٢٨٢القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُوَاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىَ أَجَلٍ مّسَمّى ...} يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: يا أيها الذين صدّقوا اللّه ورسوله {إذَا تَدَايَنْتُـمْ} يعنـي إذا تبـايعتـم بدين أو اشتريتـم به، أو تعاطيتـم، أو أخذتـم به {إلـى أَجَلٍ مُسَمّى} يقول: إلـى وقت معلوم وقتـموه بـينكم. وقد يدخـل فـي ذلك القرض والسلـم فـي كل ما جاز. السلـم شرى أجّل بـيعه يصير دينا علـى بـائع ما أسلـم إلـيه فـيه، ويحتـمل بـيع الـحاضر الـجائز بـيعه من الأملاك بـالأثمان الـمؤجلة كل ذلك من الديون الـمؤجلة إلـى أجل مسمّى إذا كانت آجالها معلومة بحدّ موقوف علـيه. وكان ابن عبـاس يقول: نزلت هذه الآية فـي السلـم خاصة. ذكر من قال ذلك: ٥٠٧٦ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا يحيـى بن عيسى الرملـي، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، قال: قال ابن عبـاس فـي: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُـمْ بِدَيْنٍ إلـى أجَلً مُسَمّى} قال: السلـم فـي الـحنطة فـي كيـل معلوم إلـى أجل معلوم. حدثنـي مـحمد بن عبد اللّه الـمخرمي، قال: حدثنا يحيـى بن الصامت، قال: حدثنا ابن الـمبـارك، عن سفـيان، عن أبـي حيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن ابن عبـاس : {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُـمْ بِدَيْنٍ} قال: نزلت فـي السلـم فـي كيـل معلوم إلـى أجل معلوم. حدثنا علـيّ بن سهل، قال: حدثنا يزيد بن أبـي الزرقاء، عن سفـيان، عن أبـي حيان، عن رجل، عن ابن عبـاس ، قال: نزلت هذه الآية: {إذَا تَدَايَنْتُـمْ بِدَيْنٍ إلـى أجَلٍ مُسَمّى فـاكْتُبُوهُ} فـي السلـم فـي الـحنطة فـي كيـل معلوم إلـى أجل معلوم. حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا مـحمد بن مـحبب، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي حيان التـيـمي، عن رجل، عن ابن عبـاس قال: نزلت هذه الآية: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُـمْ بِدَيْنٍ إلـى أجَلٍ مُسَمّى} فـي السلف فـي الـحنطة فـي كيـل معلوم إلـى أجل معلوم. ٥٠٧٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا معاذ بن هشام، قال: ثنـي أبـي، عن قتادة، عن أبـي حيان، عن ابن عبـاس ، قال: أشهد أن السلف الـمضمون إلـى أجل مسمى أن اللّه عزّ وجلّ قد أحله، وأذن فـيه. ويتلو هذه الآية: {إذَا تَدَايَنْتُـمْ بِدَيْنٍ إلـى أجَلٍ مُسَمّى}. فإن قال قائل: وما وجه قوله: {بِدَيْنٍ} وقد دلّ بقوله: {إذَا تَدَايَنْتُـمْ} علـيه؟ وهل تكون مداينة بغير دين، فـاحتـيج إلـى أن يقال بدين؟ قـيـل: إن العرب لـما كان مقولاً عندها تداينا بـمعنى تـجازينا وبـمعنى تعاطينا الأخذ والإعطاء بدين، أبـان اللّه بقوله (بدين) الـمعنى الذي قصد تعريفه من قوله (تداينتـم) حكمه، وأعلـمهم أنه حكم الدين دون حكم الـمـجازاة. وقد زعم بعضهم أن ذلك تأكيد كقوله: {فَسَجَدَ الـمَلائِكَةُ كُلّهُمْ أجْمَعُونَ}. ولا معنى لـما قال من ذلك فـي هذا الـموضع. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فـاكتُبُوهُ}. يعنـي جل ثناؤه بقوله: {فـاكْتُبُوهُ} فـاكتبوا الدّين الذي تداينتـموه إلـى أجل مسمى من بـيع كان ذلك أو قرض. واختلف أهل العلـم فـي اكتتاب الكتاب بذلك علـى من هو علـيه، هل هو واجب أو هو ندب؟ فقال بعضهم: هو حقّ واجب، وفرض لازم. ذكر من قال ذلك: ٥٠٧٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك فـي قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُـمْ بِدَيْنٍ إلـى أجَلٍ مسَمّى فـاكْتُبُوهُ} قال: من بـاع إلـى أجل مسمى أمر أن يكتب صغيرا كان أو كبـيرا إلـى أجل مسمى. ٥٠٧٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج قوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُـمْ بِدَيْنٍ إلـى أجَلٍ مَسَمّى فـاكْتُبُوهُ} قال: فمن ادّان دينا فلـيكتب، ومن بـاع فلـيشهد. ٥٠٨٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع فـي قوله: {إذَا تَدَايَنْتُـمْ بِدَيْنٍ إلـى أجَلٍ مُسَمّى فـاكْتُبُوهُ} فكان هذا واجبـا. ٥٠٨١ـ وحدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع بـمثله، وزاد فـيه: قال: ثم قامت الرخصة والسعة قال: {فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا فَلْـيُؤَدّ الّذِي اؤْتُـمِنَ أمانَتَهُ وَلْـيَتّقِ اللّه رَبّهُ}. ٥٠٨٢ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن أبـا سلـيـمان الـمرعشي كان رجلاً صحب كعبـا فقال ذات يوم لأصحابه: هل تعلـمون مظلوما دعا ربه فلـم يستـجب له؟ قالوا: وكيف يكون ذلك؟ قال: رجل بـاع شيئا فلـم يكتب ولـم يُشهد، فلـما حلّ ماله جحده صاحبه، فدعا ربه، فلـم يستـجب له، لأنه قد عصى ربه. وقال آخرون: كان اكتتاب الكتاب بـالدين فرضا، فنسخه قوله: {فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا فَلْـيُؤدّ الّذِي اؤْتُـمِنَ أمانَتَهُ}. ذكر من قال ذلك: ٥٠٨٣ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا الثوري، عن ابن شبرمة، عن الشعبـي، قال: لا بأس إذا أمنته أن لا تكتب، ولا تُشهد¹ لقوله: {فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا}. قال ابن عيـينة: قال ابن شبرمة عن الشعبـي: إلـى هذا انتهى. ٥٠٨٤ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن عامر فـي هذه الآية: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُـمْ بِدَيْنٍ إلـى أجَلٍ مُسَمّى فـاكْتُبُوهُ} حتـى بلغ هذا الـمكان: {فإنْ أمِنْ بَعْضُكُمْ بَعْضا فَلْـيُؤَدّ الّذِي اؤْتُـمِنَ أمانَتَهُ} قال: رخص فـي ذلك، فمن شاء أن يأتـمن صاحبه فلـيأتـمنه. ٥٠٨٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا هارون، عن عمرو، عن عاصم، عن الشعبـي، قال: إن ائتـمنه فلا يشهد علـيه ولا يكتب. ٥٠٨٦ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، عن الشعبـي قال: فكانوا يرون أن هذه الآية: {فإنْ أمِنَ بَعضُكُمْ بَعْضا} نسخت ما قبلها من الكتابة والشهود رخصة ورحمة من اللّه . ٥٠٨٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال غير عطاء: نسخت الكتاب والشهادة: {فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا}. ٥٠٨٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: نسخ ذلك قوله: {فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا فَلْـيؤدّ الّذِي اؤْتُـمِنَ أمانَتَهُ} قال: فلولا هذا الـحرف لـم يبح لأحد أن يدّان بدين إلا بكتاب وشهداء، أو برهن، فلـما جاءت هذه نسخت هذا كله، صار إلـى الأمانة. ٥٠٨٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا حجاج، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سلـيـمان التـيـمي، قال: سألت الـحسن قلت: كل من بـاع بـيعا ينبغي له أن يُشهد؟ قال: ألـم تر أن اللّه عزّ وجلّ يقول: {فَلْـيُؤَدّ الّذِي اؤتُـمِنَ أمانَتَهُ}. حدثنا مـحمد بن الـمثنى، قال: حدثنا عبد الوهاب، قال: حدثنا داود، عن عامر فـي هذه الآية: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُـمْ بِدَيْنٍ إلـى أجَلٍ مُسَمّى فَـاكْتُبُوهُ} حتـى بلغ هذا الـمكان: {فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا فَلْـيُؤَدّ الّذِي اؤْتُـمِنَ أمانَتَهُ} قال: رخص فـي ذلك، فمن شاء أن يأتـمن صاحبه فلـيأتـمنه. ٥٠٩٠ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن داود، عن الشعبـي فـي قوله: {فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا} قال: إن أشهدت فحزم، وإن لـم تشهد ففـي حلّ وسعة. ٥٠٩١ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن إسماعيـل بن أبـي خالد، قال: قلت للشعبـي: أرأيت الرجل يستدين من الرجل الشيء، أحتـم علـيه أن يشهد؟ قال: فقرأ إلـى قوله: {فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا} قد نسخ ما كان قبله. ٥٠٩٢ـ حدثنا عمرو بن علـيّ، قال: حدثنا مـحمد بن مروان العقـيـلـي، قال: حدثنا عبد الـملك بن أبـي نضرة، عن أبـي سعيد الـخدري، أنه قرأ: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُـمْ بِدَيْنٍ إلـى أجَلٍ مُسَمّى} قال: فقرأ إلـى: {فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا} قال: هذه نسخت ما قبلها. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلْـيَكْتُبْ بَـيْنَكُمْ كاتِبٌ بـالعَدْلِ وَلا يأْبَ كَاتِبٌ أنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلّـمَهُ اللّه }. يعنـي بذلك جل ثناؤه: {ولْـيَكْتُبْ} كتاب الدين إلـى أجل مسمى بـين الدائن والـمدين {كاتِبٌ بـالعَدْلِ} يعنـي بـالـحقّ والإنصاف فـي الكتاب الذي يكتبه بـينهما، بـما لا يحيف ذا الـحقّ حقه، ولا يبخسه، ولا يوجب له حجة علـى من علـيه دينه فـيه ببـاطل، ولا يـلزمه ما لـيس علـيه. كما: ٥٠٩٣ـ حدثنا بشر قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة فـي قوله: {وَلْـيَكْتُبْ بَـيْنَكُمْ كاتِبٌ بـالعَدْلِ} قال: اتقـى اللّه كاتب فـي كتابه، فلا يدعنّ منه حقا، ولا يزيدنّ فـيه بـاطلاً. وأما قوله: {وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أنْ يَكْتُبَ كَما عَلّـمَهُ اللّه } فإنه يعنـي: ولا يأبـينّ كاتب استكتب ذلك أن يكتب بـينهم كتاب الدين، كما علـمه اللّه كتابته فخصه بعلـم ذلك، وحرمه كثـيرا من خـلقه. وقد اختلف أهل العلـم فـي وجوب الكتاب علـى الكاتب إذا استكتب ذلك نظير اختلافهم فـي وجوب الكتاب علـى الذي له الـحقّ. ذكر من قال ذلك: ٥٠٩٤ـ حدثنا مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد في قول اللّه عز وجل: {وَلا يَأْبَ كاتِبٌ} قال: واجب علـى الكاتب أن يكتب. ٥٠٩٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء قوله: {وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أنْ يَكْتُبَ} أواجب أن لا يأبى أن يكتب؟ قال: نعم. قال ابن جريج وقال مـجاهد: واجب علـى الكاتب أن يكتب. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح عن مـجاهد: {وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أنْ يَكْتُبَ كَما عَلّـمَهُ اللّه } بـمثله. ٥٠٩٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن إسرائيـل، عن جابر، عن عامر وعطاء قوله: {وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أنْ يَكْتُبَ كمَا عَلّـمَهُ اللّه } قالا: إذا لـم يجدوا كاتبـا فدعيت فلا تأب أن تكتب لهم. ذكر من قال هي منسوخة. قد ذكرنا جماعة مـمن قال: كل ما فـي هذه الآية من الأمر بـالكتابة والإشهاد والرهن منسوخ بـالآية التـي فـي آخرها، وأذكر قول من تركنا ذكره هنالك ببعض الـمعانـي: ٥٠٩٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك : {وَلاَ يَأْبَ كاتِبٌ} قال: كانت عزيـمة فنسختها: {وَلا يُضَارّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ}. ٥٠٩٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {وَلْـيَكْتُبْ بَـيْنَكُمْ كَاتِبٌ بـالعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلّـمَهُ اللّه } فكان هذا واجبـا علـى الكتّاب. وقال آخرون: هو علـى الوجوب، ولكنه واجب علـى الكاتب فـي حال فراغه. ذكر من قال ذلك: ٥٠٩٩ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي قوله: {وَلْـيَكْتُبْ بَـيْنَكُمْ كاتِبٌ بـالعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أنْ يَكْتُبَ كمَا عَلّـمَهُ اللّه } يقول: لا يأب كاتب أن يكتب إن كان فـارغا. (والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أن اللّه عزّ وجلّ أمر الـمتداينـين إلـى أجل مسمى بـاكتتاب كتب الدين بـينهم، وأمر الكاتب أن يكتب ذلك بـينهم بـالعدل، وأمر اللّه فرض لازم، إلا أن تقوم حجة بأنه إرشاد وندب. ولا دلالة تدلّ علـى أن أمره جل ثناؤه بـاكتتاب الكتب فـي ذلك، وأن تقدمه إلـى الكاتب أن لا يأبى كتابة ذلك ندب وإرشاد، فذلك فرض علـيهم لا يسعهم تضيـيعه، ومن ضيعه منهم كانَ حَرِجا بتضيـيعه.) ولا وجه لاعتلال من اعتلّ بأن الأمر بذلك منسوخ بقوله: {فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا فَلْـيُؤَدّ الّذِي اؤْتُـمِنَ أمانَتَهُ} لأن ذلك إنـما أذن اللّه تعالـى ذكره به، حيث لا سبـيـل إلـى الكتاب، أو إلـى الكاتب فأما والكتاب والكاتب موجودان، فـالفرض إذا كان الدّين إلـى أجل مسمى ما أمر اللّه تعالـى ذكره به فـي قوله: {فـاكْتُبُوهُ وَلْـيَكْتُبْ بَـيْنَكُمْ كَاتِبٌ بـالعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أنْ يَكْتُبَ كَما عَلّـمَهُ اللّه }. وإنـما يكون الناسخ ما لـم يجز اجتـماع حكمه وحكم الـمنسوخ فـي حال واحدة علـى السبـيـل التـي قد بـيناها، فأما ما كان أحدهما غير ناف حكم الاَخر، فلـيس من الناسخ والـمنسوخ فـي شيء. ولو وجب أن يكون قوله: {وَإنْ كُنْتُـمْ علـى سَفَرٍ وَلَـمْ تَـجِدُوا كاتِبـا فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا فَلْـيُؤَدّ الّذِي اؤْتُـمِنَ أمانَتَهُ} ناسخا قوله: {إذَا تَدَايَنْتُـمْ بِدَيْنٍ إلـى أجَلٍ مُسَمّى فـاكْتُبُوهُ وَلْـيَكْتُبْ بَـيْنَكُمْ كاتِبٌ بـالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أنْ يَكْتُبَ كمَا عَلّـمَهُ اللّه }، لوجب أن يكون قوله: {وَإنْ كُنْتُـمْ مَرْضَى أوْ عَلـى سَفَرٍ أوْ جاءَ أحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الغائِطِ أوْ لامَسْتُـمُ النّسَاءَ فَلَـمْ تَـجِدُوا ماءًا فَتَـيَـمّـمُوا صَعِيدا طَيّبـا} ناسخا الوضوء بـالـماء فـي الـحضر عند وجود الـماء فـيه، وفـي السفر الذي فرضه اللّه عزّ وجلّ بقوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا قُمْتُـمْ إلـى الصّلاةِ فـاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأيْدِيَكُمْ إلـى الـمَرَافِقِ} وأن يكون قوله فـي كفـارة الظهار: {فَمَنْ لَـمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} ناسخا قوله: {فَتَـحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أنْ يَتَـماسّا}. فـيسأل القائل إن قول اللّه عزّ وجلّ: {فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا فَلْـيُؤَدّ الّذِي اؤْتُـمِنَ أمانَتَهُ} ناسخ قوله: {إذَا تَدَايَنْتُـمْ بِدَيْظنٍ إلـى أجَلٍ مُسَمّى فَـاكْتُبُوهُ} ما الفرق بـينه وبـين القائل فـي التـيـمـم وما ذكرنا قوله، فزعم أن كل ما أبـيح فـي حال الضرورة لعلة الضرورة ناسخ حكمه فـي حال الضرورة حكمه فـي كل أحواله، نظير قوله فـي أن الأمر بـاكتتاب كتْب الديون والـحقوق منسوخ بقوله: {وَإنْ كُنْتُـمْ عَلـى سَفَرٍ وَلَـمْ تَـجِدُوا كاتِبـا فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا فَلْـيُؤَدّ الّذِي اؤْتُـمِنَ أمانَتَهُ}؟ فإن قال: الفرق بـينـي وبـينه أن قوله: {فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا} كلام منقطع عن قوله: {وَإنْ كُنْتُـمْ علـى سَفَرٍ وَلَـمْ تَـجِدُوا كاتِبـا فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ} وقد انتهى الـحكم فـي السفر إذا عدم فـيه الكاتب بقوله: {فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ}. وإنـما عنى بقوله: {فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا} إذا تداينتـم بدين إلـى أجل مسمى، فأمن بعضكم بعضا، فلـيؤد الذي اؤتـمن أمانته. قـيـل له: وما البرهان علـى ذلك من أصل أو قـياس وقد انقضى الـحكم فـي الدين الذي فـيه إلـى الكاتب والكتاب سبـيـل بقوله: {وَيُعَلّـمُكُمُ اللّه وَاللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ}؟ وأما الذين زعموا أن قوله: {فَـاكْتُبُوهُ} وقوله: {وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ} علـى وجه الندب والإرشاد، فإنهم يسألون البرهان علـى دعواهم فـي ذلك، ثم يعارضون بسائر أمر اللّه عز وجلّ الذي أمر فـي كتابه، ويسألون الفرق بـين ما ادّعوا فـي ذلك وأنكروه فـي غيره، فلن يقولوا فـي شيء من ذلك قولاً إلا ألزموا بـالاَخر مثله. ذكر من قال العدل فـي قوله: {وَلْـيَكْتُبْ بَـيْنَكُمْ كاتِبٌ بـالعَدْلِ} الـحقّ. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَلْـيَكْتُبْ وَلْـيُـمْلِلْ الّذِي عَلَـيْهِ الـحَقّ وَلْـيَتّقِ اللّه رَبّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئا}. يعنـي بذلك: فلـيكتب الكاتب، ولـيـملل الذي علـيه الـحقّ، وهو الغريـم الـمدين. يقول: لـيتولّ الـمدين إملال كتاب ما علـيه من دين ربّ الـمال علـى الكاتب، ولـيتّق اللّه ربه الـمـملـي الذي علـيه الـحقّ، فلـيحذر عقابه فـي بخس الذي له الـحقّ من حقه شيئا، أن ينقصه منه ظلـما، أو يذهب به منه تعديّا، فـيؤخذ به حيث لا يقدر علـى قضائه إلا من حسناته، أو أن يتـحمل من سيئاته. كما: ٥١٠٠ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {فَلْـيَكْتُبْ وَلْـيُـمْلِلِ الّذِي عَلَـيْهِ الـحَقّ} فكان هذا واجبـا، {وَلْـيَتّقِ اللّه رَبّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئا} يقول: لا يظلـم منه شيئا. ٥١٠١ـ حدثنـي ونس، قل: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيئا} قال: لا ينقص من حقّ هذا الرجل شيئا إذا أملـى. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فإن كانَ الّذِي عَلَـيْهِ الـحَقّ سَفِـيها أوْ ضَعِيفـا أوْ لا يَسْتَطِيعُ أنْ يُـمِلّ هُوَ فَلْـيُـمْلِلْ وَلِـيّهُ بـالعَدْلِ}. يعنـي بقوله جل ثناؤه: {فإنْ كانَ الّذِي عَلَـيْهِ الـحَقّ سَفِـيها أوْ ضَعِيفـا} فإن كان الـمدين الذي علـيه الـمال سفـيها، يعنـي جاهلاً بـالصواب فـي الذي علـيه أن يـمله علـى الكاتب. كما: ٥١٠٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {فإنْ كانَ الّذِي عَلَـيْهِ الـحَقّ سَفِـيها} أما السفـيه: فـالـجاهل بـالإملاء والأمور. وقال آخرون: بل السفـيه فـي هذا الـموضع الذي عناه اللّه : الطفل الصغير. ذكر من قال ذلك: ٥١٠٣ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {فإنْ كانَ الّذِي عَلَـيْهِ الـحَقّ سَفِـيها} أما السفـيه: فهو الصغير. ٥١٠٤ـ حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك فـي قوله: {فإنْ كانَ الّذِي عَلَـيْهِ الـحَقّ سَفِـيها أوْ ضَعْيفـا} قال: هو الصبـيّ الصغير، {فَلْـيُـمْلِلْ وَلِـيّهُ بـالعَدْلِ}. وأولـى التأويـلـين بـالآية، تأويـل من قال: السفـيه فـي هذا الـموضع: الـجاهل بـالإملاء وموضع صواب ذلك من خطئه، لـما قد بـينا قبل من أن معنى السفه فـي كلام العرب: الـجهل. وقد يدخـل فـي قوله: {فإنْ كانَ الّذِي عَلَـيْهِ الـحَقّ سَفِـيها} كل جاهل بصواب ما يـملّ من خطئه من صغير وكبـير، وذكر وأنثى. غير أن الذي هو أولـى بظاهر الآية أن يكون مرادا بها كل جاهل بـموضع خطأ ما يـمل وصوابه من بـالغي الرجال الذين لا يولـى علـيهم، والنساء¹ لأنه أجل ذكره ابتدأ الآية بقوله: {يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَيّنْتُـمْ بِدَيْنٍ إلـى أجَلٍ مُسَمّى} والصبـيّ ومن يولـى علـيه لا يجوز مداينته، وأن اللّه عزّ وجلّ قد استثنى من الذين أمرهم بإملال كتاب الدين مع السفـيه الضعيف ومن لا يستطيع إملاله، ففـي فصله جل ثناؤه الضعيف من السفـيه ومن لا يستطيع إملاء الكتاب فـي الصفة التـي وصف بها كل واحد منهم ما أنبأ عن أن كل واحد من الأصناف الثلاثة الذين بـين اللّه صفـاتهم غير الصنفـين الاَخرين. وإذا كان ذلك كذلك، كان معلوما أن الـموصوف بـالسفه منهم دون الضعف هو ذو القوّة علـى الإملال، غير أنه وضع عنه فرض الإملال بجهله بـموضع صواب ذلك من خطئه، وأن الـموصوف بـالضعف منهم هو العاجر عن إملاله وإن كان شديدا رشيدا إما لعيّ لسانه أو خرس به، وأن الـموصوف بأنه لا يستطيع أن يـمل هو الـمـمنوع من إملاله، إما بـالـحبس الذي لا يقدر معه علـى حضور الكاتب الذي يكتب الكتاب فـيـمل علـيه، وإما لغيبته عن موضع الإملال فهو غير قادر من أجل غيبته عن إملال الكتاب. فوضع اللّه عنهم فرض إملال ذلك للعلل التـي وصفنا إذا كانت بهم، وعذرهم بترك الإملال من أجلها، وأمر عند سقوط فرض ذلك علـيهم ولـي الـحقّ بإملاله فقال: {فإنْ كانَ الّذِي عَلَـيْهِ الـحَقّ سَفِـيها أوْ ضَعِيفـا أوْ لا يَسْتَطِيعُ أنْ يُـمِلّ هُوَ فَلْـيُـمْلِلْ وَلِـيّهُ بـالعَدْلِ} يعنـي ولـيّ الـحقّ. ولا وجه لقول من زعم أن السفـيه فـي هذا الـموضع هو الصغير، وأن الضعيف هو الكبـير الأحمق¹ لأن ذلك إن كان كما قال يوجب أن يكون قوله: {أوْ لا يَسْتَطِيعُ أنْ يُـمِلّ هُوَ} هو العاجز من الرجال العقلاء الـجائزي الأمر فـي أموالهم وأنفسهم عن الإملال، إما لعلة بلسانه من خرس أو غيره من العلل، وإما لغيبته عن موضع الكتاب. وإذا كان ذلك كذلك معناه، بطل معنى قوله: {فَلْـيُـمْلِلْ وَلِـيّهُ بـالعَدْلِ} لأن العاقل الرشيد لا يولّـى علـيه فـي ماله وإن كان أخرس أو غائبـا، ولا يجوز حكم أحد فـي ماله إلا بأمره. وفـي صحة معنى ذلك ما يقضي علـى فساد قول من زعم أن السفـيه فـي هذا الـموضع هو الطفل الصغير أو الكبـير الأحمق. ذكر من قال ذلك: ٥١٠٥ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {فإنْ كانَ الّذِي عَلَـيْهِ الـحَقّ سَفِـيها أوْ ضَعِيفـا أوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أنْ يُـمِلّ هُوَ فَلْـيُـمْلِلْ وَلِـيّهُ بـالعَدْلِ} يقول: ولـيّ الـحق. ٥١٠٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قوله: {فإنْ كانَ الّذِي عَلَـيْهِ الـحَقّ سَفِـيها أوْ ضَعِيفـا أو لا يَسْتَطِيعُ أنْ يُـمِلّ هُوَ فَلْـيُـمْلِلْ وَلِـيّهُ بـالعَدْلِ} قال: يقول: إن كان عجز عن ذلك أملّ صاحب الدين بـالعدل. ذكر الرواية عمن قال: عنى بـالضعيف فـي هذا الـموضع: الأحمق. وبقوله: {فَلْـيُـمْلِلْ وَلِـيّهُ بـالعَدْلِ} ولـيّ السفـيه والضعيف. ٥١٠٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك : {فإنْ كانَ الّذِي عَلَـيْهِ الـحَقّ سَفِـيها أوْ ضَعِيفـا أوْ لا يَسْتَطِيعُ أنْ يُـمِلّ هُوَ} قال: أمر ولـيّ السفـيه أو الضعيف أن يـملّ بـالعدل. ٥١٠٨ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: أما الضعيف، فهو الأحمق. ٥١٠٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: أما الضعيف فـالأحمق. ٥١١٠ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: {فإنْ كانَ الّذِي عَلَـيْهِ الـحَقّ سَفِـيها أوْ ضَعِيفـا} لا يعرف فـيثبت لهذا حقه ويجهل ذلك، فولـيه بـمنزلته حتـى يضع لهذا حقه. وقد دللنا علـى أولـى التأويـلـين بـالصواب فـي ذلكوأما قوله: {فَلْـيُـمْلِلْ وَلِـيّهُ بـالعَدْلِ} فإنه يعنـي بـالـحقّ. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ}. يعنـي بذلك جل ثناؤه: (واستشهدوا علـى حقوقكم شاهدين، يقال: فلان شهيدي علـى هذا الـمال وشاهدي علـيهوأما قوله: {مِنْ رِجالِكُمْ} فإنه يعنـي من أحراركم الـمسلـمين دون عبـيدكم، ودون أحراركم الكفـار.) كما: ٥١١١ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {وَاسْتَشْهَدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِجالِكُمْ} قال: الأحرار. حدثنـي يونس، قال: أخبرنا علـي بن سعيد، عن هشيـم، عن داود بن أبـي هند، عن مـجاهد، مثله. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فإنْ لَـمْ يَكُونَا رَجُلَـيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأتانِ مِـمّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشّهَدَاءِ}. (يعنـي بذلك جل ثناؤه: فإن لـم يكونا رجلـين، فلـيكن رجل وامرأتان علـى الشهادة. ورفع الرجل والـمرأتان بـالرد علـى الكون، وإن شئت قلت: فإن لـم يكونا رجلـين فلـيشهد رجل وامرأتان علـى ذلك، وإن شئت فإن لـم يكونا رجلـين فرجل وامرأتان يشهدون علـيه¹ وإن قلت: فإن لـم يكونا رجلـين فرجل وامرأتان كان صوابـا كل ذلك جائز، ولو كان فرجل وامرأتان نصبـا كان جائزا علـى تأويـل: فإن لـم يكونا رجلـين، فـاستشهدوا رجلاً وامرأتـينوقوله: {مِـمّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشّهَدَاءِ} يعنـي من العدول الـمرتضى دينهم وصلاحهم.) كما: ٥١١٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع فـي قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ} يقول فـي الدين، {فَإنْ لَـمْ يَكُونَا رَجُلَـيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأتانِ} وذلك فـي الدين مـمن ترضون من الشهداء. يقول: عدول. ٥١١٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك : {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} أمر اللّه عز وجل أن يشهدوا ذوي عدل من رجالهم، {فإنْ لَـمْ يَكُونا رَجُلَـيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأتانِ مِـمّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشّهَدَاءِ}. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أنْ تَضِلّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى}. اختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأ عامة أهل الـحجاز والـمدينة وبعض أهل العراق: {أنْ تَضِلّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إحْدَاهُما الأُخْرَى} بفتـح الألف من (أن) ونصب (تضل) و(تذكّر)، بـمعنى: فإن لـم يكونا رجلـين فرجل وامرأتان كي تذكر إحداهما الأخرى إن ضلت. وهو عندهم من الـمقدّم الذي معناه التأخير¹ لأن التذكير عندهم هو الذي يجب أن يكون مكان تضل، لأن الـمعنى ما وصفنا فـي قولهم. و قالوا: إنـما نصبنا (تذكر)، لأن الـجزاء لـما تقدم اتصل بـما قبله فصار جوابه مردودا علـيه، كما تقول فـي الكلام: إنه لـيعجبنـي أن يسأل السائل فـيعطَى، بـمعنى أنه لـيعجبنـي أن يعطى السائل إن سأل أو إذا سأل، فـالذي يعجبك هو الإعطاء دون الـمسألة. ولكن قوله (أن يسأل) لـما تقدم اتصل بـما قبله، وهوقوله: (لـيعجبنـي) فتـح (أن) ونصب بها، ثم أتبع ذلك قوله: (يُعْطَى)، فنصبه بنصب قوله: (لـيعجبنـي أن يسأل)، نسقا علـيه، وإن كان فـي معنى الـجزاء. وقرأ ذلك آخرون كذلك، غير أنهم كانوا يقرءونه بتسكين الذال من (تُذْكِرَ) وتـخفـيف كافها. وقارئو ذلك كذلك مختلفون فـيـما بـينهم فـي تأويـل قراءتهم إياه كذلك. وكان بعضهم يوجهه إلـى أن معناه: فتصير إحداهما الأخرى ذكرا بـاجتـماعهما، بـمعنى أن شهادتها إذا اجتـمعت وشهادة صاحبتها جازت، كما تـجوز شهادة الواحد من الذكور فـي الدين، لأن شهادة كل واحدة منهما منفردة غير جائزة فـيـما جازت فـيه من الديون إلا بـاجتـماع اثنتـين علـى شهادة واحد، فتصير شهادتهما حينئذ منزلة شهادة واحد من الذكور. فكأن كل واحدة منهما فـي قول متأولـي ذلك بهذا الـمعنى صيرت صاحبتها معها ذكرا¹ وذهب إلـى قول العرب: لقد أذكرت بفلان أمّه، أي ولدته ذكرا، فهي تُذْكِرُ به، وهي امرأة مذكرة إذا كانت تلد الذكور من الأولاد. وهذا قول يروى عن سفـيان بن عيـينة أنه كان يقوله. ٥١١٤ـ حدثت بذلك عن أبـي عبـيد القاسم بن سلام أنه قال: حُدثت عن سفـيان بن عيـينة أنه قال: لـيس تأويـل قوله: {فَتُذَكّرَ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى} من الذّكْرِ بعد النسيان إنـما هو من الذّكَر، بـمعنى أنها إذا شهدت مع الأخرى صارت شهادتهما كشهادة الذكر. وكان آخرون منهم يوجهونه إلـى أنه بـمعنى الذكر بعد النسيان. وقرأ ذلك آخرون: (إنْ تَضِلّ إحْدَاهُمَا فَتذَكّرُ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى) بكسر (إن) من قوله: (إنْ تَضِلّ) ورفع (تُذَكّرُ) وتشديده. كأنه بـمعنى ابتداء الـخبر عما تفعل الـمرأتان، إن نسيت إحداهما شهادتهما تذكرها الأخرى من تثبـيت الذاكرة الناسية وتذكيرها ذلك، وانقطاع ذلك عما قبله. ومعنى الكلام عند قارىء ذلك كذلك: واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لـم يكونا رجلـين فرجل وامرأتان مـمن ترضون من الشهداء، فإن إحداهما إن ضلت ذكرتها الأخرى¹ علـى استئناف الـخبر عن فعلها إن نسيت إحداهما شهادتها من تذكير الأخرى منهما صاحبتها الناسية. وهذه قراءة كان الأعمش يقرؤها ومن أخذها عنه. وإنـما نصب الأعمش (تضلّ) لأنها فـي مـحل جزم بحرف الـجزاء، وهو (إنْ). وتأويـل الكلام علـى قراءته: إن تَضْلِلْ، فلـما اندغمت إحدى اللامين فـي الأخرى حركها إلـى أخفّ الـحركات ورفع تذكر بـالفـاء، لأنه جواب الـجزاء. والصواب من القراءة عندنا فـي ذلك قراءة من قرأه بفتـح (أن) من قوله: {أنْ تَضِلّ إحْدَاهُمَا} وبتشديد الكاف من قوله: {فَتُذَكّرَ إحْدَاهُمَا الأُخْرَى} ونصب الراء منه، بـمعنى: فإن لـم يكونا رجلـين فلـيشهد رجل وامرأتان كي إن ضلت إحداهما ذكرتها الأخرىوأما نصب (فتذكر) فبـالعطف علـى (تضلّ)، وفتـحت (أن) بحلولها مـحل (كي)، وهي فـي موضع جزاء، والـجواب بعده اكتفـاءً بفتـحها، أعنـي بفتـح (أن) من (كي) ونسق الثانـي، أعنـي (فتذكر) علـى (تضلّ)، لـيعلـم أن الذي قام مقام ما كان يعمل فـيه وهو ظاهر قد دلّ علـيه وأدّى عن معناه وعمله، أي عن (كي). وإنـما اخترنا ذلك فـي القراءة لإجماع الـحجة من قدماء القراء والـمتأخرين علـى ذلك، وانفراد الأعمش ومن قرأ قراءته فـي ذلك بـما انفرد به عنهم، ولا يجوز ترك قراءة جاء بها الـمسلـمون مستفـيضة بـينهم إلـى غيرهاوأما اختـيارنا (فتذكّر) بتشديد الكاف، فإنه بـمعنى تأدية الذكر من إحداهما علـى الأخرى وتعريفها بإنهاء ذلك لتذكر، فـالتشديد به أولـى من التـخفـيف. وأما ما حكي عن ابن عيـينة من التأويـل الذي ذكرناه، فتأويـل خطأ لا معنى له لوجوه شتـى: أحدها: أنه خلاف لقول جميع أهل التأويـل. والثانـي: أنه معلوم بأن ضلال إحدى الـمرأتـين فـي الشهادة التـي شهدت علـيها إنـما هو خطوها عنها بنسيانها إياها كضلال الرجل فـي دينه إذا تـحير فـيه، فعدل عن الـحقّ، وإذا صارت إحداهما بهذه الصفة فكيف يجوز أن تصير الأخرى ذكرا معها مع نسيانها شهادتها وضلالها فـيها؟ فـالضالة منهما فـي شهادتها حينئذ لا شك أنها إلـى التذكير أحوج منها إلـى الإذكار، إلا إن أراد أن الذاكرة إذا ضعفت صاحبتها عن ذكر شهادتها ستـجرئها علـى ذكر ما ضعفت عن ذكره فنسيته، فقوّتها بـالذكر حتـى صيرتها كالرجل فـي قوّتها فـي ذكر ما ضعفت عن ذكره من ذلك، كما يقال للشيء القويّ فـي عمله: ذكر، وكما يقال للسيف الـماضي فـي ضربه: سيف ذكر، ورجل ذكر، يراد به ماض فـي عمله، قويّ البطش، صحيح العزم. فإن كان ابن عيـينة هذا أراد، فهو مذهب من مذاهب تأويـل ذلك؟ إلا أنه إذا تأوّل ذلك كذلك، صار تأويـله إلـى نـحو تأويـلنا الذي تأوّلناه فـيه، وإن خالفت القراءة بذلك الـمعنى القراءة التـي اخترناها بأن تغير القراءة حينئذ الصحيحة بـالذي اختار قراءته من تـخفـيف الكاف من قوله: فتذكر، ولا نعلـم أحدا تأوّل ذلك كذلك، ويستـحبّ قراءته كذلك بذلك الـمعنى. فـالصواب فـي قوله إذ كان الأمر عاما علـى ما وصفنا ما اخترنا.) ذكر من تأوّل قوله: {أنْ تَضِلّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُما الأُخْرَى} نـحو تأويـلنا الذي قلنا فـيه: ٥١١٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَـإِنْ لَـمْ يَكُونَا رَجُلَـيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأتَانِ مِـمّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشّهَدَاءِ أنْ تَضِلّ إحداهما فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} علـم اللّه أن ستكون حقوق، فأخذ لبعضهم من بعض الثقة، فخذوا بثقة اللّه ، فإنه أطوع لربكم، وأدرك لأموالكم. ولعمري لئن كان تقـيا لا يزيده الكتاب إلا خيرا، وإن كان فـاجرا فبـالـحَري أن يؤدي إذا علـم أن علـيه شهودا. ٥١١٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {أنْ تَضِلّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} يقول: أن تنسى إحداهما فتذكرها الأخرى. ٥١١٧ـ حدثنـي موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {أنْ تَضِلّ إِحْدَاهُمَا} يقول: تنسى إحداهما الشهادة فتذكرها الأخرى. ٥١١٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك : {أنْ تَضِلّ إحْدَاهُما} يقول: إن تنس إحداهما، تذكرها الأخرى. ٥١١٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {أنْ تَضِلّ إحْدَاهُمَا فَتُذَكّرَ إحْدَاهُما الأُخْرَى} قال: كلاهما لغة وهما سواء، ونـحن نقرأ: {فَتُذَكّرَ}. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إذَا ما دُعُوا}. اختلف أهل التأويـل فـي الـحال التـي نهى اللّه الشهداء عن إبـاء الإجابة إذا دعوا بهذه الآية، فقال بعضهم: معناه: لا يأب الشهداء أن يجيبوا إذا دعوا لـيشهدوا علـى الكتاب والـحقوق. ذكر من قال ذلك: ٥١٢٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله تعالـى: {وَلاَ يَأْبَ الشهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} كان الرجل يطوف فـي الـحِوَاء العظيـم فـيه القوم، فـيدعوهم إلـى الشهادة فلا يتبعه أحد منهم قال: وكان قتادة يتأوّل هذه الآية: {ولا يَأْبَ الشّهَدَاءُ إذا ما دعُوا} لـيشهدوا لرجل علـى رجل. ٥١٢١ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع فـي قوله: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} قال: كان الرجل يطوف فـي القوم الكثـير يدعوهم لـيشهدوا، فلا يتبعه أحد منهم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا}. ٥١٢٢ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: {وَلا يَأْبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} قال: لا تأب أن تشهد إذا ما دعيت إلـى شهادة. وقال آخرون بـمثل معنى هؤلاء، إلا أنهم قالوا: يجب فرض ذلك علـى من دعي للإشهاد علـى الـحقوق إذا لـم يوجد غيره، فأما إذا وجد غيره فهو فـي الإجابة إلـى ذلك مخير إن شاء أجاب وإن شاء لـم يجب. ذكر من قال ذلك: ٥١٢٣ـ حدثنا مـحمد بن بشار، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا سفـيان، عن جابر، عن الشعبـي، قال: {لاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} قال: إن شاء شهد، وإن شاء لـم يشهد، فإذا لـم يوجد غيره شهد. وقال آخرون: معنى ذلك: ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا للشهادة علـى من أراد الداعي إشهاده علـيه، والقـيام بـما عنده من الشهادة من الإجابة. ذكر من قال ذلك: ٥١٢٤ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا أبو عامر، عن الـحسن: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} قال: قال الـحسن: الإقامة والشهادة. ٥١٢٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر فـي قوله: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} قال: كان الـحسن يقول: جمعت أمرين لا تأب إذا كانت عندك: شهادة أن تشهد، ولا تأب إذا دعيت إلـى شهادة. ٥١٢٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو صالـح، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس قوله: {وَلا يَأْبَ الشّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} يعنـي من احتـيج إلـيه من الـمسلـمين شهد علـى شهادة إن كانت عنده، ولا يحلّ له أن يأبى إذا ما دعي. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن يونس، عن الـحسن: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} قال: لإقامتها، ولا يبذأ بها إذا دعاه لـيشهده، وإذا دعاه لـيقـيـمها. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا للقـيام بـالشهادة التـي عندهم للداعي من إجابته إلـى القـيام بها. ذكر من قال ذلك: ٥١٢٧ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} قال: إذا شهد. حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} قال: إذا كانوا قد شهدوا قبل ذلك. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} يقول: إذا كانوا قد أشهدوا. حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} قال: إذا كانت عندك شهادة فدعيت. ٥١٢٨ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، قال: حدثنا لـيث، عن مـجاهد فـي قوله: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دَعُوا} قال: إذا كانت شهادة فأقمها، فإذا دعيت لتشهد، فإن شئت فـاذهب، وإن شئت فلا تذهب. ٥١٢٩ـ حدثنا سوار بن عبد اللّه ، قال: حدثنا عبد الـملك بن الصبـاح، عن عمران بن حدير، قال: قلت لأبـي مـجلز: ناس يدعوننـي لأشهد بـينهم، وأنا أكره أن أشهد بـينهم؟ قال: دع ما تكره، فإذا شهدت فأجب إذا دعيت. ٥١٣٠ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن جابر، عن عامر، قال: الشاهد بـالـخيار ما لـم يشهد. ٥١٣١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا هشيـم، عن يونس، عن عكرمة فـي قوله: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} قال: لإقامة الشهادة. ٥١٣٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عمرو بن عون، قال: أخبرنا هشيـم، عن أبـي عامر، عن عطاء قال: فـي إقامة الشهادة. حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: حدثنا أبو عامر الـمزنـي، قال: سمعت عطاء يقول: ذلك فـي إقامة الشهادة، يعنـي قوله: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا}. ٥١٣٣ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، قال: أخبرنا أبو حرّة، أخبرنا عن الـحسن أنه سأله سائل قال: أدعى إلـى الشهادة وأنا أكره أن أشهد علـيها؟ قال: فلا تـجب إن شئت. ٥١٣٤ـ حدثنا يعقوب، قال: حدثنا هشيـم، عن مغيرة، قال: سألت إبراهيـم قلت: أدعى إلـى الشهادة وأنا أخاف أن أنسى؟ قال: فلا تشهد إن شئت. ٥١٣٥ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الرحمن، قال: حدثنا أبو عامر، عن عطاء، قال: للإقامة. ٥١٣٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن شريك، عن سالـم الأفطس، عن سعيد بن جبـير: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} قال: إذا كانوا قد شهدوا. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد بن نصر، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن شريك، عن سالـم، عن سعيد: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} قال: هو الذي عنده الشهادة. ٥١٣٧ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي قوله: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} يقول: لا يأب الشاهد أن يتقدم فـيشهد إذا كان فـارغا. ٥١٣٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: {وَلاَ يأْبَ الشّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا}؟ قال: هم الذين قد شهدوا قال: ولا يضرّ إنسانا أن يأبى أن يشهد إن شاء. قلت لعطاء: ما شأنه؟ إذا دعي أن يكتب وجب علـيه أن لا يأبى، وإذا دعي أن يشهد لـم يجب علـيه أن يشهد إن شاء؟ قال: كذلك يجب علـى الكاتب أن يكتب، ولا يجب علـى الشاهد أن يشهد إن شاء¹ الشهداء كثـير. ٥١٣٩ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} قال: إذا شهد فلا يأب إذا دعي أن يأتـي يؤدي شهادة ويقـيـمها. ٥١٤٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ} قال: كان الـحسن يتأوّلها إذا كانت عنده شهادة دعي لـيقـيـمها. ٥١٤١ـ حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك فـي قوله: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} قال: إذا كتب الرجل شهادته، أو أشهد لرجل فشهد، والكاتب الذي يكتب الكتاب¹ دُعوا إلـى مقطع الـحقّ، فعلـيهم أن يجيبوا، وأن يشهدوا بـما أشهدوا علـيه. وقال آخرون: هو أمر من اللّه عزّ وجلّ والـمرأة بـالإجابة إذا دعي لـيشهد علـى ما لـم يشهد علـيه من الـحقوق ابتداء لا إقامة الشهادة، ولكنه أمر ندب لا فرض. ذكر من قال ذلك: ٥١٤٢ـ حدثنـي أبو العالـية العبدي إسماعيـل بن الهيثم، قال: حدثنا أبو قتـيبة، عن فضيـل بن مرزوق، عن عطية العوفـي فـي قوله: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} قال: أمرت أن تشهد، فإن شئت فـاشهد، وإن شئت فلا تشهد. ٥١٤٣ـ حدثنـي أبو العالـية، قال: حدثنا أبو قتـيبة، عن مـحمد بن ثابت العصري، عن عطاء، بـمثله. (وأولـى هذه الأقوال بـالصواب قول من قال: معنى ذلك: ولا يأب الشهداء من الإجابة إذا دعوا لإقامة الشهادة وأدائها عند ذي سلطان أو حاكم يأخذ من الذي علـيه ما علـيه للذي هو له. وإنـما قلنا هذا القول بـالصواب أولـى فـي ذلك من سائر الأقوال غيره، لأن اللّه عزّ وجلّ قال: {وَلا يَأْبَ الشّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} فإنـما أمرهم بـالإجابة للدعاء للشهادة وقد ألزمهم اسم الشهداء، وغير جائز أن يـلزمهم اسم الشهداء إلا وقد استشهدوا قبل ذلك، فشهدوا علـى ما ألزمهم شهادتهم علـيه اسم الشهداء، فأما قبل أن يستشهدوا علـى شيء فغير جائز أن يقال لهم شهداء، لأن ذلك الاسم لو كان يـلزمهم ولـما يستشهدوا علـى شيء يستوجبون بشهادتهم علـيه هذا الاسم لـم يكن علـى الأرض أحد له عقل صحيح إلا وهو مستـحقّ أن يقال له شاهد، بـمعنى أنه سيشهد، أو أنه يصلـح لأن يشهد وإن كان خطأ أن يسمى بذلك الاسم إلا من عنده شهادة لغيره، أو من قد قام بشهادته، فلزمه لذلك هذا الاسم¹ كان معلوما أن الـمعنـيّ بقوله: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} من وصفنا صفته مـمن قد استرعى شهادة أو شهد، فدعي إلـى القـيام بها، لأن الذي لـم يستشهد ولـم يسترع شهادة قبل الإشهاد غير مستـحقّ اسم شهيد ولا شاهد، لـما قد وصفنا قبل. مع أن فـي دخول الألف واللام فـي (الشهداء) دلالة واضحة علـى أن الـمسمى بـالنهي عن ترك الإجابة للشهادة أشخاص معلومون قد عرفوا بـالشهادة، وأنهم الذين أمر اللّه عزّ وجل أهل الـحقوق بـاستشهادهم بقوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَـإِنْ لَـمْ يَكُونا رَجُلَـيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأْتَانِ مِـمّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشّهَدَاءُ}. وإذا كان ذلك كذلك، كان معلوما أنهم إنـما أمروا بإجابة داعيهم لإقامة شهادتهم بعد ما استشهدوا فشهدوا¹ ولو كان ذلك أمرا لـمن أعرض من الناس فدعي إلـى الشهادة يشهد علـيها لقـيـل: ولا يأب شاهد إذا ما دعي. غير أن الأمر وءن كان كذلك، فإن الذي نقول به فـي الذي يدعى لشهادة لـيشهد علـيها إذا كان بـموضع لـيس به سواه مـمن يصلـح للشهادة، فإن الفرض علـيه إجابة داعيه إلـيها كما فرض علـى الكاتب إذا استكتب بـموضع لا كاتب به سواه، ففرض علـيه أن يكتب، كما فرض علـى من كان بـموضع لا أحد به سواه يعرف الإيـمان وشرائع الإسلام، فحضره جاهل بـالإيـمان وبفرائض اللّه فسأله تعلـيـمه، وبـيان ذلك له أن يعلـمه ويبـينه له. ولـم نوجب ما أوجبنا علـى الرجل من الإجابة للشهادة إذا دعي ابتداء لـيشهد علـى ما أشهد علـيه بهذه الآية، ولكن بأدلة سواها، وهي ما ذكرنا. وقد فرضنا علـى الرجل إحياء ما قدر علـى إحيائه من حقّ أخيه الـمسلـم. والشهداء: جمع شهيد.) القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ تَسأمُوا أنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرا أوْ كَبِـيرا إلـى أجَلِهِ}. يعنـي بذلك جل ثناؤه: ولا تسأموا أيها الذين تداينون الناس إلـى أجل أن تكتبوا صغير الـحقّ، يعنـي قلـيـله أو كبـيره ـ يعنـي أو كثـيره ـ {إلـى أَجَلِهِ}، إلـى أجل الـحقّ، فإن الكتاب أحصى للأجل والـمال. ٥١٤٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن شريك عن لـيث، عن مـجاهد: {وَلاَ تَسأمُوا أنْ تَكُتُبُوهُ صَغِيرا أوْ كَبِـيرا إلـى أجَلِهِ} قال: هو الدين. ومعنى قوله: {وَلا تَسأمُوا} لا تـملوا، يقال منه: سئمت فأنا أسأم سآمة وسأمةً، ومنه قول لبـيد: ولقد سَئِمْتُ من الـحياة وطُولِهَاوسؤالِ هذا الناس: كيف لَبـيدُ ومنه قول زهير: سَئِمْتُ تَكالـيفَ الـحياةِ ومن يَعِشْثمانـينَ حَوْلاً لا أبـا لَكَ يَسْأمِ يعنـي مللت. وقال بعض نـحويـي البصريـين: تأويـل قوله: {إلـى أجَلِهِ} إلـى أجل الشاهد، ومعناه: إلـى الأجل الذي تـجوز شهادته فـيه. وقد بـينا القول فـيه. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {ذَلِكُمْ أقْسَطُ عِنْدَ اللّه }. يعنـي جل ثناؤه بقوله: ذلكم اكتتاب كتاب الدّين إلـى أجله، ويعنـي بقوله أقسط: أعدل عند اللّه ، يقال منه: أقسط الـحاكم فهو يقسط إقساطا وهو مقسط، إذا عدل فـي حكمه، وأصاب الـحقّ فـيه، فإذا جار قـيـل: قسط فهو يَقْسِط قُسُوطا، ومنه قول اللّه عزّ وجلّ: {وأمّا القاسِطُونَ فكانُوا لـجَهَنّـمَ حَطَبـا} يعنـي الـجائرون.) وبـمثل ما قلنا فـي ذلك قال جماعة أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٥١٤٥ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي قوله: {ذَلِكُمْ أقْسَطُ عِنْدَ اللّه } يقول: أعدل عند اللّه . القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وأقْوَمُ للشّهادَةِ}. يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وأصوب للشهادة. وأصله من قول القائل: أقمته من عَوَجه، إذا سويته فـاستوى. وإنـما كان الكتاب أعدل عند اللّه وأصوب لشهادة الشهود علـى ما فـيه، لأنه يحوي الألفـاظ التـي أقرّ بها البـائع والـمشتري وربّ الدين والـمستدين علـى نفسه، فلا يقع بـين الشهود اختلاف فـي ألفـاظهم بشهادتهم لاجتـماع شهادتهم علـى ما حواه الكتاب، وإذا اجتـمعت شهادتهم علـى ذلك، كان فصل الـحكم بـينهم أبـين لـمن احتكم إلـيه من الـحكام، مع غير ذلك من الأسبـاب، وهو أعدل عند اللّه ، لأنه قد أمر به، واتبـاع أمر اللّه لا شك أنه عند اللّه أقسط وأعدل من تركه والانـحراف عنه. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وأدْنَى أنْ لا تَرْتَابُوا}. يعنـي جل ثناؤه بقوله: {وأدْنَى} وأقرب، من الدنوّ: وهو القرب. ويعنـي بقوله: {أنْ لا تَرْتَابُوا} من أن لا تشكوا فـي الشهادة.) كما: ٥١٤٦ـ حدثنا موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {ذَلِكَ أدْنَى أنْ لا تَرتَابُوا} يقول: أن لا تشكوا فـي الشهادة. وهو تفتعل من الرّيبة. ومعنى الكلام: (ولا تـملوا أيها القوم أن تكتبوا الـحقّ الذي لكم قِبَل من داينتـموه من الناس إلـى أجل صغيرا كان ذلك الـحقّ، قلـيلاً أو كثـيرا، فإن كتابكم ذلك أعدل عند اللّه وأصوب لشهادة شهودكم علـيه، وأقرب لكم أن لا تشكوا فـيـما شهد به شهودكم علـيكم من الـحقّ والأجل إذا كان مكتوبـا.) ( القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِلاّ أنْ تَكُونَ تِـجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَها بَـيْنَكُمْ فَلَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُنَاحٌ أنْ لا تَكْتُبُوها}. ثم استثنى جل ذكره مـما نهاهم عنه أن يسأموه من اكتتاب كتب حقوقهم علـى غرمائهم بـالـحقوب التـي لهم علـيهم، ما وجب لهم قِبَلهم من حقّ عن مبـايعة بـالنقود الـحاضرة يدا بـيد، فرخص لهم فـي ترك اكتتاب الكتب بذلك¹ لأن كل واحد منهم، أعنـي من البـاعة والـمشترين، يقبض ـ إذا كان الواجب بـينهم فـيـما يتبـايعونه نقدا ـ ما وجب له قِبَل مبـايعيه قبل الـمفـارقة، فلا حاجة لهم فـي ذلك إلـى اكتتاب أحد الفريقـين علـى الفريق الاَخر كتابـا بـما وجب لهم قِبَلهم وقد تقابضوا الواجب لهم علـيهم، فلذلك قال تعالـى ذكره: {إِلاّ أنْ تَكُونَ تِـجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرونَها بَـيْنَكُمْ} لا أجل فـيها ولا تأخير ولا نساء، {فَلـيسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ لا تَكْتُبوهَا} يقول: فلا حرج علـيكم أن لا تكتبوها، يعنـي التـجارة الـحاضرة. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٥١٤٧ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي قوله: {إِلاّ أنْ تَكُونَ تِـجَارَةً حَاضِرَةً تَدِيرُونَها بَـيْنَكُمْ} يقول: معكم بـالبلد ترونها فتؤخذ وتعطى، فلـيس علـى هؤلاء جناح أن لا يكتبوها. ٥١٤٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك : {وَلا تَسَأمُوا أنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرا أوْ كَبِـيرا إلـى أجَلِهِ} إلـى قوله: {فَلَـيْسَ عَلَـيْكُمْ جُناحٌ أنْ لا تَكْتُبُوهَا} قال: أمر اللّه أن لا تسأموا أن تكتبوه صغيرا أو كبـيرا إلـى أجله، وأمر ما كان يدا بـيد أن يشهد علـيه صغيرا كان أو كبـيرا ورخص لهم أن لا يكتبوه. واختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الـحجاز والعراق وعامة القرّاء: (إِلاّ أنْ تَكُونَ تِـجَارَةٌ حاضِرَةٌ) بـالرفع، وانفرد بعض قرّاء الكوفـيـين فقرأه بـالنصب. وذلك وإن كان جائزا فـي العربـية، إذ كانت العرب تنصب النكرات والـمنعوتات مع (كان)، وتضمر معها فـي (كان) مـجهولاً، فتقول: إن كان طعاما طيبـا فأتنا به، وترفعها فتقول: إن كان طعام طيب فأتنا به، فتتبع النكرة خبرها بـمثل إعرابها. فإن الذي أختار من القراءة، ثم لا أستـجيز القراءة بغيره، الرفع فـي (التـجارة الـحاضرة)، لإجماع القرّاء علـى ذلك، وشذوذ من قرأ ذلك نصبـا عنهم، ولا يعترض بـالشاذ علـى الـحجة. ومـما جاء نصبـا قول الشاعر: أعَيْنَـيّ هَلْ تَبْكِيانِ عِفـاقَاإذَا كَانَ طَعْنا بـينَهُمْ وَعِناقَا وقول الاَخر: ولِلّهِ قَوْمِي أيّ قَوْمٍ لِـحُرّةٍإذَا كَانَ يوما ذا كَواكبَ أشْنَعا وإنـما تفعل العرب ذلك فـي النكرات لـما وصفنا من إتبـاع أخبـار النكرات أسماءها، وكان من حكمها أن يكون معها مرفوع ومنصوب، فإذا رفعوهما جميعهما تذكروا إتبـاع النكرة خبرها، وإذا نصبوهما تذكروا صحبة (كان) لـمنصوب ومرفوع، ووجدوا النكرة يتبعها خبرها، وأضمروا فـي كان مـجهولاً لاحتـمالها الضمير. وقد ظنّ بعض الناس أن من قرأ ذلك: {إِلاّ أنْ تَكُونَ تِـجَارَةً حاضِرَةً} إنـما قرأه علـى معنى: إلا أن يكون تـجارة حاضرة، فزعم أنه كان يـلزم قارىء ذلك أن يقرأ (يكون) بـالـياء، وأغفل موضع صواب قراءته من جهة الإعراب، وألزمه غير ما يـلزمه. وذلك أن العرب إذا جعلوا مع كان نكرة مؤنثا بنعتها أو خبرها، أنثوا (كان) مرّة وذكّروها أخرى، فقالوا: إن كانت جارية صغيرة فـاشتروها، وإن كان جارية صغيرة فـاشتروها، تذكر (كان) وإن نصبت النكرة الـمنعوتة أو رفعت أحيانا وتؤنث أحيانا. وقد زعم بعض نـحويـي البصرة أن قوله: (إلاّ أن تَكُونَ تِـجَارَةٌ حاضِرَةٌ) مرفوعة فـيه التـجارة الـحاضرة لأن يكون بـمعنى التـمام، ولا حاجة بها إلـى الـخبر، بـمعنى: إلا أن توجد أو تقع أو تـحدث، فألزم نفسه ما لـم يكن لها لازما، لأنه إنـما ألزم نفسه ذلك إذا لـم يكن يجد لكان منصوبـا، ووجد التـجارة الـحاضرة مرفوعة، وأغفل جواز قوله: {تُدِيرُونَها بَـيْنَكُمْ} أن يكون خبرا لكان، فـيستغنـي بذلك عن إلزام نفسه ما ألزم. والذي قال من حكينا قوله من البصريـين غير خطأ فـي العربـية، غير أن الذي قلنا بكلام العرب أشبه، وفـي الـمعنى أصحّ، وهو أن يكون فـي قوله: {تُدِيرُونَهَا بَـيْنَكُمْ} وجهان: أحدهما أنه فـي موضع نصب علـى أنه حلّ مـحل خبر (كان)، والتـجارة الـحاضرة اسمها. والاَخر: أنه فـي موضع رفع علـى إتبـاع التـجارة الـحاضرة، لأن خبر النكرة يتبعها، فـيكون تأويـله: إلا أن تكون تـجارة حاضرة دائرة بـينكم. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وأشْهِدُوا إذَا تَبـايَعْتُـمْ}. يعنـي بذلك جل ثناؤه: (وأشهدوا علـى صغير ما تبـايعتـم وكبـيره من حقوقكم، عاجل ذلك وآجله، ونقده ونَسائه، فإن إرخاصي لكم فـي ترك اكتتاب الكتب بـينكم فـيـما كان من حقوق تـجري بـينكم لبعضكم من قبل بعض عن تـجارة حاضرة دائرة بـينكم يدا بـيدٍ ونقدا لـيس بإرخاص منـي لكم فـي ترك الإشهاد منكم علـى من بعتـموه شيئا أو ابتعتـم منه، لأن فـي ترككم الإشهاد علـى ذلك خوف الـمضرّة علـى كل من الفريقـين. أما علـى الـمشتري فأن يجحد البـائع الـمبـيع، وله بـينة علـى ملكه ما قد بـاع، ولا بـينة للـمشتري منه علـى الشراء منه فـيكون القول حينئذٍ قول البـائع مع يـمينه ويقضي له به، فـيذهب مال الـمشتري بـاطلاًوأما علـى البـائع فأن يجحد الـمشتري الشراء، وقد زال ملك البـائع عما بـاع، ووجب له قبل الـمبتاع ثمن ما بـاع، فـيحلف علـى ذلك فـيبطل حقّ البـائع قِبَل الـمشتري من ثمن ما بـاعه. فأمر اللّه عزّ وجلّ الفريقـين بـالإشهاد، لئلا يضيع حقّ أحد الفريقـين قِبَل الفريق الاَخر.) ثم اختلفوا فـي معنى قوله: {وأشْهِدُوا إذَا تَبَـايَعْتُـمْ} أهو أمر من اللّه واجب بـالإشهاد عند الـمبـايعة، أم هو ندب؟ فقال بعضهم: هو ندب إن شاء أشهد، وإن شاء لـم يشهد. ذكر من قال ذلك: ٥١٤٩ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن الربـيع، عن الـحسن وشقـيق، عن رجل، عن الشعبـي فـي قوله: {وأشْهِدُوا إِذَا تَبَـايَعْتُـمْ} قال: إن شاء أشهد، وإن شاء لـم يشهد، ألـم تسمع إلـى قوله: {فإنْ أمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضا فَلْـيُوءَدّ الّذِي اوءْتُـمِنَ أمانَتَهُ}؟ ٥١٥٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج بن الـمنهال، قال: حدثنا الربـيع بن صبـيح، قال: قلت للـحسن: أرأيت قول اللّه عز وجل: {وأشْهِدُوا إِذَا تَبَـايَعْتُـمْ}؟ قال: إن أشهدت علـيه فهو ثقة للذي لك، وإن لـم تشهد علـيه فلا بأس. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن الربـيع بن صبـيح، قال: قلت للـحسن: يا أبـا سعيد قول اللّه عز وجل: {وأشْهِدُوا إِذَا تَبَـايَعْتُـمْ} أبـيع الرجلَ وأنا أعلـم أنه لا ينقد فـي شهرين ولا ثلاثة، أترى بأسا ألاّ أشهد علـيه؟ قال: إن أشهدت فهو ثقة للذي لك، وإن لـم تشهد فلا بأس. ٥١٥١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا الـحجاج، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن داود، عن الشعبـي: {وأشْهِدُوا إذَا تَبَـايَعْتُـمْ} قال: إن شاءوا أشهدوا، وإن شاءوا لـم يشهدوا. وقال آخرون: الإشهاد علـى ذلك واجب. ذكر من قال ذلك: ٥١٥٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك : {إِلاّ أنْ تَكُونَ تِـجَارَةً حَاضِرَةٍ تُدِيرُونَهَا بَـيْنَكُمْ فَلَـيْسَ عَلَـيْكُم جُناحٌ أنْ لا تَكْتُبُوهَا} ولكن أشهدوا علـيها إذا تبـايعتـم أمَرَ اللّه ما كان يدا بـيد، أن يشهدوا علـيه صغيرا كان أو كبـيرا. ٥١٥٣ـ حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك ، قال: ما كان من بـيع حاضر، فإن شاء أشهد، وإن شاء لـم يشهد. وما كان من بـيع إلـى أجل، فأمر اللّه أن يكتب ويشهد علـيه، وذلك فـي الـمقام. وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب، أن الإشهاد علـى كل مبـيع ومشترى حق واجب وفرض لازم، لـما قد بـينا من أن كل أمر لله ففرض، إلا ما قامت حجته من الوجه الذي يجب التسلـيـم له بأنه ندب وإرشاد. وقد دللنا علـى وَهْي قول من قال ذلك منسوخ بقوله: {فَلْـيُوءَدّ الّذِي أوءْتُـمِنَ أمانَتَهُ} فـيـما مضى فأغنى عن إعادته. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَلاَ يُضَارّ كاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ}. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: ذلك نهي من اللّه لكاتب الكتاب بـين أهل الـحقوق والشهيد أن يضار أهله، فـيكتب هذا ما لـم يـملله الـمـملـي، ويشهد هذا بـما لـم يستشهده الشهيد. ذكر من قال ذلك: ٥١٥٤ـ حدثنـي الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبـيه فـي قوله: {وَلاَ يُضَارّ كاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} ولا يضار كاتب فـيكتب ما لـم يـمل علـيه، ولا شهيد فـيشهد بـما لـم يُستشهد. ٥١٥٥ـ حدثنـي يعقوب بن إبراهيـم، قال: حدثنا ابن علـية، عن يونس، قال: كان الـحسن يقول: لا يضار كاتب فـيريد شيئا أو يحرّف، ولا شهيد، قال: لا يكتـم الشهادة. ولا يشهد إلا بحق. ٥١٥٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، عن قتادة، قال: اتَقـى اللّه شاهد فـي شهادته لا ينقص منها حقا ولا يزيد فـيها بـاطلاً. اتقـى اللّه كاتب فـي كتابه، فلا يدعنّ منه حقا ولا يزيدنّ فـيه بـاطلاً. ٥١٥٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن قتادة: {وَلاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} قال: لا يضار كاتب فـيكتب ما لـم يـملل، ولا شهيد فـيشهد بـما لـم يستشهد. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن معمر، عن قتادة نـحوه. ٥١٥٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَلاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} قال: لا يضار كاتب فـيكتب غير الذي أملـي علـيه، قال: والكتاب يومئذٍ قلـيـل، ولا يدرون أي شيء يكتب، فـيضار، فـيكتب غير الذي أملـي علـيه، فـيبطل حقهم قال: والشهيد: يضار فـيحول شهادته، فـيبطل حقهم. فأصل الكلـمة علـى تأويـل من ذكرنا من هؤلاء: ولا يضارِر كاتب ولا شهيد، ثم أدغمت الراء فـي الراء لأنهما من جنس وحركت إلـى الفتـح وموضعها جزم، لأن الفتـح أخفّ الـحركات. وقال آخرون مـمن تأول هذه الكلـمة هذا التأويـل: معنى ذلك: ولا يضارّ كاتب ولا شهيد بـالامتناع عمن دعاهما إلـى أداء ما عندهما من العلـم أو الشهادة. ذكر من قال ذلك: ٥١٥٩ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا ابن جريج، عن عطاء فـي قوله: {وَلاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} يقول: أن يؤدّيا ما قِبَلهما. ٥١٦٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: {وَلا يُضَارّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} قال: (لا يضارّ) أن يؤدّيا ما عندهما من العلـم. ٥١٦١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن سفـيان، عن يزيد بن أبـي زياد، عن مقسم، عن ابن عبـاس ، قال: {لاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} قال: أن يدعوهما فـيقولان: إنّ لنا حاجة. ٥١٦٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء ومـجاهد: {وَلاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} قالا: واجب علـى الكاتب أن يكتب، {ولا شَهِيدٌ}، قالا: إذا كان قد شهدا قِبَله. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولا يضارّ الـمستكتب والـمستشهد الكاتب والشهيد. وتأويـل الكلـمة علـى مذهبهم: ولا يضارَر علـى وجه ما لـم يسمّ فـاعله. ذكر من قال ذلك: ٥١٦٣ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، عن ابن عيـينة، عن عمرو، عن عكرمة، قال: كان عمر يقرأ: (ولا يضارَرْ كاتب ولا شهيد). ٥١٦٤ـ حدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك ، قال: كان ابن مسعود يقرأ: (ولا يُضارَرْ). ٥١٦٥ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي عبد اللّه بن كثـير عن مـجاهد، أنه كان يقرأ: (ولا يضارر كاتب ولا شهيد)، وأنه كان يقول فـي تأويـلها: ينطلق الذي له الـحقّ فـيدعو كاتبه وشاهده إلـى أن يشهد، ولعله أن يكون فـي شغل أو حاجة لـيؤثمه إن ترك ذلك حينئذٍ لشغله وحاجته وقال مـجاهد: لا يقم عن شغله وحاجته، فـيجد فـي نفسه أو يحرج. ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس ، قال: {وَلاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} والضرار: أن يقول الرجل للرجل وهو عنه غنـيّ: إن اللّه قد أمرك أن لا تأتـي إذا دعيت، فـيضاره بذلك وهو مكتف بغيره. فنهاه اللّه عزّ وجلّ عن ذلك، وقال: {وإِنْ تَفْعَلُوا فَـإِنّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ}. ٥١٦٦ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس قال: {وَلاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} يقول: إنه يكون للكاتب والشاهد حاجة لـيس منها بدّ، فـ يقول: خـلوا سبـيـله. ٥١٦٧ـ حدثنـي يعقوب، قال: حدثنا ابن علـية، عن يونس، عن عكرمة فـي قوله: {وَلاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} قال: يكون به العلة، أو يكون مشغولاً. يقول: فلا يضارّه. ٥١٦٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد أنه كان يقول: {وَلاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} يقول: لا يأت الرجل فـ يقول: انطلق فـاكتب لـي واشهد لـي، فـ يقول: إن لـي حاجة فـالتـمس غيري، فـ يقول: اتق اللّه فإنك قد أمرت أن تكتب لـي. فهذه الـمضارة¹ و يقول: دعه والتـمس غيره، والشاهد بتلك الـمنزلة. ٥١٦٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك فـي قوله: {وَلاَ يُضَارّ كاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} يقول: يدعو الرجل الكاتب أو الشهيد، فـيقول الكاتب أو الشاهد: إن لنا حاجة! فـيقول الذي يدعوهما: إن اللّه عزّ وجلّ أمركما أن تـجيبـا فـي الكتابة والشهادة! يقول اللّه عزّ وجلّ لا يضارّهما. حدثت عن الـحسن، قال: سمعت أبـا معاذ قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك فـي قوله: {وَلاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} هو الرجل يدعو الكاتب أو الشاهد وهما علـى حاجة مهمة، فـيقولان: إنا علـى حاجة مهمة، فـاطلب غيرنا! فـ يقول: اللّه أمركما أن تـجيبـا، فأمره أن يطلب غيرهما ولا يضارّهما، يعنـي لا يشغلهما عن حاجتهما الـمهمة وهو يجد غيرهما. ٥١٧٠ـ حدثنـي موسى قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي قوله: {وَلاَ يُضارّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} يقول: لـيس ينبغي أن تعترض رجلاً له حاجة فتضارّه فتقول له: اكتب لـي! فلا تتركه حتـى يكتب لك وتفوته حاجته. ولا شاهدا من شهودك وهو مشغول، فتقول: اذهب فـاشهد لـي تـحبسه عن حاجته، وأنت تـجد غيره. ٥١٧١ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: {وَلاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} قال: لـما نزلت هذه الآية: {وَلا يأْبَ كَاتِبٌ أنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلّـمَهُ اللّه } كان أحدهم يجيء إلـى الكاتب فـ يقول: اكتب لـي! فـ يقول: إنـي مشغول أو لـي حاجة، فـانطلق إلـى غيري! فـيـلزمه و يقول: إنك قد أمرت أن تكتب لـي. فلا يدعه ويضارّه بذلك وهو يجد غيره. ويأتـي الرجل فـ يقول: انطلق معي! فـ يقول: اذهب إلـى غيري فإنـي مشغول أو لـي حاجة، فـيـلزمه و يقول: قد أمرت أن تتبعنـي. فـيضارّه بذلك، وهو يجد غيره، فأنزل اللّه عزّ وجلّ {وَلاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ}. ٥١٧٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا سويد، قال: أخبرنا ابن الـمبـارك، عن معمر، عن ابن طاوس، عن أبـيه: {وَلاَ يُضَارّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ} يقول: إن لـي حاجة فدعنـي! فـ يقول: اكتب لـي. (ولا شَهِيدٌ) كذلك. (وأولـى الأقوال فـي ذلك بـالصواب قول من قال: معنى ذلك: ولا يضارّ كاتب ولا شهيد، بـمعنى: ولا يضارّهما من استكتب هذا أو استشهد هذا بأن يأبى علـى هذا إلا أن يكتب له وهو مشغول بأمر نفسه، ويأبى علـى هذا إلا أن يجيب إلـى الشهادة وهو غير فـارغ، علـى ما قاله قائلو ذلك من القول الذي ذكرنا قبل. وإنـما قلنا هذا القول أولـى بـالصواب من غيره، لأن الـخطاب من اللّه عزّ وجلّ فـي هذه الآية من مبتدئها إلـى انقضائها علـى وجه افعلوا أو لا تفعلوا، إنـما هو خطاب لأهل الـحقوق والـمكتوب بـينهم الكتاب والـمشهود لهم أو علـيهم بـالذي تداينوه بـينهم من الديون. فأما ما كان من أمر أو نهي فـيها لغيرهم، فإنـما هو علـى وجه الأمر والنهي للغائب غير الـمخاطب كقوله: {وَلْـيَكْتُبْ بَـيْنَكُمْ كَاتِبٌ} وكقوله: {وَلاَ يَأْبَ الشّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} وما أشبه ذلك، فـالواجب إذا كان الـمأمورون فـيها مخاطبـين بقوله: {وَإِنْ تَفْعَلُوا فَـإِنّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} أشبه منه بأن يكون مردودا علـى الكاتب والشهيد، ومع ذلك إن الكاتب والشهيد لو كانا هما الـمنهيـين عن الضرار لقـيـل: وإن يفعلا فإنه فسوق بهما، لأنهما اثنان، وإنـما غير مخاطبـيـين بقوله: {وَلاَ يُضَارّ} بل النهي بقوله: {وَلاَ يُضَارّ} نهي للغائب غير الـمخاطب. فتوجيه الكلام إلـى ما كان نظيرا لـما فِـي سياق الآية، أولـى من توجيهه إلـى ما كان منعدلاً عنه.) القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَإِنْ تَفْعَلُوا فَـإِنّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ}. يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: وإن تضارّوا الكاتب أو الشاهد وما نهيتـم عنه من ذلك، فإنه فسوق بكم، يعنـي إثم بكم ومعصية. واختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم بنـحو الذي قلنا. ذكر من قال ذلك: ٥١٧٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك : {وإِنْ تَفْعَلُوا فَـإِنّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} يقول: إن تفعلوا غير الذي آمركم به، فإنه فسوق بكم. ٥١٧٤ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس : {وِإِنْ تَفْعَلُوا فَـإِنّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} الفسوق: الـمعصية. ٥١٧٥ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {وَإِنْ تَفْعَلُوا فَـإِنّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} الفسوق: العصيان. وقال آخرون: معنى ذلك: وإن يضار كاتب فـيكتب غير الذي أملـى الـمـملـي، ويضارّ شهيد فـيحوّل شهادته ويغيرها، فإنه فسوق بكم، يعنـي فإنه كذب. ذكر من قال ذلك: ٥١٧٦ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: {وَإِنْ تَفْعَلُوا فَـإِنّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} الفسوق: الكذب قال: هذا فسوق لأنه كذب الكاتب فحوّل كتابه فكذب، وكذب الشاهد فحوّل شهادته، فأخبرهم اللّه أنه كذب. وقد دللنا فـيـما مضى علـى أن الـمعنـيّ بقوله: {وَلاَ يُضَارّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ} إنـما معناه: لا يضارّهما الـمستكتب والـمستشهد، بـما فـيه الكفـاية. فقوله: {وَإِنْ تَفْعَلُوا} إنـما هو إخبـار من يضارّهما بحكمه فـيهما، وأن من يضارّهما فقد عصى ربه وأثم به، وركب ما لا يحلّ له، وخرج عن طاعة ربه فـي ذلك. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاتّقُوا اللّه وَيُعَلّـمُكُمُ اللّه وَاللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ}. (يعنـي بقوله جل ثناؤه: {وَاتّقُوا اللّه } وخافوا اللّه أيها الـمتداينون فـي الكتاب والشهود أن تضاروهم، وفـي غير ذلك من حدود اللّه أن تضيعوه. ويعنـي بقوله: {وَيُعَلّـمُكُمْ اللّه } ويبـين لكم الواجب لكم وعلـيكم، فـاعملوا به. {وَاللّه بِكُلّ شَيْءٍ عَلِـيـمٌ} يعنـي من أعمالكم وغيرها، يحصيها علـيكم لـيجازيكم بها.) وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٥١٧٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا أبو زهير، عن جويبر، عن الضحاك قوله: {وَيُعَلّـمُكُمُ اللّه } قال: هذا تعلـيـم علـمكموه فخذوا به. |
﴿ ٢٨٢ ﴾