٢٥٥القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {اللّه لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ الْحَيّ الْقَيّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ...} قد دللنا فـيـما مضى علـى تأويـل قوله: (اللّه ). وأما تأويـل قوله: {لا إلَهَ إلاّ هُوَ} فإن معناه: النهي عن أن يعبد شيء غير اللّه الـحيّ القـيوم الذي صفته ما وصف به نفسه تعالـى ذكره فـي هذه الآية. يقول: (اللّه ) الذي له عبـادة الـخـلق (الـحيّ القـيوم)، لا إله سواه، لا معبود سواه، يعنـي: ولا تعبدوا شيئاف سوى الـحَيّ القَـيّوم الذي لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ، والذي صفته ما وصف فـي هذه الآية. وهذه الآية إبـانة من اللّه تعالـى ذكره للـمؤمنـين به وبرسوله عما جاءت به أقوال الـمختلفـين فـي البـينات من بعد الرسل الذين أخبرنا تعالـى ذكره أنه فضل بعضهم علـى بعض، واختلفوا فـيه، فـاقتتلوا فـيه كفرا به من بعض، وإيـمانا به من بعض. فـالـحمد لله الذي هدانا للتصديق به ووفقنا للإقرار به. وأما قوله: {الـحَيّ} فإنه يعنـي: الذي له الـحياة الدائمة، والبقاء الذي لا أوّل له يحدّ، ولا آخر له يُؤْمَد، إذ كان كل ما سواه فإنه وإن كان حيا فلـحياته أول مـحدود وآخر مأمود، ينقطع بـانقطاع أمدها وينقضي بـانقضاء غايتها. وبـما قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٤٦٤٥ـ حدثت عن عمار بن الـحسن، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: {الـحَيّ} حيّ لا يـموت. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع، مثله. وقد اختلف أهل البحث فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: إنـما سمى اللّه نفسه حيا لصرفه الأمور مصارفها وتقديره الأشياء مقاديرها، فهو حيّ بـالتدبـير لا بحياة. وقال آخرون: بل هو حيّ بحياة هي له صفة. وقال آخرون: بل ذلك اسم من الأسماء تسمى به، فقلناه تسلـيـما لأمره. وأما قوله: {القَـيّومُ} فإنه (الفـيعول) من القـيام، وأصله (القـيووم): سبق عين الفعل وهي واو ياء ساكنة، فـاندغمتا فصارتا ياء مشددة¹ وكذلك تفعل العرب فـي كل واو كانت للفعل عينا سبقتها ياء ساكنة. ومعنى قوله: {القَـيّومُ}: القائم برزق ما خـلق وحفظه، كما قال أمية: لَـمْ يُخْـلَقِ السّماءُ والنّـجُومُوالشّمْسُ مَعْها قَمَرٌ يقومُ قَدّرَهُ الـمُهَيْـمِنُ القَـيّومُوالـحَشْرُ والـجَنّةُ والـجحيـمُ إلا لأمرٍ شأنُهُ عَظِيـمُ وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٤٦٤٦ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : {القَـيّومُ} قال: القائم علـى كل شيء. ٤٦٤٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، عن ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {القَـيّومُ} قـيـم كل شيء، يكلؤه ويرزقه ويحفظه. ٤٦٤٨ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {القَـيّومُ} وهو القائم. ٤٦٤٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك : {الـحَيّ الْقَـيّومُ} قال: القائم الدائم. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ}. يعنـي تعالـى ذكره بقوله: {لاَ تَأخُذُهُ سِنَةٌ} لا يأخذه نعاس فـينعس، ولا نوم فـيستثقل نوما. والوسن: خثورة النوم، ومنه قول عديّ بن الرقاع: وَسْنانُ أقْصَدَهُ النّعاسَ فَرَنّقَتْفـي عَيْنِهِ سِنَةٌ وَلَـيْسَ بِنائِمِ ومن الدلـيـل علـى ما قلنا من أنها خثورة النوم فـي عين الإنسان، قول الأعشى ميـمون بن قـيس: تُعاطِي الضّجِيعَ إذَا أقْبَلَتْبُعَيْدَ النّعاسِ وَقَبْلَ الوَسَنْ وقال آخر: بـاكَرَتْها الأغْرَابُ فـي سِنَةِ النّوْمِ فَتَـجْرِي خِلالَ شَوْكِ السّيالِ يعنـي عند هبوبها من النوم ووسن النوم فـي عينها، يقال منه: وسن فلان فهو يَوْسَنُ وَسَنا وسِنَةً وهو وسنان، إذا كان كذلك. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٤٦٥٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس قوله تعالـى: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} قال: السنة: النعاس، والنوم: هو النوم. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} السنة: النعاس. ٤٦٥١ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة والـحسن فـي قوله: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} قالا: نعسة. ٤٦٥٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك فـي قوله: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} قال: السنة: الوسنة، وهو دون النوم، والنوم: الاستثقال. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك : {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} السنة: النعاس، والنوم: الاستثقال. حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك ، مثله سواء. ٤٦٥٣ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} أما سنة: فهو ريح النوم الذي يأخذ فـي الوجه فـينعس الإنسان. ٤٦٥٤ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} قال: السنة: الوسنان بـين النائم والـيقظان. ٤٦٥٥ـ حدثنـي عبـاس بن أبـي طالب، قال: حدثنا منـجاب بن الـحرث، قال: حدثنا علـيّ بن مسهر، عن إسماعيـل عن يحيـى بن رافع: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ} قال: النعاس. ٤٦٥٦ـ حدثنـي يونس، قال أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {لا تأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} قال: الوسنان: الذي يقوم من النوم لا يعقل، حتـى ربـما أخذ السيف علـى أهله. وإنـما عنى تعالـى ذكره بقوله: {لا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} لا تـحله الاَفـات، ولا تناله العاهات. وذلك أن السنة والنوم معنـيان يغمران فهم ذي الفهم، ويزيلان من أصابـاه عن الـحال التـي كان علـيها قبل أن يصيبـاه. فتأويـل الكلام إذ كان الأمر علـى ما وصفنا: اللّه لا إله إلا هو الـحيّ الذي لا يـموت، القـيوم علـى كل ما هو دونه بـالرزق والكلاءة والتدبـير والتصريف من حال إلـى حال، لا تأخذه سنة ولا نوم، لا يغيره ما يغير غيره، ولا يزيـله عما لـم يزل علـيه تنقل الأحوال وتصريف اللـيالـي والأيام، بل هو الدائم علـى حال، والقـيوم علـى جميع الأنام، لو نام كان مغلوبـا مقهورا، لأن النوم غالب النائم قاهره، ولو وسن لكانت السموات والأرض وما فـيهما دكّا، لأن قـيام جميع ذلك بتدبـيره وقدرته، والنوم شاغل الـمدبر عن التدبـير، والنعاس مانعٌ الـمقدّر عن التقدير بوسنه. كما: ٤٦٥٧ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: وأخبرنـي الـحكم بن أبـان، عن عكرمة مولـى ابن عبـاس فـي قوله: {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ} أن موسى سأل الـملائكة: هل ينام اللّه ؟ فأوحى اللّه إلـى الـملائكة، وأمرهم أن يؤرّقوه ثلاثا فلا يتركوه ينام. ففعلوا، ثم أعطوه قارورتـين فأمسكوه، ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما قال: فجعل ينعس وهما فـي يديه، فـي كل يد واحدة قال: فجعل ينعس وينتبه، وينعس وينتبه، حتـى نعس نعسة، فضرب بإحداهما الأخرى فكسرهما. قال معمر: إنـما هو مثل ضربه اللّه ، يقول: فكذلك السموات والأرض فـي يديه. ٤٦٥٨ـ حدثنا إسحاق بن أبـي إسرائيـل، قال: حدثنا هشام بن يوسف، عن أمية بن شبل، عن الـحكم بن أبـان، عن عكرمة، عن أبـي هريرة، قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يحكي عن موسى صلى اللّه عليه وسلم علـى الـمنبر، قال: (وَقَعَ فِـي نَفْسِ مُوسَى هَلْ يَنامُ اللّه تَعالـى ذِكْرُهُ؟ فأرْسَلَ اللّه إلَـيْهِ مَلَكا فَأرّقَهُ ثَلاثا، ثُمّ أعْطَاهُ قارُورَتَـيْنِ، فِـي كُلّ يَدٍ قارُورَةٌ، وأمَرَهُ أنْ يَحْتَفِظَ بِهما) قال: (فَجَعَلَ يَنامُ وَتَكادُ يَدَاهُ تَلْتَقِـيَانِ، ثُمّ يَسْتَـيْقِظُ فَـيَحْبِسُ إحْدَاهُمَا عَنِ الأُخْرَى، ثُمّ نَامَ نَوْمَةً فَـاصْطَفَقَتْ يَدَاهُ وَانْكَسَرَتِ القارُورَتَانِ) قال: ضرب اللّه مثلاً له، أن اللّه لو كان ينام لـم تستـمسك السماء والأرض. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَهُ مَا فِـي السّمَوَاتِ وَما فِـي الأرْضِ مَنْ ذَا الّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاّ بإذْنِهِ}. يعنـي تعالـى ذكره بقوله: {لَهُ مَا فِـي السّمَوَاتِ وَمَا فِـي الأَرْضِ} أنه مالك جميع ذلك بغير شريك ولا نديد، وخالق جميعه دون كل آلهة ومعبود. وإنـما يعنـي بذلك أنه لا تنبغي العبـادة لشيء سواه، لأن الـمـملوك إنا هو طوع يد مالكه، ولـيس له خدمة غيره إلا بأمره. يقول: فجميع ما فـي السموات والأرض ملكي وخـلقـي، فلا ينبغي أن يعبد أحد من خـلقـي غيري وأنا مالكه، لأنه لا ينبغي للعبد أن يعبد غير مالكه، ولا يطيع سوى مولاه. وأما قوله: {مَنْ ذَا الّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلاّ بِإذْنِهِ} يعنـي بذلك: من ذا الذي يشفع لـمـمالـيكه إن أراد عقوبتهم إلا أن يخـلـيه، ويأذن له بـالشفـاعة لهم. وإنـما قال ذلك تعالـى ذكره لأن الـمشركين قالوا: ما نعبد أوثاننا هذه إلا لـيقرّبونا إلـى اللّه زلفـى، فقال اللّه تعالـى ذكره لهم: لـي ما فـي السموات وما فـي الأرض مع السموات والأرض ملكا، فلا ينبغي العبـادة لغيري، فلا تعبدوا الأوثان التـي تزعمون أنها تقربكم منـي زلفـى، فإنها لا تنفعكم عندي ولا تغنـي عنكم شيئا، ولا يشفع عندي أحد لأحد إلا بتـخـلـيتـي إياه والشفـاعة لـمن يشفع له، من رسلـي وأولـيائي وأهل طاعتـي. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَعْلَـمُ ما بَـيْنَ أيْدِيهِمْ وَما خَـلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْـمِهِ إلاّ بِـمَا شاءَ}. يعنـي تعالـى ذكره بذلك أنه الـمـحيط بكل ما كان وبكل ما هو كائن علـما، لا يخفـى علـيه شيء منه. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٤٦٥٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن الـحكم: {وَيَعْلَـمُ مَا بَـيْنَ أَيْدِيهِمْ} الدنـيا {وَما خَـلْفَهُمْ} الاَخرة. ٤٦٦٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {يَعْلَـمُ مَا بَـيْنَ أيْدِيهِمْ} ما مضى من الدنـيا {وَما خَـلْفَهُمْ} من الاَخرة. ٤٦٦١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج قوله: {يَعْلَـمُ مَا بَـيْنَ أيْدِيهِمْ} ما مضى أمامهم من الدنـيا {وَما خَـلْفَهُمْ} ما يكون بعدهم من الدنـيا والاَخرة. ٤٦٦٢ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {يَعْلَـمُ مَا بَـيْنَ أيْدِيهِمْ} قال: ما بـين أيديهم فـالدنـيا {وَما خَـلْفَهُمْ} فـالاَخرة. وأما قوله: {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْـمِهِ إِلاّ بِـمَا شاءَ} فإنه يعنـي تعالـى ذكره أنه العالـم الذي لا يخفـى علـيه شيء مـحيط بذلك كله مـحص له دون سائر من دونه، وأنه لا يعلـم أحد سواه شيئا إلا بـما شاء هو أن يعلـمه فأراد فعلـمه. وإنـما يعنـي بذلك أن العبـادة لا تنبغي لـمن كان بـالأشياء جاهلاً فكيف يعبد من لا يعقل شيئا البتة من وثن وصنـم، يقول: أخـلصوا العبـادة لـمن هو مـحيط بـالأشياء كلها يعلـمها، لا يخفـى علـيه صغيرها وكبـيرها. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٤٦٦٣ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْـمِهِ} يقول: لا يعلـمون بشيء من علـمه إلا بـما شاء هو أن يعلـمهم. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَسِعَ كُرْسِيّهُ السّمَوَاتِ وَالأَرْضَ}. اختلف أهل التأويـل فـي معنى الكرسي الذي أخبر اللّه تعالـى ذكره فـي هذه الآية أنه وسع السموات والأرض، فقال بعضهم: هو علـم اللّه تعالـى ذكره. ذكر من قال ذلك: ٤٦٦٤ـ حدثنا أبو كريب وسلـم بن جنادة، قالا: حدثنا ابن إدريس، عن مطرف، عن جعفر بن أبـي الـمغيرة، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : {وَسِعَ كُرْسِيّهُ} قال: كرسيه: علـمه. ٤٦٦٥ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا مطرّف، عن جعفر بن أبـي الـمغيرة، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، مثله، وزاد فـيه: ألا ترى إلـى قوله: {وَلاَ يَؤُوُدُهُ حِفْظُهُمَا}؟ وقال آخرون: الكرسي: موضع القدمين. ذكر من قال ذلك: ٤٦٦٦ـ حدثنـي علـيّ بن مسلـم الطوسي، قال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي مـحمد بن جحادة، عن سلـمة بن كهيـل، عن عمارة بن عمير، عن أبـي موسى، قال: الكرسي: موضع القدمين، وله أطيط كأطيط الرحل. ٤٦٦٧ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {وَسِعَ كُرْسِيّهُ السّمَوَاتِ وَالأرْضَ} فإن السموات والأرض فـي جوف الكرسي، والكرسي بـين يدي العرش، وهو موضع قدميه. ٤٦٦٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله: {وَسِعَ كُرْسِيّهُ السّمَوَاتِ وَالأرْضَ} قال: كرسيه الذي يوضع تـحت العرش، الذي يجعل الـملوك علـيه أقدامهم. ٤٦٦٩ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد الزبـيري، عن سفـيان، عن عمار الدهنـي، عن مسلـم البطين، قال: الكرسي: موضع القدمين. ٤٦٧٠ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {وَسِعَ كُرْسِيّهُ السّمَوَاتِ وَالأرْضَ} قال: لـما نزلت: {وَسِعَ كُرْسِيّهُ السّمَوَاتِ وَالأرْضَ} قال أصحاب النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: يا رسول اللّه هذا الكرسي وسع السموات والأرض، فكيف العرش؟ فأنزل اللّه تعالـى: {وَما قَدَرُوا اللّه حَقّ قَدْرِهِ} إلـى قوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالـى عَمّا يُشْرِكُونَ}. ٤٦٧١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَسِعَ كُرْسِيّهُ السّمَوَاتِ والأرْضَ} قال ابن زيد: فحدثنـي أبـي قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (ما السّمَوَاتُ السّبْعُ فِـي الكُرْسِيّ إلاّ كَدَرَاهِمَ سَبْعَةٍ أُلْقِـيَتْ فِـي تُرْسٍ) قال: وقال أبو ذر: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (ما الكُرْسِيّ فـي العَرْشِ إلاّ كَحَلْقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ أُلْقِـيَتْ بَـيْنَ ظَهْرَيْ فَلاةٍ مِنَ الأرْضِ). وقال آخرون: الكرسي: هو العرش نفسه. ذكر من قال ذلك: ٤٦٧٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: كان الـحسن يقول: الكرسي: هو العرش. قال أبو جعفر: ولكل قول من هذه الأقوال وجه ومذهب، غير أن الذي هو أولـى بتأويـل الآية ما جاء به الأثر عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وهو ما: ٤٦٧٣ـ حدثنـي به عبد اللّه بن أبـي زياد القطوانـي، قال: حدثنا عبـيد اللّه بن موسى، قال: أخبرنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن عبد اللّه بن خـلـيفة، قال: أتت امرأة النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، فقالت: ادع اللّه أن يدخـلنـي الـجنة! فعظم الربّ تعالـى ذكره، ثم قال: (إنّ كُرْسِيّهُ وَسِعَ السّمَوَاتِ وَالأرْضَ، وَإنّهُ لَـيَقْعُدُ عَلَـيْهِ فَمَا يَفْضُلُ مِنْهُ مِقْدَارُ أرْبَعِ أصَابِعَ) ثم قال بأصابعه فجمعها: (وَإنّ لَهُ أطيطا كأطِيطِ الرّحْلِ الـجَدِيدِ إذَا رُكِبَ مِنْ ثِقَلِه). حدثنـي عبد اللّه بن أبـي زياد، قال: حدثنا يحيـى بن أبـي بكر، عن إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن عبد اللّه بن خـلـيفة، عن عمر، عن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، بنـحوه. حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن عبد اللّه بن خـلـيفة، قال: جاءت امرأة، فذكر نـحوه. وأما الذي يدل علـى صحته ظاهر القرآن فقول ابن عبـاس الذي رواه جعفر بن أبـي الـمغيرة عن سعيد بن جبـير عنه أنه قال: هو علـمه، وذلك لدلالة قوله تعالـى ذكره: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُما} علـى أن ذلك كذلك، فأخبر أنه لا يؤوده حِفظ ما علـم، وأحاط به مـما فـي السموات والأرض، وكما أخبر عن ملائكته أنهم قالوا فـي دعائهم: {رَبّنَا وَسِعْتَ كُلّ شَيْءٍ رَحمَةً وَعِلْـما} فأخبر تعالـى ذكره أن علـمه وسع كل شيء، فكذلك قوله: {وَسِعَ كُرْسِيّهُ السّمَوَاتِ وَالأرْضَ}. وأصل الكرسي: العلـم، ومنه قـيـل للصحيفة يكون فـيها علـم مكتوب كُرّاسة، ومنه قول الراجز فـي صفة قانص: حتـى إذَا ما احْتازَها تَكَرّسا يعنـي علـم. ومنه يقال للعلـماء: الكراسي، لأنهم الـمعتـمد علـيهم، كما يقال: أوتاد الأرض، يعنـي بذلك أنهم العلـماء الذين تصلـح بهم الأرض¹ ومنه قول الشاعر: يَحُفّ بِهِمْ بِـيضُ الوُجُوهِ وَعُصْبَةٌكَرَاسِيّ بـالأحْدَاثِ حِينَ تَنُوبُ يعنـي بذلك علـماء بحوادث الأمور ونوازلها. والعرب تسمي أصل كل شيء: الكِرْس، يقال منه: فلان كريـم الكِرْس: أي كريـم الأرض، قال العجاج: قَدْ عَلِـمَ القُدّوسُ مَوْلَـى القُدْسِأنّ أبـا العَبّـاسِ أوْلَـى نَفْسِ بِـمَعْدن الـمُلْـكِ الكَرِيـمِ الكِـرْسِ يعنـي بذلك: الكريـم الأصل، ويُروى: فِـي مَعْـدِنِ العزّ الكَرِيـمِ الكِـرْسِ القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ العَلِـيّ العَظِيـمُ}. يعنـي تعالـى ذكره بقوله: {وَلا يَؤُوُدُهُ حِفْظُهُمَا} ولا يشقّ علـيه ولا يثقله، يقال منه: قد آنى هذا الأمر فهو يؤودنـي أَوْدا وإيادا، ويقال: ما آدك فهو لـي آئد، يعنـي بذلك: ما أثقلك فهو لـي مثقل. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٤٦٧٤ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} يقول: لا يثقل علـيه. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُما} قال: لا يثقل علـيه حفظهما. ٤٦٧٥ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} لا يثقل علـيه لا يجهده حفظهما. ٤٦٧٦ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن الـحسن وقتادة فـي قوله: {وَلاَ يَؤُوُدُهُ حِفْظُهُمَا} قال: لا يثقل علـيه شيء. حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن بزيع، قال: حدثنا يوسف بن خالد السمتـي، قال: حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس فـي قوله: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} قال: لا يثقل علـيه حفظهما. ٤٦٧٧ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن أبـي زائدة، وحدثنا يحيـى بن أبـي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قالا جميعا: أخبرنا جويبر، عن الضحاك : {وَلاَ يَؤُوُدُهُ حِفْظُهُمَا} قال: لا يثقل علـيه. حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا يحيـى بن واضح، عن عبـيد، عن الضحاك ، مثله. ٤٦٧٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعته ـ يعنـي خلادا ـ يقول: سمعت أبـا عبد الرحمن الـمدينـي يقول فـي هذه الآية: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} قال: لا يكثر علـيه. ٤٦٧٩ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى بن ميـمون، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} قال: لا يَكْرُثُهُ. ٤٦٨٠ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} قال: لا يثقل علـيه. ٤٦٨١ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} يقول: لا يثقل علـيه حفظهما. ٤٦٨٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا} قال: لا يعزّ علـيه حفظهما. قال أبو جعفر: والهاء والـميـم والألف فـي قوله: {حِفْظُهُمَا} من ذكر السموات والأرض¹ فتأويـل الكلام: وسع كرسيه السموات والأرض، ولا يثقل علـيه حفظ السموات والأرض. وأما تأويـل قوله: {وَهُوَ العَلِـيّ} فإنه يعنـي: واللّه العلـيّ. والعلِـيّ: الفعيـل من قولك علا يعلو علوّا: إذا ارتفع، فهو عالٍ وعلـيّ، والعلـيّ: ذو العلوّ والارتفـاع علـى خـلقه بقدرته. وكذلك قوله: {العَظِيـمُ} ذو العظمة، الذي كل شيء دونه، فلا شيء أعظم منه. كما: ٤٦٨٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية بن صالـح، عن علـيّ بن أبـي طلـحة، عن ابن عبـاس : العظيـم الذي قد كمل فـي عظمته. واختلف أهل البحث فـي معنى قوله: {وَهُوَ العَلِـيّ} فقال بعضهم: يعنـي بذلك¹ وهو العلـيّ عن النظير والأشبـاه. وأنكروا أن يكون معنى ذلك: وهو العلـيّ الـمكان، و قالوا: غير جائز أن يخـلو منه مكان، ولا معنى لوصفه بعلوّ الـمكان¹ لأن ذلك وصفه بأنه فـي مكان دون مكان. وقال آخرون: معنى ذلك: وهو العلـيّ علـى خـلقه بـارتفـاع مكانه عن أماكن خـلقه، لأنه تعالـى ذكره فوق جميع خـلقه وخـلقه دونه، كما وصف به نفسه أنه علـى العرش، فهو عالٍ بذلك علـيهم. وكذلك اختلفوا فـي معنى قوله: {العَظِيـمُ} فقال بعضهم: معنى العظيـم فـي هذا الـموضع: الـمعظم صرف الـمُفَعّل إلـى فعيـل، كما قـيـل للـخمر الـمعتقة: خمر عتـيق، كما قال الشاعر: وكأنّ الـخَمْرَ العَتِـيقَ مِنَ الإسْــفَنْطِ مَـمْزُوجَةً بِـمَاءٍ زُلالِ وإنـما هي معتقة. قالوا: فقوله (العظيـم) معناه: الـمعظم الذي يعظمه خـلقه ويهابونه ويتقونه. قالوا: وإما يحتـمل قول القائل: هو عظيـم أحد معنـيـين: أحدهما: ما وصفنا من أنه معظم¹ والاَخر: أنه عظيـم فـي الـمساحة والوزن. قالوا: وفـي بطول القول بأن يكون معنى ذلك: أنه عظيـم فـي الـمساحة والوزن صحة القول بـما قلنا. وقال آخرون: بل تأويـل قوله: {العَظِيـمُ} هو أن له عظمة هي له صفة. و قالوا: لا نصف عظمته بكيفـية، ولكنا نضيف ذلك إلـيه من جهة الإثبـات، وننفـي عنه أن يكون ذلك علـى معنى مشابهة العظم الـمعروف من العبـاد، لأن ذلك تشبـيه له بخـلقه، ولـيس كذلك. وأنكر هؤلاء ما قاله أهل الـمقالة التـي قدمنا ذكرها، و قالوا: لو كان معنى ذلك أنه معظم، لوجب أن يكون قد كان غير عظيـم قبل أن يخـلق الـخـلق، وأن يبطل معنى ذلك عند فناء الـخـلق، لأنه لا معظم له فـي هذه الأحوال. وقال آخرون: بل قوله: إنه العظيـم وصف منه نفسه بـالعظم. و قالوا: كل ما دونه من خـلقه فبـمعنى الصغر لصغرهم عن عظمته. |
﴿ ٢٥٥ ﴾