٢٢٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لّلّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نّسَآئِهِمْ تَرَبّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآءُوا فَإِنّ اللّه غَفُورٌ رّحِيمٌ }

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ الذين يقسمون ألـية، والأَلِـيّة: الـحلف. كما:

٣حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا مسلـمة بن علقمة، قال: حدثنا داود بن أبـي هند، عن سعيد بن الـمسيب فـي قوله: للّذِينَ يُؤْلُونَ يحلفون. يقال: آلـى فلان يؤْلـي إيلاء وألـية، كما قال الشاعر:

كَفَـيْنا مَنْ تغَيّبَ مِنْ تُرابٍوأحْنَثْنا ألـيّةَ مُقْسِمِينا

ويقال أَلْوَة وأُلْوَة، كما قال الراجز:

 (يا أُلْوَةً ما أُلْوَةً ما أُلْوَتِـي )

وقد حكي عنهم أيضا أنهم يقولون: (إلوة) مكسورة الألف، والتربص: النظر والتوقـف.

ومعنى الكلام: للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر، فترك ذكر أن يعتزلوا اكتفـاء بدلالة ما ظهر من الكلام علـيه.

واختلف أهل التأويـل فـي صفة الـيـمين التـي يكون بها الرجل مؤلـيا من امرأته،

فقال بعضهم: الـيـمين التـي يكون بها الرجل مؤلـيا من امرأته، أن يحلف علـيها فـي حال غضب علـى وجه الإضرار لها أن لا يجامعها فـي فرجها، فأما إن حلف علـى غير وجه الإضرار علـى غير غضب فلـيس هو مولـيا منها. ذكر من قال ذلك:

٣حدثنا هناد بن السريّ، قال: حدثنا أبو الأحوص، عن سماك، عن حريث بن عميرة، عن أم عطية، قالت: قال جبـير: أرضعي ابن أخي مع ابنك فقالت: ما أستطيع أن أرضع اثنـين. فحلف أن لا يقربها حتـى تفطمه. فلـما فطمته مرّ به علـى الـمـجلس، فقال له القوم: حسنا ما غذوتـموه. قال جبـير: إنـي حلفت ألا أقربها حتـى تفطمه. فقال له القوم: هذا إيلاء. فأتـى علـيا فـاستفتاه،

فقال: إن كنت فعلت ذلك غضبـا فلا تصلـح لك امرأتك، وإلا فـيه امرأتك.

٣٨٥٦ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن سماك، أنه سمع عطية بن جبـير، قال: توفـيت أم صبـيّ نسيبة لـي، فكانت امرأة أبـي ترضعه، فحلف أن لا يقربها حتـى تفطمه. فلـما مضت أربعة أشهر

قـيـل له: قد بـانت منك وأحسب شكّ أبو جعفر، قال: فأتـى علـيا يستفتـيه،

فقال: إن كنت قلت ذلك غضبـا فلا امرأة لك، وإلا فهي امرأتك.

٣٨٥٧ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا شعبة، قال: أخبرنـي سماك، قال: سمعت عطية بن جبـير يذكر نـحوه عن علـيّ.

٣٨٥٨ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عبد الـمـجيد، قال: حدثنا داود، عن سماك، عن رجل من بنـي عجل، عن أبـي عطية: أنه توفـي أخوه وترك ابنا له صغيرا، فقال أبو عطية لامرأته: أرضعيه فقالت: إنـي أخشى أن تغيـلهما، فحلف أن لا يقربها حتـى تفطمهما ففعل حتـى فطمتهما. فخرج ابن أخي أبـي عطية إلـى الـمـجلس،

فقالوا: لَـحُسْنَ ما غذى أبو عطية ابن أخيه قال: كلا زعمت أم عطية أنـي أغيـلهما فحلفت أن لا أقربها حتـى تفطمهما. فقالوا له: قد حرمت علـيك امرأتك. فذكرت ذلك لعلـيّ رضي اللّه عنه، فقال علـيّ: إنـما أردت الـخير، وإنـما الإيلاء فـي الغضب.

٣٨٥٩ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن سماك، عن أبـي عطية أن أخاه توفـي، فذكر نـحوه.

حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: أخبرنا داود بن أبـي هند، عن سماك بن حرب، أن رجلاً هلك أخوه، فقال لامرأته: أرضعي ابن أخي فقالت: أخاف أن تقع علـيّ. فحلف أن لا يـمسها حتـى تفطم. فأمسك عنها حتـى إذا فطمته أخرج الغلام إلـى قومه،

فقالوا: لقد أحسنت غذاءه فذكر لهم شأنه، فذكروا امرأته

قال: فذهب إلـى علـيّ فـاستـحلفه بـاللّه ما أردت بذلك؟ يعنـي إيلاءً، قال: فردّها علـيه.

٣٨٦٠ـ حدثنا علـيّ بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا الـمـحاربـي، عن أشعث بن سوار، عن سماك، عن عطية بن أبـي عطية، قال: توفـي أخ لـي وترك يتـيـما له رضيعا، وكنت رجلاً معسرا لـم يكن بـيدي ما أسترضع له

قال: فقالت لـي امرأتـي، وكان لـي منها ابن ترضعه: إن كفـيتنـي نفسك كفـيتكهما. فقلت: وكيف أكفـيك نفسي؟ قالت: لا تقربنـي، فقلت: واللّه لا أقربك حتـى تفطميهما

قال: ففطمتهما. وخرجا علـى القوم،

فقالوا: ما نراك إلا قد أحسنت ولايتهما

قال: فقصصت علـيهم القصة.

فقالوا: ما نراك إلا آلـيت منها، وبـانت منك

قال: فأتـيت علـيا، فقصصت علـيه القصة،

فقال: إنـما الإيلاء ما أريد به الإيلاء.

٣٨٦١ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن بكر البُرسانـي، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن جابر بن زيد، عن ابن عبـاس ، قال: لا إيلاء إلا بغضب.

٣٨٦٢ـ وحدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن عمرو بن دينار، عن عطاء، عن ابن عبـاس ، قال: لا إيلاء إلا بغضب.

٣٨٦٣ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا ابن وكيع، عن أبـي فزارة، عن يزيد بن الأصمّ، عن ابن عبـاس ، قال: لا إيلاء إلا بغضب.

٣٨٦٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن سماك بن حرب، عن أبـي عطية، عن علـيّ، قال: لا إيلاء إلا بغضب.

٣حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلـى، عن سعيد، عن قتادة: أن علـيا قال: إذا قال الرجل لامرأته وهي ترضع: واللّه لا قربتك حتـى تفطمي ولدي، يريد به صلاح ولده، قال: لـيس علـيه إيلاء.

٣حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا إسحاق بن منصور السلولـي، عن مـحمد بن مسلـم الطائفـي، عن عمرو بن دينار، عن سعيد بن جبـير، قال: جاء رجل إلـى علـيّ،

فقال: إنـي قلت لامرأتـي لا أقربها سنتـين، قال: قد آلـيت منها

قال: إنـما قلت لأنها ترضع

قال: فلا إذن.

٣حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن داود بن أبـي هند، عن سماك بن حرب، عن أبـي عطية، عن علـيّ أنه كان

يقول: إنـما الإيلاء ما كان فـي غضب يقول الرجل: واللّه لا أقربك واللّه لا أمسّك، فأما ما كان فـي إصلاح من أمر الرضاع وغيره، فإنه لا يكون إيلاء ولا تبـين منه.

٣حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، يعنـي ابن مهدي، قال: حدثنا حماد بن زيد، عن حفص، عن الـحسن أنه سئل عنها،

فقال: لا واللّه ما هو بإيلاء.

٣٨٦٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا بشر بن منصور، عن ابن جريج، عن عطاء، قال: إذا حلف من أجل الرضاع فلـيس بإيلاء.

٣٨٦٦ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي اللـيث، ثنـي يونس، قال: سألت ابن شهاب عن الرجل

يقول: واللّه لا أقرب امرأتـي حتـى تفطم ولدي، قال: لا أعلـم الإيلاء يكون إلا بحلف بـاللّه فـيـما يريد الـمرء أن يضارّ به امرأته من اعتزالها، ولا نعلـم فريضة الإيلاء إلا علـى أولئك، فلا نرى أن هذا الذي أقسم بـالاعتزال لامرأته حتـى تفطم ولده، أقسم إلا علـى أمر يتـحرّى به فـيه الـخير، فلا نرى وجب علـى هذا ما وجب علـى الـمولـي الذي يولـي فـي الغضب.

وقال آخرون: سواء إذا حلف الرجل علـى امرأته أن لا يجامعها فـي فرجها كان حلفه فـي غضب أو غير غضب، كل ذلك إيلاء. ذكر من قال ذلك:

٣٨٦٧ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفـيان، عن مغيرة، عن إبراهيـم فـي رجل، قال لامرأته: إن غشيتك حتـى تفطمي ولدك فأنت طالق، فتركها أربعة أشهر

قال: هو إيلاء.

٣٨٦٨ـ حدثنا مـحمد بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن أبـي معشر، عن النـخعي، قال: كل شيء يحول بـينه وبـين غشيانها فتركها حتـى تـمضي أربعة أشهر فهو داخـل علـيه.

٣٨٦٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا حبّـان بن موسى، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، قال: أخبرنا أبو عوانة عن الـمغيرة، عن القعقاع، قال: سألت الـحسن عن رجل ترضع امرأته صبـيا فحلف أن لا يطأها حتـى تفطم ولدها،

فقال: ما أرى هذا بغضب، وإنـما الإيلاء فـي الغضب

قال: وقال ابن سيرين: ما أدري ما هذا الذي يحدثون؟ إنـما قال اللّه : لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهمْ إلـى فإنّ اللّه سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ إذا مضت أربعة أشهر فلـيخطبها إن رغب فـيها.

٣٨٧٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا ابن مهدي، قال: حدثنا سفـيان، عن منصور، عن إبراهيـم فـي رجل حلف أن لا يكلـم امرأته، قال: كانوا يرون الإيلاء فـي الـجماع.

٣٨٧١ـ حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيـم، قال: قال: كل يـمين منعت جماعا حتـى تـمضي أربعة أشهر فهي إيلاء.

٣٨٧٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن إدريس، قال: سمعت إسماعيـل وأشعث، عن الشعبـي، مثله.

٣٨٧٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن إبراهيـم والشعبـي قالا: كل يـمين منعت جماعا فهي إيلاء.

وقال آخرون: كل يـمين حلف بها الرجل فـي مساءة امرأته فهي إيلاء منه منها علـى الـجماع، حلف أو غيره، فـي رضا حلف أو سخط. ذكر من قال ذلك:

٣حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن خصيف، عن الشعبـي قال: كل يـمين حالت بـين الرجل وبـين امرأته فهي إيلاء، إذا قال: واللّه لأغضبنك، واللّه لأسوءنك، واللّه لأضربنك، وأشبـاه هذا.

٣حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن عبد الـحكم، قال: ثنـي أبـي وشعيب، عن اللـيث، عن يزيد بن أبـي حبـيب عن ابن أبـي ذئب العامريّ: أن رجلاً من أهله قال لامرأته: إن كلـمتك سنة فأنت طالق واستفتـى القاسم وسالـما فقالا: إن كلـمتها قبل سنة فهي طالق، وإن لـم تكلـمها فهي طالق إذا مضت أربعة أشهر.

٣حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، قال: سمعت حمادا، قال: قلت لإبراهيـم: الإيلاء أن يحلف أن لا يجامعها ولا يكلـمها، ولا يجمع رأسه برأسها، أو لـيغضبنها، أو لـيحرّمنها، أو لـيسوءنها؟ قال: نعم.

٣٨٧٤ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، قال: سألت الـحكم عن رجل قال لامرأته: واللّه لأغيظنك فتركها أربعة أشهر

قال: هو إيلاء.

٣٨٧٥ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: سمعت شعبة قال: سألت الـحكم، فذكر مثله.

٣٨٧٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، حدثنـي اللـيث، قال: حدثنا يونس، قال: قال ابن شهاب: حدثنـي سعيد بن الـمسيب: أنه إن حلف رجل أن لا يكلـم امرأته يوما أو شهرا، قال: فإنا نرى ذلك يكون إيلاء، وقال: إلا أن يكون حلف أن لا يكلـمها، فكان يـمسها فلا نرى ذلك يكون من الإيلاء. والفـيء أن يفـيء إلـى امرأته فـيكلـمها أو يـمسها، فمن فعل ذلك قبل أن تـمضي الأربعة الأشهر فقد فـاء ومن فـاء بعد أربعة أشهر وهي فـي عدتها فقد فـاء وملك امرأته، غير أنه مضت لها تطلـيقة.

وعلة من قال: إنـما الإيلاء فـي الغضب والضرار، أن اللّه تعالـى ذكره إنـما جعل الأجل الذي أجل فـي الإيلاء مخرجا للـمرأة من عضل الرجل وضراره إياها فـيـما لها علـيه من حسن الصحبة والعشرة بـالـمعروف. وإذا لـم يكن الرجل لها عاضلاً، ولا مضارّا بـيـمينه وحلفه علـى ترك جماعها، بل كان طالبـا بذلك رضاها، وقاضيا بذلك حاجتها، لـم يكن بـيـمينه تلك مولـيا، لأنه لا معنى هنالك يـلـحق الـمرأة به من قبل بعلها مساءة وسوء عشرة، فـيجعل الأجل الذي جعل الـمولـي لها مخرجا منه.

وأما علة من قال: الإيلاء فـي حال الغضب والرضا سواء عموم الآية، وأن اللّه تعالـى ذكره لـم يخصص من قوله: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ بعضا دون بعض، بل عمّ به كل مول مقسم، فكل مقسم علـى امرأته أن لا يغشاها مدة هي أكثر من الأجل الذي جعل اللّه له تربصه، فمؤلٍ من امرأته عند بعضهم. وعند بعضهم: هو مؤلٍ، وإن كانت مدة يـمينه الأجل الذي جعل له تربصه.

وأما علة من قال بقول الشعبـي والقاسم وسالـم، أن اللّه تعالـى ذكره جعل الأجل الذي حدّه للـمولـي مخرجا للـمرأة من سوء عشرتها بعلها إياها وإضراره بها. ولـيست الـيـمين علـيها بأن لا يجامعها ولا يقربها بأولـى بأن تكون من معانـي سوء العشرة والضرار من الـحلف علـيها أن لا يكلـمها أو يسوءها أو يغيظها لأن كل ذلك ضرر علـيها، وسوء عشرة لها.

وأولـى التأويلات التـي ذكرناها فـي ذلك بـالصواب قول من قال: كل يـمين منعت الـمقسم الـجماع أكثر من الـمدة التـي جعل اللّه الـمولـي تربصها قائلاً فـي غضب كان ذلك أو رضا، وذلك للعلة التـي ذكرناها قبل لقائلـي ذلك. وقد أتـينا علـى فساد قول من خالف ذلك فـي كتابنا (كتاب اللطيف) بـما فـيه الكفـاية، فكرهنا إعادته فـي هذا الـموضع.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فإنْ فـاءُوا فإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: فإن رجعوا إلـى ترك ما حلفوا علـيه أن يفعلوه بهنّ من ترك جماعهن فجامعوهن وحنثوا فـي أيـمانهم، فإن اللّه غفور لـما كان منهم من الكذب فـي أيـمانهم بأن لا يأتوهن ثم أتوهن، ولـما سلف منهم إلـيهن من الـيـمين علـى ما لـم يكن لهم أن يحلفوا علـيه، فحلفوا علـيه رحيـم بهم وبغيرهم من عبـاده الـمؤمنـين. وأصل الفـيء: الرجوع من حال إلـى حال، ومنه قوله تعالـى ذكره: وَإنْ طائِفَتانِ مِنَ الـمُؤْمِنِـينَ اقْتَتلُوا فأصْلِـحُوا بَـيْنَهُما إلـى قوله: حتـى تَفِـيءَ إلـى أمْرِ اللّه يعنـي: حتـى ترجع إلـى أمر اللّه . ومنه قول الشاعر:

فَفـاءَتْ ولَـمْ تَقْضِ الّذِي أقْبَلَتْ لَهُوَمِنْ حاجَةِ الإنْسانِ ما لَـيْسَ قاضِيَا

يقال منه: فـاء فلان يفـيء فـيئة، مثل الـجَيْئة، وَفَـيئا. والفـيئة: الـمرة. فأما فـي الظلّ، فإنه يقال: فـاء الظلّ يفـيء فـيوءا وفَـيْئا، وقد يقال فـيوءا أيضا فـي الـمعنى الأول، لأن الفـيء فـي كل الأشياء بـمعنى الرجوع.

وبـمثل الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل، غير أنهم اختلفوا فـيـما يكون به الـمؤلـي فـائيا،

فقال بعضهم: لا يكون فـائيا إلا بـالـجماع. ذكر من قال ذلك:

٣٨٧٧ـ حدثنا علـيّ بن سهل الرملـي، قال: حدثنا مؤمل، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي لـيـلـى، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس ، قال: الفـيء: الـجماع.

٣٨٧٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا أبو نعيـم، عن يزيد بن زياد بن أبـي الـجعد، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس ، قال: الفـيء: الـجماع.

٣٨٧٩ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، عن مقسم، عن ابن عبـاس ، مثله.

٣٨٨٠ـ حدثنا مـحمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن صاحب له، عن الـحكم بن عتـيبة عن مقسم، عن ابن عبـاس ، مثله.

٣٨٨١ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن حصين، عن الشعبـي، عن مسروق، قال: الفـيء: الـجماع.

٣٨٨٢ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن حصين، عن الشعبـي، عن مسروق مثله.

٣٨٨٣ـ حدثنا عبد الـحميد بن بـيان، قال: أخبرنا مـحمد بن يزيد، عن إسماعيـل، قال: كان عامر لا يرى الفـيء إلا الـجماع.

٣٨٨٤ـ حدثنا تـميـم بن الـمنتصر، قال: أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا إسماعيـل، عن عامر، بـمثله.

٣٨٨٥ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن علـيّ بن بذيـمة، عن سعيد بن جبـير قال: الفـيء: الـجماع.

٣٨٨٦ـ حدثنا أبو عبد اللّه النشائي، قال: حدثنا إسحاق الأزرق، عن سفـيان، عن علـيّ بن بذيـمة، عن سعيد بن جبـير، مثله.

٣٨٨٧ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن سعيد بن جبـير، قال: الفـيء: الـجماع، لا عذر له إلا أن يجامع، وإن كان فـي سجن أو فـي سفر سعيد القائل.

٣٨٨٨ـ حدثنـي مـحمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن جبـير أنه قال: لا عذر له حتـى يغشى.

٣حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا حماد، عن حماد وإياس، عن الشعبـي، قال أحدهما، عن مسروق، قال: الفـيء: الـجماع

وقال الاَخر عن الشعبـي: الفـيء: الـجماع.

٣حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلـى، عن سعيد، عن قتادة، عن سعيد بن الـمسيب فـي رجل آلـى من امرأته ثم شغله مرض، قال: لا عذر له حتـى يغشى.

٣٨٨٩ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: حدثنـي أبـي، عن قتادة، عن سعيد بن جبـير فـي الرجل يؤلـي من امرأته قبل أن يدخـل بها، أو بعد ما دخـل بها، فـيعرض له عارض يحبسه، أو لا يجد ما يسوق: أنه إذا مضت أربعة أشهر أنها أحقّ بنفسها.

٣٨٩٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الـحكم والشعبـي قالا: إذ آلـى الرجل من امرأته ثم أراد أن يفـيء، فلا فـيء إلا الـجماع.

وقال آخرون: الفـيء: الـمراجعة بـاللسان أو القلب فـي حال العذر، وفـي غير حال العذر الـجماع. ذكر من قال ذلك:

٣٨٩١ـ حدثنا مـحمد بن يحيى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن وعكرمة أنهما قالا: إذا كان له عذر فأشهر فذاك له. يعنـي فـي رجل آلـى من امرأته فشغله مرض أو طريق فأشهد علـى مراجعة امرأته.

٣٨٩٢ـ حدثنا مـحمد بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن صاحب له، عن الـحكم قال: تذاكرنا أنا والنـخعي ذلك، فـال النـخعي: إذا كان له عذر فأشهد فقد فـاء، وقلت أنا: لا عذر له حتـى يغشى. فـانطلقنا إلـى أبـي وائل،

فقال: إنى أرجو إذا كان له عذر فأشهد جاز.

٣٨٩٣ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الـحسن، قال: إن آلـى ثم مرض، أو سجن، أو سافر فراجع، فإن له عذرا أن لا يجامع

قال: وسمعت الزهري يقول مثل ذلك:

٣٨٩٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا حبـان بن موسى، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قال: أخبرنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيـم فـي النفساء يؤلـي منها زوجها، قال: هذه فـي مـحارب سئل عنها أصحاب عبد اللّه ،

فقالوا: إذا لـم يستطع كفر عن يـمينه وأشهد علـى الفـيء.

٣٨٩٥ـ حدثنا أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن أبـي الشعثاء، قال: نزل به ضيف، فآلـى من امرأته فنفست، فأراد أن يفـيء فلـم يستطع أن يقربها من أجل نفـاسها. فأتـى علقمة فذكر ذلك له،

فقال: ألـيس قد فئت بقلبك ورضيت؟ قال: بلـى

قال: فقد فئت هي امرأتك.

٣٨٩٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الأعمش، عن إبراهيـم: أن رجلاً آلـى من امرأته، فولدت قبل أن تـمضي أربعة أشهر أراد الفـيئة، فلـم يستطع من أجل الدم حتـى مضت أربعة أشهر. فسأل عنها علقمة بن قـيس،

فقال: ألـيس قد راجعتها فـي نفسك؟ قال: بلـى

قال: فهي امرأتك.

٣٨٩٧ـ حدثنا عمران بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: أخبرنا عامر، عن الـحسن، قال: إذا آلـى من امرأته ثم لـم يقدر أن يغشاها من عذر، قال: يُشهد أنه قد فـاء وهي امرأته.

٣٨٩٨ـ حدثنا عمران، قال: حدثنا عبد الوارث، قال: حدثنا عامر، عن حماد، عن إبراهيـم، عن علقمة بـمثله.

٣٨٩٩ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: ثنـي أبـي، عن قتادة. عن عكرمة قال: وحدثنا عبد الأعلـى قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن عكرمة قال: إذا آلـى من امرأته فجهد أن يغشاها فلـم يستطع، فله أن يشهد علـى رجعتها.

٣٩٠٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلـى، عن سعيد، عن قتادة، عن الـحسن وعكرمة أنهما سئلا عن رجل آلـى من امرأته، فشغله أمر، فأشهد علـى مراجعة امرأته، قالا: إذا كان له عذر فذاك له.

٣٩٠١ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن الـحكم، قال: انطلقت أنا وإبراهيـم إلـى أبـي الشعثاء، فحدّث أن رجلاً من بنـي سعد بن همام آلـى من امرأته فنفست، فلـم يستطع أن يقربها، فسأل الأسود أو بعض أصحاب عبد اللّه ،

فقال: إذا أشهد فهي امرأته.

٣٩٠٢ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا غندر، قال: حدثنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيـم أنه قال: إن كان له عذر فأشهد فذلك له يعنـي الـمؤلـي من امرأته.

٣٩٠٣ـ حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيـم أنه كان يحدّث عن أبـي الشعثاء، عن علقمة وأصحاب عبد اللّه : أنهم قالوا فـي الرجل إذا آلـى من امرأته فنفست،

قالوا: إذا أشهد فهي امرأته.

٣٩٠٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن حماد، قال: إذا آلـى الرجل من أمرته ثم فـاء فلـيشهد علـى فـيئه. وإذا آلـى الرجل من امرأته وهو فـي أرض غير الأرض التـي فـيها امرأته فلـيشهد علـى فـيئه. فإن أشهد وهو لا يعلـم أن ذلك لا يجزيه من وقوعه علـيها فمضت أربعة أشهر قبل أن يجامعها فهي امرأته. وإن علـم أنه لا فـيء إلا فـي الـجماع فـي هذا البـاب ففـاء وأشهد علـى فـيئه ولـم يقع علـيها حتـى مضت أربعة أشهر، فقد بـانت منه.

٣٩٠٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي اللـيث، قال: ثنـي يونس، قال: قال ابن شهاب: حدثنـي سعيد بن الـمسيب أنه إذا آلـى الرجل من امرأته، قال: فإن كان به مرض ولا يستطيع أن يـمسها، أو كان مسافرا فحبس، قال: فإذا فـاء وكفر عن يـمينه فأشهد علـى فـيئه قبل أن تـمضي أربعة أشهر فلا نراه إلا قد صلـح له أن يـمسك امرأته ولـم يذهب من طلاقها شيء

قال: وقال ابن شهاب فـي رجل يؤلـي من امرأته ولـم يبق لها علـيه إلا تطلـيقة، فـيريد أن يفـيء فـي آخر ذلك وهو مريض أو مسافر، أو هي مريضة أو طامث أو غائبة لا يقدر علـى أن يبلغها حتـى تـمضي أربعة أشهر أله فـي شيء من ذلك رخصة أن يكفر عن يـمينه، ولـم يقدر علـى أن يطأ امرأته؟ قال: نرى واللّه أعلـم إن فـاء قبل الأربعة الأشهر فهي امرأته، بعد أن يشهد علـى ذلك ويكفر عن يـمينه، وإن لـم يبلغها ذلك من فـيئته، فإنه قد فـاء قبل أن يكون طلاقا.

٣٩٠٦ـ حدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، قال: الفـيء: الـجماع. فإن هو لـم يقدر علـى الـمـجامعة، وكانت به علة من مرض، أو كان غائبـا، أو كان مـحرما، أو شيء له فـيه عذر، ففـاء بلسانه وأشهد علـى الرضا، فإن ذلك له فـيء إن شاء اللّه .

وقال آخرون: الفـيء: الـمراجعة بـاللسان بكل حال. ذكر من قال ذلك:

٣٩٠٧ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا الضحاك بن مخـلد، عن سفـيان، عن منصور وحماد، عن إبراهيـم، قال: الفـيء: أن يفـيء بلسانه.

٣٩٠٨ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا حماد بن سلـمة، عن زياد الأعلـم، عن الـحسن، قال: الفـيء: الإشهاد.

٣٩٠٩ـ حدثنا الـمثنى قال: ثنـي الـحجاج، قال: حدثنا حماد، عن زياد الأعلـم، عن الـحسن، مثله.

٣٩١٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن أيوب، عن أبـي قلابة قال: إن فـاء فـي نفسه أجزأه،

يقول: قد فـاء.

٣٩١١ـ حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن إسماعيـل بن رجاء، قال: ذكروا الإيلاء عند إبراهيـم،

فقال: أرأيت إن لـم ينتشر ذكره؟ إذا أشهد فهي امرأته.

قال أبو جعفر: وإنـما اختلف الـمختلفون فـي تأويـل الفـيء علـى قدر اختلافهم فـي معنى الـيـمين التـي تكون إيلاء، فمن كان من قوله: إن الرجل لا يكون مؤلـيا من امرأته الإيلاء الذي ذكره اللّه فـي كتابه إلا بـالـحلف علـيها أن لا يجامعها جعل الفـيء الرجوع إلـى فعل ما حلف علـيه أن لا يفعله من جماعها، وذلك الـجماع فـي الفرج إذا قدر علـى ذلك وأمكنه، وإذا لـم يقدر علـيه ولـم يـمكنه، فإحداث النـية أن يفعله إذا قدر علـيه وأمكنه وإبداء ما نوى من ذلك بلسانه لـيعلـمه الـمسلـمون فـي قول من قال ذلك.

وأما قول من رأى أن الفـيء هو الـجماع دون غيره، فإنه لـم يجعل العائق له عذرا، ولـم يجعل له مخرجا من يـمينه غير الرجوع إلـى ما حلف علـى تركه وهو الـجماع.

وأما من كان من قوله: إنه قد يكون مؤلـيا منها بـالـحلف علـى ترك كلامها، أو علـى أن يسوءها أو يغيظها، أو ما أشبه ذلك من الأيـمان، فإن الفـيء عنده الرجوع إلـى ترك ما حلف علـيه أن يفعله مـما فـيه مساءتها بـالعزم علـى الرجوع عنه وإبداء ذلك بلسانه فـي كل حال عزم فـيها علـى الفـيء.

وأولـى الأقوال بـالصحة فـي ذلك عندنا قول من قال: الفـيء: هو الـجماع لأن الرجل لا يكون مؤلـيا عندنا من امرأته إلا بـالـحلف علـى ترك جماعها الـمدة التـي ذكرنا للعلل التـي وصفنا قبل. فإذّ كان ذلك هو الإيلاء فـالفـيء الذي يبطل حكم الإيلاء عنه لا شك أنه غير جائز أن يكون إلا ما كان الذي آلـى علـيه خلافـا لأنه لـما جعل حكمه إن لـم يفـىء إلـى ما آلـى علـى تركه الـحكم الذي بـينه اللّه لهم فـي كتابه كان الفـيء إلـى ذلك معلوما أنه فعل ما آلـى علـى تركه إن أطاقه، وذلك هو الـجماع، غير أنه إذا حيـل بـينه وبـين الفـيء الذي هو الـجماع بعذر، فغير كائن تاركا جماعها علـى الـحقـيقة، لأن الـمرء إنـما يكون تاركا ماله إلـى فعله وتركه سبـيـل، فأما من لـم يكن له إلـى فعل أمر سبـيـل، فغير كائن تاركه. وإذ كان ذلك كذلك فإحداث العزم فـي نفسه علـى جماعها مـجزىء عنه فـي حال العذر، حتـى يجد السبـيـل إلـى جماعها. وإن أبدى ذلك بلسانه وأشهد علـى نفسه فـي تلك الـحال بـالأوبة والفـيء كان أعجب إلـيّ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: فَإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ.

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك،

فقال بعضهم: معنى ذلك: فإن اللّه غفور لكم فـيـما اجترمتـم بفـيئكم إلـيهن من الـحنث فـي الـيـمين التـي حلفتـم علـيهنّ بـاللّه أن لا تغشوهن، رحيـم بكم فـي تـخفـيفه عنكم كفـارة أيـمانكم التـي حلفتـم علـيهن ثم حنثتـم فـيها. ذكر من قال ذلك:

٣٩١٢ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن: فَإنْ فَـاءُوا فإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ قال: لا كفـارة علـيه.

٣٩١٣ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، عن الـحسن، قال: إذا فـاء فلا كفـارة علـيه.

٣٩١٤ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا حبـان بن موسى، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قال: حدثنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيـم، قال: كانوا يرون فـي قول اللّه : فَإنْ فَـاءُوا فَإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ أن كفـارته فـيؤه.

وهذا التأويـل الذي ذكرنا هو التأويـل الواجب علـى قول من زعم أن كل حانث فـي يـمين هو فـي الـمقام علـيها حَرِجٌ، فلا كفـارة علـيه فـي حنثه فـيها، وإن كفـارته الـحنث فـيهاوأما علـى قول من أوجب علـى الـحانث فـي كل يـمين حلف بها برّا كان الـحنث فـيها أو غير برّ، فإن تأويـله: فإن اللّه غفور للـمؤلـين من نسائهم فـيـما حنثوا فـيه من إيلائهم، فإن فـاءوا فكفروا أيـمانهم بـما ألزم اللّه الـحانثـين فـي أيـمانهم من الكفـارة، رحيـم بهم بإسقاطه عنهم العقوبة فـي العاجل والاَجل علـى ذلك بتكفـيره إياه بـما فرض علـيهم من الـجزاء والكفـارة، وبـما جعل لهم من الـمهل الأشهر الأربعة، فلـم يجعل فـيها للـمرأة التـي آلـى منها زوجها ما جعل لها بعد الأشهر الأربعة. كما:

٣٩١٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا حبـان، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قال: حدثنا يحيى بن بشر أنه سمع عكرمة

يقول: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ فَإنْ فَـاءُوا فَإنّ اللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ وَإنْ عَزَمُوا الطّلاقَ قال: وتلك رحمة اللّه ملكه أمرها الأربعة الأشهر إلا من معذرة، لأن اللّه قال: وَاللاّتِـي تَـخافُونَ نُشُوزَهُنّ فَعِظُوهُنّ وَاهْجُرُوهُنّ فِـي الـمَضَاجِعِ.

ذكر بعض من قال: إذا فـاء الـمولـي فعلـيه الكفـارة:

٣٩١٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـي بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس قوله: لِلّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائهِمْ تَرَبّصُ أرْبَعَةِ أشْهُرٍ وهو الرجل يحلف لامرأته بـاللّه لا ينكحها، فـيتربص أربعة أشهر، فإن هو نكحها كفر يـمينه بإطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تـحرير رقبة، فمن لـم يجد فصيام ثلاثة أيام.

٣٩١٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي اللـيث، قال: ثنـي يونس، قال: ثنـي ابن شهاب، عن سعيد بن الـمسيب بنـحوه.

٣٩١٨ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا حبـان بن موسى، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قال: أخبرنا حماد بن سلـمة، عن حماد، عن إبراهيـم، قال: إذا آلـى فغشيها قبل الأربعة الأشهر كفر عن يـمينه.

٣٩١٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا حبـان، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، قال: أخبرنا أبو عوانة، عن مغيرة، عن إبراهيـم فـي النفساء يؤلـي منها زوجها، قال: هذه فـي مـحارب سئل عنها أصحاب عبد اللّه ،

فقالوا: إذا لـم يستطع كفر عن يـمينه وأشهد علـى الفـيء.

٣٩٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: إن فـاء فـيها كفر يـمينه وهي امرأته.

٣٩٢١ـ حدثت عن عمار، عن ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله.

٣٩٢٢ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا عثام، عن الأعمش، عن إبراهيـم فـي الإيلاء قال: يوقـف قبل أن تـمضي الأربعة الأشهر، فإن راجعها فهي امرأته وعلـيه يـمين يكفرها إذا حنث.

قال أبو جعفر: وهذا التأويـل الثانـي هو الصحيح عندنا فـي ذلك لـما قد بـينا من العلل فـي كتابنا (كتاب الأيـمان) من أن الـحنث موجب الكفـارة فـي كل ما ابتدىء فـيه الـحنث من الأيـمان بعد الـحلف علـى معصية كانت الـيـمين أو علـى طاعة.

﴿ ٢٢٦