١٢٩القول فـي تأويـل قوله تعالى: {رَبّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ } وهذه دعوة إبراهيـم وإسماعيـل لنبـينا مـحمد صلى اللّه عليه وسلم خاصة، وهي الدعوة التـي كان نبـينا صلى اللّه عليه وسلم يقول: (أنا دعوة أبـي إبراهيـم وبشرى عيسى). ١٥٧٧ـ حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان الكلاعي: أن نفرا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قالوا: يا رسول اللّه أخبرنا عن نفسك قال (نعم، أنا دَعْوَةُ أبـي إبْرَاهِيـمَ، وبُشْرَى عِيسَى صلى اللّه عليه وسلم). ١٥٧٨ـ حدثنـي عمران بن بكار الكلاعي، قال: حدثنا أبو الـيـمان، قال: حدثنا أبو كريب، عن أبـي مريـم، عن سعيد بن سويد، عن العربـاض بن سارية السلـمي، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (إنّـي عِنْدَ اللّه فِـي أُمّ الكِتابِ خَاتِـمُ النّبِـيّـينَ وَإِنّ آدَمَ لَـمُنْـجَدِلٌ فِـي طِينَتِه، وَسَوْفَ أُنَبّئُكُمْ بِتَءَاوِيـلِ ذَلِكَ: أنا دَعْوَة أبـي إبْرَاهِيـمَ وَبِشَارَةُ عِيسَى قَوْمَه وَرُءْويا أُمي). حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا ابن وهب، قال: أخبرنـي معاوية، وحدثنـي عبـيد بن آدم بن أبـي إياس العسقلانـي، قال: حدثنـي أبـي، قال: حدثنا اللـيث بن سعد، عن معاوية بن صالـح، قالا جميعا، عن سعيد بن سويد، عن عبد اللّه بن هلال السلـمي، عن عربـاض بن سارية السلـمي، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: حدثنا معاوية، عن سعيد بن سويد، عن عبد الأعلـى بن هلال السلـمي، عن عربـاض بن سارية أنه قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول فذكر نـحوه. وبـالذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٧٩ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: رَبّنا وَابْعَثْ فِـيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ ففعل اللّه ذلك، فبعث فـيهم رسولاً من أنفسهم يعرفون وجهه ونسبه، يخرجهم من الظلـمات إلـى النور، ويهديهم إلـى صراط العزيز الـحميد. ١٥٨٠ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: رَبنا وَابْعَثْ فِـيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ هو مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. ١٥٨١ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه عن الربـيع: رَبّنَا وَابْعَثْ فِـيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمُ هو مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، فقـيـل له: قد استـجيب ذلك، وهو فـي آخر الزمان. ويعنـي تعالـى ذكره بقوله: يَتْلُوا عَلَـيْهِمْ آيَاتِكَ يقرأ علـيهم كتابك الذي توحيه إلـيه. القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَيُعَلّـمهُم الكِتابَ وَالـحِكْمَةَ. ويعنـي بـالكتاب القرآن. وقد بـينت فـيـما مضى لـم سمي القرآن كتابـا وما تأويـله. وهو قول جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ١٥٨٢ـ حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: ويعلـمهم الكتاب: القرآن. ثم اختلف أهل التأويـل فـي معنى الـحكمة التـي ذكرها اللّه فـي هذا الـموضع، فقال بعضهم: هي السنة. ذكر من قال ذلك: ١٥٨٣ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، والـحكمة: أي السنة. وقال بعضهم: الـحكمة هي الـمعرفة بـالدين والفقه فـيه. ذكر من قال ذلك: ١٥٨٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قلت لـمالك: ما الـحكمة؟ قال: الـمعرفة بـالدين، والفقه فـي الدين، والاتبـاع له. ١٥٨٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: وَالـحكْمَةَ قال: الـحكمة: الدين الذي لا يعرفونه إلا به صلى اللّه عليه وسلم يعلـمهم إياها قال: والـحكمة: العقل فـي الدين وقرأ: وَمَنْ يُؤْتَ الـحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِـيَ خَيْرا كَثِـيرا وقال لعيسى: وَيُعَلّـمُهُ الكِتابَ وَالـحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ وَإِلانْـجِيـلَ قال: وقرأ ابن زيد: وَاتْلُ عَلَـيْهِمْ نَبأ الّذِي آتَـيْنَاهُ آياتِنا فـانْسَلَـخَ مِنْهَا قال: لـم ينتفع بـالاَيات حيث لـم تكن معها حكمة قال: والـحكمة شيء يجعله اللّه فـي القلب ينوّر له به. والصواب من القول عندنا فـي الـحكمة، أنها العلـم بأحكام اللّه التـي لا يدرك علـمها إلا ببـيان الرسول صلى اللّه عليه وسلم والـمعرفة بها، وما دلّ علـيه ذلك من نظائره. وهو عندي مأخوذ من (الـحُكْمِ) الذي بـمعنى الفصل بـين الـحقّ والبـاطل بـمنزلة (الـجِلسة والقِعدة) من (الـجلوس والقعود)، يقال منه: إن فلانا لـحكيـم بـيّنُ الـحكمة، يعنـي به أنه لبـيّن الإصابة فـي القول والفعل. وإذ كان ذلك كذلك، فتأويـل الآية: ربنا وابعث فـيهم رسولاً منهم يتلو علـيهم آياتك، ويعلـمهم كتابك الذي تنزله علـيهم، وفصل قضائك، وأحكامك التـي تعلـمه إياها. القول فـي تأويـل قوله تعالى: وَيُزَكّيهِمْ. قد دللنا فـيـما مضى قَبْلُ علـى أن معنى التزكية: التطهير، وأن معنى الزكاة: النـماء والزيادة. فمعنى قوله: ويُزكيهِمْ فـي هذا الـموضع: ويطهرهم من الشرك بـاللّه وعبـادة الأوثان وينـميهم ويكثرهم بطاعة اللّه . كما: ١٥٨٦ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: حدثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : يَتْلُوا عَلَـيْهِمْ آياتِكَ وَيُزَكّيهِمْ قال: يعنـي بـالزكاة، طاعة اللّه والإخلاص. ١٥٨٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، قال: قال ابن جريج: قوله: وَيُزَكّيهِمْ قال: يطهرهم من الشرك ويخـلصهم منه. القول فـي تأويـل قوله تعالى: إِنّكَ أنْتَ العَزِيزُ الـحَكِيـمُ. يعنـي تعالـى ذكره بذلك: إنك يا ربّ أنت العزيز القويّ الذي لا يعجزه شيء أراده، فـافعل بنا وبذريتنا ما سألناه وطلبناه منك. والـحكيـم: الذي لا يدخـل تدبـيره خَـلَلٌ ولا زَلَلٌ، فأعطنا ما ينفعنا وينفع ذريتنا، ولا ينقصك ولا ينقص خزائنك. |
﴿ ١٢٩ ﴾