٢٥١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللّه وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ...}

يعنـي تعالـى ذكره بقوله: فهزم طالوت وجنوده أصحاب جالوت، وقتل داود جالوت. وفـي هذا الكلام متروك ترك ذكره اكتفـاء بدلالة ما ظهر منه علـيه.

وذلك أن معنى الكلام: ولـما برزوا لـجالوت وجنوده،

قالوا: ربنا أفرغ علـينا صبرا، وثبت أقدامنا وانصرنا علـى القوم الكافرين فـاستـجاب لهم ربهم، فأفرغ علـيهم صبره، وثبت أقدامهم ونصرهم علـى القوم الكافرين، فهزموهم بإذن اللّه . ولكنه ترك ذكر ذلك اكتفـاء بدلالة قوله: فَهَزَمُوهُمْ بإذْنِ اللّه علـى أن اللّه قد أجاب دعاءهم الذي دعوه به.

ومعنى قوله: فَهَزَمُوهُمْ بإذْنِ اللّه قتلوهم بقضاء اللّه وقدره، يقال منه: هزم القوم الـجيش هزيـمة وهِزّيـمَى. وَقَتَل دَاوُدُ جالُوتَ وداود هذا هو داود بن إيشَا نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم.

وكان سبب قتله إياه كما:

٤٦٢٩ـ حدثنا الـحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا بكار بن عبد اللّه ، قال: سمعت وهب بن منبه يحدّث، قال: لـما خرج، أو قال: لـما برز طالوت لـجالوت، قال جالوت: أبرزوا لـي من يقاتلنـي، فإن قتلنـي، فلكم ملكي، وإن قتلته فلـي ملككم فأتـي بداود إلـى طالوت، فقاضاه إن قتله أن ينكحه ابنته وأن يحكّمه فـي ماله. فألبسه طالوت سلاحا، فكره داود أن يقاتله، وقال: إن اللّه لـم ينصرنـي علـيه لـم يغن السلاح. فخرج إلـيه بـالـمقلاع وبـمخلاة فـيها أحجار، ثم برز له، قال له جالوت: أنت تقاتلنـي؟ قال داود: نعم

قال: ويـلك أما تـخرج إلـيّ إلا كما يخرج إلـى الكلب بـالـمقلاع والـحجارة؟ لأبددنّ لـحمك، ولأطعمنه الـيوم الطير والسبـاع فقال له داود: بل أنت عدوّ اللّه شرّ من الكلب. فأخذ داود حجرا ورماه بـالـمقلاع، فأصابت بـين عينـيه حتـى نفذت فـي دماغه، فصرع جالوت، وانهزم من معه، واحتزّ داود رأسه. فلـما رجعوا إلـى طالوت ادّعى الناس قتل جالوت، فمنهم من يأتـي بـالسيف وبـالشيء من سلاحه أو جسده، وخبأ داود رأسه، فقال طالوت: من جاء برأسه فهو الذي قتله. فجاء به داود. ثم قال لطالوت: أعطنـي ما وعدتنـي فندم طالوت علـى ما كان شرط له، وقال: إن بنات الـملوك لا بد لهنّ من صداق، وأنت رجل جريء شجاع، فـاحتـمل صداقها ثلثمائة غلْفة من أعدائنا وكان يرجو بذلك أن يقتل داود. فغزا داود وأسر منهم ثلثمائة، وقطع غُلَفهم وجاء بها، فلـم يجد طالوت بدّا من أن يزوّجه. ثم أدركته الندامة، فأراد قتل داود حتـى هرب منه إلـى الـجبل، فنهض إلـيه طالوت فحاصره. فلـما كان ذات لـيـلة سلط النوم علـى طالوت وحرسه، فهبط إلـيهم داود، فأخذ إبريق طالوت الذي كان يشرب منه ويتوضأ، وقطع شعرات من لـحيته وشيئا من هُدْب ثـيابه، ثم رجع داود إلـى مكانه، فناده أن... حرسك، فإنـي لو شئت أقتلك البـارحة فعلت، فإنه هذا إبريقك وشيء من شعر لـحيتك وهدب ثـيابك، وبعث إلـيه. فعلـم طالوت أنه لو شاء قتله، فعطفه ذلك علـيه فأمنه، وعاهده بـاللّه لا ير ى منه بأسا. ثم انصرف. ثم كان فـي آخر أمر طالوت أنه كان يدسّ لقتله، وكان طالوت لا يقاتل عدوّا إلا هزم، حتـى مات.

قال بكار: وسئل وهب وأنا أسمع: أنبـيا كان طالوت يُوحَى إلـيه؟ فقال: لـم يأته وحي، ولكن كان معه نبـيّ يقال له أشمويـل، يُوحَى إلـيه، وهو الذي مَلّك طالوت.

٤حدثنا ابن حميد، قل: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: كان داود النبـيّ وإخوة له أربعة، معهم أبوهم شيخ كبـير، فتـخـلف أبوهم وتـخـلف معه داود من بـين إخوته فـي غنـم أبـيه يرعاها له، وكان من أصغرهم وخرج إخوته الأربعة مع طالوت، فدعاه أبوه وقد تقارب الناس ودنا بعضهم من بضع.

قال ابن إسحاق: وكان داود فـيـما ذكر لـي بعض أهل العلـم عن وهب بن منبه رجلاً قصيرا أزرق قلـيـل شعر الرأس، وكان طاهر القلب نقـيه، فقال له أبوه: يا بنـيّ إنا قد صنعنا لإخوتك زادا يتقوّون به علـى عدوّهم، فـاخرج به إلـيهم، فإذا دفعته إلـيهم فأقبل إلـيّ سريعا فقال: أفعل. فخرج وأخذ معه ما حمل لإخوته، ومعه مخلاته التـي يحمل فـيها الـحجارة ومقلاعه الذي كان يرمي به عن غنـمه. حتـى إذا فصل من عند أبـيه، فمرّ بحجر،

فقال: يا داود خذنـي فـاجعلنـي فـي مخلاتك تقتل بـي جالوت، فإنـي حجر يعقوب فأخذه فجعله فـي مخلاته، ومشى. فبـينا هو يـمشي إذ مرّ بحجر آخر،

فقال: يا داود خذنـي فـاجعلنـي فـي مخلاتك تقتل بـي جالوت، فإنـي حجر إسحاق فأخذه فجعله فـي مخلاته، ثم مضى. فبـينا هو يـمشي إذ مرّ بحجر،

فقال: يا داود خذنـي فـاجعلنـي فـي مخلاتك تقتل بـي جالوت، فإنـي حجر إبراهيـم فأخذه فجعله فـي مخلاته. ثم مضى بـما معه حتـى انتهى إلـى القوم، فأعطى إخوته ما بعث إلـيهم معه. وسمع فـي العسكر خوض الناس بذكر جالوت، وعظم شأنه فـيهم، وبهيبة الناس إياه، ومـما يعظمون من أمره، فقال لهم: واللّه إنكم لتعظمون من أمر هذا العدوّ شيئا ما أدري ما هو، واللّه إنـي لو أراه لقتله، فأدخـلونـي علـى الـملك فأدخـل علـى الـملك طالوت،

فقال: أيها الـملك إنى أراكم تعظمون شأن هذا العدوّ، واللّه إنى لو أراه لقتله فقال: يا بنـيّ ما عندك من القوّة علـى ذلك؟ وما جرّبت من نفسك؟ قال: قد كان الأسد يعدو علـى الشاة من غنـمي، فأدركه فآخذ برأسه، فأُفكّ لـحيـيه عنها، فآخذها من فـيه، فـادع لـي بدرع حتـى ألقـيها علـيّ فأتـي بدرع، فقذفها فـي عنقه ومثل فـيها فملأ عين طالوت ونفسه ومن حضر من بنـي إسرائيـل، فقال طالوت: واللّه لعسى اللّه أن يهلكه به فلـما أصبحوا رجعوا إلـى جالوت، فلـما التقـى الناس قال داود: أرونـي جالوت فأروه إياه علـى فرس علـيه لأمته فلـما رآه جعلت الأحجار الثلاثة تواثب من مخلاته، فـيقول هذا: خذنـي ويقول هذا: خذنـي ويقول هذا: خذنـي فأخذ أحدها فجعله فـي مقذافه، ثم قتله به، ثم أرسله فصَكّ بـين عينـي جالوت فدمغه، وتنكس عن دابته فقتله. ثم انهزم جنده، وقال الناس: قتل داود جالوت، وخـلع طالوت. وأقبل الناس علـى داود مكانه، حتـى لـم يسمع لطالوت بذكر إلا أن أهل الكتاب يزعمون أنه لـما رأى انصراف بنـي إسرائيـل عنه إلـى داود، همّ بأن يغتال داود وأراد قتله فصرف اللّه ذلك عنه وعن داود وعرف خطيئته، والتـمس التوبة منها إلـى اللّه .

وقد روى عن وهب بن منبه فـي أمر طالوت وداود قول خلاف الروايتـين اللتـين ذكرنا قبل، وهو ما:

٤حدثنـي به الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا إسماعيـل بن عبد الكريـم، قال: ثنـي عبد الصمد بن معقل أنه سمع وهب بن منبه، قال: لـما سلـمت بنو إسرائيـل الـملك لطالوت أوحى إلـى نبـيّ بنـي إسرائيـل أن قل لطالوت: فلـيغز أهل مدين، فلا يترك فـيها حيا إلا قتله، فإنـي سأظهره علـيهم فخرج بـالناس حتـى أتـى مدين، فقتل من كان فـيها إلا ملكهم، فإنه أسره، وساق مواشيهم. فأوحى اللّه إلـى أشمويـل: ألا تعجب من طالوت إذ أمرته فـاختان فـيه، فجاء بـملكهم أسيرا، وساق مواشيهم، فـالقه فقل له: لأنزعنّ الـملك من بـيته، ثم لا يعود فـيه إلـى يوم القـيامة، فإنى إنـما أكرم من أطاعنـي، وأهين من هان علـيه أمري فلقـيه، فقال ما صنعت؟ لـم جئت بـملكهم أسيرا، ولـم سقت مواشيهم؟ قال: إنـما سقت الـمواشي لأقرّبها. قال له أشمويـل: إن اللّه قد نزع من بـيتك الـملك، ثم لا يعود فـيه إلـى يوم القـيامة. فأوحى اللّه إلـى أشمويـل أن انطلق إلـى إيشا، فـيعرض علـيك بنـيه، فـادهن الذي آمرك بدهن القدس يكن ملكا علـى بنـي إسرائيـل فـانطلق حتـى أتـى إيشا،

فقال: اعرض علـيّ بنـيك فدعا إيشا أكبر ولده، فأقبل رجل جسيـم حسن الـمنظر، فلـما نظر إلـيه أشمويـل أعجبه،

فقال: الـحمد للّه إن اللّه لبصير بـالعبـاد فأوحى اللّه إلـيه: إن عينـيك تبصران ما ظهر، وإنـي أطلع علـى ما فـي القلوب لـيس بهذا، اعرض علـيّ غيره، فعرض علـيه ستة فـي كل ذلك

يقول: لـيس بهذا،

فقال: هل لك من ولد غيرهم؟ فقال: بنـيّ لـي غلام وهو راع فـي الغنـم. فقال: أرسل إلـيه فلـما أن جاء داود جاء غلام أمعر، فدهنه بدهن القدس، وقال لأبـيه: اكتـم هذا، فإن طالوت لو يطلع علـيه قتله فسار جالوت فـي قومه إلـى بنـي إسرائيـل، فعسكر وسار طالوت ببنـي إسرائيـل وعسكر، وتهيئوا للقتال، فأرسل جالوت إلـى طالوت: لـم تقتل قومي وأقتل قومك؟ ابرز لـي أو أبرز لـي من شئت، فإن قتلتك كان الـملك لـي، وإن قتلتنـي كان الـملك لك فأرسل طالوت فـي عسكر صائحا من يبرز لـجالوت، فإن قتله، فإن الـملك ينكحه ابنته، ويشركه فـي ملكه. فأرسل إيشا داود إلـى إخوته وكانوا فـي العسكر،

فقال: اذهب فردّ إخوتك، وأخبرنـي خبر الناس ماذا صنعوا. فجاء إلـى إخوته، وسمع صوتا: إن الـملك

يقول: من يبرز لـجالوت فإن قتله أنكحه الـملك ابنته. فقال داود لإخوته: ما منكم رجل يبرز لـجالوت فـيقتله، وينكح ابنة الـملك؟

فقالوا: إنك غلام أحمق، ومن يطيق جالوت وهو من بقـية الـجبـارين؟ فلـما لـم يرهم رغبوا فـي ذلك، قال: فأنا أذهب فأقتله فـانتهروه وغضبوا علـيه. فلـما غفلوا عنه، ذهب حتـى جاء الصائح،

فقال: أنا أبرز لـجالوت. فذهب به إلـى الـملك، فقال له: لـم يجبنـي أحد إلا غلام من بنـي إسرائيـل هو هذا؟ قال: يا بنـيّ أنت تبرز لـجالوت فتقاتله؟ قال: نعم

قال: وهل آنست من نفسك شيئا؟ قال: نعم، كنت راعيا فـي الغنـم، فأغار علـيّ الأسد، فأخذت بلَـحيـيه ففككتهما. فدعا له بقوس وأداة كاملة، فلبسها وركب الفرس، ثم سار منهم قريبـا. ثم صرف فرسه، فرجع إلـى الـملك، فقال الـملك ومن حوله: جبن الغلام فجاء فوقـف علـى الـملك،

فقال: ما شأنك؟ قال داود: إن لـم يقتله اللّه لـي لـم يقتله هذا الفرس وهذا السلاح، فدعنـي فأقاتل كما أريد. فقال: نعم يا بنـيّ. فأخذ داود مخلاته، فتقلدها وألقـى فـيها أحجارا، وأخذ مقلاعه الذي كان يرعى به. ثم مضى نـحو جالوت فلـما دنا من عسكره، قال: أين جالوت يبرز لـي؟ فبرز له علـى فرس علـيه السلاح كله، فلـما رآه جالوت قال: إلـيك أبرز؟ قال نعم

قال: فأتـيتنـي بـالـمقلاع والـحجر كما يؤتـى إلـى الكلب؟ قال: هو ذاك

قال: لا جرم أنـي سوف أقسم لـحمك بـين طير السماء وسبـاع الأرض. قال داود: أو يقسم اللّه لـحمك. فوضع داود حجرا فـي مقلاعه، ثم دوّره فأرسله نـحو جالوت، فأصاب أنف البـيضة التـي علـى جالوت حتـى خالط دماغه، فوقع من فرسه، فمضى داود إلـيه، فقطع رأسه بسيفه، فأقبل به فـي مخلاته، وبسلبه يجرّه، حتـى ألقاه بـين يدي طالوت، ففرحوا فرحا شديدا، وانصرف طالوت. فلـما كان داخـل الـمدينة، سمع الناس يذكرون داود، فوجد فـي نفسه، فجاءه داود،

فقال: أعطنـي امرأتـي فقال: أتريد ابنة الـملك بغير صداق؟ فقال داود: ما اشترطت علـيّ صداقا، ومالـي من شيء

قال: لا أكلفك إلا ما تطيق، أنت رجل جريء، وفـي جبـالنا هذه جراجمة يحتربون الناس وهم غلف، فإذا قتلت منهم مائتـي رجل، فأتنـي بغُلَفهم. فجعل كلـما قتل منهم رجلاً نظم غلفته فـي خيط، حتـى نظم مائتـي غلفة، ثم جاء بهم إلـى طالوت، فألقـى إلـيه،

فقال: ادفع لـي امرأتـي قد جئت بـما اشترطت فزوّجه ابنته. وأكثر الناس ذكر داود، وزاده عند الناس عجبـا، فقال طالوت لابنه: لتقتلنّ داود قال: سبحان اللّه لـيس بأهل ذلك منك قال: إنك غلام أحمق، ما أراه إلا سوف يخرجك وأهل بـيتك من الـملك. فلـما سمع ذلك من أبـيه، انطلق إلـى أخته، فقال لها: إنـي قد خفت أبـاك أن يقتل زوجك داود، فمريه أن يأخذ حذره، ويتغيب منه. فقالت له امرأته ذلك فتغيب. فلـما أصبح أرسل طالوت من يدعو له داود، وقد صنعت امرأته علـى فراشه كهيئة النائم ولـحفته. فلـما جاء رسول طالوت قال: أين داود؟ لـيجب الـملك فقالت له: بـات شاكيا ونام الاَن ترونه علـى الفراش. فرجعوا إلـى طالوت فأخبروه ذلك، فمكث ساعة ثم أرسل إلـيه، فقالت: هو نائم لـم يستـيقظ بعد. فرجعوا إلـى الـملك فقال: ائتونـي به وإن كان نائما فجاءوا إلـى الفراش، فلـم يجدوا علـيه أحدا. فجاءوا الـملك فأخبروه، فأرسل إلـى ابنته فقال: ما حملك علـى أن تكذبـينـي؟ قالت: هو أمرنـي بذلك، وخفت إن لـم أفعل أمره أن يقتلنـي. وكان داود فـارّا فـي الـجبل حتـى قتل طالوت، وملك داود بعده.

٤حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، قال: كان طالوت أميرا علـى الـجيش، فبعث أبو داود مع داود بشيء إلـى إخوته، فقال داود لطالوت: ماذا لـي فأقتل جالوت؟ قال: لك ثلث مالـي، وأنكحك ابنتـي. فأخذ مخلاته، فجعل فـيها ثلاث مروات، ثم سمى حجارته تلك إبراهيـم وإسحاق ويعقوب، ثم أدخـل يده فقال: بـاسم إلهي وإله آبـائي إبراهيـم وإسحاق ويعقوب فخرج علـى إبراهيـم، فجعله فـي مرجمته، فخرقت ثلاثا وثلاثـين بـيضة عن رأسه، وقتلت ثلاثـين ألفـا من ورائه.

٤٦٣٠ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي، قال: عبر يومئذٍ النهر مع طالوت أبو داود فـيـمن عبر مع ثلاثة عشر ابنا له، وكان داود أصغر بنـيه. فأتاه ذات يوم فقال: يا أبتاه ما أرمي بقذافتـي شيئا إلا صرعته. فقال: أبشر يا بنـيّ، فإن اللّه قد جعل رزقك فـي قذافتك ثم أتاه مرة أخرى قال: يا أبتاه لقد دخـلت بـين الـجبـال، فوجدت أسدا رابضا، فركبت علـيه، فأخذت بأذنـيه، فلـم يَهِجْنِـي

قال: أبشر يا بنـيّ، فإن هذا خير يعطيكه اللّه ثم أتاه يوما آخر فقال: يا أبتاه إنـي لأمشي بـين الـجبـال، فأسبح، فما يبقـى جبل إلا سبح معي. فقال: أبشر يا بنـيّ، فإن هذا خير أعطاكه اللّه .

وكان داود راعيا، وكان أبوه خـلفه يأتـي إلـيه وإلـى إخوته بـالطعام. فأتـى النبـيّ بقرن فـيه دهن وبثوب من حديد، فبعث به إلـى طالوت،

فقال: إن صاحبكم الذي يقتل جالوت يوضع هذا القرن علـى رأسه فـيغلـي حتـى يدهن منه ولا يسيـل علـى وجهه، يكون علـى رأسه كهيئة الإكلـيـل، ويدخـل فـي هذا الثوب فـيـملؤه. فدعا طالوت بنـي إسرائيـل فجرّبهم، فلـم يوافقه منهم أحد. فلـما فرغوا، قال طالوت لأبـي داود: هل بقـي لك من ولد لـم يشهدنا؟ قال: نعم، بقـي ابنـي داود، وهو يأتـينا بطعامنا. فلـما أتاه داود مرّ فـي الطريق بثلاثة أحجار، فكلـمنه، وقلن له: خذنا يا داود تقتل بنا جالوت قال: فأخذهن فجعلهن فـي مخلاته. وكان طالوت قال: من قتل جالوت زوّجته ابنتـي، وأجريت خاتـمه فـي ملكي. فلـما جاء داود وضعوا القَرْن علـى رأسه، فغلـى حتـى ادهن منه، ولبس الثوب فملأه، وكان رجلاً مِسقاما مصفـارّا، ولـم يـلبسه أحد إلا تقلقل فـيه. فلـما لبسه داود تضايق الثوب علـيه حتـى تَنَقضّ. ثم مشى إلـى جالوت، وكان جالوت من أجسم الناس وأشدّهم فلـما نظر إلـى داود قُذِف فـي قلبه الرعبُ منه، فقال له: يا فتـى ارجع فإنـي أرحمك أن أقتلك قال داود: لا، بل أنا أقتلك. فأخرج الـحجارة فجعلها فـي القذافة، كلـما رفع حجرا سماه،

فقال: هذا بـاسم أبـي إبراهيـم، والثانـي بـاسم أبـي إسحاق، والثالث بـاسم أبـي إسرائيـل. ثم أدار القذافة فعادت الأحجار حجرا واحدا، ثم أرسله فصكّ به بـين عينـي جالوت، فنقب رأسه فقتله. ثم لـم تزل تقتل كل إنسان تصيبه تنفذ منه، حتـى لـم يكن بحيالها أحد. فهزموهم عند ذلك، وقتل داود جالوت. ورجع طالوت، فأنكح داود ابنته، وأجرى خاتـمه فـي ملكه فمال الناس إلـى داود فأحبوه. فلـما رأى ذلك طالوت وجد فـي نفسه وحسده، فأراد قتله. فعلـم به داود أنه يريد به ذلك، فسَجّى له زقّ خمر فـي مضجعه، فدخـل طالوت إلـى منام داود، وقد هرب داود فضرب الزقّ ضربة فخرقه، فسالت الـخمر منه، فوقعت قطرة من خمر فـي فـيه،

فقال: يرحم اللّه داود ما كان أكثر شربه للـخمر ثم إن داود أتاه من القابلة فـي بـيته وهو نائم، فوضع سهمين عند رأسه وعند رجلـيه وعن يـمينه وعن شماله سهمين فلـما استـيقظ طالوت بصر بـالسهام فعرفها،

فقال: يرحم اللّه داود هو خير منـي، ظفرت به فقتلته، وظفر بـي فكفّ عنـي. ثم إنه ركب يوما فوجده يـمشي فـي البرية وطالوت علـى فرس، فقال طالوت: الـيوم أقتل داود وكان داود إذا فزع لا يدرك، فركض علـى أثره طالوت، ففزع داود، فـاشتدّ فدخـل غارا، وأوحى اللّه إلـى العنكبوت فضربت علـيه بـيتا فلـما انتهى طالوت إلـى الغار نظر إلـى بناء العنكبوت،

فقال: لو كان دخـل ها هنا لـخرق بـيت العنبكوت، فُخيّـل إلـيه فتركه.

٤٦٣١ـ حدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، قال: ذكر لنا أن داود حين أتاهم كان قد جعل معه مخلاة فـيها ثلاثة أحجار. وإن جالوت برز لهم، فنادي: ألا رجل لرجل فقال طالوت: من يبرز له، وإلا برزت له. فقام داود فقال: أنا. فقام له طالوت فشدّ علـيه درعه، فجعل يراه يشخص فـيها ويرتفع. فعجب من ذلك طالوت، فشدّ علـيه أداته كلها. وإن داود رماهم بحجر من تلك الـحجارة فأصاب فـي القوم، ثم رمى الثانـية بحجر فأصاب فـيهم، ثم رمى الثالثة فقتل جالوت. فآتاه اللّه الـملك والـحكمة، وعلـمه مـما يشاء، وصار هو الرئيس علـيهم، وأعطوه الطاعة.

٤٦٣٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: ثنـي ابن زيد فـي قول اللّه تعالـى ذكره: ألَـمْ تَرَ إلـى الـمَلإِ مِنْ بَنـي إسْرَائِيـلَ فقرأ حتـى بلغ: فَلَـمّا كُتِبَ عَلَـيْهِمْ القِتالُ تَوَلّوْا إلاّ قَلِـيلاً مِنْهُمْ وَاللّه عَلِـيـمٌ بـالظّالِـمِينَ قال: أوحى اللّه إلـى نبـيهم إن فـي ولد فلان رجلاً يقتل اللّه به جالوت، ومن علامته هذا القرن تضعه علـى رأسه، فـيفـيض ماء. فأتاه فقال: إن اللّه أوحى إلـيّ أن فـي ولد فلان رجلاً يقتل اللّه به جالوت،

فقال: نعم يا نبـيّ اللّه ، قال: فأخرج له اثنـي عشر رجلاً أمثال السواري، وفـيهم رجل بـارع علـيهم، فجعل يعرضهم علـى القرن فلا يرى شيئا، فـيقول لذلك الـجسيـم: ارجع فـيرده علـيه، فأوحى اللّه إلـيه: إنا لا نأخذ الرجال علـى صورهم، ولكن نأخذهم علـى صلاح قلوبهم، قال: يا ربّ قد زعم أنه لـيس له ولد غيره،

فقال: كذب،

فقال: إن ربـي قد كذبك، وقال: إن لك ولدا غيرهم،

فقال: صدق يا نبـيّ اللّه ، لـي ولد قصير استـحيـيت أن يراه الناس، فجعلته فـي الغنـم، قال: فإين هو؟ قال فـي شعب كذا وكذا من جبل كذا وكذا، فخرج إلـيه، فوجد الوادي قد سال بـينه وبـين التـي كان يريح إلـيها قال: ووجده يحمل شاتـين يجيز بهما، ولا يخوض بهما السيـل، فلـما رآه قال: هذا هو لا شك فـيه، هذا يرحم البهائم فهو بـالناس أرحم، قال: فوضع القرن علـى رأسه ففـاض، فقال له: ابن أخي هل رأيت ها هنا من شيء يعجبك؟ قال: نعم إذا سبحت، سبحت معي الـجبـال، وإذا أتـى النـمر أو الذئب أو السبع أخذ شاة قمت إلـيه، فأفتـح لَـحيـيه عنها فلا يهيجنـي، وألفـى معه صُفْنَه، قال: فمرّ بثلاثة أحجار يأثر بعضها علـى بعض: كل واحد منها

يقول: أنا الذي يأخذ، ويقول هذا: لا بل إياي يأخذ، ويقول الاَخر مثل ذلك، قال: فأخذهنّ جميعا، فطرحهنْ فـي صفنه فلـما جاء مع النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وخرجوا قال لهم نبـيهم: إنّ اللّه قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكا فكان من قصة نبـيهم وقصتهم ما ذكر اللّه فـي كتابه، وقرأ حتـى بلغ: وَاللّه مَعَ الصّابِرِينَ قال: واجتـمع أمرهم وكانوا جميعا، وقرأ: وَانْصُرْنا علـى القَوْمِ الكافِرينَ وبرز جالوت علـى برذون له أبلق، فـي يده قوس ونشاب،

فقال: من يبرز؟ أبرزوا إلـيّ رأسكم، قال: ففظع به طالوت، قال: فـالتفت إلـى أصحابه فقال: من رجل يكفـينـي الـيوم جالوت، فقال داود أنا، فقال تعال، قال: فنزع درعا له، فألبسه إياها، قال: ونفخ اللّه من روحه فـيه حتـى ملأه، قال: فرمي بُنشابة، فوضعها فـي الدرع، قال: فكسرها داود ولـم تضرّه شيئا ثلاث مرات، ثم قال له: خذ الاَن، فقال داود: اللّه مّ اجعله حجرا واحدا، قال: وسمى واحدا إبراهيـم، وآخر إسحاق، وآخر يعقوب، قال: فجمعهنّ جميعا فكنّ حجرا واحدا، قال: فأخذهنّ وأخذ مقلاعا، فأدارها لـيرمي بها،

فقال: أترمينـي كما ترمي السبع والذئب، ارمنـي بـالقوس، قال: لا أرميك الـيوم إلا بها، فقال له مثل ذلك أيضا، فقال نعم، وأنت أهون علـيّ من الذب، فأدارها وفـيها أمر اللّه وسلطان اللّه ، قال: فخـلـى سبـيـلها مأمورة، قال: فجاءت مظلة فضربت بـين عينـيه حتـى خرجت من قـفـاه، ثم قتلت من أصحابه وراءه كذا وكذا، وهزمهم اللّه .

٤٦٣٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: لـما قطعوا ذلك، يعنـي النهر الذي قال اللّه فـيه مخبرا عن قـيـل طالت لـجنوده: إنّ اللّه مُبْتَلِـيكُمْ بَنَهَرٍ وجاء جالوت وشقّ علـى طالوت قتاله، فقال طالوت للناس: لو أن جالوت قتل أعطيت الذي يقتله نصف ملكي، وناصفته كل شيء أملكه، فبعث اللّه داود، وداود يومئذٍ فـي الـجبل راعي غنـم، وقد غزا مع طالوت تسعة إخوة لداود، وهم أندّ منه وأعتـى منه، وأعرف فـي الناس منه، وأوجه عند طالوت منه، فغزا وتركوه فـي غنـمهم، فقال داود حين ألقـى اللّه فـي نفسه ما ألقـى وأكرمه: لأستودعنّ ربـي غنـمي الـيوم، ولاَتـين الناس، فلأنظرنّ ما الذي بلغنـي من قول الـملك لـمن قتل جالوت، فأتـى داود إخوته، فلاموه حين أتاهم،

فقالوا: لـم جئت؟ قال: لأقتل جالوت، فإن اللّه أن أقتله، فسخروا منه.

قال ابن جريج: قال مـجاهد: كان بعث أبو داود مع داود بشيء إلـى آخوته، فأخذ مخلاة فجعل فـيها ثلاث مروات، ثم سماهن إبراهيـم وإسحاق ويعقوب.

قال ابن جريج:

قالوا: وهو ضعيف رثّ الـحال، فمرّ بثلاثة أحجار، فقلن له: خذنا يا داود فقاتل بنا جالوت. فأخذهنّ داود وألقاهنّ فـي مخلاته، فلـما ألقاهنّ سمع حجرا منهنّ يقول لصاحبه: أنا حجر هارون الذي قتل بـي ملك كذا وكذا وقال الثانـي: أنا حجر موسى الذي قتل بـي ملك كذا وكذا وقال الثالث: أنا حجر داود الذي أقتل جالوت، فقال الـحجران: يا حجر دود نـحن أعوان لك، فصرن حجرا واحدا وقال الـحجر: يا داود اقذف بـي فإنـي سأستعين بـالريح، وكانت بـيضته فـيـما يقولون واللّه أعلـم فـيها ستـمائة رطل، فأقع فـي رأس جالوت فأقتله.

قال ابن جريج: وقال مـجاهد: سمى واحدا إبراهيـم، والاَخر إسحاق، والاَخر يعقوب، وقال: بـاسم إلـيه وإله آبـائي إبراهيـم وإسحاق ويعقوب، وجعلهنّ فـي مِرْجمته.

قال ابن جريج: فـانطلق حتـى نفذ إلـى طالوت،

فقال: إنك قد جعلت لـمن قتل جالوت نصف ملكك ونصف كل شيء تـملك. أفلـي ذلك إن قتلته؟ قال: نعم، والناس يستهزءون بداود، وإخوة داود أشدّ من هنالك علـيه، وكان طالوت لا ينتدب إلـيه أحد زعم أنه يقتل جالوت إلا ألبسه درعا عنده، فإذا لـم تكن قَدَرا علـيه نزعها عنها، وكانت درعا سابغة من دروع طالوت، فألبسها داود فلـما رأى قدرها علـيه أمره أن يتقدم، فتقدم داود، فقام مقاما لا يقوم فـيه أحد وعلـيه الدرع، فقال له جالوت: ويحك من أنت إنـي أرحمك، لـيتقدم إلـيّ غيرك من هذه الـملوك، أنت إنسان ضعيف مسكين، فـارجع، فقال داود: أنا الذي أقتلك بإذن اللّه ، ولن أرجع حتـى أقتلك، فلـما أبى داود إلا قتاله، تقدم جالوت إلـيه لـيأخذه بـيده مقتدرا علـيه، فأخرج الـحجر من الـمخلاة، فدعا ربه، ورماه بـالـحجر، فألقت الريح بـيضته عن رأسه، فوقع الـحجر فـي رأس جالوت حتـى دخـل فـي جوفه، فقتله.

قال ابن جريج: وقال مـجاهد: لـما رمى جالوت بـالـحجر خرق ثلاثا وثلاثـين بـيضة عن رأسه، وقتلت من ورائه ثلاثـين ألفـا، قال اللّه تعالـى: وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ فقال داود لطالوت: وفّ بـما جعلتَ، فأبى طالوت أن يعطيه ذلك، فـانطلق داود، فسكن مدينة من مدائن بنـي إسرائيـل، حتـى مات طالوت فلـما مات عمد بنو إسرائيـل إلـى داود، فجاءوه به، فملكوه، وأعطوه خزائن طالوت، و

قالوا: لـم يقتل جالوت إلا نبـيّ، قال اللّه : وَقَتَلَ دَاوُدُ جالُوتَ وآتَاهُ اللّه الْـمُلْكَ وَالْـحِكْمَةَ وَعَلّـمَهُ مِـمّا يَشَاءُ.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وآتَاهُ اللّه الْـمُلْكَ والْـحِكْمَةَ وَعَلّـمَهُ مِـمّا يَشَاءُ.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: وأعطى اللّه داود الـملك والـحكمة وعلـمه مـمّا يشاء. والهاء فـي قوله: وآتاهُ اللّه عائدة علـى داود والـملك السلطان والـحكمة النبوّةوقوله: وَعَلّـمَهُ مِـمّا يَشَاءُ يعنـي علـمه صنعة الدروع، والتقدير فـي السرد، كما قال اللّه تعالـى ذكره: وعَلّـمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُـحْصِنَكُمْ مِنْ بَأسِكُمْ.

 إن معنى قوله: وَآتَاهُ اللّه الْـمُلْكَ وَالْـحِكْمَةَ أن اللّه آتـى داود ملك طالوت ونبوّة أشمويـل. ذكر من قال ذلك:

٤٦٣٤ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي، قال: ملك داود بعدما قتل طالوت، وجعله اللّه نبـيّا، وذلك قوله: وآتَاهُ اللّه الْـمُلْكَ والْـحِكْمَةَ قال: الـحكمة: هي النبوّة، آتاه نبوّة شمعون، وملك طالوت.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّه النّاسِ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ وَلَكِنّ اللّه ذُو فَضْلٍ عَلَـىَ الْعَالَـمِينَ.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: ولولا أن اللّه يدفع ببعض الناس، وهم أهل الطاعة له والإيـمان به، بعضا وهم أهل الـمعصية للّه، والشرك به، كما دفع عن الـمتـخـلفـين عن طالوت يوم جالوت من أهل الكفر بـاللّه والـمعصية له وقد أعطاهم ما سألوا ربهم ابتداء من بعثة ملك علـيهم لـيجاهدوا معه فـي سبـيـله بـمن جاهد معه من أهل الإيـمان بـاللّه والـيقـين والصبر، جالوت وجنوده، لفسدت الأرض، يعنـي لهلك أهلها بعقوبة اللّه إياهم، ففسدت بذلك الأرض، ولكن اللّه ذو منّ علـى خـلقه، وتطوّل علـيهم بدفعه بـالبرّ من خـلقه عن الفـاجر، وبـالـمطيع عن العاصي منهم، وبـالـمؤمن عن الكافر.

وهذه الآية إعلام من اللّه تعالـى ذكره أهل النفـاق الذين كانوا علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـمتـخـلفـين عن مشاهده والـجهاد معه للشك الذي فـي نفوسهم ومرض قلوبهم والـمشركين وأهل الكفر منهم، وأنه إنـما يدفع عنهم معاجلتهم العقوبة، علـى كفرهم ونفـاقهم بإيـمان الـمؤمنـين به وبرسوله، الذين هم أهل البصائر، والـجدّ فـي أمر اللّه ، وذوو الـيقـين بإنـجاز اللّه إياهم وعده علـى جهاد أعدائه، وأعداء رسوله من النصر فـي العاجر، والفوز بجناته فـي الاَخرة.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٤٦٣٥ـ حدثنـي مـحمد بن عمر، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجحي، عن مـجاهد فـي قول اللّه : وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّه النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ

يقول: ولولا دفع اللّه بـالبـارّ عن الفـاجر، ودفعه ببقـية أخلاف الناس بعضهم عن بعض لفسدت الأرض بهلاك أهلها.

٤٦٣٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّه النّاسِ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ

يقول: ولولا دفـاع اللّه بـالبرّ عن الفـاجر، وببقـية أخلاف الناس بعضهم عن بعض لهلك أهلها.

٤٦٣٧ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن حنظلة، عن أبـي مسلـم، قال: سمعت علـيّا

يقول: لولا بقـية من الـمسلـمين فـيكم لهلكتـم.

٤٦٣٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع فـي قوله: وَلَوْلاَ دَفْعَ اللّه النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ

يقول: لهلك من فـي الأرض.

٤حدثنـي أبو حميد الـحمصي أحمد بن الـمغيرة، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا حفص بن سلـيـمان، عن مـحمد بن سوقة، عن وبرة بن عبد الرحمن، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ اللّه لَـيَدْفَعُ بِـالْـمُؤْمِنِ الصّالِـحِ عَنْ مائَةٍ أَهْلِ بَـيْتٍ مِنْ جِيرَانهِ الْبَلاَءَ) ثم قرأ ابن عمر: وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّه النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ.

٤حدثنـي أحمد أبو حميد الـحمصي، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، قال: حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن مـحمد بن الـمنكدر، عن جابر بن عبد اللّه ، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (إنّ اللّه لَـيُصْلِـحُ بِصَلاح الرّجُلِ الْـمُسْلِـمِ وَلَدَهُ وَوَلَدَ وَلَدِهِ وَأَهْلَ دُوَيْرَتِهِ وَدُوَيْرَاتٍ حَوْلَهُ، وَلاَ يَزَالُونَ فِـي حِفْظِ اللّه مَا دَامَ فِـيهِمْ). وقد دللنا علـى قوله العالـمين، وذكرنا الرواية فـيه.

وأما القراء فإنها اختلفت فـي قراءة قوله: وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّه النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ. فقرأته جماعة من القراء: وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّه علـى وجه الـمصدر من قول القائل: دفع اللّه عن خـلقه، فهو يدفع دفعا. واحتـجت لاختـيارها ذلك بأن اللّه تعالـى ذكره، هو الـمتفرّد بـالدفع عن خـلقه، ولا أحد يدافعه فـيغالبه. وقرأت ذلك جماعة أخرى من القراء: (وَلَوْلاَ دِفَـاعُ اللّه النّاسَ) علـى وجه الـمصدر من قول القائل: دافع اللّه عن خـلقه، فهو يدافع مدافعة ودفـاعا. واحتـجت لاختـيارها ذلك بأن كثـيرا من خـلقه يعادون أهل دين اللّه ، وولايته والـمؤمنـين به، فهو بـمـحاربتهم إياهم ومعادتهم لهم للّه مدافعون ببـاطلهم، ومغالبون بجهلهم، واللّه مدافعهم عن أولـيائه وأهل طاعته والإيـمان به.

والقول فـي ذلك عندي أنهما قراءتان قد قرأت بهما القراء وجاءت بهما جماعة الأمة، ولـيس فـي القراءة بأحد الـحرفـين إحالة معنى الاَخر. وذلك أن من دافع غيره عن شيء، فمدافعه عنه دافع، ومتـى امتنع الـمدفوع عن الاندفـاع، فهو لـمدافعه مدافع ولا شكّ أن جالوت وجنوده كانوا بقتالهم طالوت وجنوده، مـحاولـين مغالبة حزب اللّه وجنده، وكان فـي مـحاولتهم ذلك مـحاولة مغالبة اللّه ودفـاعه، عما قد تضمن لهم من النصرة، وذلك هو معنى مدافعة اللّه عن الذين دافع اللّه عنهم بـمن قاتل جالوت وجنوده من أولـيائه. فتبـين إذا أن سواء قراءة من قرأ: وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّه النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْض وقراءة من قرأ: وَلَوْلا دِفـاعُ اللّه النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ فـي التاويـل والـمعنى.

﴿ ٢٥١