٢٥٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدّينِ ...}

اختلف أهل التأويـل فـي معنى ذلك،

فقال بعضهم: نزلت هذه الآية فـي قوم من الأنصار، أو فـي رجل منهم كان لهم أولاد قد هوّدوهم أو نصروهم¹ فلـما جاء اللّه بـالإسلام أرادوا إكراههم علـيه، فنهاهم اللّه عن ذلك، حتـى يكونوا هم يختارون الدخول فـي الإسلام. ذكر من قال ذلك:

٤٦٨٤ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا ابن أبـي عديّ، عن شعبة، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس قال: كانت الـمرأة تكون مِقْلاتا، فتـجعل علـى نفسها إن عاش لها ولد أن تهوّده¹ فلـما أجلـيت بنو النضير كان فـيهم من أبناء الأنصار،

فقالوا: لا ندع أبناءنا! فأنزل اللّه تعالـى ذكره: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ قَدْ تَبَـيّنَ الرّشْدُ مِنَ الغَيّ}.

٤٦٨٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا سعيد، عن أبـي بشر، عن سعيد بن جبـير، قال: كانت الـمرأة تكون مِقْلـى ولا يعيش لها ولد ـ قال شعبة: وإنـما هو مقلات ـ، فتـجعل علـيها إن بقـي لها ولد لتهوّدنه

قال: فلـما أجلـيت بنو النضير كان فـيهم منهم، فقالت الأنصار: كيف نصنع بأبنائنا؟ فنزلت هذه الآية: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ قَدْ تَبَـيّنَ الرّشْدُ مِنَ الغَيّ} قال: من شاء أن يقـيـم أقام، ومن شاء أن يذهب ذهب.

٤٦٨٦ـ حدثنا حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا داود، وحدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن داود، عن عامر، قال: كانت الـمرأة من الأنصار تكون مقلاتا لا يعيش لها ولد، فتنذر إن عاش ولدها أن تـجعله مع أهل الكتاب علـى دينهم. فجاء الإسلام وطوائف من أبناء الأنصار علـى دينهم،

فقالوا: إنـما جعلناهم علـى دينهم، ونـحن نرى أن دينهم أفضل من ديننا، وإذ جاء اللّه بـالإسلام فلنكرهنهم! فنزلت: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ} فكان فصل ما بـين من اختار الـيهودية والإسلام، فمن لـحق بهم اختار الـيهودية، ومن أقام اختار الإسلام. ولفظ الـحديث لـحميد.

٤٦٨٧ـ حدثنا مـحمد بن عبد الأعلـى، قال: حدثنا معتـمر بن سلـيـمان، قال: سمعت داود، عن عامر، بنـحو معناه، إلا أنه قال: فكان فصل ما بـينهم إجلاء رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بنـي النضير، فلـحق بهم من كان يهوديا ولـم يسلـم منهم، وبقـي من أسلـم.

حدثنا ابن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الأعلـى، قال: حدثنا داود، عن عامر بنـحوه، إلا أنه قال: إجلاء النضير إلـى خيبر، فمن اختار الإسلام أقام، ومن كره لـحق بخيبر.

٤٦٨٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن أبـي إسحاق، عن مـحمد بن أبـي مـحمد الـحرشي مولـى زيد بن ثابت عن عكرمة، أو عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس قوله: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ قَدْ تَبَـيّنَ الرّشْدُ مِنَ الغَيّ} قال: نزلت فـي رجل من الأنصار من بنـي سالـم بن عوف يقال له الـحصين¹ كان له ابنان نصرانـيان، وكان هو رجلاً مسلـما، فقال للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: ألا أستكرههما فإنهما قد أبـيا إلا النصرانـية؟ فأنزل اللّه فـيه ذلك.

٤٦٨٩ـ حدثنـي الـمثنى قال: حدثنا حجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا أبو عوانة، عن أبـي بشر، قال: سألت سعيد بن جبـير عن قوله: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ قَدْ تَبَـيّنَ الرّشْدُ مِنَ الغَيّ} قال: نزلت هذه فـي الأنصار

قال: قلت خاصة؟ قال: خاصة

قال: كانت الـمرأة فـي الـجاهلـية تنذر إن ولدت ولدا أن تـجعله فـي الـيهود تلتـمس بذلك طول بقائه

قال: فجاء الإسلام وفـيهم منهم¹ فلـما أجلـيت النضير،

قالوا: يا رسول اللّه ، أبناؤنا وإخواننا فـيهم، قال: فسكت عنهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فأنزل اللّه تعالـى ذكره: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ قَدْ تَبَـيّنَ الرّشْدُ مِنَ الغَيّ} قال: فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (قَدْ خُيّرَ أصْحَابُكُمْ، فإن اخْتارُوكُمْ فَهُمْ مِنْكُمْ، وَإنِ اخْتارُوهُمْ فَهُمْ مِنْهُمْ) قال: فأجلوهم معهم.

٤٦٩٠ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي قوله: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ قَدْ تَبَـيّنَ الرّشْدُ مِنَ الغَيّ} إلـى: {لاَ انْفِصَامَ لَهَا} قال: نزلت فـي رجل من الأنصار يقال له أبو الـحصين: كان له ابنان، فقدم تـجار من الشام إلـى الـمدينة يحملون الزيت¹ فلـما بـاعوا وأرادوا أن يرجعوا أتاهم ابنا أبـي الـحصين، فدعوهما إلـى النصرانـية فتنصرا، فرجعا إلـى الشام معهم. فأتـى أبوهما إلـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: إن ابنـيّ تنصرا وخرجا، فأطلبهما؟ فقال: (لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ قَدْ تَبَـيّنَ الرّشْدُ مِنَ الغَيّ) ولـم يؤمر يومئذ بقتال أهل الكتاب

وقال: (أبْعَدَهُما اللّه ! هما أوّل من كَفَرَ). فوجد أبو الـحصين فـي نفسه علـى النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم حين لـم يبعث فـي طلبهما، فنزلت: {فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّـى يُحَكّمُوكَ فِـيـمَا شَجَرَ بَـيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُوا فِـي أنْفُسِهِمْ حَرَجا مِـمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّـمُوا تَسْلِـيـما} ثم إنه نسخ: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ} فأمر بقتال أهل الكتاب فـي سورة براءة.

٤٦٩١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ} قال: كانت فـي الـيهود يهود أرضعوا رجالاً من الأوس، فلـما أمر النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بإجلائهم، قال أبناؤهم من الأوس: لنذهبنّ معهم، ولنديننّ بدينهم! فمنعهم أهلوهم، وأكرهوهم علـى الإسلام، ففـيهم نزلت هذه الآية.

٤٦٩٢ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، وحدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد جميعا، عن سفـيان، عن خصيف، عن مـجاهد: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ} قال: كان ناس من الأنصار مسترضعين فـي بنـي قريظة، فأرادوا أن يكرهوهم علـى الإسلام، فنزلت: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ قَدْ تَبَـيّنَ الرّشْدُ مِنَ الغَيّ}.

حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي الـحجاج، عن ابن جريج، قال: قال مـجاهد: كانت النضير يهودا فأرضعوا. ثم ذكر نـحو حديث مـحمد بن عمرو، عن أبـي عاصم. قال ابن جريج: وأخبرنـي عبد الكريـم، عن مـجاهد أنهم كانوا قد دان بدينهم أبناءُ الأوس، دانوا بدين النضير.

٤٦٩٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن داود بن أبـي هند، عن الشعبـي: أن الـمرأة من الأنصار كانت تنذر إن عاش ولدها لتـجعلّنه فـي أهل الكتاب فلـما جاء الإسلام قالت الأنصار: يا رسول اللّه ألا نُكره أولادنا الذين هم فـي يهود علـى الإسلام، فإنا إنـما جعلناهم فـيها ونـحن نرى أن الـيهودية أفضل الأديان؟ فلـما إذ جاء اللّه بـالإسلام، أفلا نكرههم علـى الإسلام؟ فأنزل اللّه تعالـى ذكره: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ قَدْ تَبَـيّنَ الرّشْدُ مِنَ الغَيّ}.

حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن داود، عن الشعبـي مثله، وزاد: قال: كان فصل ما بـين من اختار الـيهود منهم وبـين من اختار الإسلام، إجلاء بنـي النضير¹ فمن خرج مع بنـي النضير كان منهم، ومن تركهم اختار الإسلام.

٤٦٩٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ} إلـى قوله: {العُرْوَةِ الوُثْقَـى} قال: هذا منسوخ.

٤٦٩٥ـ حدثنـي سعيد بن الربـيع الرازي، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، ووائل، عن الـحسن: أن أناسا من الأنصار كانوا مسترضَعين فـي بنـي النضير، فلـما أجلوا، أراد أهلوهم أن يـلـحقوهم بدينهم، فنزلت: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ}.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: لا يُكره أهلُ الكتاب علـى الدين إذا بذلوا الـجزية، ولكنهم يُقرّون علـى دينهم. و

قالوا: الآية فـي خاصّ من الكفـار، ولـم ينسخ منها شيء. ذكر من قال ذلك:

٤٦٩٦ـ حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ قَدْ تَبَـيّنَ الرّشْدُ مِنَ الغَيّ} قال: أكره علـيه هذا الـحيّ من العرب، لأنهم كانوا أمة أمية، لـيس لهم كتاب يعرفونه، فلـم يقبل منهم غير الإسلام، ولا يكره علـيه أهل الكتاب إذا أقرّوا بـالـجزية أو بـالـخراج، ولـم يفتنوا عن دينهم، فـيخـلّـى عنهم.

حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا سلـيـمان، قال: حدثنا أبو هلال، قال: حدثنا قتادة فـي قوله: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ} قال: هو هذا الـحيّ من العرب أكرهوا علـى الدين، لـم يقبل منهم إلا القتل أو الإسلام، وأهل الكتاب قبلت منهم الـجزية ولـم يقتلوا.

٤٦٩٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا الـحكم بن بشير، قال: حدثنا ، عن جويبر، عن الضحاك فـي قوله: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ} قال: أُمِرَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم أن يقاتل جزيرة العرب من أهل الأوثان، فلـم يقبل منهم إلا (لا إلَه إلاّ اللّه )، أو السيف. ثم أُمِرَ فـيـمن سواهم بأن يقبل منهم الـجزية¹ فقال: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ قَدْ تَبَـيّنَ الرّشْدُ مِنَ الغَيّ}.

حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ} قال: كانت العرب لـيس لها دين، فأكرهوا علـى الدين بـالسيف، قال: ولا يكره الـيهود ولا النصارى والـمـجوس إذا أعطوا الـجزية.

٤٦٩٨ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن عيـينة، عن ابن أبـي نـجيح، قال: سمعت مـجاهدا يقول لغلام له نصرانـي: يا جرير أسلـم! ثم قال: هكذا كان يقال لهم.

٤٦٩٩ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ قَدْ تَبَـيّنَ الرّشْدُ مِنَ الغَيّ} قال: وذلك لـما دخـل الناس فـي الإسلام، وأعطى أهل الكتاب الـجزية.

وقال آخرون: هذه الآية منسوخة، وإنـما نزلت قبل أن يفرض القتال. ذكر من قال ذلك:

٤٧٠٠ـ حدثنـي يونس بن عبد الأعلـى، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرنـي يعقوب بن عبد الرحمن الزهري قال: سألت زيد بن أسلـم عن قول اللّه تعالـى ذكره: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ} قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بـمكة عشر سنـين لا يُكره أحدا فـي الدين، فأبى الـمشركون إلا أن يقاتلوهم، فـاستأذن اللّه فـي قتالهم، فأذن له.

وأولـى هذه الأقوال بـالصواب قول من قال: نزلت هذه الآية فـي خاص من الناس، وقال: عنى بقوله تعالـى ذكره: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ} أهل الكتابـين والـمـجوس، وكل من جاء إقراره علـى دينه الـمخالف دين الـحق، وأخذ الـجزية منه. وأنكروا أن يكون شيء منها منسوخا.

وإنـما قلنا هذا القول أولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب لـما قد دللنا علـيه فـي كتابنا كتاب (اللطيف من البـيان عن أصول الأحكام) من أن الناسخ غير كائن ناسخا إلا ما نفـى حكم الـمنسوخ، فلـم يجز اجتـماعهما. فأما ما كان ظاهره العموم من الأمر والنهي وبـاطنه الـخصوص، فهو من الناسخ والـمنسوخ بـمعزل. وإذ كان ذلك كذلك، وكان غير مستـحيـل أن يقال: لا إكراه لأحد مـمن أخذت منه الـجزية فـي الدين، ولـم يكن فـي الآية دلـيـل علـى أن تأويـلها بخلاف ذلك، وكان الـمسلـمون جميعا قد نقلوا عن نبـيهم صلى اللّه عليه وسلم أنه أكره علـى الإسلام قوما، فأبى أن يقبل منهم إلا الإسلام، وحكم بقتلهم إن امتنعوا منه، وذلك كعبدة الأوثان من مشركي العرب، وكالـمرتدّ عن دينه دين الـحقّ إلـى الكفر ومن أشبههم، وأنه ترك إكراه آخرين علـى الإسلام بقبوله الـجزية منه، وإقراره علـى دينه البـاطل، وذلك كأهل الكتابـين، ومن أشبههم¹ كان بـينا بذلك أن معنى قوله: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ} إنـما هو لا إكراه فـي الدين لأحد مـمن حل قبول الـجزية منه بأدائه الـجزية، ورضاه بحكم الإسلام. ولا معنى لقول من زعم أن الآية منسوخة الـحكم بـالإذن بـالـمـحاربة.

فإن قال قائل: فما أنت قائل فـيـما روي عن ابن عبـاس وعمن رُوي عنه: من أنها نزلت فـي قوم من الأنصار أرادوا أن يكرهوا أولادهم علـى الإسلام؟ قلنا: ذلك غير مدفوعة صحته، ولكن الآية قد تنزل فـي خاصّ من الأمر، ثم يكون حكمها عاما فـي كل ما جانس الـمعنى الذي أنزلت فـيه. فـالذين أنزلت فـيهم هذه الآية علـى ما ذكر ابن عبـاس وغيره، إنـما كانوا قوما دانوا بدين أهل التوراة قبل ثبوت عقد الإسلام لهم، فنهى اللّه تعالـى ذكره عن إكراههم علـى الإسلام، وأنزل بـالنهي عن ذلك آية يعمّ حكمها كل من كان فـي مثل معناهم مـمن كان علـى دين من الأديان التـي يجوز أخذ الـجزية من أهلها، وإقرارهم علـيها علـى النـحو الذي قلنا فـي ذلك.

ومعنى قوله: {لا إكْرَاهَ فِـي الدّينِ} لا يكره أحد فـي دين الإسلام علـيه، وإنـما أدخـلت الألف واللام فـي الدين تعريفـا للدين الذي عنى اللّه بقوله: لا إكراه فـيه، وأنه هو الإسلام. وقد يحتـمل أن يكون أدخـلتا عقـيبـا من الهاء الـمنوية فـي الدين، فـيكون معنى الكلام حينئذ: وهو العلـيّ العظيـم لا إكراه فـي دينه، قد تبـين الرشد من الغيّ. وكأنّ هذا القول أشبه بتأويـل الآية عندي.

وأما قوله: {قَدْ تَبَـيّنَ الرّشْدُ} فإنه مصدر من قول القائل: رَشِدتُ فأنا أرْشَدُ رَشَدا ورُشْدا وَرَشادا، وذلك إذا أصاب الـحقّ والصوابوأما الغيّ، فإنه مصدر من قول القائل: قد غَوَى فلان فهو يَغْوَى غَيّا وغَوَايَةً. وبعض العرب

يقول: غَوَى فلان يَغْوَى. والذي علـيه قراءة القراء: {ما ضَلّ صَاحِبُكُمْ وَما غَوَى} بـالفتـح، وهي أفصح اللغتـين، وذلك إذا عدا الـحقّ وتـجاوزه فضلّ.

فتأويـل الكلام إذا: (قد وضح الـحقّ من البـاطل، واستبـان لطالب الـحق والرشاد وجه مطلبه، فتـميز من الضلالة والغواية، فلا تكرهوا من أهل الكتابـين، ومن أبحت لكم أخذ الـجزية منه، علـى دينكم، دين الـحق¹ فإن من حاد عن الرشاد بعد استبـانته له، فإلـى ربه أمره، وهو ولـيّ عقوبته فـي معاده.

﴿ ٢٥٦