٢٦

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلِ اللّه مّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ ... }

أما تأويـل قوله {قُلِ اللّه مّ} فإنه قل يا مـحمد: يا اللّه .

واختلف أهل العربـية فـي نصب ميـم {اللّه مّ} وهو منادى، وحكم الـمنادى الـمفرد غير الـمضاف الرفع، وفـي دخول الـميـم فـيه، وهو فـي الأصل (اللّه ) بغير ميـم.

فقال بعضهم: إنـما زيدت فـيه الـميـمان لأنه لا ينادى بـ(يا) كما ينادى الأسماء التـي لا ألف فـيها، وذلك أن الأسماء التـي لا ألف ولا لام فـيها تنادى بـ(يا)، كقول القائل: يا زيد ويا عمرو، قال: فجعلت الـميـم فـيه خـلفـا من (يا)، كما

قالوا: فم ودم وهم وزُرْقُم وسُتْهُم، وما أشبه ذلك من الأسماء والنعوت التـي يحذف منها الـحرف، ثم يبدل مكانه ميـم، قال: فكذلك حذفت من اللهم (يا) التـي ينادى بها الأسماء التـي علـى ما وصفنا، وجعلت الـميـم خـلفـا منها فـي آخر الاسم. وأنكر ذلك من قولهم آخرون،

وقالوا: قد سمعنا العرب تنادي: اللهمّ بـ(يا)، كما تناديه، ولا ميـم فـيه.

قالوا: فلو كان الذي قال هذا القول مصيبـا فـي دعواه لـم تدخـل العرب (يا)، وقد جاءوا بـالـخـلف منها. وأنشدوا فـي ذلك سماعا من العرب:

وَما عَلَـيْكِ أنْ تَقُولـي كُلّـماصَلّـيْتِ أوْ كَبّرْتِ يا اللّه مّ

ارْدُدْ إلـينا شَيْخَنَا مُسَلّـما

ويروى: (سبحت أو كبرت).

قالوا: ولـم نر العرب زادت مثل هذه الـميـم إلا مخففة فـي نواقص الأسماء مثل فم ودم وهم

قالوا: ونـحن نرى أنها كلـمة ضمّ إلـيها (أمّ) بـمعنى (يا اللّه أمّنا بخير)، فكثرت فـي الكلام فـاختلطت به.

قالوا: فـالضمة التـي فـي الهاء من همزة (أم) لـما تركت انتقلت إلـى ما قبلها.

قالوا: ونرى أن قول العرب هلـمّ إلـينا مثلها، إنـما كان هلـمّ (هل) ضمّ إلـيها (أمّ) فتركت علـى نصبها.

قالوا: ومن العرب من يقول إذا طرح الـميـم: (يا اللّه اغفر لـي)، و(يا اللّه اغفر لـي)، بهمز الألف من اللّه مرّة، ووصلها أخرى، فمن حذفها أجراها علـى أصلها لأنها ألف ولام، مثل الألف واللام اللتـين يدخلان فـي الأسماء الـمعارف زائدتـين. ومن همزها توهم أنها من الـحرف، إذ كانت لا تسقط منه. وأنشدوا فـي همز الألف منها:

مُبـارَكٌ هُوَ وَمَنْ سَمّاهُعلـى اسمكَ اللّه مّ يا اللّه

قالوا: وقد كثرت اللهمّ فـي الكلام حتـى خففت ميـمها فـي بعض اللغات، وأنشدوا:

كحَلْفَةٍ مِنْ أبـي رِياحٍيَسْمَعُها اللّه مُ الكُبـارُ

والرواة تنشد ذلك: (يَسْمَعُـها لاهُهُ الكُبـارُ).

وقد أنشده بعضهم: (يَسْمَعُهـا اللّه والكُبـارُ).

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {مالِكَ الـمُلْكِ تُؤْتِـي الـمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الـمُلْكَ مِـمّنْ تَشاءُ}. يعنـي بذلك: يا مالك الـملك، يا من له ملك الدنـيا والاَخرة خالصا دون غيره. كما:

٥٤٦٧ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير قوله: {قُلِ اللّه مّ مالكَ الـمُلْكِ} أي ربّ العبـاد الـملك لا يقضي فـيهم غيرك.

وأما قوله: {تُؤْتِـي الـمُلْكَ مَنْ تَشاءُ} فإنه يعنـي: تعطي الـملك من تشاء فتـملّكه وتسلطه علـى من تشاءوقوله: {وَتَنْزِعُ الـمُلْكَ مِـمّنْ تَشاءُ} أن تنزعه منه، فترك ذكر (أن تنزعه منه) اكتفـاء بدلالة قوله: {وَتَنْزِعُ الـمُلْكَ مِـمّنْ تَشاءُ} علـيه، كما يقال: خذ ما شئت، وكن فـيـما شئت، يراد: خذ ما شئت أن تأخذه، وكن فـيـما شئت أن تكون فـيه، وكما قال جل ثناؤه: {فِـي أيّ صُورَةٍ ما شاءَ ركّبَكَ} يعنـي: فـي أيّ صورة شاء أن يركبك فـيها ركبك.

وقـيـل: إن هذه الاَية نزلت علـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم جوابـا لـمسألته ربه أن يجعل ملك فـارس والروم لأمته. ذكر من قال ذلك:

٥٤٦٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة¹ وذكر لنا أن نبـيّ صلى اللّه عليه وسلم سأل ربه جل ثناؤه أن يجعل له ملك فـارس والروم فـي أمته، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قُلِ اللّه مّ مالِكَ الـمُلْكِ تُؤْتِـي الـمُلْكَ مَنْ تَشاءُ}.. إلـى: {إنّكَ علـى كلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن قتادة، قال: ذكر لنا ولله أعلـم أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم سأل ربه عزّ وجلّ أن يجعل ملك فـارس والروم فـي أمته، ثم ذكر مثله.

وروي عن مـجاهد أنه كان

يقول: معنى الـملك فـي هذا الـموضع النبوّة. ذكر الرواية عنه بذلك:

٥٤٦٩ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قوله: {تُؤْتِـي الـمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الـمُلْكَ مِـمّنْ تَشاءُ} قال: النبوّة.

حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله.

القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتُعِزّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلّ مَنْ تَشاءُ بِـيَدِكَ الـخَيْرُ إنّكَ علـى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}. يعنـي جلّ ثناؤه: وتعزّ من تشاء بإعطائه الـملك والسلطان وبسط القدرة له، وتذلّ من تشاء بسلبك ملكه وتسلـيط عدوّ علـيه. {بِـيَدِكَ الـخَيْرُ} أي كلّ ذلك بـيدك وإلـيك، لا يقدر علـى ذلك أحد¹ لأنك علـى كل شيء قدير، دون سائر خـلقك، ودون من اتـخذه الـمشركون من أهل الكتاب والأميـين من العرب إلها وربـا يعبدونه من دونك، كالـمسيح والأنداد التـي اتـخذها الأميون ربّـا. كما:

٥٤٧٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير قوله: {تُؤْتِـي الـمُلْكَ مَنْ تَشاءُ}.. الاَية، أي إن ذلك بـيدك لا إلـى غيرك، {إنّكَ علـى كل شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي لا يقدر علـى هذا غيرك بسلطانك وقدرتك.

﴿ ٢٦