٢٥٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {تِلْكَ الرّسُلُ فَضّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَىَ بَعْضٍ ...} يعنـي تعالـى ذكره بقوله: {تِلْكَ الرّسُلُ} الذين قصّ اللّه قصصهم فـي هذه السورة، كموسى بن عمران وإبراهيـم وإسماعيـل وإسحاق ويعقوب وشمويـل وداود، وسائر من ذكر نبأهم فـي هذه السورة. يقول تعالـى ذكره: هؤلاء رسلـي فضلت بعضهم علـى بعض، فكلـمت بعضهم ـ والذي كلـمته منهم موسى صلى اللّه عليه وسلم ـ ورفعت بعضهم درجات علـى بعض بـالكرامة ورفعة الـمنزلة. كما: ٤٦٣٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، فـي قول اللّه تعالـى ذكره: {تِلْكَ الرّسُلُ فَضّلْنا بَعْضَهُمْ علـى بَعْضٍ} قال: يقول: منهم من كلّـم اللّه ورفع بعضهم علـى بعض درجات. يقول: كلـم اللّه موسى، وأرسل مـحمدا إلـى الناس كافة. ٤٦٤٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد بنـحوه. ومـما يدل علـى صحة ما قلنا فـي ذلك قول النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (أُعْطِيتُ خَمْسا لَـمْ يُعْطَهُنّ أحَدٌ قَبْلِـي: بُعِثْتُ إلـى الأحْمَرِ وَالأَسْوَدِ، وَنُصِرْتُ بـالرّعْبِ، فإنّ العَدُوّ لَـيُرْعَبُ مِنّـي علـى مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ لِـيَ الأرْضُ مَسْجِدا وَطَهُورا، وأُحِلّتْ لِـيَ الغَنَائِمُ ولَـمْ تَـحِلّ لأحَدٍ كانَ قَبْلِـي، وَقِـيـلَ لـي: سَلْ تُعْطَهْ، فـاخْتَبأتُها شَفـاعَةً لأُمّتِـي، فَهِيَ نائِلَةٌ مِنْكُمْ إنْ شاءَ اللّه مَنْ لا يُشْرِكُ بـاللّه شَيْئا). القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وآتَـيْنَا عِيسَى ابنَ مَرْيَـمَ البَـيّنَاتِ وَأيّدْناهُ بُرُوحِ القُدُسِ}. يعنـي تعالـى ذكره بذلك: {وآتَـيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَـمَ البَـيّنَاتِ} وآتـينا عيسى ابن مريـم الـحجج والأدلة علـى نبوّته: من إبراء الأكْمَهِ والأبرص، وإحياء الـموتـى، وما أشبه ذلك، مع الإنـجيـل الذي أنزلته إلـيه، فبـينت فـيه ما فرضت علـيه. ويعنـي تعالـى ذكره بقوله: {وأيّدْناهُ} وقوّيناه وأعنّاه {بِرُوحِ القُدُسِ} يعنـي بروح اللّه ، وهو جبريـل. وقد ذكرنا اختلاف أهل العلـم فـي معنى روح القدس والذي هو أولـى بـالصواب من القول فـي ذلك فـيـما مضى قبل، فأغنى ذلك عن إعادته فـي هذا الـموضع. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَوْ شاءَ اللّه ما اقْتَتَلَ الّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ البَـيّناتُ}. يعنـي تعالـى ذكره بذلك: ولو أراد اللّه ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البـينات، يعنـي من بعد الرسل الذين وصفهم بأنه فضل بعضهم علـى بعض، ورفع بعضهم درجات، وبعد عيسى ابن مريـم، وقد جاءهم من الاَيات بـما فـيه مُزْدَجَرٌ لـمن هداه اللّه ووفقه. ويعنـي بقوله: {مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَـيّناتُ} يعنـي من بعد ما جاءهم من آيات اللّه ما أبـان لهم الـحق، وأوضح لهم السبـيـل. إن الهاء والـميـم فـي قوله: {مِنْ بَعْدِهِمْ} من ذكر موسى وعيسى: ذكر من قال ذلك: ٤٦٤١ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَلَوْ شَاءَ اللّه مَا اقتتَلَ الّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ البَـيّناتُ} يقول: من بعد موسى وعيسى. ٤٦٤٢ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: {وَلَوْ شاءَ اللّه ما اقتتَلَ الّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بعدِ ما جاءَتْهُمُ البَـيّناتُ} يقول: من بعد موسى وعيسى. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلَكِنِ اختَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شاءَ اللّه ما اقْتَتَلُوا وَلَكِنّ اللّه يَفْعَلُ ما يُرِيدُ}. يعنـي تعالـى ذكره بذلك: ولكن اختلف هؤلاء الذين من بعد الرسل لـما لـم يشأ اللّه منهم تعالـى ذكره أن لا يقتتلوا، فـاقتتلوا من بعد ما جاءتهم البـينات من عند ربهم بتـحريـم الاقتتال والاختلاف، وبعد ثبوت الـحجة علـيهم بوحدانـية اللّه ورسالة رسله ووحي كتابه، فكفر بـاللّه وبآياته بعضهم، وآمن بذلك بعضهم. فأخبر تعالـى ذكره: أنهم أتوا ما أتوا من الكفر والـمعاصي بعد علـمهم بقـيام الـحجة علـيهم بأنهم علـى خطأ، تعمدا منهم للكفر بـاللّه وآياته. ثم قال تعالـى ذكره لعبـاده: {وَلَوْ شاءَ اللّه ما اقْتَتَلُوا} يقول: ولو أراد اللّه أن يحجزهم بعصمته وتوفـيقه إياهم عن معصيته فلا يقتتلوا ما اقتتلوا ولا اختلفوا، {وَلكِنّ اللّه يَفْعَلُ ما يُرِيدُ} بأن يوفق هذا لطاعته والإيـمان به فـيؤمن به ويطيعه، ويخذل هذا فـيكفر به ويعصيه. |
﴿ ٢٥٣ ﴾