٢٧٩

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَإِن لّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ اللّه ...}

يعنـي جل ثناؤه بقوله: {فَـإِنْ لَـمْ تَفْعَلُوا} فإن لـم تذروا ما بقـي من الربـا.

(واختلف القراء فـي قراءة قوله: {فَـأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ} فقرأته عامة قرّاء أهل الـمدينة: {فـأْذَنُوا} بقصر الألف من فأذنوا وفتـح ذالها، بـمعنًى وكونوا علـى علـم وإذْن. وقرأه آخرون وهي قراءة عامة قراء الكوفـيـين: (فَآذِنُوا) بـمدّ الألف من قوله: (فآذِنوا) وكسر ذالها، بـمعنى: فآذنوا غيركم، أعلـموهم وأخبروهم بأنكم علـى حربهم.

وأولـى القراءتـين بـالصواب فـي ذلك، قراءة من قرأ: {فأذَنُوا} بقصر ألفها وفتـح ذالها، بـمعنى: اعلـموا ذلك واستـيقنوه، وكونوا علـى إذن من اللّه عزّ وجل لكم بذلك. وإنـما اخترنا ذلك، لأن اللّه عزّ وجلّ أمر نبـيه صلى اللّه عليه وسلم أن ينبذ إلـى من أقام علـى شركه الذي لا يقرّ علـى الـمقام علـيه، وأن يقتل الـمرتدّ عن الإسلام منهم بكل حال إلا أن يراجع الإسلام، أذنه الـمشركون بأنهم علـى حربه أولـم يأذنوه، فإذ كان الـمأمور بذلك لا يخـلو من أحد أمرين، إما أن يكون كان مشركا مقـيـما علـى شركه الذي لا يقرّ علـيه، أو يكون كان مسلـما فـارتدّ وأذن بحرب، فأيّ الأمرين كان، فإنـما نبذ إلـيه بحرب، لا أنه أمر بـالإيذان بها إن عزم علـى ذلك، لأن الأمر إن كان إلـيه فأقام علـى أكل الربـا مستـحلاً له، ولـم يؤذن الـمسلـمون بـالـحرب، لـم يـلزمهم حربه، ولـيس ذلك حكمه فـي واحدة من الـحالـين، فقد علـم أنه الـمأذون بـالـحرب لا الاَذن بها. وعلـى هذا التأويـل تأوّله أهل التأويـل.) ذكر من قال ذلك:

٥٠٣٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه بن صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس فـي قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا اتّقُوا اللّه وَذَرُوا ما بَقِـيَ مِنَ الربّـا} إلـى قوله: {فـأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ} فمن كان مقـيـما علـى الربـا لا ينزع عنه، فحقّ علـى إمام الـمسلـمين أن يستتـيبه، فإن نزع، وإلا ضرب عنقه.

٥٠٣٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا مسلـم بن إبراهيـم، قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم، قال: ثنـي أبـي، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: يقال يوم القـيامة لاَكل الربـا: خذ سلاحك للـحرب.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا ربـيعة بن كلثوم، قال: ثنـي أبـي، عن سعيد بن جبـير عن ابن عبـاس ، مثله.

٥٠٣٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَذَرُوا ما بَقِـيَ مِنَ الرّبـا إنْ كُنْتُـمْ مُؤْمِنِـينَ فإنْ لَـمْ تَفْعَلُوا فـأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ} أوعدهم اللّه بـالقتل كما تسمعون، فجعلهم بهرجا أينـما ثقـفوا.

حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن قتادة، مثله.

٥٠٣٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {فإنْ لَـمْ تَفْعَلُوا فَـأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ} أوعد لاَكل الربـا بـالقتل.

٥٠٣٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال ابن عبـاس قوله: {فَـأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّه وَرَسُولِهِ} فـاستـيقنوا بحرب من اللّه ورسوله.

وهذه الأخبـار كلها تنبىء عن أن قوله: {فَـأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّه } إيذان من اللّه عزّ وجلّ لهم بـالـحرب والقتل، لا أمر لهم بإيذان غيرهم.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإنْ تُبْتُـمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ}.

يعنـي جل ثناؤه بذلك: إن تبتـم فتركتـم أكل الربـا، وأنبتـم إلـى اللّه عزّ وجلّ، فلكم رءوس أموالكم من الديون التـي لكم علـى الناس دون الزيادة التـي أحدثتـموها علـى ذلك ربـا منكم. كما:

٥٠٣٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَإنْ تُبْتُـمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوالِكُمْ} الـمال الذي لهم علـى ظهور الرجال جعل لهم رُءُوسَ أموالهم حين نزلت هذه الآية. فأما الربح والفضل فلـيس لهم، ولا ينبغي لهم أن يأخذوا منه شيئا.

٥٠٣٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: حدثنا هشيـم، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: وضع اللّه الربـا، وجعل لهم رءوس أموالهم.

حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن سعيد بن أبـي عروبة، عن قتادة فـي قوله: {وَإنْ تُبْتُـمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوالِكُمْ} قال: ما كان لهم من دين، فجعل لهم أن يأخذوا رءوس أموالهم، ولا يزدادوا علـيه شيئا.

٥٠٤٠ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {وَإنْ تُبْتُـمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ} الذي أسلفتـم وسقط الربـا.

٥٠٤١ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: ذكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال فـي خطبته يوم الفتـح: (ألاّ إنّ رِبـا الـجاهِلِـيّةِ مَوْضُوعٌ كُلّهُ، وَأوّلُ رِبـا أبْتَدِىءُ بِهِ رِبـا العَبّـاسِ بْنِ عَبْدِ الـمُطّلِب).

٥٠٤٢ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال فـي خطبته: (إنّ كُلّ رِبـا مَوْضُوعٌ، وأوّلُ رِبـا يُوضَعُ رِبـا العَبّـاس).

القول فـي تأويـل قوله: {لا تَظْلِـمُونَ وَلا تُظْلَـمُونَ}.

يعنـي بقوله: {لا تَظْلِـمُونَ} بأخذكم رءوس أموالكم التـي كانت لكم قبل الإربـاء علـى غرمائكم منهم دون أربـاحها التـي زدتـموها ربـا علـى من أخذتـم ذلك منه من غرمائكم، فتأخذوا منهم ما لـيس لكم أخذه، أو لـم يكن لكم قبل. {وَلا تُظْلَـمُونَ}

يقول: ولا الغريـم الذي يعطيكم ذلك دون الربـا الذي كنتـم ألزمتـموه من أجل الزيادة فـي الأجل يبخسكم حقا لكم علـيه فـيـمنعكموه، لأن ما زاد علـى رءوس أموالكم، لـم يكن حقا لكم علـيه، فـيكون بـمنعه إياكم ذلك ظالـما لكم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك كان ابن عبـاس يقول وغيره من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٥٠٤٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : {وَإنْ تُبْتُـمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِـمُونَ} فتربون، {وَلا تُظْلَـمُونَ} فتنقصون.

٥٠٤٤ـ وحدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {فَلَكُمْ رُءُوسُ أمْوَالِكُمْ لا تَظْلِـمُونَ وَلا تُظْلَـمُونَ} قال: لا تنقصون من أموالكم، ولا تأخذون بـاطلاً لا يحلّ لكم.

﴿ ٢٧٩