٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى:

{هُوَ الّذِي يُصَوّرُكُمْ فِي الأرْحَامِ كَيْفَ يَشَآءُ لاَ إِلَـَهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: اللّه الذي يصوّركم فـيجعلكم صورا أشبـاحا فـي أرحام أمهاتكم كيف شاء وأحبّ، فـيجعل هذا ذكرا وهذا أنثى، وهذا أسود وهذا أحمر. يعرّف عبـاده بذلك أن جميع من اشتـملت علـيه أرحام النساء مـمن صوّره وخـلقه كيف شاء، وأن عيسى ابن مريـم مـمن صوّره فـي رحم أمه وخـلقه فـيها كيف شاء وأحبّ، وأنه لو كان إلها لـم يكن مـمن اشتـملت علـيه رحم أمه، لأن خلاّق ما فـي الأرحام لا تكون الأرحام علـيه مشتـملة، وإنـما تشتـمل علـى الـمخـلوقـين. كما:

٥٢٨٥ـ حدثنـي ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير: {هُوَ الّذِي يُصَوّرُكُمْ فِـي الأرْحَامِ كَيْف يَشاءُ} قد كان عيسى مـمن صُوّر فـي الأرحام، لا يدفعون ذلك، ولا ينكرونه، كما صور غيره من بنـي آدم، فكيف يكون إلها وقد كان بذلك الـمنزل؟

٥٢٨٦ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {هُوَ الّذِي يُصوّرَكُمْ فِـي الأرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ} أي أنه صور عيسى فـي الرحم كيف شاء.

وقال آخرون فـي ذلك، ما:

٥٢٨٧ـ حدثنا به موسى بن هارون، قال: حدثنا عمرو بن حماد، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي، عن أبـي مالك، عن أبـي صالـح، عن ابن عبـاس ، وعن مرة الهمدانـي، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبـي صلى اللّه عليه وسلم قوله: {هُو الّذِي يُصوّرُكُمْ فـي الأرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ} قال: إذا وقعت النطفة فـي الأرحام، طارت فـي الـجسد أربعين يوما، ثم تكون علقة أربعين يوما، ثم تكون مضغة أربعين يوما، فإذا بلغ أن يخـلق بعث اللّه ملكا يصوّرها، فـيأتـي الـملك بتراب بـين أصبعيه، فـيخـلطه فـي الـمضغة ثم يعجنه بها ثم يصوّرها كما يؤمر، فـ

يقول: أذكر أو أنثى، أشقـيّ أو سعيد، وما رزقه، وما عمره، وما أثره، وما مصائبه؟ فـيقول اللّه ، ويكتب الـملك. فإذا مات ذلك الـجسد، دفن حيث أخذ ذلك التراب.

٥٢٨٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: {هُوَ الّذِي يُصوّرُكُمْ فـي الأرْحَامِ كَيْف يَشاءُ} قادر واللّه ربنا أن يصوّر عبـاده فـي الأرحام كيف يشاء من ذكر أو أنثى، أو أسود أو أحمر، تام خـلقه وغير تام.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {لا إلَهَ إلاّ هُوَ العَزِيزُ الـحَكيـمُ}.

وهذا القول تنزيه من اللّه تعالـى ذكره نفسه أن يكون له فـي ربوبـيته ندّ أو مثل أو أن تـجوز الألوهة لغيره، وتكذيب منه للذين قالوا فـي عيسى ما قالوا من وفد نـجران الذين قدموا علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، وسائر من كان علـى مثل الذي كانوا علـيه من قولهم فـي عيسى، ولـجميع من ادّعى مع اللّه معبودا، أو أقرّ بربوبـية غيره. ثم أخبر جل ثناؤه خـلقه بصفته وعيدا منه لـمن عبد غيره أو أشرك فـي عبـادته أحدا سواه،

فقال: {هُوَ الْعَزِيزُ} الذي لا ينصر من أراد الانتقام منه أحد، ولا ينـجيه منه وأْلٌ ولا لَـجَأٌ، وذلك لعزّته التـي يذلّ لها كل مخـلوق، ويخضع لها كل موجود. ثم أعلـمهم أنه الـحكيـم فـي تدبـيره، وإعذاره إلـى خـلقه، ومتابعة حججه علـيهم، لـيهلك من هلك منهم عن بـينة، ويحيا من حيّ عن بـينة. كما:

٥٢٨٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير، قال: ثم قال: ـ يعنـي الربّ عزّ وجلّ إنزاها لنفسه، وتوحيدا لها مـما جعلوا معه ـ {لا إلَهَ إلاّ هُوَ العَزِيزُ الـحَكِيـمُ} قال: العزيز فـي نصرته مـمن كفر به إذا شاء، والـحكيـم فـي عذره وحجته إلـى عبـاده.

٥٢٩٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع: {لا إلَهَ إلاّ هُوَ العَزِيزُ الـحَكِيـمُ}

يقول: عزيز فـي نقمته، حكيـم فـي أمره.

﴿ ٦