٢٦٦القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أَيَوَدّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مّن نّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ...} يعنـي تعالـى ذكره {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بـالـمَنّ والأذَى ...} الآية. ومعنى قوله: {أيَوَدّ أحَدُكُمْ} أيحبّ أحدكم أن تكون له جنة ـ يعنـي بستانا من نـخيـل وأعناب ـ تـجري من تـحتها الأنهار ـ يعنـي من تـحت الـجنة ـ وله فـيها من كل الثمرات. والهاء فـي قوله: {لَهُ} عائدة علـى أحد، والهاء والألف فـي: {فِـيها} علـى الـجنة، {وَأَصَابَهُ} يعنـي وأصاب أحدكم الكبر، {وَلَهُ ذُرّيّةٌ ضُعَفَـاءُ}. وإنـما جعل جل ثناؤه البستان من النـخيـل والأعناب، الذي قال جل ثناؤه لعبـاده الـمؤمنـين: أيودّ أحدكم أن تكون له مثلاً لنفقة الـمنافق التـي ينفقها رياء الناس، لا ابتغاء مرضاة اللّه ، فـالناس بـما يظهر لهم من صدقته، وإعطائه لـما يعطى وعمله الظاهر، يثنون علـيه ويحمدونه بعمله ذلك أيام حياته فـي حسنه كحسن البستان وهي الـجنة التـي ضربها اللّه عزّ وجلّ لعمله مثلاً من نـخيـل وأعناب، له فـيها من كل الثمرات، لأن عمله ذلك الذي يعمله فـي الظاهر فـي الدنـيا، له فـيه من كل خير من عاجل الدنـيا، يدفع به عن نفسه ودمه وماله وذرّيته، ويكتسب به الـمـحمدة وحسن الثناء عند الناس، ويأخذ به سهمه من الـمغنـم مع أشياء كثـيرة يكثر إحصاؤها، فله فـي ذلك من كل خير فـي الدنـيا، كما وصف جل ثناؤه الـجنة التـي وصف مثلاً بعمله، بأن فـيها من كل الثمرات، ثم قال جل ثناؤه: {وأصَابَهُ الكِبَرُ وَلَهُ ذُرّيّةٌ ضُعَفَـاءُ} يعنـي أن صاحب الـجنة أصابه الكبر وله ذرية ضعفـاء صغار أطفـال، {فأصَابَها} يعنـي فأصاب الـجنة إعصار فـيه نار، {فَـاحْتَرَقَتْ} يعنـي بذلك أن جنته تلك أحرقتها الريح التـي فـيها النار فـي حال حاجته إلـيها، وضرورته إلـى ثمرتها بكبره وضعفه عن عمارتها، وفـي حال صغر ولده وعجزه عن إحيائها والقـيام علـيها، فبقـي لا شيء له أحوج ما كان إلـى جنته وثمارها بـالاَفة التـي أصابتها من الإعصار الذي فـيه النار. يقول: فكذلك الـمنفق ماله رياء الناس، أطفأ اللّه نوره، وأذهب بهاء عمله، وأحبط أجره حتـى لقـيه، وعاد إلـيه أحوج ما كان إلـى عمله، حين لا مستَعْتَب له ولا إقالة من ذنوبه ولا توبة، واضمـحلّ عمله كما احترقت الـجنة التـي وصف جل ثناؤه صفتها عند كبر صاحبها وطفولة ذرّيته أحوج ما كان إلـيها فبطلت منافعها عنه. وهذا الـمثل الذي ضربه اللّه للـمنفقـين أموالهم رياء الناس فـي هذه الآية نظير الـمثل الاَخر الذي ضربه لهم بقوله: {فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَـيْهِ تُرَابٌ فأصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدا لا يَقْدِرُونَ عَلـى شَيْءٍ مِـمّا كَسَبُوا}. وقد تنازع أهل التأويـل فـي تأويـل هذه الآية، إلا أن معانـي قولهم فـي ذلك وإن اختلفت تصاريفهم فـيها عائدة إلـى الـمعنى الذي قلنا فـي ذلك، وأحسنهم إبـانة لـمعناها وأقربهم إلـى الصواب قولاً فـيها السدي. ٤٩٠٠ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {أيَوَدّ أحَدُكُمْ أنْ تَكُونَ لَه جَنّةٌ مِنْ نَـخِيـلٍ وأعْنابٍ تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنهارُ لَهُ فِـيها مِنْ كُلّ الثّمَرَاتِ وَأصَابهُ الكِبَرُ وَلَهُ ذُرّيّةٌ ضُعَفَـاءُ فأصَابَها إعْصَارٌ فِـيهِ نارٌ فـاحْتَرَقَتْ} هذا مثل آخر لنفقة الرياء، أنه ينفق ماله يرائي الناس به، فـيذهب ماله منه وهو يرائي، فلا يأجره اللّه فـيه، فإذا كان يوم القـيامة واحتاج إلـى نفقته، وجدها قد أحرقها الرياء، فذهبت كما أنفق هذا الرجل علـى جنته، حتـى إذا بلغت وكثر عياله واحتاج إلـى جنته جاءت ريح فـيها سَموم فأحرقت جنته، فلـم يجد منها شيئا، فكذلك الـمنفق رياء. ٤٩٠١ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد في قول اللّه عز وجل: {أيَوَدّ أحَدُكُمْ أنْ تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مِنْ نَـخِيـلٍ وأعْنابٍ} كمثل الـمفرّط فـي طاعة اللّه حتـى يـموت، قال يقول: أيودّ أحدكم أن يكون له دنـيا لا يعمل فـيها بطاعة اللّه ، كمثل هذا الذي له جنات تـجري من تـحتها الأنهار، له فـيها من كل الثمرات، وأصابه الكبر، وله ذرية ضعفـاء، فأصابها إعصار فـيه نار فـاحترقت، فمثله بعد موته كمثل هذا حين أحرقت جنته وهو كبـير، لا يغنـي عنها شيئا، وولده صغار لا يغنون عنها شيئا، وكذلك الـمفرّط بعد الـموت كل شيء علـيه حسرة. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. ٤٩٠٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن عبد الـملك، عن عطاء، قال: سأل عمر الناس عن هذه الآية فما وجد أحدا يشفـيه، حتـى قال ابن عبـاس وهو خـلفه: يا أمير الـمؤمنـين إنـي أجد فـي نفسي منها شيئا، قال: فتلفت إلـيه، فقال: تـحوّل ههنا! لـمَ تـحقر نفسك؟ قال: هذا مثل ضربه اللّه عزّ وجلّ فقال: أيود أحدكم أن يعمل عمره بعمل أهل الـخير وأهل السعادة، حتـى إذا كان أحوج ما يكون إلـى أن يختـمه بخير حين فنـي عمره، واقترب أجله، ختـم ذلك بعمل من عمل أهل الشقاء فأفسده كله فحرّقه أحوج ما كان إلـيه. ٤٩٠٣ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن مـحمد بن سلـيـم، عن ابن أبـي ملـيكة، أن عمر تلا هذه الآية: {أيَوَدّ أحَدُكُمْ أنْ تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مِنْ نَـخِيـلٍ وأعْنابٍ} قال: هذا مثل ضرب للإنسان يعمل عملاً صالـحا، حتـى إذا كان عنده آخر عمره أحوج ما يكون إلـيه، عمل عمل السوء. ٤٩٠٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن ابن جريج، قال: سمعت أبـا بكر بن أبـي ملـيكة يخبر عن عبـيد بن عمير أنه سمعه يقول: سأل عمر أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: فـيـم ترون أنزلت {أيَوَدّ أحَدُكُمْ أنْ تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مِنْ نَـخِيـلٍ وأعْنابٍ}؟ فقالوا: اللّه أعلـم! فغضب عمر، فقال: قولوا نعلـم أو لا نعلـم! فقال ابن عبـاس : فـي نفسي منها شيء يا أمير الـمؤمنـين. فقال عمر: قل يا ابن أخي ولا تـحقر نفسك! قال ابن عبـاس : ضربت مثلاً لعمل. قال عمر: أيّ عمل؟ قال: لعمل. فقال عمر: رجل عُنِـيَ بعمل الـحسنات، ثم بعث اللّه له الشيطان، فعمل بـالـمعاصي حتـى أغرق أعماله كلها قال: وسمعت عبد اللّه بن أبـي ملـيكة يحدّث نـحو هذا عن ابن عبـاس ، سمعه منه. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: سمعت أبـا بكر بن أبـي ملـيكة يخبر أنه سمع عبـيد بن عمير، قال ابن جريج: وسمعت عبد اللّه بن أبـي ملـيكة، قال: سمعت ابن عبـاس ، قالا جميعا: إن عمر بن الـخطاب سأل أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فذكر نـحوه، إلا أنه قال عمر: للرجل يعمل بـالـحسنات، ثم يبعث له الشيطان فـيعمل بـالـمعاصي. ٤٩٠٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: سألت عطاء عنها. ثم قال ابن جريج: وأخبرنـي عبد اللّه بن كثـير، عن مـجاهد، قالا: ضربت مثلاً للأعمال. قال ابن جريج: و قال ابن عبـاس : ضربت مثلاً للعمل يبدأ فـيعمل عملاً صالـحا، فـيكون مثلاً للـجنة التـي من نـخيـل وأعناب تـجري من تـحتها الأنهار، له فـيها من كل الثمرات، ثم يسيء فـي آخر عمره، فـيتـمادى علـى الإساءة حتـى يـموت علـى ذلك، فـيكون الإعصار الذي فـيه النار التـي أحرقت الـجنة، مثلاً لإساءته التـي مات وهو علـيها. قال ابن عبـاس : الـجنة عيشه وعيش ولده فـاحترقت، فلـم يستطع أن يدفع عن جنته من أجل كبره، ولـم يستطع ذرّيته أن يدفعوا عن جنتهم من أجل صغرهم حتـى احترقت. يقول: هذا مثله تلقاه وهو أفقر ما كان إلـيّ، فلا يجد له عندي شيئا، ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه من عذاب اللّه شيئا، ولا يستطيع من كبره وصغر أولاده أن يعملوا جنة، كذلك لا توبة إذا انقطع العمل حين مات. قال ابن جريج، عن مـجاهد: سمعت ابن عبـاس قال: هو مثل الـمفرّط فـي طاعة اللّه حتـى يـموت. قال ابن جريج وقال مـجاهد: أيودّ أحدكم أن تكون له دنـيا لا يعمل فـيها بطاعة اللّه ، كمثل هذا الذي له جنة، فمثله بعد موته كمثل هذا حين أحرقت جنته وهو كبـير لا يغنـي عنها شيئا وأولاده صغار ولا يغنون عنه شيئا، وكذلك الـمفرط بعد الـموت كل شيء علـيه حسرة. ٤٩٠٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: {أيَوَدّ أحَدُكُمْ أنْ تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مِنْ نَـخِيـلٍ وأعْنابٍ تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِهَا الأنْهارُ}.. الآية. يقول: أصابها ريح فـيها سموم شديدة، كذلك يبـين اللّه لكم الاَيات لعلكم تتفكرون، فهذا مثل. فـاعقلوا عن اللّه جلّ وعزّ أمثاله، فإنه قال: {وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها للنّاسِ وَما يَعْقِلُها إلاّ العالِـمُونَ}. هذا رجل كبرت سنة ودقّ عظمه وكثر عياله، ثم احترقت جنته علـى بقـية ذلك كأحوج ما يكون إلـيه. يقول: أيحبّ أحدكم أن يضلّ عنه عمله يوم القـيامة كأحوج ما يكون إلـيه؟ ٤٩٠٧ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: {أيَوَدّ أحَدُكُمْ أنْ تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ} إلـى قوله: {فـاحْتَرَقَتْ} يقول: فذهبت جنته كأحوج ما كان إلـيها حين كبرت سنه وضعف عن الكسب، وله ذرية ضعفـاء لا ينفعونه قال: وكان الـحسن يقول: فـاحترقت فذهبت أحوج ما كان إلـيها، فذلك قوله: أيودّ أحدكم أن يذهب عمله أحوج ما كان إلـيه. ٤٩٠٨ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : ضرب اللّه مثلاً حسنا، وكل أمثاله حسن تبـارك وتعالـى وقال: قال أيوب. {أيَوَدّ أحَدُكُمْ أنْ تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مِنْ نَـخِيـلٍ} إلـى قوله: {فِـيها مِنْ كُلّ الثّمَرَاتِ} يقول: صنعه فـي شبـيبته فأصابه الكبر وله ذرّية ضعفـاء عند آخر عمره، فجاءه إعصار فـيه نار، فأحرق بستانه، فلـم يكن عنده قوّة أن يغرس مثله، ولـم يكن عند نسله خير يعودون علـيه. وكذلك الكافر يوم القـيامة إذا رد إلـى اللّه تعالـى لـيس له خير فـيُسْتَعْتَب كما لـيس له قوّة فـيغرس مثل بستانه، ولا يجد خيرا قدم لنفسه يعود علـيه، كما لـم يغن عن هذا ولده، وحرم أحره عند أفقر ما كان إلـيه كما حرم هذا جنته عند أفقر ما كان إلـيها عند كبره وضعف ذرّيته. وهو مثل ضربه اللّه للـمؤمن والكافر فـيـما أوتـيا فـي الدنـيا، كيف نـجى الـمؤمن فـي الاَخرة، وذخر له من الكرامة والنعيـم، وخزن عنه الـمال فـي الدنـيا، وبسط للكافر فـي الدنـيا من الـمال ما هو منقطع، وخزن له من الشرّ ما لـيس بـمفـارقه أبدا ويخـلد فـيها مهانا، من أجل أنه فخر علـى صاحبه ووثق بـما عنده ولـم يستـيقن أنه ملاق ربه. ٤٩٠٩ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {أيَوَدّ أحَدَكُمْ أنْ تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ}.. الآية قال: هذا مثل ضربه اللّه {أيَوَدّ أحَدُكُمْ أنْ تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مِنْ نَـخِيـلً وَأعْنابٍ... فِـيها مِنْ كُلّ الثّمَرَاتِ} والرجل قد كبر سنه وضعف وله أولاد صغار، وابتلاهم اللّه فـي جنتهم، فبعث اللّه علـيها إعصارا فـيه نار فـاحترقت، فلـم يستطع الرجل أن يدفع عن جنته من الكبر، ولا ولده لصغرهم، فذهبت جنته أحوج ما كان إلـيها. يقول: أيحبّ أحدكم أن يعيش فـي الضلالة والـمعاصي حتـى يأتـيه الـموت، فـيجيء يوم القـيامة قد ضلّ عنه عمله أحوج ما كان إلـيه، فـيقول ابن آدم: أتـيتنـي أحوج ما كنت قط إلـى خير، فأين ما قدّمت لنفسك؟ ٤٩١٠ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، وقرأ قول اللّه عزّ وجلّ {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا لاَ تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بـالـمَنّ والأذَى} ثم ضرب ذلك مثلاً، فقال: {أَيَوَدّ أحَدُكُمْ أنْ تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مِنْ نَـخِيـلٍ وأعْنابٍ} حتـى بلغ {فأصَابَها إعْصَارٌ فِـيهِ نَارٌ فـاحْتَرَقَتْ} قال: جرت أنهارها وثمارها، وله ذرية ضعفـاء، فأصابها إعصار فـيه نار فـاحترقت، أيودّ أحدكم هذا؟ فما يحمل أحدكم أن يخرج من صدقته ونفقته حتـى إذا كان له عندي جنة وجرت أنهارها وثمارها، وكانت لولده وولد ولده أصابها ريح إعصار فحرقها. ٤٩١١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا زهير، عن جويبر، عن الضحاك فـي قوله: {أيَوَدّ أحَدُكُمْ أنْ تَكُونَ لَهُ جَنّةٌ مِنْ نَـخِيـلٍ وَأعْنَابٍ تَـجْرِي مِنْ تَـحْتِها الأنْهارُ} رجل غرس بستانا فـيه من كل الثمرات، فأصابه الكبر، وله ذرية ضعفـاء، فأصابها إعصار فـيه نار فـاحترقت، فلا يستطيع أن يدفع عن بستانه من كبره، ولـم يستطع ذريته أن يدفعوا عن بستانه، فذهبت معيشته ومعيشة ذريته. فهذا مثل ضربه اللّه للكافر، يقول: يـلقانـي يوم القـيامة وهو أحوج ما يكون إلـى خير يصيبه، فلا يجد له عندي خيرا ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه من عذاب اللّه شيئا. وإنـما دللنا أن الذي هو أولـى بتأويـل ذلك ما ذكرناه، لأن اللّه جل ثناؤه تقدم إلـى عبـاده الـمؤمنـين بـالنهي عن الـمنّ والأذى فـي صدقاتهم. ثم ضرب مثلاً لـمن منّ وآذى من تصدّق علـيه بصدقة، فمثله بـالـمرائي من الـمنافقـين، الـمنفقـين أموالهم رياء الناس. وكانت قصة هذه الآية وما قبلها من الـمثل نظيرة ما ضرب لهم من الـمثل قبلها، فكان إلـحاقها بنظيرتها أولـى من حمل تأويـلها علـى أنه مثل ما لـم يجر له ذكر قبلها ولا معها. فإن قال لنا قائل: وكيف قـيـل: {وَأصَابَهُ الكِبَرُ} وهو فعل ماض فعطف به علـى قوله {أيَودّ أحَدُكُمْ}؟ قـيـل¹ إن ذلك كذلك، لأن قوله: {أَيَوَدّ} يصحّ أن يوضع فـيه (لو) مكان (أن) فلـما صلـحت بلو وأن ومعناهما جميعا الاستقبـال، استـجازت العرب أن يردّوا (فَعَلَ) بتأويـل (لو) علـى (يفعَل) مع (أن)، فلذلك قال: فأصابها، وهو فـي مذهبه بـمنزلة (لو) إذا ضارعت (أن) فـي معنى الـجزاء، فوضعت فـي مواضعها، وأجيبت (أن) بجواب (لو) و(لو) بجواب (أن)، فكأنه قـيـل: أيودّ أحدكم لو كانت له جنة من نـخيـل وأعناب، تـجري من تـحتها الأنهار، له فـيها من كل الثمرات وأصابه الكبر. فإن قال: وكيف قـيـل ههنا: وله ذرية ضعفـاء؟ وقال فـي النساء: {وَلْـيَخْشَ الّذِي لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَـلْفِهِمْ ذُرّيّةً ضِعافـا}؟ قـيـل: لأن (فعيلاً) يجمع علـى (فعلاء) و(فِعال)، فـيقال: رجل ظريف من قوم ظرفـاء وظرافوأما الإعصار: فإنه الريح العاصف، تهبّ من الأرض إلـى السماء كأنها عمود، تـجمع أعاصير¹ ومنه قول يزيد بن مُفَرّغ الـحميريّ: أناسٌ أجارُونا فكانَ جِوَارُهُمْأعاصيرَ من سُوءِ العِراقِ الـمُنذّر واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل قوله: {إعْصَارٌ فِـيهِ نَارٌ فَـاحْتَرَقَتْ} فقال بعضهم: معنى ذلك: ريح فـيها سموم شديدة. ذكر من قال ذلك: ٤٩١٢ـ حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه بن بزيغ، قال: حدثنا يوسف بن خالد السمتـي، قال: حدثنا نافع بن مالك، عن عكرمة، عن ابن عبـاس فـي قوله: {إعْصَارٌ فِـيهِ نارٌ} ريح فـيها سموم شديدة. ٤٩١٣ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا ابن عطية، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عن التـميـمي، عن ابن عبـاس فـي: {إعْصَارٌ فِـيهِ نَارٌ} قال: السموم الـحارة التـي خـلق منها الـجان التـي تـحرق. ٤٩١٤ـ حدثنا حميد، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا شريك، عن أبـي إسحاق، عن التـميـمي، عن ابن عبـاس {فأصَابَها إعْصَارٌ فِـيهِ نارٌ فـاحْتَرَقَتْ} قال: هي السموم الـحارّة. ٤٩١٥ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا الـحمانـي، قال: حدثنا شريك، عن أبـي إسحاق، عن التـميـمي، عن ابن عبـاس : {إعْصَارٌ فِـيهِ نَارٌ فَـاحْتَرَقَتْ} التـي تقتل. ٤٩١٦ـ حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، قال: حدثنا إسرائيـل، عن أبـي إسحاق، عمن ذكره، عن ابن عبـاس ، قال: إن السموم التـي خـلق منها الـجان جزء من سبعين جزءا من النار. حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : {إعْصَارٌ فِـيهِ نارٌ فَـاحْتَرَقَتْ} هي ريح فـيها سموم شديد. حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس : {إعْصَارٌ فِـيهِ نارٌ} قال: سموم شديد. ٤٩١٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {إعْصَارٌ فِـيهِ نارٌ} يقول: أصابها ريح فـيها سموم شديدة. حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة، نـحوه. ٤٩١٨ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {إعْصَارٌ فِـيهِ نارٌ فـاحْتَرَقَتْ} أما الإعصار فـالريح، وأما النار فـالسموم. ٤٩١٩ـ حُدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {إعْصَارٌ فِـيهِ نارٌ} يقول: ريح فـيها سموم شديد. وقال آخرون: هي ريح فـيها برد شديد. ذكر من قال ذلك: ٤٩٢٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: كان الـحسن يقول فـي قوله: {إعْصَارٌ فِـيهِ نَارٌ فـاحْتَرَقَتْ} فـيها صِرّ وبرد. ٤٩٢١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك : {إعْصَارٌ فِـيهِ نارٌ فـاحْتَرَقَتْ} يعنـي بـالإعصار ريح فـيها برد. ( القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {كَذَلِكَ يُبَـيّنُ اللّه لَكُمُ الاَياتِ لَعَلّكُمْ تَتَفَكّرُونَ}. يعنـي بذلك جل ثناؤه: كما بـين لكم ربكم تبـارك وتعالـى أمر النفقة فـي سبـيـله، وكيف وجهها، وما لكم وما لـيس لكم فعله فـيها، كذلك يبـين لكم الاَيات سوى ذلك، فـيعرفكم أحكامها وحلالها وحرامها، ويوضح لكم حججها، إنعاما منه بذلك علـيكم {لَعَلّكُمْ تَتَفَكّرُونَ} يقول: لتتفكروا بعقولكم فتتدبروا وتعتبروا بحجج اللّه فـيها، وتعملوا بـما فـيها من أحكامها، فتطيعوا اللّه به.) وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٤٩٢٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، قال: قال مـجاهد: {لَعَلّكُمْ تَتَفَكّرُونَ} قال: تطيعون. ٤٩٢٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : {كَذلِكَ يُبَـيّنُ اللّه لَكُمُ الاَياتِ لَعَلّكُمْ تَتَفَكّرُونَ} يعنـي فـي زوال الدنـيا وفنائها، وإقبـال الاَخرة وبقائها. |
﴿ ٢٦٦ ﴾