١٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {الصّابِرِينَ وَالصّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ } يعنـي بقوله: {الصّابِرِينَ} الذين صبروا فـي البأساء والضراء وحين البأس. ويعنـي بـالصادقـين: الذين صدقوا اللّه فـي قولهم بتـحقـيقهم الإقرار به وبرسوله، وما جاء به من عنده بـالعمل بـما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه. ويعنـي بـالقانتـين: الـمطيعين له. وقد أتـينا علـى الإبـانة عن كل هذه الـحروف ومعانـيها بـالشواهد علـى صحة ما قلنا فـيها، وبـالإخبـار عمن قال فـيها قولاً فـيـما مضى بـما أغنى عن إعادته فـي هذا الـموضع، وقد كان قتادة يقول فـي ذلك بـما: ٥٤٣٤ـ حدثنا به بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: {الصّابِرِينَ وَالصّادِقِـينَ وَالقاتِتِـينَ وَالـمُنفِقِـينَ} الصادقـين:ف قوم صدقت أفواههم، واستقامت قلوبهم وألسنتهم، وصدقوا فـي السر والعلانـية. والصابرين: قوم صبروا علـى طاعة اللّه ، وصبروا عن مـحارمه. والقانتون: هم الـمطيعون لله. وأما الـمنفقون: فهم الـمؤتون زكوات أموالهم، وواضعوها علـى ما أمرهم اللّه بإتـيانها، والـمنفقون أموالهم فـي الوجوه التـي أذن اللّه لهم جل ثناؤه بإنفـاقها فـيهاوأما الصابرين والصادقـين وسائر هذه الـحروف فمخفوض ردّا علـى قوله: {الّذِينَ يَقُولُونَ رَبّنَا إنّنَا آمَنّا} والـخفض فـي هذه الـحروف يدلّ علـى أن قوله: {الّذِينَ يَقُولُونَ} خفض ردّا علـى قوله: {لِلّذِينَ اتّقَوْا عِندَ رَبّهِمْ}. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {والـمُسْتَغْفِرِينَ بـالأسْحارِ}. اختلف أهل التأويـل فـي القوم الذين هذه الصفة صفتهم، فقال بعضهم: هم الـمصلون بـالأسحار. ذكر من قال ذلك: ٥٤٣٥ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: {وَالـمُسْتَغْفِرِينَ بـالأسْحارِ} هم أهل الصلاة. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن قتادة: {والـمُسْتَغْفِرِينَ بـالأسْحارِ} قال: يصلون بـالأسحار. وقال آخرون: هم الـمستغفرون. ذكر من قال ذلك: ٥٤٣٦ـ حدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبـي، عن حريث بن أبـي مطر، عن إبراهيـم بن حاطب، عن أبـيه، قال: سمعت رجلاً فـي السحر فـي ناحية الـمسجد وهو يقول: رب أمرتنـي فأطعتك، وهذا سحر فـاغفر لـي! فنظرت فإذا ابن مسعود. ٥٤٣٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا الولـيد بن مسلـم، قال: سألت عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن قول اللّه عز وجل: {والـمُسْتَغْفِرِينَ بـالأسحارِ} قال: حدثنـي سلـيـمان بن موسى، قال: حدثنا نافع: أن ابن عمر كان يحيـي اللـيـل صلاة، ثم يقول: يا نافع أسحرنا؟ فـ يقول: لا. فـيعاود الصلاة، فإذا قلت: نعم، قعد يستغفر ويدعو حتـى يصبح. ٥٤٣٨ـ حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن بعض البصريـين، عن أنس بن مالك قال: أمرنا أن نستغفر بـالأسحار سبعين استغفـارة. ٥٤٣٩ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا زيد بن الـحبـاب، قال: حدثنا أبو يعقوب الضبـي، قال: سمعت جعفر بن مـحمد يقول: من صلـى من اللـيـل ثم استغفر فـي آخر اللـيـل سبعين مرة كتب من الـمستغفرين بـالأسحار. وقال آخرون: هم الذين يشهدون الصبح فـي جماعة. ذكر من قال ذلك: ٥٤٤٠ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسماعيـل بن مسلـمة أخو القعنبـي قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن، قال: قلت لزيد بن أسلـم من الـمستغفرين بـالأسحار؟ قال: هم الذين يشهدون الصبح. وأولـى هذه الأقوال بتأويـل قوله: {وَالـمُسْتَغفِرِينَ بـالأسْحارِ} قول من قال: هم السائلون ربهم أن يستر علـيهم فضيحتهم بها بـالأسحار، وهي جمع سَحَر. وأظهر معانـي ذلك أن تكون مسألتهم إياه بـالدعاء، وقد يحتـمل أن يكون معناه: تعرضهم لـمغفرته بـالعمل والصلاة، غير أن أظهر معانـيه ما ذكرنا من الدعاء. |
﴿ ١٧ ﴾