٢٢٠القول فـي تأويـل قوله تعالـى: كَذَلِكَ يُبَـينُ اللّه لَكُمُ الاَياتِ لَعَلّكُمْ تَتَفَكّرُونَ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ. يعنـي بقول عز ذكره: كَذَلِكَ يُبَـينُ اللّه لَكُمْ الاَياتِ هكذا يبـين أي ما بـينت لكم أعلامي وحججي، وهي آياته فـي هذه السورة، وعرفتكم فـيها ما فـيه خلاصكم من عقابـي، وبـينت لكم حدودي وفرائضي، ونبهتكم فـيها علـى الأدلة علـى وحدانـيتـي، ثم علـى حجج رسولـي إلـيكم، فأرشدتكم إلـى ظهور الهدى، فكذلك أبـين لكم فـي سائر كتابـي الذي أنزلته علـى نبـيـي مـحمد صلى اللّه عليه وسلم آياتـي وحججي، وأوضحها لكم لتتفكروا فـي وعدي ووعيدي وثوابـي وعقابـي، فتـجاوزوا طاعتـي التـي تنالون بها ثوابـي فـي الدار الاَخرة، والفوز بنعيـم الأبد علـى القلـيـل من اللذات، والـيسير من الشهوات، بركوب معصيتـي فـي الدنـيا الفـانـية التـي من ركبها، كان معاده إلـيّ، ومصيره إلـى ما لا قبل له به من عقابـي وعذابـي. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٣حدثنا علـيّ بن داود، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : كَذَلِكَ يُبَـيّنُ اللّه لَكُمْ الاَياتِ لَعَلّكُمْ تَتَفَكّرُونَ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَة قال: يعنـي فـي زوال الدنـيا وفنائها، وإقبـال الاَخرة وبقائها. ٣حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: لَعَلّكُمْ تَتَفَكّرُونَ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ يقول: لعلكم تتفكرون فـي الدنـيا والاَخرة، فتعرفون فضل الاَخرة علـى الدنـيا. ٣حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج قال: قوله: كَذَلِكَ يُبَـيّنُ اللّه لَكُمُ الاَياتِ لَعَلّكُمْ تَتَفَكّرُونَ فِـي الدّنْـيا والاَخِرَةِ قال: أما الدنـيا فتعلـمون أنها دار بلاء ثم فناء، والاَخرة دار جزاء ثم بقاء، فتتفكرون، فتعملون للبـاقـية منهما قال: وسمعت أبـا عاصم يذكر نـحو هذا أيضا. ٣٥٩٩ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: كَذَلِكَ يُبَـيّنُ اللّه لَكُمُ الاَياتِ لَعَلّكُمْ تَتَفَكّرُونَ فـي الدّنْـيا والاَخِرَة وإنه من تفكر فـيهما عرف فضل إحداهما علـى الأخرى وعرف أن الدنـيا دار بلاء ثم دار فناء، وأن الاَخرة دار جزاء ثم دار بقاء، فكونوا مـمن يَصْرم حاجة الدنـيا لـحاجة الاَخرة. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الـيَتَامَى قُلْ إصْلاحٌ لَهمْ خَيْرٌ، وإنْ تُـخَالِطُوهُم فَإخْوانُكُمْ. اختلف أهل التأويـل فـيـما نزلت هذه الآية: فقال بعضهم نزلت..... ٣٦٠٠ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن إسرائيـل، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس قال:: لـما نزلت: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الَـيتِـيـمِ إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ عزلوا أموال الـيتامى، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فنزلت: وَإنْ تُـخالِطوِهمْ فإخْوَانُكُمْ وَلَوْ شاءَ اللّه لأعْنَتكُمْ فخالطوهم. ٣٦٠١ـ حدثنا سفـيان بن وكيع، قال: حدثنا جرير، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: لـما نزلت وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الـيَتـيـمِ إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ وإنّ الّذِينَ يَأكُلُونَ أمْوَالَ الـيَتَامَى ظُلْـما إنّـمَا يَأكُلُونَ فِـي بُطُونِهِمْ نارا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرا انطلق من كان عنده يتـيـم فعزل طعامه من طعامه وشرابه من شرابه، فجعل يفضل الشيء من طعامه، فـيحبس له حتـى يأكله أو يفسد. فـاشتدّ ذلك علـيهم، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه عز وجل: وَيَسألُونَكَ عَنِ الَـيتامَى قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فإخْوانُكُمْ فخـلطوا طعامهم بطعامهم وشرابهم بشرابهم. ٣٦٠٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا حكام، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد، قال: لـما نزلت: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الـيَتِـيـمِ إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ قال: كنا نصنع للـيتـيـم طعاما فـيفضل منه الشيء، فـيتركونه حتـى يفسد، فأنزل اللّه : وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فإخْوانُكُمْ. ٣حدثنا يحيى بن داود الواسطي، قال: حدثنا أبو أسامة، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن الـحكم، قال: سئل عبد الرحمن بن أبـي لـيـلـى عن مال الـيتـيـم، فقال: لـما نزلت: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الـيَتِـيـم إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ اجتنبت مخالطتهم، واتقوْا كل شيء حتـى اتقوا الـمَاء، فلـما نزلت: وَإِنْ تُـخالِطُوهُمْ فإخْوَانُكُمْ قال: فخالطوهم. ٣حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: وَيَسألُونَكَ عَنِ الـيَتَامَى الآية كلها، قال: كان اللّه أنزل قبل ذلك فـي سورة بنـي إسرائيـل: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الـيَتِـيـمِ إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ فكبرت علـيهم، فكانوا لا يخالطونهم فـي مأكل ولا فـي غيره. فـاشتدّ ذلك علـيهم، فأنزل اللّه الرخصة، فقال: وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ. ٣٦٠٣ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، قال: لـما نزلت: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الـيَتِـيـمِ إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ اعتزل الناس الـيتامى فلـم يخالطوهم فـي مأكل ولا مشرب ولا مال، قال: فشقّ ذلك علـى الناس، فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه عز وجل: وَيَسألُونَكَ عَنِ الـيَتامَى قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فَإخْوَانُكُمْ. ٣حدثت عن عمار قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع فـي قوله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الـيَتَامى قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ... الآية قال: فذكر لنا واللّه أعلـم أنه أنزل فـي بنـي إسرائيـل: وَلا تَقْرَبُوا مالَ الـيَتِـيـم إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ حتّـى يَبْلُغَ أشُدّهُ فكبرت علـيهم، فكانوا لا يخالطونهم فـي طعام ولا شراب ولا غير ذلك. فـاشتدّ ذلك علـيهم، فأنزل اللّه الرخصة فقال: ويَسألُونَكَ عَن الـيَتَامَى قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإنْ تُـخالِطُوهُم فإخْوَانُكُم يقول: مخالطتهم فـي ركوب الدابة، وشرب اللبن، وخدمة الـخادم. يقول للولـيّ الذي يـلـي أمرهم: فلا بأس علـيه أن يركب الدابة أو يشرب اللبن، أو يخدمه الـخادم. وقال آخرون فـي ذلك بـما: ٣حدثنـي عمرو بن علـيّ قال: حدثنا عمران بن عيـينة، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس فـي قوله: إنّ الّذِينَ يَأكُلُونَ أمْوَالَ الـيَتَامَى ظُلْـما إنّـمَا يَأكُلُونَ فِـي بُطُونِهِمْ الآية، قال: كان يكون فـي حجر الرجل الـيتـيـم، فـيعزل طعامه وشرابه وآنـيته، فشقّ ذلك علـى الـمسلـمين، فأنزل اللّه : وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فَإخْوانُكُمْ وَاللّه يَعْلَـمُ الـمُفْسِدَ مِنَ الـمُصْلِـح فأحلّ خـلطهم. ٣حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا حفص بن غياث، قال: حدثنا أشعث، عن الشعبـي، قال: لـما نزلت هذه الآية: إنّ الّذِينَ يَأكُلُونَ أمْوَالَ الـيَتَامَى ظُلْـما إنّـمَا يأكُلُونَ فِـي بُطُونِهِمْ نارا وَسَيَصْلوْنَ سَعِيرا قال: فـاجتنب الناس الأيتام، فجعل الرجل يعزل طعامه من طعامه وماله من ماله، وشرابه من شرابه قال: فـاشتدّ ذلك علـى الناس، فنزلت: وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فإخْوَانُكُمْ وَاللّه يَعْلَـمُ الـمُفْسِدَ مِنَ الـمُصْلِـح. قال الشعبـي: فمن خالط يتـيـما فلـيتوسع علـيه، ومن خالطه لـيأكل من ماله فلا يفعل. ٣٦٠٤ـ حدثنـي علـي بن داود، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس قوله: وَيَسألُونَكَ عَنِ الـيَتَامَى قُلْ إصْلاحٌ لَهُم خَيْرٌ وذلك أن اللّه لـما أنزل: إنّ الّذِينَ يَأكُلُونَ أمْوَالَ الـيَتَامَى ظُلْـما إنّـمَا يَأكُلُونَ فِـي بُطُونِهِمْ نارا وَسَيَصْلَونَ سَعِيرا كره الـمسلـمون أن يضموا الـيتامى، وتـحرّجوا أن يخالطوهم فـي شيء، فسألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه : قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فإخْوَانُكُمْ. ٣حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء بن أبـي ربـاح عن قوله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الـيَتَامَى قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فإخْوانُكُمْ قال: لـما نزلت سورة النساء عزل الناس طعامهم، فلـم يخالطوهم قال: ثم جاءوا إلـى النبـي صلى اللّه عليه وسلم فقالوا: إنا يشق علـينا أن نعزل طعام الـيتامى وهم يأكلون معناه فنزلت وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فَإخْوَانُكُمْ. قال ابن جريج وقال مـجاهد: عزلوا طعامهم عن طعامهم، وألبـانهم عن ألبـانهم، وأُدْمهم عن أدمهم، فشق ذلك علـيهم، فنزلت: وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فإخْوَانُكُمْ قال: مخالطة الـيتـيـم فـي الـمراعي والأدم. قال ابن جريج: وقال ابن عبـاس : الألبـان وخدمة الـخادم وركوب الدابة. قال ابن جريج: وفـي الـمساكن، قال: والـمساكن يومئذٍ عزيزة. ٣٦٠٥ـ حدثنا مـحمد بن سنان، قال: حدثنا الـحسين بن الـحسن الأشقر، قال: أخبرنا أبو كدينة، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: لـما نزلت: وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الـيَتـيـم إلاّ بـالّتِـي هِيَ أحْسَنُ و: إنّ الّذِينَ يَأكُلُونَ أمْوَالَ الـيَتَامى ظُلْـما قال: اجتنب الناس مال الـيتـيـم وطعامه، حتـى كان يفسد إن كان لـحما أو غيره، فشق ذلك علـى الناس، فشكوا ذلك إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه : وَيَسألُونَكَ عَنِ الـيَتَامَى قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ. ٣٦٠٦ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن قـيس بن سعد أو عيسى، عن قـيس بن سعد، شك أبو عاصم عن مـجاهد: وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فإخْوَانُكُمْ قال: مخالطة الـيتـيـم فـي الرّعْي والأدم. وقال آخرون: بل كان اتقاء مال الـيتـيـم واجتنابه من أخلاق العرب، فـاستفتوا فـي ذلك لـمشقته علـيهم، فأفتوا بـما بـينه اللّه فـي كتابه. ذكر من قال ذلك: ٣٦٠٧ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: وَيَسألُونَكَ عَنِ الَـيتَامَى قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فإخْوَانُكُمْ وَاللّه يَعْلَـمُ الـمُفْسِدَ مِنَ الـمُصْلِـحِ قال: كانت العرب يشددون فـي الـيتـيـم حتـى لا يأكلوا معه فـي قصعة واحدة، ولا يركبوا له بعيرا، ولا يستـخدموا له خادما، فجاءوا إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فسألوه عنه، فقال: قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ يصلـح له ماله وأمره له خير، وإن يخالطه فـيأكل معه ويطعمه، ويركب راحلته ويحمله، ويستـخدم خادمه ويخدمه، فهو أجود. وَاللّه يَعْلَـمُ الـمُفْسِدَ مِنَ الـمُصْلِـحِ. ٣٦٠٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: وَيَسألُونَكَ عَنِ الـيَتَامَى قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ إلـى: إنّ اللّه عَزِيزٌ حَكيـمٌ وإن الناس كانوا إذا كان فـي حجر أحدهم الـيتـيـم جعل طعامه علـى ناحية ولبنه علـى ناحية، مخافة الوزر. وإنه أصاب الـمؤمنـين الـجهد، فلـم يكن عندهم ما يجعلون خدما للـيتامى، فقال اللّه : قُلْ إصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ... إلـى آخر الآية. ٣٦٠٩ـ حدثت عن الـحسن بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: وَيَسألُونَكَ عَنِ الـيَتَامى كانوا فـي الـجاهلـية يعظمون شأن الـيتـيـم، فلا يَـمسّون من أموالهم شيئا، ولا يركبون لهم دابة، ولا يطعمون لهم طعاما. فأصابهم فـي الإسلام جهد شديد، حتـى احتاجوا إلـى أموال الـيتامى، فسألوا نبـي اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن شأن الـيتامى، وعن مخالطتهم، فأنزل اللّه : وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فإخْوَانُكُمْ يعنـي بـالـمخالطة: ركوب الدابة، وخدمة الـخادم، وشرب اللبن. فتأويـل الآية إذًا: ويسألك يا مـحمد أصحابك عن مال الـيتامى، وخـلطهم أموالهم به فـي النفقة والـمطاعمة والـمشاربة والـمساكنة والـخدمة، فقل لهم: تفضلكم علـيهم بإصلاحكم أموالهم من غير مرزئة شيء من أموالهم، وغير أخذ عوض من أموالهم علـى إصلاحكم ذلك لهم، خير لكم عند اللّه ، وأعظم لكم أجرا، لـما لكم فـي ذلك من الأجر والثواب، وخير لهم فـي أموالهم فـي عاجل دنـياهم، لـما فـي ذلك من توفر أموالهم علـيهم. وإن تـخالطوهم فتشاركوهم بأموالكم أموالهم فـي نفقاتكم ومطاعمكم ومشاربكم ومساكنكم، فتضموا من أموالهم عوضا من قـيامكم بأمورهم وأسبـابهم وإصلاح أموالهم، فهم إخوانكم، والإخوان يعين بعضهم بعضا، ويكنف بعضهم بعضا فذو الـمال يعين ذا الفـاقة، وذو القوّة فـي الـجسم يعين ذا الضعف. يقول تعالـى ذكره: فأنتـم أيها الـمؤمنون وأيتامكم كذلك إن خالطتـموهم بأموالكم، فخـلطتـم طعامكم بطعامهم، وشرابكم بشرابهم وسائر أموالكم بأموالهم، فأصبتـم من أموالهم فضل مرفق بـما كان منكم من قـيامكم بأموالهم وولائهم، ومعاناة أسبـابهم علـى النظر منكم لهم نظر الأخ الشفـيق لأخيه العامل فـيـما بـينه وبـينه بـما أوجب اللّه علـيه وألزمه، فذلك لكم حلال، لأنكم إخوان بعضكم لبعض. كما: ٣٦١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فإخْوَانُكُمْ قال: قد يخالط الرجل أخاه. ٣حدثنـي أحمد بن حازم، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي مسكين، عن إبراهيـم، قال: إنـي لأكره أن يكون مال الـيتـيـم كالعُرْة. ٣حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن هشام الدستوائي، عن حماد، عن إبراهيـم، عن عائشة، قالت: إنـي لأكره أن يكون مال الـيتـيـم عندي عُرّة حتـى أخـلط طعامه بطعامي وشرابه بشرابـي. فإن قال لنا قائل: وكيف قال فإخْوَانُكُمْ فرفع الإخوان، وقال فـي موضع آخر: فإنْ خِفْتُـمْ فَرِجالاً أوْ رُكْبـانا. قـيـل: لافتراق معنـيـيهما، وذلك أن أيتام الـمؤمنـين إخوان الـمؤمنـين، خالطهم الـمؤمنون بأموالهم أو لـم يخالطوهم. فمعنى الكلام: وإن تـخالطوهم فهم إخوانكم. والإخوان مرفوعون بـالـمعنى الـمتروك ذكره وهو هم لدلالة الكلام علـيه، وإنه لـم يُرد بـالإخوان الـخبر عنهم أنهم كانوا إخوانا من أجل مخالطة ولاتهم إياهم. ولو كان ذلك الـمراد لكانت القراءة نصبـا، وكان معناه حينئذٍ وإن تـخالطوهم فخالطوا إخوانكم، ولكنه قرىء رفعا لـما وصفت من أنهم إخوان للـمؤمنـين الذين يـلونهم خالطوهم أو لـم يخالطوهم. وأما قوله: فَرِجالاً أوْ رُكْبـانا فنصب لأنهما حالان للفعل غير دائبـين، ولا يصلـح معهما هو، وذلك أنك لو أظهرت هو معهما لاستـحال الكلام. ألا ترى أنه لو قال قائل: إن خفت من عدوّك أن تصلـي قائما، فهو راجل أو راكب لبطل الـمعنى الـمراد بـالكلام؟ وذلك أن تأويـل الكلام: فإن خفتـم أن تصلوا قـياما من عدوّكم، فصلوا رجالاً أو ركبـانا ولذلك نصبه إجراء علـى ما قبله من الكلام كما تقول فـي نـحوه من الكلام: إن لبست ثـيابـا فـالبـياض، فتنصبه لأنك تريد إن لبست ثـيابـا فـالبس البـياض، ولست تريد الـخبر عن أن جميع ما يـلبس من الثـياب فهو البـياض، ولو أردت الـخبر عن ذلك لقلت: إن لبست ثـيابـا فـالبـياضُ رفعا، إذ كان مخرج الكلام علـى وجه الـخبر منك عن اللابس أن كل ما يـلبس من الثـياب فبـياض، لأنك تريد حينئذٍ: إن لبست ثـيابـا فهي بـياض. فإن قال: فهل يجوز النصب فـي قوله: فإخْوَانكُمْ؟ قـيـل: جائز فـي العربـية، فأما فـي القراءة فإنـما منعناه لإجماع القرّاء علـى رفعهوأما فـي العربـية فإنـما أجزناه لأنه يحسن معه تكرير ما يحمل فـي الذي قبله من الفعل فـيهما: وإن تـخالطوهم فإخوانكم تـخالطون فـيكون ذلك جائزا فـي كلام العرب. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاللّه يَعْلَـمُ الـمُفْسِدَ مِنَ الـمُصْلِـحِ. يعنـي تعالـى ذكره بذلك: إن ربكم وإن أذن لكم فـي مخالطتكم الـيتامى علـى ما أذن لكم به، فـاتقوا اللّه فـي أنفسكم أن تـخالطوهم وأنتـم تريدون أكل أموالهم بـالبـاطل، وتـجعلون مخالطتكم إياهم ذريعة لكم إلـى إفساد أموالهم، وأكلها بغير حقها، فتستوجبوا بذلك منه العقوبة التـي لا قبل لكم بها، فإنه يعلـم من خالط منكم يتـيـمه، فشاركه فـي مطعمه ومشربه ومسكنه وخدمه ورعاته فـي حال مخالطته إياه ما الذي يقصد بـمخالطته إياه إفساد ماله، وأكله بـالبـاطل، أم إصلاحه وتثميره، لأنه لا يخفـى علـيه منه شيء، ويعلـم أيكم الـمريد إصلاح ماله، من الـمريد إفساده. كما: ٣حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قول اللّه تعالـى ذكره: وَاللّه يَعْلَـمُ الـمُفْسِدَ مِنَ الـمُصْلِـحِ قال: اللّه يعلـم حين تـخـلط مالك بـماله أتريد أن تصلـح ماله أو تفسده فتأكله بغير حق. ٣حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أشعث، عن الشعبـي: وَاللّه يَعْلَـمُ الـمُفْسِدَ مِنَ الـمُصْلِـح قال الشعبـي: فمن خالط يتـيـما فلـيتوسع علـيه، ومن خالطه لـيأكل ماله فلا يفعل. ه القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَوْ شاءَ اللّه لأعَنْتَكُمْ. يعنـي تعالـى ذكره بذلك: ولو شاء اللّه لـحرّم ما أحله لكم من مخالطة أيتامكم بأموالكم أموالهم، فجهدكم ذلك وشقّ علـيكم، ولـم تقدروا علـى القـيام بـاللازم لكم من حقّ اللّه تعالـى، والواجب علـيكم فـي ذلك من فرضه، ولكنه رخص لكم فـيه، وسهله علـيكم، رحمة بكم ورأفة. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: لأَعْنَتَكُمْ فقال بعضهم بـما: ٣حدثنـي به مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن قـيس بن سعد، أو عيسى، عن قـيس بن سعد، عن مـجاهد شك أبو عاصم فـي قول اللّه تعالـى ذكره: وَلَوْ شاءَ اللّه لأعْنَتَكُمْ لـحرّم علـيكم الـمرعى والأدم. قال أبو جعفر: يعنـي بذلك مـجاهد، رعي مواشي والـي الـيتـيـم مع مواشي الـيتـيـم والأكل من إدامه، لأنه كان يتأول فـي قوله: وَإنْ تُـخالِطُوهُمْ فَإخْوَانُكُمْ أنه خـلطة الولـي الـيتـيـم بـالرعي والأدم. ٣٦١١ـ حدثنـي علـيّ بن داود، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : وَلَوْ شاءَ اللّه لأعْنَتَكُمْ يقول: ولو شاء اللّه لأحرجكم، فضيق علـيكم، ولكنه وسع ويسّر، فقال: وَمَنْ كانَ غَنِـيّا فَلْـيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِـيرا فَلْـيأكُلْ بـالـمَعْرُوفِ. ٣٦١٢ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: وَلَوْ شاءَ اللّه لأَعْنَتَكُمْ يقول: لـجهدكم، فلـم تقوموا بحقّ ولـم تؤدّوا فريضة. ٣٦١٣ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع نـحوه، إلا أنه قال: فلـم تعملوا بحق. ٣٦١٤ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: وَلَوْ شاءَ اللّه لأعْنَتَكُمْ لشدّد علـيكم. ٣٦١٥ـ حدثنـي يونس قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قول اللّه : وَلَوْ شاءَ اللّه لأعْنَتَكُمْ قال: لشقّ علـيكم فـي الأمر، ذلك العنت. ٣٦١٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس قوله: وَلَوْ شاءَ اللّه لأَعْنَتَكُمْ قال: ولو شاء اللّه لـجعل ما أصبتـم من أموال الـيتامى مُوبقا. وهذه الأقوال التـي ذكرناها عمن ذُكرَت عنه، وإن اختلفت ألفـاظ قائلـيها فـيها، فإنها متقاربـات الـمعانـي لأن من حرم علـيه شيء فقد ضيق علـيه فـي ذلك الشيء، ومن ضيق علـيه فـي شيء، فقد أحرج فـيه، ومن أحرج فـي شيء أو ضيق علـيه فـيه فقد جهد، وكل ذلك عائد إلـى الـمعنى الذي وصفت من أن معناه الشدة والـمشقة، ولذلك قـيـل: عَنِت فلان: إذا شق علـيه وجهده فهو يعنت عنتا، كما قال تعالـى ذكره: عَزِيرٌ عَلَـيْهِ ما عَنِتّـمْ يعنـي ما شقّ علـيكم وآذاكم وجهدكم، ومنه قوله تعالـى ذكره: ذَلِكَ لِـمَنْ خَشِيَ العَنَتَ مِنْكُمْ فهذا إذا عنت العانت، فإن صيره غيره كذلك قـيـل: أعنته فلان فـي كذا: إذا جهده وألزمه أمرا جهده القـيام به يعنته إعناتا، فكذلك قوله: لأَعْنَتَكُمْ معناه: لأوجب لكم العنت بتـحريـمه علـيكم ما يجهدكم ويحرجكم مـما لا تطيقون القـيام بـاجتنابه وأداء الواجب له علـيكم فـيه. وقال آخرون: معنى ذلك: لأوبقككم وأهلككم. ذكر من قال ذلك: ٣حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا طلق بن غنام، عن زائدة، عن منصور، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس قال: قرأ علـينا: وَلَوْ شاءَ اللّه لأَعْنَتَكُمْ قال ابن عبـاس : ولو شاء اللّه لـجعل ما أصبتـم من أموال الـيتامى موبقا. ٣٦١٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يحيى بن آدم، عن فضيـل وجرير، عن منصور، وحدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس : وَلَوْ شاءَ اللّه لأَعْنَتَكُمْ قال: لـجعل ما أصبتـم موبقا. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: إنّ اللّه عَزِيزٌ حَكِيـمٌ. يعنـي تعالـى ذكره بذلك: إن اللّه عزيز فـي سلطانه لا يـمنعه مانع مـما أحلّ بكم من عقوبة، لو أعنتكم بـما يجهدكم القـيام به من فرائضه، فقصرتـم فـي القـيام به، ولا يقدر دافع أن يدفعه عن ذلك ولا عن غيره مـما يفعله بكم وبغيركم من ذلك لو فعله هو، لكنه بفضل رحمته منّ علـيكم بترك تكلـيفه إياكم ذلك، وهو حكيـم فـي ذلك لو فعله بكم، وفـي غيره من أحكامه وتدبـيره لا يدخـل أفعاله خـلل ولا نقص ولا وهي ولا عيب، لأنه فعل ذي الـحكمة الذي لا يجهل عواقب الأمور، فـيدخـل تدبـيره مذمة عاقبة، كما يدخـل ذلك أفعال الـخـلق لـجهلهم بعواقب الأمور، لسوء اختـيارهم فـيها ابتداء. |
﴿ ٢٢٠ ﴾