الـمَرْأَةِ كَانَ الْوَلَدُ ذَكَرا بِـاذْنِ اللّه وَإِذَا عَلاَ مَاءُ الْـمَرَأَةِ مَاءَ الرّجُلِ كَانَ الْوَلَدُ أُنْثَى بِـاذْنِ اللّه ؟).

قالوا: اللّه م نعم قال: (اللّه مّ اشْهَدْ)

قال: (وَأنْشُدُكُمْ بـالّذِي أنْزَلَ التّوْرَاةَ علـى مُوسَى، هَلْ تَعْلَـمُونَ أنّ هَذَا النّبِـيّ أُلاميّ تَنامُ عَيْنَاهُ وَلاَ يَنامُ قَلْبُهُ؟).

قالوا: اللّه م نعم قال: (اللّه مّ أشهَدْ).

قالوا: أنت الاَن تـحدثنا مَنْ ولـيك من الـملائكة؟ فعندها نتابعك أو نفـارقك

قال: (فَـانّ وَلِـيّـي جبريـل، وَلَـمْ يَبْعَثِ اللّه نَبِـيّا قَطّ إِلاّ وَهُوَ وَلِـيّهُ).

قالوا: فعندها نفـارقك، لو كان ولـيك سواه من الـملائكة تابعناك وصدقناك

قال: (فَمَا يَـمْنَعُكُمْ أنْ تُصَدّقُوهُ؟)

قالوا: إنه عدوّنا. فأنزل اللّه عزّ وجل: مَنْ كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل فَـانّهُ نَزّلَهُ علـى قَلْبِكَ بِـاذْنِ اللّه إلـى قوله: كأنّهُمْ لا يَعْلَـمُونَ. فعندها بـاءوا بغضب علـى غضب.

١٢٠٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: حدثنـي مـحمد بن إسحاق، قال: حدثنـي عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبـي الـحسين، يعنـي الـمكي، عن شهر بن حوشب الأشعري، أن نفرا من الـيهود جاءوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

فقالوا: يا مـحمد أخبرنا عن أربع نسألك عنهن فإن فعلت اتبعناك وصدّقناك وآمنا بك فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (عَلَـيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللّه وَمِيثَاقُهُ لَئِنْ أنا أخْبَرْتُكُمْ بِذَلِكَ لَتُصَدّقُنّـي)

قالوا: نعم

قال: (فـاسألُوا عَمّا بَدَا لَكُمْ).

فقالوا: أخبرنا كيف يشبه الولد أمه وإنـما النطفة من الرجل؟ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (أَنْشُدُكُمْ بِـاللّه وَبِءَايّامِهِ عِنْدَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ هَلْ تَعْلَـمُونَ أنّ نُطْفَةَ الرّجُلِ بَـيْضَاءُ غَلِـيظَةٌ، وَنُطْفَةَ الـمَرأةِ صَفْرَاءُ رَقِـيقَةٌ، فَأيّهُمَا غَلَبَتْ صَاحِبَتها كانَ لَهَا الشّبَهُ؟)

قالوا: نعم.

قالوا: فأخبرنا كيف نومك؟ قال: (أنْشُدُكُمْ بِـاللّه وَبِأيّامِهِ عِنْدَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ، هَلْ تَعْلَـمُونَ أنّ هَذَا النّبِـيّ الأميّ تَنَامُ عَيْنَاهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ؟)

قالوا: اللّه م نعم

قال: (اللّه مّ اشْهَدْ)

قالوا: أخبرنا أي الطعام حرّم إسرائيـل علـى نفسه من قبل أن تنزل التوراة؟ قال: (هَلْ تَعْلَـمُونَ أنّهُ كَانَ أحَبّ الطّعامِ وَالشّرابِ إلَـيْهِ ألْبـانُ الإبِلِ ولُـحُومِهَا، وأنّهُ اشْتَكَى شَكْوَى فَعافَـاهُ اللّه مِنْهَا، فَحَرّمَ أحَبّ الطّعامِ وَالشّرَابِ إلَـيْهِ شُكْرا للّه فَحَرّمَ علـى نَفْسِهِ لُـحُومَ الإبِلِ وألْبَـانِهَا؟)

قالوا: اللّه م نعم.

قالوا: فأخبرنا عن الروح قال: (أنْشَدُكُمْ بـاللّه وبأيّامِهِ عِنْدَ بَنِـي إسْرَائِيـلَ، هَلْ تَعْلَـمُونَ أنّهُ جبريـل وَهُوَ الّذِي يأتِـينِـي؟)

قالوا: نعم، ولكنه لنا عدوّ، وهو مَلَك إنـما يأتـي بـالشدّة وسفك الدماء، فلولا ذلك اتبعناك. فأنزل اللّه فـيهم: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل فَـانّهُ نَزّلَهُ علـى قَلْبِكَ إلـى قوله: كأنّهُمْ لاَ يَعْلَـمُونَ.

١٢٠١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: حدثنـي القاسم بن أبـي بزة: أن يهود سألوا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم مَنْ صاحبه الذي ينزل علـيه بـالوحي،

فقال: (جبريـل).

قالوا: فإنه لنا عدوّ ولا يأتـي إلا بـالـحرب والشدة والقتال. فَنَزَلَ: مَنْ كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل الآية.

قال ابن جريج: وقال مـجاهد: قالت يهود: يا مـحمد ما ينزل جبريـل إلا بشدة وحرب، و

قالوا: إنه لنا عدوّ فنزل: مَنْ كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل الآية.

وقال آخرون: بل كان سبب قـيـلهم ذلك من أجل مناظرة جرت بـين عمر بن الـخطاب رضي اللّه عنه وبـينهم فـي أمر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك:

١٢٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا ربعي بن علـية، عن داود بن أبـي هند، عن الشعبـي، قال: نزل عمر الرّوْحَاء، فرأى رجالاً يبتدرون أحجارا يصلّون إلـيها،

فقال: ما هؤلاء؟

قالوا: يزعمون أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم صلـى ههنا. فكره ذلك وقال: إنـما رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أدركته الصلاة بوادٍ فصلـى ثم ارتـحل فتركه. ثم أنشأ يحدثهم فقال: كنت أشهد الـيهود يوم مِدْرَاسهم فأعجب من التوراة كيف تصدّق الفرقان ومن الفرقان كيف يصدّق التوراة، فبـينـما أنا عندهم ذات يوم

قالوا: يا ابن الـخطاب ما من أصحابك أحد أحبّ إلـينا منك قلت: ولـم ذلك؟

قالوا: إنك تغشانا وتأتـينا

قال: قلت إنـي آتـيكم فأعجب من الفرقان كيف يصدّق التوراة ومن التوراة كيف تصدّق الفرقان قال: ومَرّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم

فقالوا: يا ابن الـخطاب ذاك صاحبكم فـالـحق به قال: فقلت لهم عند ذلك: أنشدكم بـاللّه الذي لا إلَه إلا هو وما استرعاكم من حقه واستودعكم من كتابه، أتعلـمون أنه رسول اللّه ؟ قال: فسكتوا

قال: فقال عالـمهم وكبـيرهم: إنه قد عظّم علـيكم فأجيبوه

قالوا: أنت عالـمنا وسيدنا فأجبه أنت

قال: أما إذْ أنشدتنا به، فإنا نعلـم أنه رسول اللّه

قال: قلت: ويحكم إذا هلكتـم.

قالوا: إنا لـم نهلك

قال: قلت: كيف ذاك وأنتـم تعلـمون أنه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، ثم لا تتبعونه، ولا تصدقونه؟

قالوا: إن لنا عدوّا من الـملائكة وسِلْـما من الـملائكة، وإنه قُرِنَ به عدوّنا من الـملائكة

قال: قلت: ومن عدوّكم ومن سِلْـمُكم؟

قالوا: عدوّنا جبريـل وسلـمنا ميكائيـل

قال: قلت: وفـيـم عاديتـم جبريـل وفـيـم سالـمتـم ميكائيـل؟

قالوا: إن جبريـل ملك الفظاظة والغلظة والإعسار والتشديد والعذاب ونـحو هذا، وإن ميكائيـل ملك الرأفة والرحمة والتـخفـيف ونـحو هذا

قال: قلت: وما منزلتهما من ربهما؟

قالوا: أحدهما عن يـمينه والاَخر عن يساره، قال: قلت: فواللّه الذي لا إلَه إلا هو إنهما والذي بـينهما لعدوّ لـمن عاداهما وسلـم لـمن سالـمهما، ما ينبغي لـجبريـل أن يسالـم عدوّ ميكائيـل، ولا لـميكائيـل أن يسالـم عدوّ جبريـل

قال: ثم قمت فـاتبعت النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فلـحقته وهو خارج من مَخْرَفة لبنـي فلان فقال لـي: (يَا ابْنَ الـخَطّابِ أَلاَ أُقْرِئُكَ آياتٍ نَزَلْنَ؟) فقرأ علـي: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل فَـانّهُ نَزّلَهُ عَلـى قَلْبِكَ بِـاذْنِ اللّه مُصَدّقا لَـمَا بَـيْنَ يَدَيْهِ حتـى قرأ الاَيات

قال: قلت: بأبـي أنت وأمي يا رسول اللّه والذي بعثك بـالـحقّ لقد جئت وأنا أريد أن أخبرك الـخبر فأسمع اللطيف الـخبـير قد سبقنـي إلـيك بـالـخبر.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن داود، عن الشعبـي، قال: قال عمر: كنت رجلاً أغشى الـيهود فـي يوم مدراسهم ثم ذكر نـحو حديث ربعي.

١٢٠٣ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن عمر بن الـخطاب انطلق ذات يوم إلـى الـيهود، فلـما أبصروه رحّبوا به، فقال لهم عمر: أما واللّه ما جئت لـحبكم ولا للرغبة فـيكم، ولكن جئت لأسمع منكم فسألهم وسألوه،

فقالوا: من صاحب صاحبكم؟ فقال لهم: جبريـل.

فقالوا: ذاك عدوّنا من أهل السماء يُطْلع مـحمدا علـى سرّنا، وإذا جاء جاء بـالـحرب والسّنَةِ، ولكن صاحب صاحبنا ميكائيـل، وكان إذا جاء جاء بـالـخصب وبـالسلـم، فقال لهم عمر: أفتعرفون جبريـل وتنكرون مـحمدا ففـارقهم عمر عند ذلك وتوجه نـحو رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لـيحدّثه حديثهم، فوجده قد أُنزل علـيه هذه الآية: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل فإنّهُ نَزّلَهُ علـى قَلْبِكَ بإذْنِ اللّه .

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا آدم، قال: حدثنا أبو جعفر عن قتادة، قال: بلغنا أن عمر بن الـخطاب أقبل علـى الـيهود يوما فذكر نـحوه.

١٢٠٤ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله: مَنْ كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل قال: قالت الـيهود: إن جبريـل هو عدوّنا لأنه ينزل بـالشدّة والـحرب والسنة، وإن ميكائيـل ينزل بـالرخاء والعافـية والـخصب، فجبريـل عدوّنا. فقال اللّه جل ثناؤه: مَنْ كَانَ عَدُوّا لـجبريـل.

١٢٠٥ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل فَـانّهُ نَزّلَهُ عَلَـى قَلْبِكَ بِـاذْنِ اللّه مُصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيْهِ قال: كان لعمر بن الـخطاب أرض بأعلـى الـمدينة، فكان يأتـيها، وكان مـمرّه علـى طريق مدراس الـيهود، وكان كلـما دخـل علـيهم سمع منهم. وإنه دخـل علـيهم ذات يوم،

فقالوا: يا عمر ما فـي أصحاب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم أحد أحبّ إلـينا منك إنهم يـمرّون بنا فـيؤذوننا، وتـمرّ بنا فلا تؤذينا، وإنا لنطمع فـيك. فقال لهم عمر: أي يـمين فـيكم أعظم؟

قالوا: الرحمن الذي أنزل التوراة علـى موسى بطورسيناء. فقال لهم عمر: فأنشدكم بـالرحمن الذي أنزل التوراة علـى موسى بطورسيناء، أتـجدون مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم عندكم؟ فـاسكتوا. فقال: تكلـموا ما شأنكم؟ فواللّه ما سألتكم وأنا شاكّ فـي شيء من دينـي فنظر بعضهم إلـى بعض، فقام رجل منهم فقال: أخبروا الرجل لتـخْبِرُنّه أو لأخبرنّه

قالوا: نعم، إنا نـجده مكتوبـا عندنا ولكن صاحبه من الـملائكة الذي يأتـيه بـالوحي هو جبريـل وجبريـل عدوّنا، وهو صاحب كل عذاب أو قتال أو خسف، ولو أنه كان ولـيه ميكائيـل إذا لاَمنا به، فإن ميكائيـل صاحب كل رحمة وكل غيث. فقال لهم عمر: فأنشدكم بـالرحمن الذي أنزل التوراة علـى موسى بطورسيناء، أين مكان جبريـل من اللّه ؟

قالوا: جبريـل عن يـمينه، وميكائيـل عن يساره. قال عمر: فأشهدكم أن الذي هو عدوّ للذي عن يـمينه عدوّ للذي هو عن يساره، والذي هو عدوّ للذي هو عن يساره عدوّ للذي هو عن يـمينه، وأنه من كان عدوّهما فإنه عدوّ اللّه . ثم رجع عمر لـيخبر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فوجد جبريـل قد سبقه بـالوحي، فدعاه النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فقرأ علـيه، فقال عمر: والذي بعثك بـالـحقّ، لقد جئتك وما أريد إلاّ أن أخبرك.

١٢٠٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج الرازي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مغراء، قال: حدثنا زهير، عن مـجاهد، عن الشعبـي، قال: انطلق عمر إلـى يهود،

فقال: إنـي أنشدكم بـالذي أنزل التوراة علـى موسى هل تـجدون مـحمدا فـي كتابكم؟

قالوا: نعم

قال: فما يـمنعكم أن تتبعوه؟

قالوا: إن اللّه لـم يبعث رسولاً إلا كان له كِفْلٌ من الـملائكة، وإن جبريـل هو الذي يتكفل لـمـحمد، وهو عدوّنا من الـملائكة، وميكائيـل سِلْـمُنا فلو كان هو الذي يأتـيه اتبعناه

قال: فإنـي أنشدكم بـالذي أنزل التوراة علـى موسى، ما منزلتهما من ربّ العالـمين؟

قالوا: جبريـل عن يـمينه، وميكائيـل عن جانبه الاَخر. فقال: إنـي أشهد ما يقولون إلا بإذن اللّه ، وما كان لـميكائيـل أن يعادي سلـم جبريـل، وما كان جبريـل لـيسالـم عدوّ ميكائيـل. (فبـينـما هو عندهم) إذ مرّ نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقالوا: هذا صاحبك يا ابن الـخطاب. فقام إلـيه فأتاه وقد أنزل علـيه: مَن كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل فَـانّهُ نَزّلَهُ علـى قَلْبِكَ بِـاذْنِ اللّه إلـى قوله: فَـانّ اللّه عَدُوّ للكافِرِينَ.

١٢٠٧ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين بن عبد الرحمن، عن ابن أبـي لـيـلـى في قوله: مَنْ كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل قال: قالت الـيهود للـمسلـمين: لو أن ميكائيـل كان الذي ينزل علـيكم لتبعناكم، فإنه ينزل بـالرحمة والغيث، وإن جبريـل ينزل بـالعذاب والنقمة وهو لنا عدوّ

قال: فنزلت هذه الآية: مَنْ كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل.

١٢٠٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا عبد الـملك، عن عطاء بنـحو ذلك.

وأما تأويـل الآية، أعنـي قوله: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل فَـانّهُ نَزّلَهُ عَلـى قَلْبِكَ بِـاذْنِ اللّه فهو أن اللّه يقول لنبـيه: قل يا مـحمد لـمعاشر الـيهود من بنـي إسرائيـل الذين زعموا أن جبريـل لهم عدوّ من أجل أنه صاحب سطوات وعذاب وعقوبـات لا صاحب وحي وتنزيـل ورحمة، فأبوا اتبـاعك وجحدوا نبوّتك، وأنكروا ما جئتهم به من آياتـي وبـينات حكمي من أجل أن جبريـل ولـيك وصاحب وحيـي إلـيك، وزعموا أنه عدوّ لهم: من يكن من الناس لـجبريـل عدوّا ومنكرا أن يكون صاحب وحي اللّه إلـى أنبـيائه وصاحب رحمته فإنـي له ولـيّ وخـلـيـل، ومقرّ بأنه صاحب وحي إلـى أنبـيائه ورسله، وأنه هو الذي ينزل وحي اللّه علـى قلبـي من عند ربـي بإذن ربـي له بذلك يربط به علـى قلبـي ويشدّ فؤادي. كما:

١٢٠٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق، عن الضحاك ، عن ابن عبـاس في قوله: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل قال: وذلك أن الـيهود قالت حين سألت مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم عن أشياء كثـير، فأخبرهم بها علـى ما هي عندهم إلا جبريـل، فإن جبريـل كان عند الـيهود صاحب عذاب وسطوة، ولـم يكن عندهم صاحب وحي يعنـي تنزيـل من اللّه علـى رسله ولا صاحب رحمة. فأخبرهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـيـما سألوه عنه أن جبريـل صاحب وحي اللّه ، وصاحب نقمته، وصاحب رحمته.

فقالوا: لـيس بصاحب وحي ولا رحمة هو لنا عدوّ. فأنزل اللّه عزّ وجل إكذابـا لهم: قُلْ يا مـحمد مَنْ كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل فَـانّهُ نَزّلَهُ عَلَـى قَلْبِكَ

يقول: فإن جبريـل نزّله.

يقول: نزل القرآن بأمر اللّه يشدّ به فؤادك ويربط به علـى قلبك، يعنـي بوحينا الذي نزل به جبريـل علـيك من عند اللّه ، وكذلك يفعل بـالـمرسلـين والأنبـياء من قبلك.

١٢١٠ـ حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّا لِـجبريـل فَـانّهُ نَزّلَهُ عَلـى قَلْبِكَ بإذْنِ اللّه

يقول: أنزل الكتاب علـى قلبك بإذن اللّه .

١٢١١ـ وحدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: فإنّهُ نَزّلَهُ عَلَـى قَلْبِكَ

يقول: نزّل الكتاب علـى قلبك جبريـل.

قال أبو جعفر: وإنـما قال جل ثناؤه: فَـانّهُ نَزّلَهُ عَلَـى قَلْبِكَ وهو يعنـي بذلك قلب مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، وقد أمر مـحمدا فـي أول الآية أن يخبر الـيهود بذلك عن نفسه، ولـم يقل: فإنه نزّله علـى قلبـي. ولو قـيـل (علـى قلبـي) كان صوابـا من القول لأن من شأن العرب إذا أمرت رجلاً أن يحكي ما قـيـل له عن نفسه أن تـخرج فعل الـمأمور مرّة مضافـا إلـى كناية نفس الـمخبر عن نفسه، إذ كان الـمخبر عن نفسه ومرّة مضافـا إلـى اسمه كهيئة كناية اسم الـمخاطب لأنه به مخاطب فتقول فـي نظير ذلك: (قل للقوم إن الـخير عندي كثـير) فتـخرج كناية اسم الـمخبر عن نفسه لأنه الـمأمور أن يخبر بذلك عن نفسه، و(قل للقوم: إن الـخير عندك كثـير) فتـخرج كناية اسمه كهيئة كناية اسم الـمخاطب لأنه وإن كان مأمورا بقـيـل ذلك فهو مخاطب مأمور بحكاية ما قـيـل له. وكذلك: (لا تقل للقوم: إنـي قائم)، و(لا تقل لهم: إنك قائم)، والـياء من إنـي اسم الـمأمور بقول ذلك علـى ما وصفنا ومن ذلك قول اللّه عز وجل: (قُلْ لِلّذِينَ كَفَرُوا سَيُغْلَبُونَ) و(تُغلبون) بـالـياء والتاء.

وأما جبريـل، فإن للعرب فـيه لغات. فأما أهل الـحجاز فإنهم يقولون جبريـل وميكال بغير همز بكسر الـجيـم والراء من جبريـل وبـالتـخفـيف وعلـى القراءة بذلك عامة قراء أهل الـمدينة والبصرة. أما تـميـم وقـيس وبعض نـجد فـيقولون جَبْرَئيـل وميكائيـل، علـى مثال جَبْرَعِيـل وميكاعيـل بفتـح الـجيـم والراء وبهمز وزيادة ياء بعد الهمزة. وعلـى القراءة بذلك عامة قرّاء أهل الكوفة، كما قال جرير بن عطية:

عَبَدُوا الصّلِـيبَ وَكَذّبوا بِـمُـحَمّدٍوبِجَبْرَئِيـلَ وَكَذّبُوا مِيكالاَ

وقد ذكر عن الـحسن البصري وعبد اللّه بن كثـير أنهما كانا يقرآن: (جبريـل) بفتـح الـجيـم وترك الهمز.

قال أبو جعفر: وهي قراءة غير جائزة القراءة بها، لأن (فعيـل) فـي كلام العرب غير موجود. وقد اختار ذلك بعضهم، وزعم أنه اسم أعجمي كما يقال: سَمْوِيـل، وأنشد فـي ذلك:

بِحَيْثُ لَوْ وُزِنَتْ لَـخْمٌ بأجمَعِهاما وَازَنَتْ رِيشَةً مِنْ رِيشِ سَمْوِيلا

وأما بنو أسد فإنها تقول (جِبْرِين) بـالنون. وقد حكي عن بعض العرب أنها تزيد فـي جبريـل ألفـا فتقول: جبرائيـل وميكائيـل. وقد حكي عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرأ (جَبْرَئَلّ) بفتـح الـجيـم والهمز وترك الـمدّ وتشديد اللام، فأما (جبر) و(ميك) فإنهما هما الاسمان اللذان أحدهما بـمعنى عبد والاَخر بـمعنى عبـيد، وأما (إيـل) فهو اللّه تعالـى ذكره. كما:

١٢١٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا جرير بن نوح الـحمانـي، عن الأعمش، عن الـمنهال، عن سعيد بن جبـير، قال:

قال ابن عبـاس : جبريـل وميكائيـل كقولك عبد اللّه .

١٢١٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيى بن واضح، قال: حدثنا الـحسين بن واقد، عن يزيد النـحوي، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: جبريـل: عبد اللّه ، وميكائيـل: عبـيد اللّه ، وكل اسم إيـل فهو اللّه .

١٢١٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن إسماعيـل بن رجاء، عن عمير مولـى ابن عبـاس : أن إسرائيـل وميكائيـل وجبريـل وإسرافـيـل، كقولك عبد اللّه .

١٢١٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن الـمنهال بن عمرو، عن عبد اللّه بن الـحارث، قال: (إيـل) اللّه بـالعبرانـية.

١٢١٦ـ حدثنا الـحسين بن يزيد الضحاك ، قال: حدثنا إسحاق بن منصور، قال: حدثنا قـيس، عن عاصم، عن عكرمة، قال: جبريـل اسمه عبد اللّه ، وميكائيـل اسمه عبـيد اللّه ، إيـل: اللّه .

١٢١٧ـ حدثنـي الـحسين بن عمرو بن مـحمد العنقزي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا سفـيان، عن مـحمد بن عمرو بن عطاء، عن علـيّ بن حسين، قال: اسم جبريـل عبد اللّه ، واسم ميكائيـل عبـيد اللّه ، واسم إسرافـيـل عبد الرحمن وكل معبد بإيـل فهو عبد اللّه .

١٢١٨ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا قبـيصة بن عقبة، قال: حدثنا سفـيان، عن مـحمد الـمدنـي قال الـمثنى، قال قبـيصة: أراه مـحمد بن إسحاق عن مـحمد بن عمرو بن عطاء، عن علـي بن حسين، قال: ما تعدّون جبريـل فـي أسمائكم؟ قال: جبريـل عبد اللّه ، وميكائيـل عبـيد اللّه ، وكل اسم فـيه إيـل فهو معبّد للّه.

١٢١٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن عمرو بن عطاء، عن علـيّ بن حسين، قال: قال لـي: هل تدري ما اسم جبريـل من أسمائكم؟ قلت: لا، قال: عبد اللّه ، قال: فهل تدري ما اسم ميكائيـل من أسمائكم؟ قال: لا، قال: عبـيد اللّه . وقد سمّى لـي إسرائيـل بـاسم نـحو ذلك فنسيته، إلا أنه قد قال لـي: أرأيت كل اسم يرجع إلـى إيـل فهو معبد به.

حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن خصيف، عن عكرمة في قوله: جبريـل قال: جبر: عبد، إيـل: اللّه ، وميكا قال: عبد، إيـل: اللّه .

قال أبو جعفر: فهذا تأويـل من قرأ جبرائيـل بـالفتـح والهمز والـمدّ، وهو إن شاء اللّه معنى من قرأ بـالكسر وترك الهمز.

وأما تأويـل من قرأ ذلك بـالهمز وترك الـمدّ وتشديد اللام، فإنه قصد بقوله ذلك كذلك إلـى إضافة (جبر) و(ميكا) إلـى اسم اللّه الذي يسمى به بلسان العرب دون السريانـي والعبرانـي وذلك أن إِلالّ بلسان العرب اللّه كما قال: لاَ يَرْقُبُونَ فِـي مُؤْمِنٍ إِلاّ وَلاَ ذِمّةً فقال جماعة من أهل العلـم: إِلالّ: هو اللّه . ومنه قول أبـي بكر الصديق رضي اللّه عنه لوفد بنـي حنـيفة حين سألهم عما كان مسيـلـمة يقول، فأخبروه، فقال لهم: ويحكم أين ذهب بكم واللّه ، إن هذا الكلام ما خرج من إلَ ولا بِرَ. يعنـي من إلّ: من اللّه . وقد:

١٢٢٠ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن سلـيـمان التـيـمي، عن أبـي مـجلز في قوله: لاَ يَرْقُبُونَ فِـي مُؤْمِنٍ إِلاّ وَلاَ ذِمّةً قال: قول جبريـل وميكائيـل وإسرافـيـل، كأنه يقول حين يضيف (جبر) و(ميكا) و(إسرا) إلـى (إيـل)

يقول: عبد اللّه ، لا يرقبون فـي مُؤْمِنٍ إِلاّ كأنه

يقول: لا يرقبون اللّه عزّ وجلّ.

القول فـي تأويـل قوله تعالى: مُصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيْهِ.

يعنـي جل ثناؤه بقوله: مُصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيْهِ القرآن. ونصب مصدّقا علـى القطع من الهاء التـي في قوله: نَزّلَهُ علـى قَلْبِكَ. فمعنى الكلام: فإن جبريـل نزّل القرآن علـى قلبك يا مـحمد مصدقا لـما بـين يدي القرآن، يعنـي بذلك مصدقا لـما سلف من كتب اللّه أمامه، ونزلت علـى رسله الذين كانوا قبل مـحمد صلى اللّه عليه وسلم وتصديقه إياها موافقة معانـيه معانـيها فـي الأمر بـاتبـاع مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. وما جاء به من عند اللّه ، وهي تصدّقُه. كما:

١٢٢١ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثمان بن سعيد، قال: حدثنا بشر بن عمارة، عن أبـي روق عن الضحاك ، عن ابن عبـاس : مُصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيْهِ

يقول: لـما قبله من الكتب التـي أنزلها اللّه والاَيات والرسل الذين بعثهم اللّه بـالاَيات نـحو موسى ونوح وهود وشعيب وصالـح وأشبـاههم من الرسل صلـى اللّه علـيهم.

١٢٢٢ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: مُصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التّورَاةِ وَالإنـجِيـلِ.

١٢٢٣ـ حدثت عن عمار قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله.

القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَهُدًى وبُشْرَى للْـمُؤْمِنِـينَ.

يعنـي بقوله جل ثناؤه: وَهُدًى ودلـيـل وبرهان. وإنـما سماه اللّه جل ثناؤه (هُدًى) لاهتداء الـمؤمن به، واهتداؤه به اتـخاذه إياه هاديا يتبعه وقائدا ينقاد لأمره ونهيه وحلاله وحرامه. والهادي من كل شيء ما تقدم أمامه، ومن ذلك قـيـل لأوائل الـخيـل: هَوَادِيها، وهو ما تقدم أمامها، وكذلك قـيـل للعنق: الهادي، لتقدمها أمام سائر الـجسد.

وأما البشرى فإنها البشارة. أخبر اللّه عبـاده الـمؤمنـين جل ثناؤه أن القرآن لهم بشرى منه لأنه أعلـمهم بـما أعدّ لهم من الكرامة عنده فـي جناته، وما هم إلـيه صائرون فـي معادهم من ثوابه. وذلك هو البشرى التـي بشر اللّه بها الـمؤمنـين فـي كتابه لأن البشارة فـي كلام العرب هي إعلام الرجل بـما لـم يكن به عالـما مـما يسره من الـخير قبل أن يسمعه من غيره أو يعلـمه من قبل غيره. وقد روي فـي ذلك عن قتادة قول قريب الـمعنى مـما قلناه.

١٢٢٤ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: هُدًى وبُشْرَى لِلْـمُؤْمِنِـينَ لأن الـمؤمن إذا سمع القرآن حفظه ورعاه وانتفع به واطمأن إلـيه وصدّق بـموعود اللّه الذي وعد فـيه، وكان علـى يقـين من ذلك.

﴿ ٩٧