٢٢٣

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنّىَ شِئْتُمْ... }

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: نساؤكم مزدرع أولادكم، فأتوا مزدرعكم كيف شئتـم، وأين شئتـم. وإنـما عنى بـالـحرث الـمزدَرَع، والـحرث هو الزرع، ولكنهن لـما كنّ من أسبـاب الـحرث جعلن حرثا، إذ كان مفهوما معنى الكلام. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٣٧٠٤ـ حدثنا مـحمد بن عبـيد الـمـحاربـي، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن يونس، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : فَأْتُوا حَرْثَكُمْ قال: منبت الولد.

٣٧٠٥ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ أما الـحرث فهي مزرعة يحرث فـيها.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: قفَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: فـانكحوا مزدرع أولادكم من حيث شئتـم من وجوه الـمأتـى. والإتـيان فـي هذا الـموضع كناية عن اسم الـجماع.

واختلف أهل التأويـل فـي معنى قوله: أنّى شِئْتُـمْ

فقال بعضهم: معنى أنّى: كيف. ذكر من قال ذلك:

٣٧٠٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، قال: حدثنا شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ قال: يأتـيها كيف شاء ما لـم يكن يأتـيها فـي دبرها أو فـي الـحيض.

٣٧٠٧ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن عطاء، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس قوله: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ قال: ائتها أنى شئت مقبلة ومدبرة، ما لـم تأتها فـي الدبر والـمـحيض.

٣٧٠٨ـ حدثنا علـيّ بن داود قال: حدثنا أبو صالـح

قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ يعنـي بـالـحرث: الفرج،

يقول: تأتـيه كيف شئت مستقبلة ومستدبرة وعلـى أيّ ذلك أردت بعد أن لا تـجاوز الفرج إلـى غيره، وهوقوله: فأْتُوهُنّ مِنْ حَيْثُ أمَرَكُمُ اللّه .

٣حدثنا أحمد بن إسحاق الأهوازي، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن عبد الكريـم، عن عكرمة: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ قال: يأتـيها كيف شاء ما لـم يعمل عمل قوم لوط.

٣٧٠٩ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا الـحسن بن صالـح، عن لـيث، عن مـجاهد: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ قال: يأتـيها كيف شاء، واتّق الدبر والـحيض.

٣٧١٠ـ حدثنـي عبـيد اللّه بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، قال: ثنـي يزيد أن ابن كعب كان

يقول: إنـما قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ

يقول: ائتها مضطجعة وقائمة ومنـحرفة ومقبلة ومدبرة كيف شئت إذا كان فـي قُبُلها.

٣٧١١ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا حصين، عن مرة الهمدانـي، قال: سمعته يحدّث أن رجلاً من الـيهود لقـي رجلاً من الـمسلـمين، فقال له: أيأتـي أحدكم أهله بـاركا؟ قال: نعم

قال: فذكر ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، قال: فنزلت هذه الآية: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ

يقول: كيف شاء بعد أن يكون فـي الفرج.

٣٧١٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ إن شئت قائما أو قاعدا أو علـى جنب إذا كان يأتـيها من الوجه الذي يأتـي منه الـمـحيض، ولا يتعدّى ذلك إلـى غيره.

٣٧١٣ـ حدثنا موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ ائت حرثك كيف شئت من قبلها، ولا تأتـيها فـي دبرها. أنّى شِئْتُـمْ قال: كيف شئتـم.

٣حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنا عمرو بن الـحرث، عن سعيد بن أبـي هلال أن عبد اللّه بن علـيّ حدثه: أنه بلغه أن ناسا من أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جلسوا يوما ورجل من الـيهود قريب منهم، فجعل بعضهم

يقول: إنـي لاَتـي امرأتـي وهي مضطجعة، ويقول الاَخر: إنـي لاَتـيها وهي قائمة، ويقول الاَخر: إنـي لاَتـيها علـى جنبها وبـاركة فقال الـيهودي: ما أنتـم إلا أمثال البهائم، ولكنا إنـما نأتـيها علـى هيئة واحدة. فأنزل اللّه تعالـى ذكره: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فهو القبل.

وقال آخرون: معنى: أنّى شِئْتُـمْ من حيث شئتـم، وأيّ وجه أحببتـم. ذكر من قال ذلك:

٣حدثنا سهل بن موسى الرازي، قال: حدثنا ابن أبـي فديك، عن إبراهيـم بن إسماعيـل بن أبـي حبـيبة الأشهل، عن داود بن الـحصين، عن عكرمة، عن ابن عبـاس : أنه كان يكره أن تؤتـى الـمرأة فـي دبرها و

يقول: إنـما الـحرث من القبل الذي يكون منه النسل والـحيض. وينهى عن إتـيان الـمرأة فـي دبرها و

يقول: إنـما نزلت هذه الآية: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ

يقول: من أيّ وجه شئتـم.

٣حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا ابن واضح، قال: حدثنا العتكي، عن عكرمة: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ قال: ظهرها لبطنها غير معاجَزَة، يعنـي الدبر.

٣حدثنا عبـيد اللّه بن سعد، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن يزيد، عن الـحرث بن كعب، عن مـحمد بن كعب، قال: إن ابن عبـاس كان

يقول: اسق نبـاتك من حيث نبـاته.

٣حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ

يقول: من أين شئتـم. ذكر لنا واللّه أعلـم أن الـيهود

قالوا: إن العرب يأتون النساء من قبل أعجازهنّ، فإذا فعلوا ذلك جاء الولد أحول فأكذب اللّه أحدوثتهم،

فقال: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ.

٣٧١٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد قال:

يقول: ائتوا النساء فـي (غير) أدبـارهن علـى كل نـحو. قال ابن جريج: سمعت عطاء بن أبـي ربـاح قال: تذاكرنا هذا عند ابن عبـاس ،

فقال ابن عبـاس : ائتوهن من حيث شئتـم مقبلة ومدبرة فقال رجل: كأن هذا حلال. فأنكر عطاء أن يكون هذا هكذا، وأنكره، كأنه إنـما يريد الفرج مقبلة ومدبرة فـي الفرج.

وقال آخرون: معنى قوله: أنّى شِئْتُـمْ متـى شئتـم. ذكر من قال ذلك:

٣٧١٥ـ حدثت عن حسين بن الفرج، قال: سمعت أبـا معاذ الفضل بن خالد، قال: أخبرنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ

يقول: متـى شئتـم.

٣٧١٦ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا أبو صخر، عن أبـي معاوية البجلـي، وهو عمار الدهنـي، عن سعيد بن جبـير أنه قال: بـينا أنا ومـجاهد جالسان عند ابن عبـاس ، أتاه رجل فوقـف علـى رأسه،

فقال: يا أبـا العبـاس أو يا أبـا الفضل ألا تشفـينـي عن آية الـمـحيض؟ فقال: بلـى فقرأ: وَيَسألُونَكَ عَنِ الـمَـحِيض حتـى بلغ آخر الآية،

فقال ابن عبـاس : من حيث جاء الدم من ثَمّ أمرت أن تأتـي، فقال له الرجل: يا أبـا الفضل كيف بـالآية التـي تتبعها: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ؟ فقال: إي ويحك وفـي الدبر من حرث؟ لو كان ما تقول حقا لكان الـمـحيض منسوخا إذا اشتغل من ههنا جئت من ههنا ولكن أنى شئتـم من اللـيـل والنهار.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: أين شئتـم، وحيث شئتـم. ذكر من قال ذلك:

٣٧١٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا ابن عون، عن نافع، قال: كان ابن عمر إذا قرىء القرآن لـم يتكلـم

قال: فقرأت ذات يوم هذه الآية: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ فقال: أتدري فـيـمن نزلت هذه الآية؟ قلت: لا

قال: نزلت فـي إتـيان النساء فـي أدبـارهن.

٣٧١٨ـ حدثنـي إبراهيـم بن عبد اللّه بن مسلـم أبو مسلـم، قال: حدثنا أبو عمر الضرير، قال: حدثنا إسماعيـل بن إبراهيـم، صاحب الكرابـيسي، عن ابن عون، عن نافع، قال: كنت أمسك علـى ابن عمر الـمصحف، إذ تلا هذه الآية: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ فقال: أن يأتـيها فـي دبرها.

٣٤٦٥حدثنـي عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: حدثنا عبد الـملك بن مسلـمة، قال: حدثنا الدراورديّ، قال: قـيـل لزيد بن أسلـم: إن مـحمد بن الـمنكدر ينهى عن إتـيان النساء فـي أدبـارهن فقال زيد: أشهد علـى مـحمد لأخبرنـي أنه يفعله.

٣٧١٩ـ حدثنـي عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أحمد بن أبـي الغمر، قال: ثنـي عبد الرحمن بن القاسم، عن مالك بن أنس، أنه

قـيـل له: يا أبـا عبد اللّه إن الناس يروون عن سالـم: (كذب العبد أو العلـج علـى أبـي)، فقال مالك: أشهد علـى يزيد بن رومان أنه أخبرنـي، عن سالـم بن عبد اللّه ، عن ابن عمر مثل ما قال نافع. فقـيـل له: إن الـحارث بن يعقوب يروي عن أبـي الـحبـاب سعيد بن يسار أنه سأل ابن عمر، فقال له: يا أبـا عبد الرحمن إنا نشتري الـجواري، فنـحمّض لهن؟ فقال: وما التـحميض؟ قال: الدبر فقال ابن عمر: أف أف، يفعل ذلك مؤمن؟ أو قال مسلـم. فقال مالك: أشهد علـى ربـيعة لأخبرنـي عن أبـي الـحبـاب عن ابن عمر مثل ما قال نافع.

٣حدثنـي مـحمد بن إسحاق، قال: أخبرنا عمرو بن طارق، قال: أخبرنا يحيى بن أيوب، عن موسى بن أيوب الغافقـي، قال: قلت لأبـي ماجد الزيادي: إن نافعا يحدّث عن ابن عمر: فـي دبر الـمرأة فقال: كذب نافع، صحبت ابن عمر ونافع مـملوك، فسمعته

يقول: ما نظرت إلـى فرج امرأتـي منذ كذا وكذا.

٣حدثنـي أبو قلابة قال: حدثنا عبد الصمد، قال: ثنـي أبـي، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ قال: فـي الدبر.

٣حدثنـي أبو مسلـم، قال: حدثنا أبو عمر الضرير، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال حدثنا روح بن القاسم، عن قتادة قال: سئل أبو الدرداء عن إتـيان النساء فـي أدبـارهنّ،

فقال: هل يفعل ذلك إلا كافر قال: روح: فشهدت ابن أبـي ملـيكة يسئل عن ذلك،

فقال: قد أردته من جارية لـي البـارحة فـاعتاص علـيّ، فـاستعنت بدهن أو بشحم

قال: فقلت له: سبحان اللّه أخبرنا قتادة أن أبـا الدرداء قال: هل يفعل ذلك إلا كافر فقال: لعنك اللّه ولعن قتادة فقلت: لا أحدّث عنك شيئا أبدا، ثم ندمت بعد ذلك.

واعتلّ قائلو هذه الـمقالة لقولهم بـما:

٣حدثنـي به مـحمد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: أخبرنا أبو بكر بن أبـي أويس الأعشى، عن سلـيـمان بن بلال، عن زيد بن أسلـم، عن ابن عمر: أن رجلاً أتـى امرأته فـي دبرها، فوجد فـي نفسه من ذلك، فأنزل اللّه : نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ.

٣٧٢٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنـي ابن نافع، عن هشام بن سعد، عن زيد بن أسلـم، عن عطاء بن يسار: أن رجلاً أصاب امرأته فـي دبرها علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنكر الناس ذلك و

قالوا: أثفرها فأنزل اللّه تعالـى ذكره: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ.

وقال آخرون: معنى ذلك: ائتوا حرثكم كيف شئتـم، إن شئتـم فـاعزلوا وإن شئتـم فلا تعزلوا. ذكر من قال ذلك:

٣٧٢١ـ حدثنـي أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا الـحسن بن صالـح، عن لـيث، عن عيسى بن سنان، عن سعيد بن الـمسيب: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ إن شئتـم فـاعزلوا، وإن شئتـم فلا تعزلوا.

٣٧٢٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، عن يونس، عن أبـي إسحاق، عن زائدة بن عمير، عن ابن عبـاس قال: إن شئت فـاعزل، وإن شئت فلا تعزل.

وأما الذين

قالوا: معنى قوله: أنّى شِئْتُـمْ كيف شئتـم مقبلة ومدبرة فـي الفرج والقبل، فإنهم

قالوا: إن الآية إنـما نزلت فـي استنكار قوم من الـيهود استنكروا إتـيان النساء فـي أقبـالهن من قبل أدبـارهن.

قالوا: وفـي ذلك دلـيـل علـى صحة ما قلنا من أن معنى ذلك علـى ما قلنا.

واعتلوا لقـيـلهم ذلك بـما:

٣٧٢٣ـ حدثنـي به أبو كريب، قال: حدثنا الـمـحاربـي، قال: حدثنا مـحمد بن إسحاق، عن أبـان بن صالـح، عن مـجاهد، قال: عرضت الـمصحف علـى ابن عبـاس ثلاث عرضات من فـاتـحته إلـى خاتـمته أوقـفه عند كل آية وأسأله عنها، حتـى انتهى إلـى هذه الآية: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ

فقال ابن عبـاس : إن هذا الـحيّ من قريش، كانوا يشرحون النساء بـمكة، ويتلذّذون بهنّ مقبلات ومدبرات. فلـما قدموا الـمدينة تزوّجوا فـي الأنصار، فذهبوا لـيفعلوا بهنّ كما كانوا يفعلون بـالنساء بـمكة، فأنكرن ذلك وقلن: هذا شيء لـم نكن نؤتـى علـيه فـانتشر الـحديث حتـى انتهى إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه تعالـى ذكره فـي ذلك: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ إن شئت فمقبلة وإن شئت فمدبرة وإن شئت فبـاركة وإنـما يعنـي بذلك موضع الولد للـحرث،

يقول: ائت الـحرث من حيث شئت.

٣٧٢٤ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يونس بن بكير، عن مـحمد بن إسحاق بإسناده نـحوه.

٣٧٢٥ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفـيان، عن مـحمد بن الـمنكدر، قال: سمعت جابرا

يقول: إن الـيهود كانوا يقولون: إذا جامع الرجل أهله فـي فرجها من ورائها كان ولده أحول، فأنزل اللّه تعالـى ذكره: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأتُوا حَرْثَكَمْ أنّى شِئْتُـمْ.

٣٧٢٦ـ حدثنا مـجاهد بن موسى، قال: حدثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا الثوري، عن مـحمد بن الـمنكدر، عن جابر بن عبد اللّه قال: قالت الـيهود: إذا أتـى الرجل امرأته فـي قبلها من دبرها وكان بـينهما ولد كان أحول، فأنزل اللّه تعالـى ذكره: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأتْوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ.

٣٧٢٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عبد الرحيـم بن سلـيـمان، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثـيـم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبـي بكر، عن أمّ سلـمة زوج النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، قالت: تزوج رجل امرأة، فأراد أن يُجَبـيها، فأبت علـيه وقالت: حتـى أسأل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. قالت أم سلـمة: فذكرت ذلك لـي. فذكرت أم سلـمة ذلك لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: (أرْسِلـي إلَـيْها) فلـما جاءت قرأ علـيها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: نِسَاؤكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ (صِماما واحدا، صماما واحدا).

٣٧٢٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا معاوية بن هشام، عن سفـيان بن عبد اللّه بن عثمان، عن ابن سابط، عن حفصة ابنة عبد الرحمن بن أبـي بكر، عن أمّ سلـمة، قالت: قدم الـمهاجرون فتزوّجوا فـي الأنصار، وكانوا يجبّون، وكانت الأنصار لا تفعل ذلك، فقالت امرأة لزوجها: حتـى آتـي النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فأسأله عن ذلك. فأتت النبـي صلى اللّه عليه وسلم، فـاستـحيت أن تسأله، فسألتُ أنا. فدعاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقرأ علـيها: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأتُوا حَرْثَكُمْ أنى شِئْتُتـمْ (صِماما واحدا صماما واحدا).

٣٧٢٩ـ حدثنـي أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا سفـيان، عن عبد اللّه بن عثمان، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة بنت عبد الرحمن، عن أم سلـمة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بنـحوه.

٣٧٣٠ـ حدثنا ابن بشار وابن الـمثنى، قالا: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفـيان الثوري، عن عبد للّه بن عثمان بن خثـيـم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن حفصة ابنة عبد الرحمن، عن أمّ سلـمة، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ قال: (صِماما واحدا، صِماما واحِدا).

٣٧٣١ـ حدثنـي مـحمد بن معمر البحرانـي، قال: حدثنا يعقوب بن إسحاق الـحضرمي، قال: ثنـي وهيب، قال: ثنـي عبد اللّه بن عثمان، عن عبد الرحمن بن سابط قال: قلت لـحفصة: إنـي أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستـحيـي منك أن أسألك. قالت: سل يا بنـيّ عما بدا لك قلت: أسألك عن غشيان النساء فـي أدبـارهن؟ قالت: حدثتنـي أم سلـمة، قالت: كانت الأنصار لا تـجبّـي، وكان الـمهاجرون يُجبّون، فتزوّج رجل من الـمهاجرين امرأة من الأنصار. ثم ذكر نـحو حديث أبـي كريب، عن معاوية بن هشام.

٣٧٣٢ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: ثنـي وهب بن جرير، قال: حدثنا شعبة، عن ابن الـمنكدر: قال: سمعت جابر بن عبد اللّه ،

يقول: إن الـيهود كانوا يقولون: إذا أتـى الرجل امرأته بـاركة جاء الولد أحول، فنزلت نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ.

٣٧٣٣ـ حدثنـي مـحمد بن أحمد بن عبد اللّه الطوسي، قال: حدثنا الـحسن بن موسى، قال: حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: جاء عمر إلـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم فقال: يا رسول اللّه هلكت قال: (وَما الّذِي أهْلَكَكَ؟) قال: حوّلت رحلـي اللـيـلة

قال: فلـم يردّ علـيه شيئا، قال: فأوحى اللّه إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم هذه الآية: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ (أقْبِلْ وأَدْبِرَ، واتّقِ الدّبُرَ والـحَيْضَةَ).

٣حدثنا زكريا بن يحيى الـمصري، قال: حدثنا أبو صالـح الـحرانـي، قال: حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبـي حبـيب أن عامر بن يحيى أخبره عن حنش الصنعانـي، عن ابن عبـاس : أن ناسا من حمير أتوا إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يسألونه عن أشياء، فقال رجل منهم: يا رسول اللّه إنـي رجل أحبّ النساء، فكيف ترى فـي ذلك؟ فأنزل اللّه تعالـى ذكره فـي سورة البقرة بـيان ما سألوا عنه، وأنزل فـيـما سأل عنه الرجل: نِساوكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ائْتِها مُقْبِلَةً وَمُدْبِرَةً إذَا كانَ ذَلِكَ فِـي الفَرْجِ).

والصواب من القول فـي ذلك عندنا قول من قال: معنى قوله أنّى شِئْتُـمْ من أيّ وجه شئتـم، وذلك أنّ أنّى فـي كلام العرب كلـمة تدل إذا ابتدىء بها فـي الكلام علـى الـمسألة عن الوجوه والـمذاهب، فكأن القائل إذا قال لرجل: أنى لك هذا الـمال؟ يريد من أيّ الوجوه لك، ولذلك يجيب الـمـجيب فـيه بأن

يقول: من كذا وكذا، كما قال تعالـى ذكره مخبرا عن زكريا فـي مسألته مريـم: أنّى لَكِ هَذَا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدَ اللّه وهي مقاربة أين وكيف فـي الـمعنى، ولذلك تداخـلت معانـيها، فأشكلت (أنى) علـى سامعها ومتأوّلها حتـى تأوّلها بعضهم بـمعنى أين، وبعضهم بـمعنى كيف، وآخرون بـمعنى متـى، وهي مخالفة جميع ذلك فـي معناها وهن لها مخالفـات. وذلك أن (أين) إنـما هي حرف استفهام عن الأماكن والـمـحال، وإنـما يستدلّ علـى افتراق معانـي هذه الـحروف بـافتراق الأجوبة عنها. ألا ترى أن سائلاً لو سأل آخر فقال: أين مالك؟ لقال بـمكان كذا، ولو قال له: أين أخوك؟ لكان الـجواب أن

يقول: ببلدة كذا، أو بـموضع كذا، فـيجيبه بـالـخبر عن مـحل ما سأله عن مـحله، فـيعلـم أن أين مسألة عن الـمـحل. ولو قال قائل لاَخر: كيف أنت؟ لقال: صالـح أو بخير أو فـي عافـية، وأخبره عن حاله التـي هوفـيها، فـيعلـم حينئذٍ أن كيف مسألة عن حال الـمسؤول عن حاله. ولو قال له: أنى يحيـي اللّه هذا الـميت؟ لكان الـجواب أن يقال: من وجه كذا ووجه كذا، فـيصف قولاً نظير ما وصف اللّه تعالـى ذكره للذي قال: أنّى يُحْيى هَذِهِ اللّه بَعْدَ مَوْتِها فعلاً حين بعثه من بعد مـماته. وقد فرّقت الشعراء بـين ذلك فـي أشعارها، فقال الكميت بن زيد:

تَذَكّرَ مِنْ أنّى ومِنْ أينَ شُرْبُهُيُوءَامِرُ نَفْسَيْهِ كذي الهجمةِ الأبِلْ

وقال أيضا:

أنّى ومِنْ أيْنَ نابَكَ الطّرَبُمِنْ حَيْثُ لا صَبْوَةٌ وَلا رِيَبُ

فـيجاء ب (أنّى) للـمسألة عن الوجه وب(أين) للـمسألة عن الـمكان، فكأنه قال: من أي وجه ومن أي موضع رجعك الطرب.

والذي يدل علـى فساد قول من تأول قول اللّه تعالـى ذكره: فَأتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ كيف شئتـم، أو تأوله بـمعنى حيث شئتـم، أو بـمعنى متـى شئتـم، أو بـمعنى أين شئتـم أن قائلاً لو قال لاَخر: أنى تأتـي أهلك؟ لكان الـجواب أن

يقول: من قبلها أو من دبرها، كما أخبر اللّه تعالـى ذكره عن مريـم إذ سئلت: أنّى لَكِ هَذَا أنها قالت: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّه . وإذ كان ذلك هو الـجواب، فمعلوم أن معنى قول اللّه تعالـى ذكره: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ إنـما هو: فأتوا حرثكم من حيث شئتـم من وجوه الـمأتـي، وأن ما عدا ذلك من التأويلات فلـيس للاَية بتأويـل. وإذ كان ذلك هو الصحيح، فبـين خطأ قول من زعم أن قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ دلـيـل علـى إبـاحة إتـيان النساء فـي الأدبـار، لأن الدبر لا يحترث فـيه، وإنـما قال تعالـى ذكره: حَرْث لَكُمْ فأتوا الـحرث من أي وجوهه شئتـم، وأيّ مـحترث فـي الدبر فـيقال ائته من وجهه. وتبـين بـما بـينا صحة معنى ما روي عن جابر وابن عبـاس من أن هذه الآية نزلت فـيـما كانت الـيهود تقوله للـمسلـمين إذا أتـى الرجل الـمرأة من دبرها فـي قبلها جاء الولد أحول.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَقَدّمُوا لأنْفُسِكُمْ.

اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك،

فقال بعضهم: معنى ذلك: قدموا لأنفسكم الـخير. ذكر من قال ذلك:

٣حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي، أما قوله: وَقَدّمُوا لأنْفُسِكُمْ فـالـخير.

وقال آخرون: بل معنى ذلك وَقَدّمُوا لأنْفُسِكُمْ ذكْرَ اللّه عند الـجماع وإتـيان الـحرث قبل إتـيانه ذكر من قال ذلك:

٣حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي مـحمد بن كثـير، عن عبد اللّه بن واقد، عن عطاء، قال: أراه عن ابن عبـاس : وَقَدّمُوا لأنْفُسِكُمْ قال: التسمية عند الـجماع يقول بسم اللّه .

والذي هو أولـى بتأويـل الآية، ما روينا عن السدي، وهو أن قوله: وَقَدّمُوا لأنْفُسِكُمْ أمر من اللّه تعالـى ذكره عبـاده بتقديـم الـخير، والصالـح من الأعمال لـيوم معادهم إلـى ربهم، عدة منهم ذلك لأنفسهم عند لقائه فـي موقـف الـحساب، فإنه قال تعالـى ذكره: وَما تُقَدّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَـجِدُوهُ عِنْدَ اللّه وإنـما قلنا ذلك أولـى بتأويـل الآية، لأن اللّه تعالـى ذكره عقب قوله: وَقَدّمُوا لأنْفُسِكُمْ بـالأمر بـاتقائه فـي ركوب معاصيه، فكان الذي هو أولـى بأن يكون الذي قبل التهديد علـى الـمعصية عاما الأمر بـالطاعة عاما.

فإن قال لنا قائل: وما وجه الأمر بـالطاعة بقوله: وَقَدّمُوا لأنْفُسِكُمْ من قوله: نِساوكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أنّى شِئْتُـمْ؟

قـيـل: إن ذلك لـم يقصد به ما توهمته، وإنـما عنى به وقدّموا لأنفسكم من الـخيرات التـي ندبناكم إلـيها بقولنا: يَسألُونَكَ ماذَا يُنْفِقُونَ قُلْ ما أنْفَقْقتُـمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِـينَ وما بعده من سائر ما سألوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأجيبوا عنه مـما ذكره اللّه تعالـى ذكره فـي هذه الاَيات، ثم قال تعالـى ذكره: قد بـينا لكم ما فـيه رشدكم وهدايتكم إلـى ما يرضي ربكم عنكم، فقدموا لأنفسكم الـخير الذي أمركم به، واتـخذوا عنده به عهدا لتـجدوه لديه إذا لقـيتـموه فـي معادكم، واتقوه فـي معاصيه أن تقربوها وفـي حدوده أن تضيعوها، واعلـموا أنكم لا مـحالة ملاقوه فـي معادكم، فمـجازٍ الـمـحسن منكم بإحسانه والـمسيء بإساءته.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَاتّقُوا اللّه واعْلَـمُوا أنّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشّر الـمُؤْمِنِـينَ.

وهذا تـحذير من اللّه تعالـى ذكره عبـاده أن يأتوا شيئا مـما نهاهم عنه من معاصيه، وتـخويف لهم عقابه عند لقائه، كما قد بـينا قبل، وأمرٌ لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم أن يبشر من عبـاده بـالفوز يوم القـيامة، وبكرامة الاَخرة، وبـالـخـلود فـي الـجنة من كان منهم مـحسنا مؤمنا بكتبه ورسله وبلقائه، مصدقا إيـمانه قولاً بعمله ما أمره به ربه، وافترض علـيه من فرائضه فـيـما ألزمه من حقوقه، وبتـجنبه ما أمره بتـجنبه من معاصيه.

﴿ ٢٢٣