٢٨٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لاَ يُكَلّفُ اللّه نَفْساً إِلاّ وُسْعَهَا ...}

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: {لا يُكَلّفُ اللّه نَفْسا إلاّ وُسْعَها} فـيتعبدها إلا بـما يسعها، فلا يضيق علـيها، ولا يجهدها. وقد بـينا فـيـما مضى قبل أن الوسع اسم من قول القائل: وسعنـي هذا الأمر مثل الـجُهْد والوُجْد من جهدنـي هذا الأمر ووجدت منه. كما:

٥٢٢٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: ثنـي معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس قوله: {لا يُكَلّفُ اللّه نَفْسا إلاّ وُسْعَها} قال: هم الـمؤمنون، وسع اللّه علـيهم أمر دينهم، فقال اللّه جل ثناؤه: {وَما جَعَلَ عَلَـيْكُمْ فِـي الدّينِ مِنْ حَرَجٍ} وقال: {يُرِيدُ اللّه بِكُمُ الـيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} وَقالَ: {اتّقُوا اللّه ما اسْتَطَعْتُـمْ}.

٥٢٢٧ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن الزهري، عن عبد اللّه بن عبـاس، قال: لـما نزلت ضجّ الـمؤمنون منها ضجة و

قالوا: يا رسول اللّه هذا، نتوب من عمل الـيد والرجل واللسان، كيف نتوب من الوسوسة، كيف نـمتنع منها؟ فجاء جبريـل صلى اللّه عليه وسلم بهذه الآية: {لا يُكَلّفُ اللّه نَفْسا إلاّ وُسْعَها} إنكم لا تستطيعون أن تـمتنعوا من الوسوسة.

٥٢٢٨ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {لا يُكَلّفُ اللّه نَفْسا إلاّ وُسْعَها} وسعها: طاقتها، وكان حديث النفس مـما لا يطيقون.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لَهَا ما كَسَبَتْ وَعَلَـيْها مَا اكْتَسَبَتْ}.

يعنـي بقوله جل ثناؤه لها: للنفس التـي أخبر أنه لا يكلفها إلا وسعها،

يقول: لكل نفس ما اجترحت وعملت من خير¹ وعلـيها: يعنـي وعلـى كل نفس ما اكتسبت: ما عملت من شرّ. كما:

٥٢٢٩ـ حدثنا بشر بن يزيد، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: {لا يُكَلّفُ اللّه نَفْسا إلاّ وُسْعَها لَهَا ما كَسَبَتْ} أي من خير {وَعَلَـيْها ما اكْتَسْبَتْ} أي من شرّ، أو قال: من سوء.

٥٢٣٠ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {لَهَا مَا كَسَبَتْ}

يقول: ما عملت من خير، {وَعَلَـيْها ما اكْتَسَبَتْ}

يقول: وعلـيها ما عملت من شرّ.

حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن قتادة، مثله.

٥٢٣١ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن الزهري، عن عبد اللّه بن عبـاس: {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَـيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} عمل الـيد والرجل واللسان.

فتأويـل الآية إذا: لا يكلف اللّه نفسا إلا ما يسعها، فلا يجهدها، ولا يضيق علـيها فـي أمر دينها، فـيؤاخذها بهمة إن همت، ولا بوسوسة إن عرضت لها، ولا بخطرة إن خطرت بقلبها.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطأْنا}.

 وهذا تعلـيـم من اللّه عزّ وجلّ عبـاده الـمؤمنـين دعاءه كيف يدعونه، وما يقولون فـي دعائهم إياه. ومعناه: قولوا: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا شيئا فرضت علـينا عمله فلـم نعمله، أو أخطأنا فـي فعل شيء نهيتنا عن فعله ففعلناه، علـى غير قصد منا إلـى معصيتك، ولكن علـى جهالة منا به وخطأ. كما:

٥٢٣٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا} إن نسينا شيئا مـما افترضته علـينا، أو أخطأنا شيئا مـما حرّمته علـينا.

٥٢٣٣ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن قتادة فـي قوله: {رَبّنا لا تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا} قال: بلغنـي أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم قال: (إنّ اللّه عَزّ وَجَلّ تَـجَاوَزَ لِهَذِهِ الأُمّةِ عَنْ نِسْيانِها وَما حَدّثَتْ بِهِ أنْفُسَهَا).

٥٢٣٤ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، قال: زعم السدي أن هذه الآية حين نزلت: {رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا} قال له جبريـل صلى اللّه عليه وسلم فقل ذلك يا مـحمد.

إن قال لنا قائل: وهل يجوز أن يؤاخذ اللّه عزّ وجلّ عبـاده بـما نسوا أو أخطئوا فـيسألوه أن لا يؤاخذهم بذلك؟

قـيـل: إن النسيان علـى وجهين:

أحدهما: علـى وجه التضيـيع من العبد والتفريط¹ والاَخر: علـى وجه عجز الناسي عن حفظ ما استـحفظ، ووكل به وضعف عقله عن احتـماله، فأما الذي يكون من العبد علـى وجه التضيـيع منه والتفريط، فهو ترك منا لـما أمر بفعله، فذلك الذي يرغب العبد إلـى اللّه عزّ وجلّ فـي تركه مؤاخذته به، وهو النسيان الذي عاقب اللّه عزّ وجل به آدم صلوات اللّه علـيه، فأخرجه من الـجنة، فقال فـي ذلك: {وَلَقَدْ عَهِدْنا إلـى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَـمْ نَـجِدْ لَهُ عَزْما} وهو النسيان الذي قال جلّ ثناؤه: {فـالْـيَوْمُ نَنْسَاهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا} فرغبة العبد إلـى اللّه عزّ وجلّ بقوله: {رَبّنا لا تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا} فـيـما كان من نسيان منه لـما أمر بفعله علـى هذا الوجه الذي وصفنا ما لـم يكن تركه ما ترك من ذلك تفريطا منه فـيه وتضيـيعا، كفرا بـاللّه عزّ وجلّ، فإن ذلك إذا كان كفرا بـاللّه فإن الرغبة إلـى اللّه فـي تركه الـمؤاخذة به غير جائزة، لأن اللّه عزّ وجلّ قد أخبر عبـاده أنه لا يغفر لهم الشرك به، فمسألته فعل ما قد أعلـمهم أنه لا يفعله خطأ، وإنـما يكون مسألته الـمغفرة فـيـما كان من مثل نسيانه القرآن بعد حفظه بتشاغله عنه، وعن قراءته، ومثل نسيانه صلاة أو صياما، بـاشتغاله عنهما بغيرهما حتـى ضيعهماوأما الذي العبد به غير مؤاخذ لعجز بنـيته عن حفظه، وقلة احتـمال عقله ما وكل بـمراعاته، فإن ذلك من العبد غير معصية، وهو به غير آثم، فذلك الذي لا وجه لـمسألة العبد ربه أن يغفره له، لأنه مسألة منه له أن يغفر له ما لـيس له بذنب، وذلك مثل الأمر يغلب علـيه، وهو حريص علـى تذكره وحفظه، كالرجل يحرص علـى حفظ القرآن بجدّ منه، فـيقرؤه، ثم ينساه بغير تشاغل منه بغيره عنه، ولكن بعجز بنـيته عن حفظه وقلة احتـمال عقله، ذكر ما أودع قلبه منه، وما أشبه ذلك من النسيان، فإن ذلك مـما لا يجوز مسألة الربّ مغفرته، لأنه لا ذنب للعبد فـيه، فـيغفر له بـاكتسابه. وكذلك للـخطأ وجهان:

أحدهما: من وجه ما نهي عنه العبد فـيأتـيه بقصد منه وإرادة، فذلك خطأ منه، وهو به مأخوذ، يقال منه: خَطىء فلان وأخطأ فـيـما أتـى من الفعل، وأثم إذا أتـى ما يتأثم فـيه وركبه، ومنه قول الشاعر:

النّاس يَـلْـحَوْنَ الأميرَ إذَا هُمُخَطِئُوا الصّوَابَ وَلا يُلامُ الـمُرْشَدُ

يعنـي: أخطأوا الصواب. وهذا الوجه الذي يرغب العبد إلـى ربه فـي صفح ما كان منه من إثم عنه، إلا ما كان من ذلك كفرا. والاَخر منهما: ما كان عنه علـى وجه الـجهل به والظنّ منه، بأن له فعله، كالذي يأكل فـي شهر رمضان لـيلاً، وهو يحسب أن الفجر لـم يطلع، أو يؤخر صلاة فـي يوم غيـم وهو ينتظر بتأخيره إياها دخول وقتها فـيخرج وقتها وهو يرى أن وقتها لـم يدخـل، فإن ذلك من الـخطأ الـموضوع عن العبد الذي وضع اللّه عزّ وجلّ عن عبـاده الإثم فـيه، فلا وجه لـمسألة العبد ربه أن يؤاخذه به، وقد زعم قوم أن مسألة العبد ربه أن لا يؤاخذه بـما نسي أو أخطأ، إنـما هو فعل منه لـما أمره به ربه تبـارك وتعالـى، أو لـما ندبه إلـيه من التذلل له والـخضوع بـالـمسألة، فأما علـى وجه مسألته الصفح، فما لا وجه له عندهم وللبـيان عن هؤلاء كتاب سنأتـي فـيه إن شاء اللّه علـى ما فـيه الكفـاية لـمن وفق لفهمه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنَا وَلا تَـحْمِلْ عَلَـيْنَا إصْرا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا}.

(يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: قولوا: ربنا لا تـحمل علـينا إصرا: يعنـي بـالإصر: العهد، كما قال جل ثناؤه: {قال أأقْرَرْتُـمْ وأخَذْتُـمْ عَلـى ذَلِكُمْ إصْرِي}. وإنـما عنى بقوله: {وَلاَ تَـحْمِلْ عَلَـيْنَا إصْرا}: ولا تـحمل علـينا عهدا، فنعجز عن القـيام به ولا نستطيعه، {كَمَا حَمَلْتَهُ عَلـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا} يعنـي علـى الـيهود والنصارى الذين كلفوا أعمالاً وأخذت عهودهم ومواثـيقهم علـى القـيام بها، فلـم يقوموا بها، فعوجلوا بـالعقوبة. فعلـم اللّه عزّ وجلّ أمة مـحمد صلى اللّه عليه وسلم الرغبة إلـيه بـمسألته أن لا يحملهم من عهوده ومواثـيقه علـى أعمال إن ضيعوها أو أخطأوا فـيها أو نسوها مثل الذي حمل من قبلهم، فـيحلّ بهم بخطئهم فـيه وتضيـيعهم إياه مثل الذي أحلّ بـمن قبلهم.)

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك

قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٥٢٣٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: {لاَ تَـحْمِلْ عَلَـيْنَا إصْرا} قال: لا تـحمل علـيها عهدا وميثاقا، {كَمَا حَمَلْتَهُ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا}

يقول: كما غلظ علـى من قبلنا.

٥٢٣٦ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن موسى بن قـيس الـحضرمي، عن مـجاهد فـي قوله: {وَلا تَـحْمِلْ عَلَـيْنَا إصْرا} قال: عهدا.

حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: {إصْرا} قال: عهدا.

٥٢٣٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا عبد اللّه ، قال: حدثنا معاوية، عن علـيّ، عن ابن عبـاس فـي قوله: {إصْرا}

يقول: عهدا.

٥٢٣٨ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {رَبّنَا وَلاَ تَـحْمِلْ عَلَـيْنَا إصْرا كَما حَمَلْتَهُ عَلـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا} والإصر: العهد الذي كان علـى من قبلنا من الـيهود.

٥٢٣٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج قوله: {وَلاَ تَـحْمِلْ عَلَـيْنَا إصْرا} قال: عهدا لا نطيقه، ولا نستطيع القـيام به، {كَمَا حَمَلْتَهُ عَلـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} الـيهود والنصارى، فلـم يقوموا به فأهلكتهم.

٥٢٤٠ـ حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك : {إصْرا} قال: الـمواثـيق.

٥٢٤١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: الإصر: العهد¹ {وأخَذْتُـمْ عَلـى ذَلِكُمْ إصْرِي} قال: عهدي.

حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : {وَأخَذْتُـمْ عَلـى ذَلِكُمْ إصْرِي} قال: عهدي.

وقال آخرون: معنى ذلك: ولا تـحمل علـينا ذنوبـا وإثما كما حملت ذلك علـى من قبلنا من الأمـم، فتـمسخنا قردة وخنازير كما مسختهم. ذكر من قال ذلك:

٥٢٤٢ـ حدثنـي سعيد بن عمرو السكونـي، قال: حدثنا بقـية بن الولـيد، عن علـيّ بن هارون، عن ابن جريج، عن عطاء بن أبـي ربـاح فـي قوله: {وَلا تَـحْمِلْ عَلَـيْنا إصْرا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا} قال: لا تـمسخنا قردة وخنازير.

٥٢٤٣ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {رَبّنا وَلا تَـحْمِلْ عَلَـيْنَا إصْرا كَما حَمَلْتَهُ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا} لا تـحمل علـينا ذنبـا لـيس فـيه توبة ولا كفـارة.

وقال آخرون: معنى الإصر بكسر الألف: الثقل. ذكر من قال ذلك:

٥٢٤٤ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: {رَبّنَا وَلاَ تَـحْمِلْ عَلَـيْنَا إصْرا كَمَا حَمَلْتَهُ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا}

يقول: التشديد الذي شددته علـى من قبلنا من أهل الكتاب.

٥٢٤٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سألته، يعنـي مالكا، عن قوله: {وَلا تَـحْمِلْ عَلَـيْنَا إصْرا} قال: الإصر: الأمر الغلـيظ.

فأما الأصر بفتـح الألف: فهو ما عطف الرجل علـى غيره من رحم أو قرابة، يقال: أصرتنـي رحم بـينـي وبـين فلان علـيه، بـمعنى: عطفتنـي علـيه، وما يأصرنـي علـيه: أي ما يعطفنـي علـيه، وبـينـي وبـينه أصر رحم يأصرنـي علـيه أصرا: يعنـي به: عاطفة رحم تعطفنـي علـيه.

(

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {رَبّنَا وَلاَ تُـحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ}.

يعنـي بذلك جل ثناؤه: وقولوا أيضا: ربنا لا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق القـيام به لثقل حمله علـينا. وكذلك كانت جماعة أهل التأويـل يتأوّلونه.) ذكر من قال ذلك:

٥٢٤٦ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {رَبّنا ولا تُـحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ} تشديد يشدّد به كما شدّد علـى من كان قبلكم.

٥٢٤٧ـ حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك قوله: {وَلا تُـحَمّلْنَا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ} قال: لا تـحملنا من الأعمال ما لا نطيق.

٥٢٤٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {رَبّنَا وَلا تُـحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بهِ} لا تفترض علـينا من الدين ما لا طاقة لنا به، فنعجز عنه.

٥٢٤٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: {وَلا تُـحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لنا بِهِ} مسخ القردة والـخنازير.

٥٢٥٠ـ حدثنـي سلام بن سالـم الـخزاعي، قال: حدثنا أبو حفص عمر بن سعيد التنوخي، قال: حدثنا مـحمد بن شعيب بن سابور، عن سالـم بن شابور فـي قوله: {رَبّنا وَلا تُـحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ} قال: الغلـمة.

٥٢٥١ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {رَبّنا وَلا تُـحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ} من التغلـيظ والأغلال التـي كانت علـيهم من التـحريـم.

(وإنـما قلنا: إن تأويـل ذلك: ولا تكلفنا من الأعمال ما لا نطيق القـيام به علـى نـحو الذي قلنا فـي ذلك، لأنه عقـيب مسألة الـمؤمنـين ربهم أن لا يؤاخذهم إن نسوا أو أخْطَأُوا، وأن لا يحمل علـيهم إصرا كما حمله علـى الذين من قبلهم، فكان إلـحاق ذلك بـمعنى ما قبله من مسألتهم فـي الدين أولـى مـما خالف ذلك الـمعنى.)

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنا}.

وفـي هذا أيضا من قول اللّه عزّ وجلّ خبرا عن الـمؤمنـين من مسألتهم إياه ذلك الدلالة الواضحة أنهم سألوه تـيسير فرائضه علـيهم بقوله: {وَلا تُـحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ} لأنهم عقبوا ذلك بقولهم: {وَاعْفُ عَنّا} مسألة منهم ربهم أن يعفو لهم عن تقصير إن كان منهم فـي بعض ما أمرهم به من فرائضه، فـيصفح لهم عنه، ولا يعاقبهم علـيه، وإن خفّ ما كلفهم من فرائضه علـى أبدانهم.

وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال بعض أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك:

٥٢٥٢ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَاعْفُ عَنّا} قال: اعف عنا إن قصرنا عن شيء من أمرك مـما أمرتنا به. وكذلك قوله: {وَاغْفِرْ لَنا} يعنـي: واستر علـينا زلة إن أتـيناها فـيـما بـيننا وبـينك، فلا تكشفها ولا تفضحنا بإظهارها. وقد دللنا علـى معنى الـمغفرة فـيـما مضى قبل.

٥٢٥٣ـ حدثنا يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد {وَاغْفِرْ لَنا} إن انتهكنا شيئا مـما نهيتنا عنه.

(

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَارْحَمْنَا}.

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: تغمدنا منك برحمة تنـجينا بها من عقابك، فإنه لـيس بناج من عقابك أحد إلا برحمتك إياه دون عمله، ولـيست أعمالنا منـجيتنا إن أنت لـم ترحمنا، فوفقنا لـما يرضيك عنا.) كما:

٥٢٥٤ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {وَارْحَمْنَا} قال:

يقول: لا ننال العمل بـما أمرتنا به، ولا نترك ما نهيتنا عنه إلا برحمتك، قال: ولـم ينـج أحد إلا برحمتك.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {أنْتَ مَوْلاَنَا فَـانْصُرْنَا علـى القَوْمِ الكافِرِينَ}.

يعنـي بقوله جل ثناؤه: {أنْتَ مَوْلاَنَا} أنت ولـينا بنصرك دون من عاداك وكفر بك، لأنا مؤمنون بك ومطيعوك فـيـما أمرتنا ونهيتنا، فأنت ولـيّ من أطاعك، وعدوّ من كفر بك فعصاك، فـانصرنا لأنا حزبك، علـى القوم الكافرين الذي جحدوا وحدانـيتك، وعبدوا الاَلهة والأنداد دونك، وأطاعوا فـي معصيتك الشيطان. والـمولـى فـي هذا الـموضع الـمفعل من وَلَـى فلان أمر فلان فهو يـلـيه ولاية، وهو ولـيه ومولاه، وإنـما صارت الـياء من ولـى ألفـا لانفتاح اللام قبلها التـي هي عين الاسم.

وقد ذكر أن اللّه عزّ وجلّ لـما أنزل هذه الآية علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فتلاها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، استـجاب اللّه له فـي ذلك كله. ذكر الأخبـار التـي جاءت بذلك:

٥٢٥٥ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم ومـحمد بن خـلف قالا: حدثنا آدم، قال: حدثنا ورقاء، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس : قال لـما نزلت هذه الآية: {آمَنَ الرّسُولُ بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْهِ مِنْ رَبّهِ} قال: قرأها رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فلـما انتهى إلـى قوله: {غُفْرَانَكَ رَبّنَا} قال اللّه عز وجل: (قد غفرت لكم)، فلـما قرأ: {رَبّنا لاَ تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا} قال اللّه عز وجل: (لا أحملكم) فلـما قرأ: {وَاغْفِرْ لَنا} قال اللّه تبـارك وتعالـى: (قد غفرت لكم)، فلـما قرأ: {وَارْحَمْنا} قال اللّه عز وجل: (قد رحمتكم)، فلـما قرأ: {وَانْصُرْنا علـى القَوْمِ الكافِرِينَ} قال اللّه عز وجل: (قد نصرتكم علـيهم).

٥٢٥٦ـ حدثنـي يحيـى بن أبـي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبر، عن الضحاك ، قال: أتـى جبريـل النبـي صلى اللّه عليه وسلم،

فقال: يا مـحمد قل: {رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أوْ أخْطَأْنا} فقالها، فقال جبريـل: قد فعل، وقال له جبريـل: قل {رَبّنَا لاَ تَـحْمِلْ عَلَـيْنَا إصْرا كَما حَمَلْتَهُ عَلـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا} فقالها، فقال جبريـل: قد فعل،

فقال: قل {رَبّنَا وَلا تُـحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ}، فقالها: فقال جبريـل صلى اللّه عليه وسلم: قد فعل،

فقال: قل {وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا فَـانْصُرْنا عَلـى القَوْمِ الكافِرِينَ}. فقالها، فقال جبريـل: قد فعل.

٥٢٥٧ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، قال: زعم السدي أن هذه الآية حين نزلت: {رَبّنَا لاَ تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطأْنا} فقال له جبريـل: فعل ذلك يا مـحمد، {رَبّنَا وَلا تَـحْمِلْ عَلَـيْنَا إصْرا كَما حَمَلْتَهُ عَلـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبّنَا وَلا تُـحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا فَـانْصُرْنا علـى القَوْمِ الكافِرِينَ} فقال له جبريـل فـي كل ذلك: فعل ذلك يا مـحمد.

٥٢٥٨ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا وكيع، وحدثنا سفـيان، قال: حدثنا أبـي، عن سفـيان، عن آدم بن سلـيـمان مولـى خالد، قال: سمعت سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: أنزل اللّه عز وجل: {آمَنَ الرّسُولُ بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْهِ مِنْ رَبّهِ} إلـى قوله: {رَبّنَا لا تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا}، فقرأ: {رَبّنا لاَ تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا} قال: فقال: قد فعلت، {رَبّنا وَلا تَـحْمِلْ عَلَـيْنا إصْرا كَما حَمَلْتَهُ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} فقال: قد فعلت، {رَبّنا وَلاَ تُـحَمّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ} قال: قد فعلت، {وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا فَـانْصُرْنا علـى القَوْمِ الكافِرِينَ} قال: قد فعلت.

٥٢٥٩ـ حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا إسحاق بن سلـيـمان، عن مصعب بن ثابت، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبـيه، عن أبـي هريرة، قال: أنزل اللّه عز وجل: {رَبّنا لاَ تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا} قال أبـي: قال أبو هريرة: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (قالَ اللّه عَزّ وَجَلّ نَعَمْ).

٥٢٦٠ـ حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا أبو حميد، عن سفـيان، عن آدم بن سلـيـمان، عن سعيد بن جبـير: {لا يُكَلّفُ اللّه نَفْسا إلاّ وُسْعَها لَهَا ما كَسَبَتْ وَعَلَـيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبّنا لاَ تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا} قال: ويقول قد فعلت، {رَبّنا وَلا تَـحْمِل عَلَـيْنا إصْرا كَما حَمَلْتَهُ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلِنا} قال: ويقول قد فعلت. فأعطيت هذه الأمة خواتـيـم سورة البقرة، ولـم تعطها الأمـم قبلها.

٥٢٦١ـ حدثنا علـي بن حرب الـموصلـي، قال: حدثنا ابن فضيـل، قال: حدثنا عطاء بن السائب، عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس فـي قول اللّه عز وجل {آمَنَ الرّسُولُ بِـمَا أُنْزِلَ إلَـيْهِ مِنْ رَبّهِ} إلـى قوله: {غُفْرَانَكَ رَبنا} قال: قد غفرت لكم، {لا يُكَلّفُ اللّه نَفْسا إلاّ وُسْعَها} إلـى قوله: {لا تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا} قال: لا أؤاخذكم، {رَبّنا وَلا تَـحْمِلْ عَلَـيْنا إصْرا كَما حَمَلْتَهُ علـى الّذِينَ مِنْ قَبْلَنا} قال: لا أحمل علـيكم، إلـى قوله: {وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا} إلـى آخر السورة، قال: قد عفوت عنكم، وغفرت لكم، ورحمتكم، ونصرتكم علـى القوم الكافرين.

وروي عن الضحاك بن مزاحم أن إجابة اللّه للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم خاصة.

٥٢٦٢ـ حدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: أخبرنا عبـيد، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: {رَبّنا لا تُؤَاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا} كان جبريـل علـيه السلام يقول له سلها، فسألها نبـيّ اللّه ربه جل ثناءه، فأعطاه إياها، فكانت للنبـيّ صلى اللّه عليه وسلم خاصة.

٥٢٦٣ـ حدثنـي الـمثنى بن إبراهيـم، قال: حدثنا أبو نعيـم، قال: حدثنا سفـيان، عن أبـي إسحاق: أن معاذا كان إذا فرغ من هذه السورة: {وَانْصُرْنا علـى القَوْمِ الكافِرِينَ} قال: آمين.

﴿ ٢٨٦