٢١

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّه ...}

يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: {إنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بآياتِ اللّه } أي يجحدون حجج اللّه وأعلامه فـيكذّبون بها من أهل الكتابـين التوراة والإنـجيـل. كما:

٥٤٥٦ـ حدثنـي ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير، قال: ثم جمع أهل الكتابـين جميعا، وذكر ما أحدثوا وابتدعوا من الـيهود والنصارى،

فقال: {إنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بآياتِ اللّه وَيَقْتُلُونَ النّبِـيّـينَ بِغَيْرِ حَقّ} إلـى قوله: {قُلِ اللّه مّ مالِكَ الـمُلْكِ تُؤْتِـي الـمُلْكَ مَنْ تَشاءُ}.

وأما قوله: {وَيَقْتُلُوُنَ النّبِـيّـينَ بِغَيْرِ حَقّ} فإنه يعنـي بذلك أنهم كانوا يقتلون رسل اللّه الذين كانوا يرسلون إلـيهم بـالنهي عما يأتون من معاصي اللّه ، وركوب ما كانوا يركبونه من الأمور التـي قد تقدم اللّه إلـيهم فـي كتبهم بـالزجر عنها، نـحو زكريا وابنه يحيـى وما أشبههما من أنبـياء اللّه .

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِـالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ}.

اختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأه عامة أهل الـمدينة والـحجاز والبصرة والكوفة وسائر قرّاء الأمصار: {وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِـالْقِسْطِ} بـمعنى القتل. وقرأه بعض الـمتأخرين من قرّاء الكوفة: (ويقاتلون)، بـمعنى القتال تأوّلاً منه قراءة عبد اللّه بن مسعود، وادّعى أن ذلك فـي مصحف عبد اللّه : (وقاتلوا)، فقرأ الذي وصفنا أمره من القراء بذلك التأويـل (ويقاتلون).

والصواب من القراءة فـي ذلك عندنا، قراءة من قرأه: {وَيَقْتُلُونَ} لإجماع الـحجة من القراء علـيه به، مع مـجيء التأويـل من أهل التأويـل بأن ذلك تأويـله. ذكر من قال ذلك:

٥٤٥٧ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن معقل بن أبـي مسكين فـي قوله اللّه صلى اللّه عليه وسلم: {وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِـالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ} قال: كان الوحي يأتـي إلـى بنـي إسرائيـل فـيذكّرون، ولـم يكن يأتـيهم كتاب، فـيُقتَلون، فـيقوم رجال مـمن اتبعهم وصدّقهم، فـيذكّرون قومهم فـيقتلون، فهم الذين يأمرون بـالقسط من الناس.

٥٤٥٨ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن قتادة فـي قوله: {وَيَقْتُلُونَ النّبِـيّـينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِـالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ} قال: هؤلاء أهل الكتاب، كان أتبـاع الأنبـياء ينهونهم ويذكرونهم فـيقتلونهم.

٥٤٥٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج فـي قوله: {إنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بآياتِ اللّه وَيَقْتُلُونَ النّبِـيّـينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِـالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ} قال: كان ناس من بنـي إسرائيـل مـمن لـم يقرأ الكتاب كان الوحي يأتـي إلـيهم، فـيذكّرون قومهم فـيقتلون علـى ذلك، فهم الذين يأمرون بـالقسط من الناس.

٥٤٦٠ـ حدثنـي أبو عبـيد الرصافـي مـحمد بن جعفر، قال: حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا أبو الـحسن مولـى بنـي أسد، عن مكحول، عن قبـيصة بن ذؤيب الـخزاعي، عن أبـي عبـيدة بن الـجرّاح، قال: قلت يا رسول اللّه ، أيّ الناس أشدّ عذابـا يوم القـيامة؟ قال: (رَجُلٌ قَتَلَ نَبِـيّا، أوْ رَجُلٌ أمَرَ بـالـمُنْكَرِ وَنَهَى عَنِ الـمَعْرُوفِ). ثم قرأ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (الّذِينَ يَقْتُلُونَ النّبِـيّـينَ بِغَيْرِ حَقّ وَيَقْتُلُونَ الّذِينَ يَأْمُرُونَ بِـالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ) إلـى أن انتهى إلـى: {وَما لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}. ثم قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (يا أبـا عُبَـيْدَةَ قَتَلَتْ بَنُو إسْرَائِيـلَ ثَلاَثَةً وَأرْبَعِينَ نَبِـيّا مِنْ أَوّلِ النّهارِ فِـي سَاعَةٍ وَاحِدَةً، فَقَامَ مِائَةُ رَجُلٍ وَاثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مِنْ عُبّـادِ بَنِـي إسْرَائِيـلَ، فأمَرُوا مَنْ قَتَلَهُمْ بِـالـمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَنِ الـمُنْكَرِ فَقُتِلُوا جَمِيعا مِنْ آخِرِ النّهَارِ فِـي ذَلِكَ الـيَوْمِ، وَهُمُ الّذِينَ ذَكَرَ اللّه عَزّ وَجَلّ).

فتأويـل الاَية إذا: إن الذين يكفرون بآيات اللّه ، ويقتلون النبـيـين بغير حقّ، ويقتلون آمريهم بـالعدل فـي أمر اللّه ونهيه، الذين ينهونهم عن قتل أنبـياء اللّه وركوب معاصيه.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ أُولَئِكَ الّذِينَ حَبِطَتْ أعْمَالُهُمْ فِـي الدّنْـيا وَالاَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ}.

يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: {فَبَشّرْهُمْ بِعَذَابٍ ألِـيـمٍ} فأخبرهم يا مـحمد، وأعلـمهم أن لهم عند اللّه عذابـا مؤلـما لهم، وهو الـموجع.

﴿ ٢١