١٨٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ ...}

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: وإذا سألك يا مـحمد عبـادي عنـي أين أنا؟ فإنـي قريب منهم أسمع دعاءهم، وأجيب دعوة الداعي منهم.

وقد اختلفوا فـيـما أنزلت فـيه هذه الآية،

فقال بعضهم: نزلت فـي سائل سأل النبـي صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: يا مـحمد أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل اللّه وإذَا سألَكَ عِبَـادِي عَنّـي فإِنـي قَريبٌ أُجِيبُ... الآية.

٢٣٥٩ـ حدثنا بذلك ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عبدة السجستانـي، عن الصلت بن حكيـم، عن أبـيه، عن جده.

٢٣٦٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا جعفر بن سلـيـمان عن عوف، عن الـحسن، قال: سأل أصحاب النبـي صلى اللّه عليه وسلم النبـي صلى اللّه عليه وسلم: أين ربنا؟ فأنزل اللّه تعالـى ذكره: وَإذَا سألكَ عِبَـادي عَنّـي فإنّـي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذَا دَعان... الآية.

وقال آخرون: بل نزلت جوابـا لـمسئلة قوم سألوا النبـي صلى اللّه عليه وسلم: أيّ ساعة يدعون اللّه فـيها؟ ذكر من قال ذلك:

٢٣٦١ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء قال: لـما نزلت: وَقَالَ رَبّكُمُ ادْعُونِـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ قالوا فـي أي ساعة؟ قال: فنزلت: وَإذَا سألَكَ عِبَـادِي عَنّـي فإنّـي قَرِيبٌ إلـى قوله: لَعَلّهُمْ يَرْشُدُون.

٢٣٦٢ـ حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن جريج، عن عطاء فـي قوله: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذَا دَعان

قالوا: لو علـمنا أيّ ساعة ندعو؟ فنزلت وإذَا سألَكَ عِبَـادِي عَنّـي فإنّـي قَرِيبٌ... الآية.

٢٣٦٣ـ حدثنـي القاسم قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: زعم عطاء بن أبـي ربـاح أنه بلغه لـما نزلت: وَقالَ رَبّكُمُ ادْعُونـي أسْتَـجِيبْ لَكُمْ قال.الناس: لو نعلـم أي ساعة ندعو؟ فنزلت: وَإذَا سألكَ عِبـادي عَنّـي فإنّـي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذَا دَعان فَلْـيَسْتَـجيبُوا لـي وَلْـيْوءْمِنُوا بِـي لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ.

٢٣٦٤ـ حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال حدثنا أسبـاط، عن السدي: وَإذَا سألَكَ عِبَـادِي عَنّـي فإنّـي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعُوَةَ الدّاعِ إذَا دَعان قال: لـيس من عبد مؤمن يدعو اللّه إلا استـجاب له، فإن كان الذي يدعو به هو له رزق فـي الدنـيا أعطاه اللّه ، وإن لـم يكن له رزقا فـي الدنـيا ذَخَرَهُ له إلـى يوم القـيامة، ودفع عنه به مكروها.

٢٣٦٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا اللـيث بن سعد، عن ابن صالـح، عمن حدثه أنه بلغه أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (ما أُعْطيَ أحدٌ الدّعاءَ وَمُنِعَ الإجابةَ، لأنّ اللّه

يَقُولُ: ادْعُونِـي أسْتَـجِبْ لَكم) ومعنى متأولـي هذا التأويـل: وإذا سألك عبـادي عنـي أيّ ساعة يدعوننـي فإنـي منهم قريب فـي كل وقت أجيب دعوة الداع إذا دعان.

وقال آخرون: بل نزلت جوابـا لقول قوم قالوا إذا قال اللّه لهم: ادْعُونـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ إلـى أين ندعوه؟ ذكر من قال ذلك:

٢٣٦٦ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال مـجاهد: ادْعُونـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ

قالوا: إلـى أين؟ فنزلت: أيْنَـما تُوَلّوا فَثَمّ وَجْهُ اللّه إنّ اللّه وَاسِعٌ عَلِـيـم.

وقال آخرون: بل نزلت جوابـا لقوم

قالوا: كيف ندعو؟ ذكر من قال ذلك:

٢٣٦٧ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ذكر لنا أنه لـما أنزل اللّه ادْعُونـي أَسْتَـجِبْ لَكُمْ قال رجال: كيف ندعو يا نبـي اللّه ؟ فأنزل اللّه : وَإذَا سَأَلَكَ عِبَـادي عَنّـي فإنّـي قَرِيبٌ إلـى قوله: يَرْشُدُونَ.

وأما قوله: فَلْـيَسْتَـجِيبُوا لـي فإنه يعنـي: فلـيستـجيبوا لـي بـالطاعة، يقال منه: استـجبت له واستـجبته بـمعنى أجبته، كما قال كعب بن سعد الغنوي:

ودَاعٍ دَعا يا مَن يُجِيبُ إلـى النّدَىفلَـمْ يَتَـجِهُ عندَ ذَاكَ مُـجِيبُ

يريد: فلـم يجبه. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال مـجاهد وجماعة غيره.

٢٣٨٩حدثنا القاسم، قال حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي الـحجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد قوله: فَلْـيَسْتَـجِيبُوا لـي قال: فلـيطيعوا لـي، قال: الاستـجابة: الطاعة.

٢٣٦٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا حبـان بن موسى، قال: سألت عبد اللّه بن الـمبـارك عن قوله: فَلْـيَسْتَـجِيبُوا لـي قال: طاعة اللّه .

وقال بعضهم: معنى فَلْـيَسْتَـجِيبُوا لـي فلـيدعونـي. ذكر من قال ذلك:

٢٣٦٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي منصور بن هارون، عن أبـي رجاء الـخراسانـي، قال فَلْـيَسْتَـجِيبُوا لـي: فلـيدعونـي.

وأما قوله: وَلْـيُوءْمِنُوا بِـي فإنه يعنـي: ولـيصدقوا، أي ولـيؤمنوا بـي إذا هم استـجابوا لـي بـالطاعة أنـي لهم من وراء طاعتهم لـي فـي الثواب علـيها وإجزالـي الكرامة لهم علـيها.

وأما الذي تأول قوله: فَلْـيَسْتَـجِيبُوا لـي أي بـمعنى فلـيدعونـي، فإنه كان يتأول قوله: وَلْـيُوءْمِنُوا بـي: ولـيؤمنوا بـي أنـي أستـجيب لهم. ذكر من قال ذلك:

٢٣٧٠ـ حدثنا القاسم، حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي منصور بن هارون، عن أبـي رجاء الـخراسانـي: وَلْـيُوءْمِنُوا بـي

يقول: أنـي أستـجيب لهم.

وأما قوله: لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ فإنه يعنـي: فلـيستـجيبوا لـي بـالطاعة، ولـيؤمنوا بـي فـيصدّقوا علـى طاعتهم إياي بـالثواب منـي لهم ولـيهتدوا بذلك من فعلهم فـيرشدوا كما:

٢٣٧١ـ حدثنـي به الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سعد، قال حدثنا أبو جعفر، عن الربـيع فـي قوله: لَعَلّهُمْ يَرْشُدُونَ

يقول: لعلهم يهتدون.

فإن قال لنا قائل: وما معنى هذا القول من اللّه تعالـى ذكره؟ فأنت ترى كثـيرا من البشر يدعون اللّه فلا يجاب لهم دعاء وقد قال: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إذَا دَعانِ؟

قـيـل: إن لذلك وجهين من الـمعنى: أحدهما أن يكون معنـيا بـالدعوة العمل بـما ندب اللّه إلـيه وأمر به، فـيكون تأويـل الكلام: وإذا سألك عبـادي عنـي فإنـي قريب مـمن أطاعنـي وعمل بـما أمرته به أجيبه بـالثواب علـى طاعته إياي إذا أطاعنـي. فـيكون معنى الدعاء مسألة العبد ربه وما وعد أولـياؤه علـى طاعتهم بعلـمهم بطاعته، ومعنى الإجابة من اللّه التـي ضمنها له الوفـاء له بـما وعد العاملـين له بـما أمرهم به، كما رُوي عن النبـي صلى اللّه عليه وسلم من قوله: (إنّ الدّعاءَ هُوَ العِبَـادَة).

٢٣٧٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جويبر، عن الأعمش، عن ذرّ، عن سَبـيْع الـحضرمي، عن النعمان بن بشير قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إِنّ الدّعاءَ هُوَ العِبَـادةُ)، ثم قرأ: وَقالَ رَبّكُمُ ادْعُونـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ إنّ الّذِينَ يَسْتَكُبِرُونَ عَنْ عِبَـادَتـي سَيَدْخُـلُونَ جَهَنّـمَ دَاخِرين.

فأخبر صلى اللّه عليه وسلم أن دعاء اللّه إنـما هو عبـادته ومسألته بـالعمل له والطاعة وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك ذكر أن الـحسن كان يقول.

٢٣٧٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنـي منصور بن هارون، عن عبد اللّه بن الـمبـارك، عن الربـيع بن أنس، عن الـحسن أنه قال فـيها: ادْعُونـي أسْتَـجِبْ لَكُمْ قال: اعملوا وأبشروا فإنه حق علـى اللّه أن يستـجيب الذين آمنوا وعملوا الصالـحات ويزيدهم من فضله.

والوجه الاَخر: أن يكون معناه: أجيب دعوة الداع إذا دعان إن شئتَ. فـيكون ذلك وإن كان عاما مخرجه فـي التلاوة خاصا معناه.

﴿ ١٨٦