٢٦١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مّثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّه ...}

وهذه الآية مردودة إلـى قوله: {مَنْ ذَا الّذِي يُقْرِضُ اللّه قَرْضا حَسَنا فَـيُضَاعِفَهُ لَهُ أضْعافـا كَثِـيرَةً وَاللّه يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَـيْهِ تُرْجَعُونَ}. والاَيات التـي بعدها إلـى قوله: {مَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِـي سَبِـيـلِ اللّه } من قصص بنـي إسرائيـل وخبرهم مع طالوت وجالوت، وما بعد ذلك من نبإ الذي حاجّ إبراهيـم مع إبراهيـم، وأمر الذي مرّ علـى القرية الـخاوية علـى عروشها، وقصة إبراهيـم ومسألته ربه ما سأل مـما قد ذكرناه قبل¹ اعتراض من اللّه تعالـى ذكره بـما اعترض به من قصصهم بـين ذلك احتـجاجا منه ببعضه علـى الـمشركين الذين كانوا يكذبون بـالبعث وقـيام الساعة، وحضّا منه ببعضه للـمؤمنـين علـى الـجهاد فـي سبـيـله الذي أمرهم به فـي قوله: {وَقَاتِلُوا فِـي سَبِـيـلِ اللّه وَاعْلَـمُوا أنّ اللّه سَمِيعٌ عَلِـيـمٌ}. يعرّفهم فـيهم أنه ناصرهم وإن قلّ عددهم وكثر عدد عدوّهم، ويعدهم النصرة علـيهم، ويعلـمهم سنته فـيـمن كان علـى منهاجهم من ابتغاء رضوان اللّه أنه مؤيدهم، وفـيـمن كان علـى سبـيـل أعدائهم من الكفـار بأنه خاذلهم ومفرّق جمعهم وموهن كيدهم، وقطعا منه ببعض عذر الـيهود الذين كانوا بـين ظهرانـي مهاجرَ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، بـما أطلع نبـيه علـيه من خفـيّ أمورهم، ومكتوم أسرار أوائلهم وأسلافهم التـي لـم يعلـمها سواهم، لـيعلـموا أن ما أتاهم به مـحمد صلى اللّه عليه وسلم من عند اللّه ، وأنه لـيس بتـخرّص ولا اختلاق، وإعذارا منه به إلـى أهل النفـاق منهم، لـيحذروا بشكهم فـي أمر مـحمد صلى اللّه عليه وسلم أن يحلّ بهم من بأسه وسطوته، مثل الذي أحلهما بأسلافهم الذين كانوا فـي القرية التـي أهلكها، فتركها خاوية علـى عروشها. ثم عاد تعالـى ذكره إلـى الـخبر عن الذي يقرض اللّه قرضا حسنا، وما عنده له من الثواب علـى قرضه،

فقال: {مَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِـي سَبِـيـلِ اللّه } يعنـي بذلك: مثل الذين ينفقون أموالهم علـى أنفسهم فـي جهاد أعداء اللّه بأنفسهم وأموالهم، {كَمَثَلِ حَبّةٍ} من حبـات الـحنطة أو الشعير، أو غير ذلك من نبـات الأرض التـي تسنبل سنبلة بذرها زارع. (فأنبتت)، يعنـي فأخرجت {سَبْعَ سَنَابِلَ فـي كُلّ سُنْبُلَةٍ مائة حَبّة}،

يقول: فكذلك الـمنفق ماله علـى نفسه فـي سبـيـل اللّه ، له أجره سبعمائة ضعف علـى الواحد من نفقته. كما:

٤٨٤٤ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {كَمَثَلِ حَبّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِـي كُلّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبّةٍ} فهذا لـمن أنفق فـي سبـيـل اللّه ، فله سبعمائة.

٤٨٤٥ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {مَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِـي سَبِـيـلِ اللّه كَمَثَلِ حَبّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِـي كُلّ سُنْبُلَةٍ مِائَةَ حَبّةٍ وَاللّه يُضَاعِفُ لِـمَنْ يَشاءُ} قال: هذا الذي ينفق علـى نفسه فـي سبـيـل اللّه ويخرُج.

٤٨٤٦ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: {مَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِـي سَبِـيـلِ اللّه كَمَثَلِ حَبّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِـي كُلّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبّةٍ}.. الآية. فكان من بـايع النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم علـى الهجرة، ورابط مع النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم بـالـمدينة، ولـم يـلق وجها إلا بإذنه، كانت الـحسنة له بسبعمائة ضعف، ومن بـايع علـى الإسلام كانت الـحسنة له عشر أمثالها.

فإن قال قائل: وهل رأيت سنبلة فـيها مائة حبة أو بلغتك فضرب بها الـمثل الـمنفق فـي سبـيـل اللّه ماله؟

قـيـل: إن يكن ذلك موجودا فهو ذاك، وإلا فجائز أن يكون معناه: كمثل سنبة أنبتت سبع سنابل فـي كل سنبلة مائة حبة، إن جعل اللّه ذلك فـيها. ويحتـمل أن يكون معناه: فـي كل سنبلة مائة حبة¹ يعنـي أنها إذا هي بذرت أنبتت مائة حبة، فـيكون ما حدث عن البذر الذي كان منها من الـمائة الـحبة مضافـا إلـيها لأنه كان عنها. وقد تأول ذلك علـى هذا الوجه بعض أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٤٨٤٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله: {مَثَلُ الّذِينَ يُنْفِقُونَ أمْوَالَهُمْ فِـي سَبِـيـلِ اللّه كَمَثَلِ حَبّةٍ أنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِـي كُلّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبّةٍ} قال: كل سنبلة أنبتت مائة حبة، فهذا لـمن أنفق فـي سبـيـل اللّه ، {وَاللّه يُضَاعِفُ لِـمَنْ يَشاءُ وَاللّه وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ}.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّه يُضَاعِفُ لِـمَنْ يَشَاءُ}.

اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: {وَاللّه يُضَاعِفُ لِـمَنْ يَشاءُ}.

فقال بعضهم: اللّه يضاعف لـمن يشاء من عبـاده أجر حسناته بعد الذي أعطى الـمنفق فـي سبـيـله من التضعيف الواحدة سبعمائة. فأما الـمنفق فـي غير سبـيـله، فلا نفقة ما وعده من تضعيف السبعمائة بـالواحدة. ذكر من قال ذلك:

٤٨٤٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: هذا يضاعف لـمن أنفق فـي سبـيـل اللّه ، يعنـي السبعمائة¹ {وَاللّه يُضَاعِفُ لِـمَنْ يَشَاءُ وَاللّه وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ} يعنـي لغير الـمنفق فـي سبـيـله.

وقال آخرون: بل معنى ذلك: واللّه يضاعف لـمن يشاء من الـمنفقـين فـي سبـيـله علـى السبعمائة إلـى ألفـي ألف ضعف. وهذا قول ذكر عن ابن عبـاس من وجه لـم أجد إسناده فتركت ذكره.

والذي هو أولـى بتأويـل قوله: {وَاللّه يُضَاعِفُ لِـمَنْ يَشَاءُ} واللّه يضاعف علـى السبعمائة إلـى ما يشاء من التضعيف لـمن يشاء من الـمنفقـين فـي سبـيـله¹ لأنه لـم يجر ذكر الثواب والتضعيف لغير الـمنفق فـي سبـيـل اللّه فـيجوز لنا توجيه ما وعد تعالـى ذكره فـي هذه الآية من التضعيف إلـى أنه عدة منه علـى العمل علـى غير النفقة فـي سبـيـل اللّه .

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاللّه وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ}.

يعنـي تعالـى ذكره بذلك: واللّه واسع أن يزيد من يشاء من خـلقه الـمنفقـين فـي سبـيـله علـى أضعاف السبعمائة التـي وعده أن يزيده، علـيـم من يستـحقّ منهم الزيادة. كما:

٤٨٤٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَاللّه يُضَاعِفُ لِـمَنْ يَشَاءُ وَاللّه وَاسِعٌ عَلِـيـمٌ} قال: واسع أن يزيد من سعته، علـيـم عالـم بـمن يزيده.

وقال آخرون: معنى ذلك: واللّه واسع لتلك الأضعاف، علـيـم بـما ينفق الذين ينفقون أموالهم فـي طاعة اللّه .

﴿ ٢٦١