١٤٦٤٥٣٥ـ حدثنـي به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: ألَـمْ تَرَ إلـى الـمَلإِ مِنْ بَنِـي إسْرَائِيـلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إذْ قالُوا لِنَبِـيّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكا نُقاتِلْ فِـي سَبِـيـلِ اللّه قال: كانت بنو إسرائيـل يقاتلون العمالقة، وكان ملك العمالقة جالوت. وإنهم ظهروا علـى بنـي إسرائيـل، فضربوا علـيهم الـجزية، وأخذوا توراتهم وكانت بنو إسرائيـل يسألون اللّه أن يبعث لهم نبـيا يقاتلون معه وكان سبط النبوّة قد هلكوا، فلـم يبق منهم إلا امرأة حبلـى، فأخذوها فحبسوها فـي بـيتٍ رهبة أن تلد جارية فتبدلها بغلام، لـما ترى من رغبة بنـي إسرائيـل فـي ولدها. فجعلت الـمرأة تدعو اللّه أن يرزقها غلاما، فولدت غلاما فسمته شمعون. فكبر الغلام فأرسلته يتعلـم التوراة فـي بـيت الـمقدس، وكفله شيخ من علـمائهم وتبناه. فلـما بلغ الغلام أن يبعثه اللّه نبـيا أتاه جبريـل والغلام نائم إلـى جنب الشيخ، وكان لا يأتـمن علـيه أحدا غيره، فدعاه بلـحن الشيخ: يا شماول فقام الغلام فزعا إلـى الشيخ، فقال: يا أبتاه دعوتنـي؟ فكره الشيخ أن يقول لا فـيفزع الغلام، فقال: يا بنـيّ ارجع فنـم فرجع فنام ثم دعاه الثانـية، فأتاه الغلام أيضا، فقال: دعوتنـي؟ فقال: ارجع فنـم، فإن دعوتك الثالثة فلا تـجبنـي فلـما كانت الثالثة ظهر له جبريـل، فقال: اذهب إلـى قومك فبلغهم رسالة ربك، فإن اللّه قد بعثك فـيهم نبـيا فلـما أتاهم كذبوه و قالوا: استعجلت بـالنبوّة ولـم يأنِ لك و قالوا: إن كنت صادقا فـابعث لنا ملكا نقاتل فـي سبـيـل اللّه آية من نبوّتك فقال لهم شمعون: عسى أن كتب علـيكم القتال ألا تقاتلوا واللّه أعلـم. قال أبو جعفر: وغير جائز فـي قول اللّه تعالـى ذكره: نُقاتِلْ فِـي سَبِـيـلِ اللّه إذا قرىء بـالنون غير الـجزم علـى معنى الـمـجازاة وشرط الأمر. فإن ظنّ ظانّ أن الرفع فـيه جائز وقد قرىء بـالنون بـمعنى الذي نقاتل فـي سبـيـل اللّه ، فإن ذلك غير جائز لأن العرب لا تضمر حرفـين. ولكن لو كان قرىء ذلك بـالـياء لـجاز رفعه، لأنه يكون لو قرىء كذلك صلة للـملك، فـيصير تأويـل الكلام حينئذ: ابعث لنا الذي يقاتل فـي سبـيـل اللّه ، كما قال تعالـى ذكره: وَابعَثْ فِـيهمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَـيْهمْ آياتِك لأن قوله (يتلو) من صلة (الرسول). القول فـي تأويـل قوله تعالـى: قالَ هَلْ عَسَيْتُـمْ إنْ كُتِبَ عَلَـيْكُمُ القِتالُ .... يعنـي تعالـى ذكره بذلك: قال النبـيّ الذي سألوه أن يبعث لهم ملكا يقاتلوا فـي سبـيـل اللّه : هَلْ عَسَيْتُـمْ هل تعدون إن كتب، يعنـي إن فرض علـيكم القتال ألا تقاتلوا؟ يعنـي أن لا تفوا بـما تعدون اللّه من أنفسكم من الـجهاد فـي سبـيـله؟ فإنكم أهل نكث وغدر، وقلة وفـاء بـما تعدون قالُوا وَما لَنا ألاّ نُقاتِل فـي سَبِـيـلِ اللّه يعنـي قال الـملأ من بنـي إسرائيـل لنبـيهم ذلك: وأيّ شيء يـمنعنا أن نقاتل فـي سبـيـل اللّه عدوّنا وعدوّ اللّه ، وَقَدْ أخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأبْنائِنَا بـالقهر والغلبة؟ فإن قال لنا قائل: وما وجه دخول (أن) فـي قوله: وما لَنا ألاّ نُقاتِلَ فـي سَبِـيـلِ اللّه وحذفه من قوله: وما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بـاللّه والرّسُولُ يَدْعُوكُمْ؟ قـيـل: هما لغتان فصيحتان للعرب، تـحذف (أن) مرة مع قولنا (ما لك)، فتقول: ما لك لا تفعل كذا؟ بـمعنى: ما لك غير فـاعله، كما قال الشاعر: ما لَكِ تَرْغِينَ ولا تَرْغُو الـخَـلِفْ وذلك هو الكلام الذي لا حاجة بـالـمتكلـم به إلـى الاستشهاد علـى صحته لفشوّ ذلك علـى ألسن العرب. وتثبت (أن) فـيه أخرى، توجيها لقولها ما لك إلـى معناه، إذ كان معناه: ما منعك، كما قال تعالـى ذكره: ما مَنَعَك ألاّ تَسجُدَ إذْ أمَرْتُكَ ثم قال فـي سورة أخرى فـي نظيره: مَا لَكَ ألاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ فوضع (ما منعك) موضع (ما لك)، و(ما لك) موضع (ما منعك) لاتفـاق معنـيـيهما وإن اختلفت ألفـاظهما، كما تفعل العرب ذلك فـي نظائره مـما تتفق معانـيه وتـختلف ألفـاظه، كما قال الشاعر: يقُولُ إذا اقلَوْلَـى عَلَـيَها وأقْرَدَتْألا هَلْ أخُو عَيشٍ لَذِيذٍ بِدَائمِ فأدخـل فـي (دائم) (البـاء) مع (هل) وهي استفهام، وإنـما تدخـل فـي خبر (ما) التـي فـي معنى الـجحد لتقارب معنى الاستفهام والـجحد. وكان بعض أهل العربـية يقول: أدخـلت (أن) فـي: ألاّ تُقاتِلُوا لأنه بـمعنى قول القائل: ما لك فـي ألا تقاتل؟ ولو كان ذلك جائزا لـجاز أن يقال: ما لك أن قمت؟ وما لك أنك قائم؟ وذلك غير جائز لأن الـمنع إنـما يكون للـمستقبل من الأفعال، كما يقال: منعتك أن تقوم، ولا يقال: منعتك أن قمت فلذك قـيـل فـي (ما لك): ما لك ألا تقوم، ولـم يقل: ما لك أن قمت. وقال آخرون منهم: (أن) ههنا زائدة بعد (ما) (فلـما) (ولـما) (ولو) وهي تزاد فـي هذا الـمعنى كثـيرا قال: ومعناه: وما لنا لا نقاتل فـي سبـيـل اللّه فأعمل (أن) وهي زائدة وقال الفرزدق: لَو لَـمْ تَكُنْ غَطَفـانُ لا ذُنوبَ لهَاإذَنْ لَلامَ ذَوُو أحْسابِها عُمَرَا والـمعنى: لو لـم تكن غطفـان لها ذنوب. (ولا) زائدة فأعملها وأنكر ما قال هذا القائل من قوله الذي حكينا عنه آخرون، و قالوا: غير جائز أن تـجعل (أن) زائدة فـي الكلام وهو صحيح فـي الـمعنى وبـالكلام إلـيه الـحاجة قالوا: والـمعنى: ما يـمنعنا ألا نقاتل؟ فلا وجه لدعوى مدّع أنّ (أن) زائدة، وله معنى مفهوم صحيح. قالوا: وأما قوله: (لو لـم تكن غطفـان لا ذنوب لها)، فإن (لا) غير زائدة فـي هذا الـموضع، لأنه جحد، والـجحد إذا جحد صار إثبـاتا. قالوا: فقوله: (لو لـم تكن غطفـان لا ذنوب لها) إثبـات الذنوب لها، كما يقال: ما أخوك لـيس يقوم، بـمعنى: هو يقوم. وقال آخرون: معنى قوله: ما لَنا ألاّ نُقاتِلَ ما لنا ولأن لا نقاتل، ثم حذفت الواو فتركت، كما يقال فـي الكلام: ما لك ولأن تذهب إلـى فلان؟ فألقـي منها الواو، لأن (أن) حرف غير متـمكن فـي الأسماء و قالوا: نـجيز أن يقال: ما لك أن تقوم؟ ولا نـجيز: ما لك القـيام؟ لأن القـيام اسم صحيح، و(أن) اسم غير صحيح و قالوا: قد تقول العرب: إياك أن تتكلـم، بـمعنى إياك وأن تتكلـم. وأنكر ذلك من قولهم آخرون، و قالوا: لو جاز أن يقال ذلك علـى التأويـل الذي تأوّله قائل من حكينا قوله، لوجب أن يكون جائزا: (ضربتك بـالـجارية وأنت كفـيـل)، بـمعنى: وأنت كفـيـل بـالـجارية، وأن تقول: (رأيتك أبـانا ويزيد)، بـمعنى: رأيتك وأبـانا يزيد لأن العرب تقول: إياك بـالبـاطل أن تنطق قالوا: فلو كانت الواو مضمرة فـي أن لـجاز جميع ما ذكرنا ولكن ذلك غير جائز، لأن ما بعد الواو من الأفـاعيـل غير جائز له أن يقع علـى ما قبلها. واستشهدوا علـى فساد قول من زعم أن الواو مضمرة مع (أن) بقول الشاعر: فَبُحْ بـالسّرَائِرِ فـي أهْلِهاوإيّاكَ فـي غَيْرِهِمْ أنْ تَبُوحا وأنّ (أن تبوحا) لو كان فـيها واو مضمرة لـم يجز تقديـم غيرهم علـيها. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَقَدْ أُخْرِجْنا مِنْ دِيارِنَا وأبْنائِنا. فإنه يعنـي: وقد أخرج من غلب علـيه من رجالنا ونسائنا من ديارهم وأولادهم ومن سبـي. وهذا الكلام ظاهره العموم، وبـاطنه الـخصوص لأن الذين قالوا لنبـيهم: ابْعَثْ لَنا مَلِكا نُقاتِلْ فِـي سَبِـيـلِ اللّه كانوا فـي ديارهم وأوطانهم، وإنـما كان أخرج من داره وولده من أسر وقهر منهم. وأما قوله: فَلَـمّا كُتِبَ عَلَـيْهِمُ القِتَالُ تَوَلّوْا إلاّ قَلِـيلاً مِنْهُمْ يقول: فلـما فرض علـيهم قتال عدوّهم والـجهاد فـي سبـيـله، تولّوا إلا قَلـيلاً مِنْهُم يقول: أدبروا مولـين عن القتال، وضيعوا ما سألوه نبـيهم من فرض الـجهاد. والقلـيـل الذي استثناهم اللّه منهم، هم الذين عبروا النهر مع طالوت وسنذكر سبب تولّـي من تولّـى منهم وعبور من عبر منهم النهر بعد إن شاء اللّه إذا أتـينا علـيه. يقول اللّه تعالـى ذكره: وَاللّه عَلِـيـمٌ بـالظّالِـمِينَ يعنـي: واللّه ذو علـم بـمن ظلـم منهم نفسه، فأخـلف اللّه ما وعده من نفسه وخالف أمر ربه فـيـما سأله ابتداء أن يوجبه علـيه. وهذا من اللّه تعالـى ذكره تقريعٌ للـيهود الذين كانوا بـين ظهرانـي مهاجَر رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فـي تكذيبهم نبـينا مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم ومخالفتهم أمر ربهم. يقول اللّه تعالـى ذكره لهم: إنكم يا معشر الـيهود عصيتـم اللّه وخالفتـم أمره فـيـما سألتـموه أن يفرضه علـيكم ابتداء من غير أن يبتدئكم ربكم بفرض ما عصيتـموه فـيه، فأنتـم بـمعصيته فـيـما ابتدأكم به من إلزام فرضه أَحْرَى. وفـي هذا الكلام متروك قد استغنـي بذكر ما ذكر عما ترك منه وذلك أن معنى الكلام: قالوا: وما لنا ألا نقاتل فـي سبـيـل اللّه وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فسأل نبـيهم ربهم أن يبعث لهم ملكا يقاتلون معه فـي سبـيـل اللّه . فبعث لهم ملكا، وكتب علـيهم القتال فَلَـمّا كُتِبَ عَلَـيْهِمُ القِتَالُ تَوَلّوْا إلاّ قَلِـيلاً مِنْهُمْ واللّه عَلِـيـمٌ بـالظّالِـمِينَ. |
﴿ ٢٤٦ ﴾