١٧٤

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلَ اللّه مِنَ الْكِتَابِ ...}

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: إنّ الّذِينَ يَكْتُـمُون مَا أنْزَلَ اللّه مِنَ الكِتابِ أحبـار الـيهود الذين كتـموا الناس أمر مـحمد صلى اللّه عليه وسلم ونبوّته، وهم يجدونه مكتوبـا عندهم فـي التوراة بِرُشا كانوا أعطوها علـى ذلك. كما:

١٩٧٨ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: إنّ الذِينَ يَكْتُـمُونَ ما أنْزَلَ اللّه مِنَ الكِتابِ الآية كلها: هم أهل الكتاب كتـموا ما أنزل اللّه علـيهم وبـين لهم من الـحق والهدى من بعث مـحمد صلى اللّه عليه وسلم وأمره.

١٩٧٩ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع فـي قوله: إنّ الّذِينَ يَكْتُـمُونَ ما أنْزَلَ اللّه مِنَ الكِتابِ وَيَشْتَرونَ بِهِ ثَمَنا قَلِـيلاً قال: هم أهل الكتاب كتـموا ما أنزل اللّه علـيهم من الـحق والإسلام وشأن مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

١٩٨٠ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: إنّ الّذِينَ يَكْتُـمُونَ ما أنْزَلَ اللّه مِنَ الِكتابِ فهؤلاء الـيهود كتـموا اسم مـحمد صلى اللّه عليه وسلم.

١٩٨١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة قوله: إنّ الّذِينَ يَكْتُـمُونَ ما أنْزَلَ اللّه مِن الكِتابِ والتـي فـي آل عمران: إنّ الّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللّه وأيـمَانِهِم ثَمَنا قَلِـيلاً نزلتا جميعا فـي يهود.

وأما تأويـل قوله: وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنا قَلِـيلاً فإنه يعنـي: يبتاعون به. والهاء التـي فـي (به) من ذكر الكتـمان، فمعناه: ابتاعوا بكتـمانهم ما كتـموا الناس من أمر مـحمد صلى اللّه عليه وسلم وأمر نبوّته ثمنا قلـيلاً.

وذلك أن الذي كانوا يُعطون علـى تـحريفهم كتاب اللّه وتأويـلهموه علـى غير وجهه وكتـمانهم الـحق فـي ذلك، الـيسيرُ من عرض الدنـيا. كما:

١٩٨٢ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنا قَلِـيلاً قال: كتـموا اسم مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، وأخذوا علـيه طمعا قلـيلاً، فهو الثمن القلـيـل.

وقد بـينت فـيـما مضى صفة اشترائهم ذلك بـما أغنى عن إعادته ههنا.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: أُولَئِكَ ما يأكُلُونَ فِـي بُطونِهِمْ إلاّ النارَ ....

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: أُولَئِكَ هؤلاء الذين يكتـمون ما أنزل اللّه من الكتاب فـي شأن مـحمد صلى اللّه عليه وسلم بـالـخسيس من الرشوة يعُطوْنها، فـيحرّفون لذلك آيات اللّه ويغيرون معانـيها. ما يأكُلُونَ فِـي بُطُونِهِم بأكلهم ما أكلوا من الرشا علـى ذلك والـجعالة وماأخذوا علـيه من الأجر إلاّ النّارِ، يعنـي إلا ما يوردهم النار ويصلـيهموها، كما قال تعالـى ذكره: إنّ الّذِينَ يَأكُلُونَ أمْوَالَ الَـيتامَى ظُلْـما إنّـمَا يَأكُلُونَ فِـي بُطُونِهِم نارا وَسَيَصْلوْنَ سَعِيرا معناه: ما يأكلون فـي بطونهم إلا ما يوردهم النار بأكلهم. فـاستغنى بذكر النار وفهم السامعين معنى الكلام عن ذكر ما يوردهم أو يدخـلهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

١٩٨٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: أُولَئِكَ ما يَأكُلُونَ فِـي بُطونِهِمْ إلاّ النّار

يقول: ما أخذوا علـيه من الأجر.

فإن قال قائل: فهل يكون الأكل فـي غير البطن فـيقال: ما يأكلون فـي بطونهم؟

قـيـل: قد تقول العرب جعت فـي غير بطنـي، وشبعت فـي غير بطنـي، فقـيـل فـي بطونهم لذلك كما يقال: فعل فلان هذا نفسه. وقد بـينا ذلك فـي غير هذا الـموضع فـيـما مضى.

وأما قوله: وَلا يُكَلّـمُهُمُ اللّه يَوْمَ القِـيامَةِ

يقول: ولا يكلـمهم بـما يحبون ويشتهون، فأما بـما يسوءهم ويكرهون فإنه سيكلـمهم لأنه قد أخبر تعالـى ذكره أنه يقول لهم إذا

قالوا: رَبّنا أخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فإنّا ظالِـمُون قال: اخْسَئُوا فِـيها وَلا تُكَلّـمُون الاَيتـين.

وأما قوله: وَلا يُزَكّيهِمْ فإنه يعنـي: ولا يطهرهم من دنس ذنوبهم وكفرهم، وَلهُمْ عَذَابٌ ألِـيـم يعنـي موجع.

﴿ ١٧٤