١٦٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ فِي خَلْقِ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ ...} اختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي من أجله أنزل اللّه تعالـى ذكره هذه الآية علـى نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم. فقال بعضهم: أنزلها علـيه احتـجاجا له علـى أهل الشرك به من عبدة الأوثان، وذلك أن اللّه تعالـى ذكره لـما أنزل علـى نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم: وإلهُكُمْ إلهٌ وَاحِدٌ لا إلهَ إلاّ هُوَ الرّحْمَنُ الرّحِيـمُ فتلا ذلك علـى أصحابه، وسمع به الـمشركون من عبدة الأوثان، قال الـمشركون: وما الـحجة والبرهان علـى أن ذلك كذلك، ونـحن ننكر ذلك، ونـحن نزعم أن لنا آلهة كثـيرة؟ فأنزل اللّه عند ذلك: إنّ فـي خَـلْق السّمَوات وَالأرْض احتـجاجا لنبـيه صلى اللّه عليه وسلم علـى الذين قالوا ما ذكرنا عنهم. ذكر من قال ذلك: ١٨٩٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن عطاء، قال: نزل علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بـالـمدينة: وَإلهُكُمْ إلهٌ وَاحِدٌ لا إلهَ إلاّ هُوَ الرّحْمَنُ الرّحِيـمُ فقال كفـار قريش بـمكة: كيف يسع الناس إله واحد؟ فأنزل اللّه تعالـى ذكره: إنّ فِـي خَـلْقِ السّمَوَاتِ والأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللّـيْـلِ وَالنّهَارِ إلـى قوله: لاَياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فبهذا يعلـمون أنه إله واحد، وأنه إله كل شيء وخالق كل شيء. وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم من أجل أن أهل الشرك سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم (آيةً)، فأنزل اللّه هذه الآية يعلـمهم فـيها أن لهم فـي خـلق السمَوات والأرض وسائر ما ذكر مع ذلك آية بـينة علـى وحدانـية اللّه ، وأنه لا شريك له فـي ملكه لـمن عقل وتدبر ذلك بفهم صحيح. ذكر من قال ذلك: ١٨٩٤ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن أبـيه، عن أبـي الضحى، قال: لـما نزلت: وَإلهُكُمْ إلهٌ وَاحِدٌ لا إلهَ إلاّ هُوَ الرّحْمَنُ الرّحِيـمُ قال الـمشركون: إن كان هذا هكذا فلـيأتنا بآية فأنزل اللّه تعالـى ذكره: إن فـي خَـلْقِ السّمَواتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللّـيْـلِ والنّهَارِ... الآية. ١٨٩٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج، حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، قال: حدثنـي سعيد بن مسروق، عن أبـي الضحى، قال: لـما نزلت وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إلاّ هُوَ الرّحْمَنُ الرّحِيـم قال الـمشركون: إن كان هذا هكذا فلـيأتنا بآية فأنزل اللّه تعالـى ذكره إن فـي خَـلْق السّمَوَات والأَرْض وَاخْتِلاف اللّـيْـلِ وَالنّهار... الآية. ١٨٩٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق بن الـحجاج، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، قال: حدثنـي سعيد بن مسروق، عن أبـي الضحى، قال: لـما نزلت هذه الآية جعل الـمشركون يعجبون ويقولون: تقول إلهكم إله واحد، فلتأتنا بآية إن كنت من الصادقـين فأنزل اللّه : إنّ فِـي خَـلْقِ السّمَوَاتِ والأرضِ وَاخْتِلاَفِ اللّـيْـلِ وَالنّهَارِ... الآية. ١٨٩٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج عن عطاء بن أبـي ربـاح: أن الـمشركين قالوا للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: أرنا آية فنزلت هذه الآية: إنّ فِـي خَـلْقِ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ. ١٨٩٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد، قال: سألت قريش الـيهود، فقالوا: حدثونا عما جاءكم به موسى من الاَيات فحدثوهم بـالعصا وبـيده البـيضاء للناظرين، وسألوا النصارى عما جاءهم به عيسى من الاَيات، فأخبروهم أنه كان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيـي الـموتـى بإذن اللّه . فقالت قريش عند ذلك للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: ادع اللّه أن يجعل لنا الصفـا ذهبـا فنزداد يقـينا، ونتقوّى به علـى عدوّنا فسأل النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ربه، فأوحى إلـيه: إنـي معطيهم، فأجعل لهم الصفـا ذهبـا، ولكن إن كذبوا عذّبتهم عذابـا لـم أعذبه أحدا من العالـمين. فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (ذَرْنِـي وَقَوْمِي فَأدْعُوَهُمْ يَوْما بِـيَوْم) فأنزل اللّه علـيه: إنّ فِـي خَـلْقِ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ الآية، إن فـي ذلك لاَية لهم، إن كانوا إنـما يريدون أن أجعل لهم الصفـا ذهبـا، فخـلق اللّه السمَوات والأرض واختلاف اللـيـل والنّهار أعظم من أن أجعل لهم الصفـا ذهبـا لـيزدادوا يقـينا. ١٨٩٩ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: إنّ فِـي خَـلْقِ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللّـيْـلِ وَالنّهَارِ فقال الـمشركون للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: غيّر لنا الصفـا ذهبـا إن كنت صادقا أنه منه فقال اللّه : إن فـي هذه الاَيات لاَيات لقوم يعقلون وقال: قد سأل الاَيات قوم قبلكم، ثم أصبحوا بها كافرين. والصواب من القول فـي ذلك، أن اللّه تعالـى ذكره نبه عبـاده علـى الدلالة علـى وحدانـيته وتفرّده بـالألوهية دون كل ما سواه من الأشياء بهذه الآية. وجائز أن تكون نزلت فـيـما قاله عطاء، وجائز أن تكون فـيـما قاله سعيد بن جبـير وأبو الضحى، ولا خبر عندنا بتصحيح قول أحد الفريقـين يقطع العذر فـيجوز أن يقضي أحد لأحد الفريقـين بصحة قول علـى الاَخر. وأيّ القولـين كان صحيحا فـالـمراد من الآية ما قلت. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنّ فِـي خَـلْقِ السّمَوَاتِ والأرْضِ. يعنـي تعالـى ذكره بقوله: إنّ فِـي خَـلْقِ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ إن فـي إنشاء السمَوات والأرض وابتداعهما. ومعنى خـلق اللّه الأشياء: ابتداعه وإيجاده إياها بعد أن لـم تكن موجودة. وقد دللنا فـيـما مضى علـى الـمعنى الذي من أجله قـيـل (الأرض) ولـم تـجمع كما جمعت السموات، فأغنى ذلك عن إعادته. فإن قال لنا قائل: وهل للسموات والأرض خـلق هو غيرها فـيقال: إن فـي خـلق السموات والأرض؟ قـيـل: قد اختلف فـي ذلك، فقال بعض الناس: لها خـلق هو غيرها، واعتلوا فـي ذلك بهذه الآية، وبـالتـي فـي سورة الكهف: مَا أشْهَدْتُهُمْ خَـلْقَ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَلاَ خَـلْقَ أنْفُسِهِمْ و قالوا: لـم يخـلق اللّه شيئا إلا واللّه له مريد. قالوا: فـالأشياء كانت بإرادة اللّه ، والإردة خـلقٌ لها. وقال آخرون: خـلق الشيء صفة له، لا هي هو ولا غيره. قالوا: لو كان غيره لوجب أن يكون مثله موصوفـا. قالوا: ولو جاز أن يكون خـلقه غيره وأن يكون موصوفـا لوجب أن تكون له صفة هي له خـلق، ولو وجب ذلك كذلك لـم يكن لذلك نهاية. قالوا: فكان معلوما بذلك أنه صفة للشيء. قالوا: فخـلق السمَوات والأرض صفة لهما علـى ما وصفنا. واعتلوا أيضا بأن للشيء خـلقا لـيس هو به من كتاب اللّه بنـحو الذي اعتلّ به الأوّلون. وقال آخرون: خـلق السمَوات والأرض وخـلق كل مخـلوق، هو ذلك الشيء بعينه لا غيره. فمعنى قوله: إنّ فِـي خَـلْقِ السّمَوَاتِ وَالأرْضِ: إن فـي السموات والأرض. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاخْتِلاَفِ اللّـيْـلِ وَالنّهَارِ. يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَاخْتِلاَفِ اللّـيْـلِ وَالنّهَارِ وتعاقب اللـيـل والنهار علـيكم أيها الناس. وإنـما الاختلاف فـي هذا الـموضع الافتعال من خُـلوف كل واحد منهما الاَخر، كما قال تعالـى ذكره: وَهُوَ الّذِي جَعَلَ اللّـيْـلَ وَالنّهَارَ خِـلْفَةً لِـمَنْ أرَادَ أنْ يَذّكّرَ أوْ أرَادَ شُكُورا بـمعنى: أن كل واحد منهما يخـلف مكان صاحبه، إذا ذهب اللـيـل جاء النهار بعده، وإذا ذهب النهار جاء اللـيـل خـلفه ومن ذلك قـيـل: خـلف فلان فلانا فـي أهله بسوء، ومنه قول زهير: بها العِينُ والاَرَامُ يَـمْشِينَ خِـلْفَةًوأطْلاؤُها يَنْهَضْنَ مِنْ كُلّ مَـجْثِم وأما اللـيـل فإنه جمع لـيـلة، نظير التـمر الذي هو جمع تـمرة، وقد يجمع لـيال فـيزيدون فـي جمعها ما لـم يكن فـي واحدتها. وزيادتهم الـياء فـي ذلك نظير زيادتهم إياها فـي ربـاعية وثمانـية وكراهيةوأما النهار فإن العرب لا تكاد تـجمعه لأنه بـمنزلة الضوء، وقد سمع فـي جمعه (النّهُر) قال الشاعر: لَوْلا الثّريدَان هَلَكْنا بـالضّمُرْثَريدُ لَـيْـلٍ وَثَريدٌ بـالنّهُرْ ولو قـيـل فـي جمع قلـيـله أنهرة كان قـياسا. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالفُلْكِ الّتِـي تَـجْرِي فِـي البَحْرِ بِـمَا يَنْفَعُ النّاسَ. يعنـي تعالـى ذكره: إن فـي الفلك التـي تـجري فـي البحر. والفلك هو السفن، واحده وجمعه بلفظ واحد، ويذكر ويؤنث، كما قال تعالـى ذكره فـي تذكيره فـي آية أخرى: وآيَةٌ لَهُمْ أنّا حَمَلْنَا ذُرّيّتَهُمْ فِـي الفُلْكِ الـمَشْحُون فذكره، وقد قال فـي هذه الآية: وَالفُلْكِ الّتـي تَـجْرِي فِـي البَحْرِ وهي مُـجراة، لأنها إذا أجريت فهي الـجارية، فأضيف إلـيها من الصفة ما هو لها. وأما قوله: بِـمَا يَنْفَعُ النّاسَ فإن معناه: ينفع الناس فـي البحر. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَما أنْزَلَ اللّه مِنَ السماءِ مِنْ ماءٍ فأحيا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتها. يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَما أنْزَلَ اللّه مِنَ السّماءِ مِنْ ماءٍ وفـيـما أنزله اللّه من السماء من ماء، وهو الـمطر الذي ينزله اللّه من السماء. وقوله: فَأحيْا بِهِ الأرْضَ بَعَدْ مَوْتِها وإحياؤها: عمارتها وإخراج نبـاتها، والهاء التـي فـي (به) عائدة علـى الـماء والهاء والألف فـي قوله: بَعْدَ مَوْتها علـى الأرض، وموت الأرض: خرابها ودثور عمارتها، وانقطاع نبـاتها الذي هو للعبـاد أقوات وللأنام أرزاق. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَبَثّ فِـيها مِنْ كُلّ دابّة. يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَبَثّ فِـيها مِنْ كُلّ دابّةٍ وإن فـيـما بثّ فـي الأرض من دابة. ومعنى قوله: وبَثّ فِـيها وفرّق فـيها، من قول القائل: بثّ الأمير سراياه: يعنـي فرّق. والهاء والألف فـي قوله: (فِـيها) عائدتان علـى الأرض. والدابة الفـاعلة من قول القائل دبت الدابة تدبّ دبـيبـا فهي دابة، والدابة اسم لكل ذي روح كان غير طائر بجناحيه لدبـيبه علـى الأرض. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَتَصرِيف الرّياحِ. يعنـي تعالـى ذكره بقوله: وَتَصْرِيفُ الرّياحِ وفـي تصريفه الرياح، فأسقط ذكر الفـاعل وأضاف الفعل إلـى الـمفعول، كما قال: يعجبنـي إكرام أخيك، يريد إكرامك أخاك وتصريف اللّه إياها: أن يرسلها مرة لواقح، ومرة يجعلها عقـيـما، ويبعثها عذابـا تدمر كل شيء بأمر ربها. كما: ١٩٠٠ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَتَصْريف الرّياحِ والسحاب الـمُسَخّرِ قال: قادر واللّه ربنا علـى ذلك، إذا شاء جعلها عذابـا ريحا عقـيـما لا تلقح، إنـما هي عذاب علـى من أرسلت علـيه. وزعم بعض أهل العربـية أن معنى قوله: وَتَصْرِيفِ الرّياحِ أنها تأتـي مرّة جنوبـا وشمالاً وقَبُولاً ودَبُورا ثم قال: وذلك تصريفها. وهذه الصفة التـي وصف الرياح بها صفة تصرّفها لا صفة تصريفها، لأن تصريفها تصريف اللّه لها، وتصرّفها اختلاف هبوبها. وقد يجوز أن يكون معنى قوله: وَتَصَرْيفِ الرّياحِ تصريف اللّه تعالـى ذكره هبوب الرياح بـاختلاف مهابّها. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَالسّحابِ الـمُسّخّرِ وَبَـيْنَ السّماءِ والأْرضِ لاَيات لِقَوْمٍ يْعَقِلُونَ. يعنـي تعالـى ذكره بقوله وَالسّحابِ الـمُسّخّرِ وفـي السحاب جمع سحابة، يدل علـى ذلك قوله تعالـى ذكره: وَيُنْشِىءُ السّحابَ الثّقالَ فوحد الـمسخر وذكّره، كما قال: هذه تـمرة وهذا تـمر كثـير فـي جمعه، وهذه نـخـلة وهذا نـخـل. وإنـما قـيـل للسحاب سحاب إن شاء اللّه لـجرّ بعضه بعضا وسحبه إياه، من قول القائل: مرّ فلان يجرّ ذيـله: يعنـي يسحبه. فأما معنى قوله: لاَياتٍ فإنه علامات ودلالات علـى أن خالق ذلك كله ومنشئه إله واحد، لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ لـمن عقل مواضع الـحجج وفهم عن اللّه أدلته علـى وحدانـيته. فأعلـم تعالـى ذكره عبـاده بأن الأدلة والـحجج إنـما وضعت معتبرا لذوي العقول والتـميـيز دون غيرهم من الـخـلق، إذ كانوا هم الـمخصوصين بـالأمر والنهي، والـمكلفـين بـالطاعة والعبـادة، ولهم الثواب وعلـيهم العقاب. فإن قال قائل: وكيف احتـجّ علـى أهل الكفر بقوله: إنّ فِـي خَـلْق السّمَوَات والأرْضِ وَاخْتِلاف اللّـيْـلِ وَالنّهاِر الآية فـي توحيد اللّه ، وقد علـمت أن أصنافـا من أصناف الكفرة تدفع أن تكون السموات والأرض وسائر ما ذكر فـي هذه الآية مخـلوقة؟ قـيـل: إن إنكار من أنكر ذلك غير دافع أن يكون جميع ما ذكر تعالـى ذكره فـي هذه الآية دلـيلاً علـى خالقه وصانعه، وأن له مدبرا لا يشبهه (شيء)، وبـارئا لا مثل له. وذلك وإن كان كذلك، فإن اللّه إنـما حاجّ بذلك قوما كانوا مقرّين بأن اللّه خالقهم، غير أنهم يشركون فـي عبـادته عبـادة الأصنام والأوثان فحاجّهم تعالـى ذكره فقال إذ أنكروا قوله: وَإلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ وزعموا أن له شركاء من الاَلهة: إن إلهكم الذي خـلق السموات، وأجرى فـيها الشمس والقمر لكم بأرزاقكم دائبـين فـي سيرهما، وذلك هو معنى اختلاف اللـيـل والنهار فـي الشمس والقمر، وذلك هو معنى قوله: وَالفُلْكِ الّتِـي تَـجْرِي فـي البَحْر بـمَا يَنْفَعُ النّاسَ وأنزل إلـيكم الغيث من السماء، فأخصب به جَنَابكم بعد جدوبه، وأمرعه بعد دثوره، فنَعَشكم به بعد قنوطكم، وذلك هو معنى قوله: وَما أنْزَلَ اللّه مِنَ السّماءِ مِنْ ماءٍ فأحيْا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتها. وسخر لكم الأنعام فـيها لكم مطاعم ومآكل، ومنها جمال ومراكب، ومنها أثاث وملابس، وذلك هو معنى قوله: وَبَثّ فِـيها مِنْ كُلّ دابّةٍ. وأرسل لكم الرياح لواقح لأشجار ثماركم وغذائكم وأقواتكم، وسير لكم السحاب الذي بوَدْقه حياتكم وحياة نَعَمكم ومواشيكم وذلك هو معنى قوله: وَتَصْرِيفِ الرّياحِ وَالسّحابِ الـمُسَخّر بَـيْنَ السّماءِ والأرْضِ. فأخبرهم أن إلههم هو اللّه الذي أنعم علـيهم بهذه النعم، وتفرّد لهم بها. ثم قال: هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ فتشركوه فـي عبـادتكم إياي، وتـجعلوه لـي ندّا وعِدلاً؟ فإن لـم يكن من شركائكم من يفعل ذلكم من شيء، ففـي الذي عددت علـيكم من نعمتـي وتفرّدت لكم بأياديّ دلالات لكم إن كنتـم تعقلون مواقع الـحق والبـاطل والـجور والإنصاف، وذلك أنـي لكم بـالإحسان إلـيكم متفرّد دون غيري، وأنتـم تـجعلون لـي فـي عبـادتكم إياي أندادا. فهذا هو معنى الآية. والذين ذُكّروا بهذه الآية واحتـجّ علـيهم بها هم القوم الذين وصفت صفتهم دون الـمعطلة والدهرية، وإن كان فـي أصغر ما عدّ اللّه فـي هذه الآية من الـحجج البـالغة، الـمُقْنَعُ لـجميع الأنام، تركنا البـيان عنه كراهة إطالة الكتاب بذكره. |
﴿ ١٦٤ ﴾