٤القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {نَزّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ ...} يقول جلّ ثناؤه: يا مـحمد إن ربك وربّ عيسى ورب كل شيء، هو الرب الذي أنزل علـيك {الكِتَابَ} يعنـي بـالكتاب: القرآن. {بـالـحقّ} يعنـي بـالصدق فـيـما اختلف فـيه أهل التوراة والإنـجيـل، وفـيـما خالفك فـيه مـحاجوك من نصارى أهل نـجران، وسائر أهل الشرك غيرهم. {مُصَدّقا لـما بَـيْنَ يَدَيْهِ} يعنـي بذلك القرآن، أنه مصدّق لـما كان قبله من كتب اللّه التـي أنزلها علـى أنبـيائه ورسله، ومـحقق ما جاءت به رسل اللّه من عنده، لأن منزل جميع ذلك واحد، فلا يكون فـيه اختلاف، ولو كان من عند غيره كان فـيه اختلاف كثـير. وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٥٢٧٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {مُصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيْهِ} قال: لـما قبله من كتاب أو رسول. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {مُصَدّقا لِـمَا بَـينَ يَدَيْهِ} لـما قبله من كتاب أو رسول. ٥٢٧٤ـ حدثنـي مـحمد بن حميد، قال: حدثنا سلـمة، قال: ثنـي مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير: {نَزّلَ عَلَـيْكَ الكِتابَ بـالـحَقّ} أي بـالصدق فـيـما اختلفوا فـيه. ٥٢٧٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {نَزّلَ عَلَـيْكَ الكِتابَ بـالـحَقّ مصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيْهِ} يقول: القرآن مصدّقا لـما بـين يديه من الكتب التـي قد خـلت قبله. ٥٢٧٦ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: ثنـي ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع قوله: {نَزّلَ عَلَـيْكَ الكِتَابَ بـالـحَقّ مُصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيْهِ} يقول: مصدّقا لـما قبله من كتاب ورسول. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَأنْزَلَ التّوْرَاةَ والإنْـجِيـلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى للنّاسِ}. يعنـي بذلك جل ثناؤه: وأنزل التوراة علـى موسى، والإنـجيـل علـى عيسى. {مِنْ قَبْلُ} يقول: من قبل الكتاب الذي نزّله علـيك. ويعنـي بقوله: {هُدًى للنّاسِ} بـيانا للناس من اللّه ، فـيـما اختلفوا فـيه من توحيد اللّه وتصديق رسله، ومفـيدا يا مـحمد أنك نبـيـي ورسولـي، وفـي غير ذلك من شرائع دين اللّه . كما: ٥٢٧٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وأنْزَلَ التّوْراة والإنْـجِيـلَ مِنْ قَبْلُ هُدًى للنّاسِ} هما كتابـان أنزلهما اللّه ، فـيـما بـيان من اللّه ، وعصمة لـمن أخذ به وصدق به وعمل بـما فـيه. ٥٢٧٨ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير: {وأنْزلَ التّوْراةَ والإنْـجِيـلَ} التوراة علـى موسى، والإنـجيـل علـى عيسى، كما أنزل الكتب علـى من كان قبلهما. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وأنْزَلَ الفُرْقانَ}. يعنـي جل ثناؤه بذلك: وأنزل الفصل بـين الـحقّ والبـاطل، فـيـما اختلفت فـيه الأحزاب وأهل الـملل فـي أمر عيسى وغيره. وقد بـينا فـيـما مضى أن الفُرقان إنـما هو الفُعلان من قولهم: فرق اللّه بـين الـحقّ والبـاطل يفصل بـينهما بنصره بـالـحق علـى البـاطل¹ إما بـالـحجة البـالغة، وإما بـالقهر والغلبة بـالأيدي والقوّة. وبـما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل، غير أن بعضهم وجه تأويـله إلـى أنه فصل بـين الـحق والبـاطل فـي أمر عيسى، وبعضهم إلـى أنه فصل بـين الـحق والبـاطل فـي أحكام الشرائع. ذكر من قال: معناه: الفصل بـين الـحقّ والبـاطل فـي أمر عيسى والأحزاب: ٥٢٧٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير: {وأنْزلَ الفُرْقانَ} أي الفصل بـين الـحقّ والبـاطل، فـيـما اختلف فـيه الأحزاب من أمر عيسى وغيره. ذكر من قال: معنى ذلك الفصل بـين الـحقّ والبـاطل فـي الأحكام وشرائع الإسلام: ٥٢٨٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَأَنْزَلَ الفُرْقَانَ} هو القرآن أنزله علـى مـحمد وفرق به بـين الـحقّ والبـاطل، فأحلّ فـيه حلاله، وحرّم فـيه حرامه، وشرع فـيه شرائعه، وحدّ فـيه حدوده، وفرض فـيه فرائضه، وبـين فـيه بـيانه، وأمر بطاعته، ونهى عن معصيته. ٥٢٨١ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {وأنْزلَ الفُرْقانَ} قال: الفرقان: القرآن فرق بـين الـحقّ والبـاطل. والتأويـل الذي ذكرناه عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير فـي ذلك، أولـى بـالصحة من التأويـل الذي ذكرناه عن قتادة والربـيع، وأن يكون معنى الفرقان فـي هذا الـموضع: فصل اللّه بـين نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم والذي حاجوه فـي أمر عيسى وفـي غير ذلك من أموره بـالـحجة البـالغة القاطعة عُذْرَهم وعُذْرَ نظرائهم من أهل الكفر بـالله. وإنـما قلنا هذا القول أولـى بـالصواب، لأن إخبـار اللّه عن تنزيـله القرآن قبل إخبـاره عن تنزيـله التوراة والإنـجيـل فـي هذه الاَية قد مضى بقوله: {نَزّلَ عَلَـيْكَ الكِتابَ بـالـحَقّ مُصَدّقا لِـمَا بَـيْنَ يَدَيْهِ} ولا شك أن ذلك الكتاب هو القرآن لا غيره، فلا وجه لتكريره مرّة أخرى، إذ لا فـائدة فـي تكريره، لـيست فـي ذكره إياه وخبره عنه ابتداء. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ اللّه لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ، وَاللّه عَزِيزٌ ذو انْتِقام}. يعنـي بذلك جل ثناؤه: إن الذين جحدوا أعلام اللّه وأدلته علـى توحيده وألوهته، وأن عيسى عبد له واتـخذوا الـمسيح إلها وربـا، أو ادّعوه لله ولدا، {لهم عَذَابٌ} من اللّه {شَدِيدٌ} يوم القـيامة، والذين كفروا هم الذين جحدوا آيات اللّه . وآيات اللّه : أعلام اللّه وأدلته وحُججه. وهذا القول من اللّه عزّ وجلّ، ينبىء عن معنى قوله: {وأنْزَلَ الفُرْقَانَ} أنه معنـيّ به الفصل الذي هو حجة لأهل الـحقّ علـى أهل البـاطل لأنه عقب ذلك بقوله: {إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ اللّه } يعنـي: أن الذين جحدوا ذلك الفصل والفرقان الذي أنزله فرقا بـين الـمـحقّ والـمبطل، {لهمْ عذابٌ شديدٌ} وعيد من اللّه لـمن عاند الـحقّ بعد وضوحه له، وخالف سبـيـل الهدى بعد قـيام الـحجة علـيه. ثم أخبرهم أنه عزيز فـي سلطانه لا يـمنعه مانع مـمن أراد عذابه منهم، ولا يحول بـينه وبـينه حائل، ولا يستطيع أن يعانده فـيه أحد، وأنه ذو انتقام مـمن جحد حججه وأدلته، بعد ثبوتها علـيها، وبعد وضوحها له ومعرفته بها.) وبنـحو الذي قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٥٢٨٢ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير: {إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّه لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّه عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامِ} أي أن اللّه منتقم مـمن كفر بآياته بعد علـمه بها، ومعرفته بـما جاء منه فـيها. ٥٢٨٣ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {إنّ الّذِينَ كَفَرُوا بآياتِ اللّه لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللّه عَزِيزٌ ذُو انْتِقام}. |
﴿ ٤ ﴾