٢٧القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {تُولِجُ اللّيْلَ فِي الْنّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي الْلّيْلِ ...} يعنـي بقوله جلّ ثناؤه: {تُولِـجُ} تدخـل، يقال منه: قد ولـج فلان منزله: إذا دخـله، فهو يَـلِـجُهُ وَلْـجا وَوُلُوجا ولِـجَةً، وأولـجته أنا: إذا أدخـلته. ويعنـي بقوله: {تُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ} تدخـل ما نقصت من ساعات اللـيـل فـي ساعات النهار، فتزيد من نقصان هذا فـي زيادة هذا. {وَتُولِـجُ النّهَارَ فِـي اللّـيْـلِ} وتدخـل ما نقصت من ساعات النهار فـي ساعات اللـيـل، فتزيد فـي ساعات اللـيـل ما نقصت من ساعات النهار. كما: ٥٤٧١ـ حدثنـي موسى، قال حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {تُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ وَتُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ} حتـى يكون اللـيـل خمس عشرة ساعة والنهار تسع ساعات، وتدخـل النهار فـي اللـيـل، حتـى يكون النهار خمس عشرة ساعة واللـيـل تسع ساعات. ٥٤٧٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا حفص بن عمر، عن الـحكم بن أبـان، عن عكرمة، عن ابن عبـاس قال: ما نقص من النهار يجعله فـي اللـيـل، وما نقص من اللـيـل يجعله فـي النهار. ٥٤٧٣ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد فـي قول اللّه : {تُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ وتُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ} قال: ما ينقص من أحدهما يدخـل فـي الاَخر متعاقبـان ـ أو يتعاقبـان، شكّ أبو عاصم ـ ذلك من الساعات. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد: {تُولِـجُ اللّـيْـل فِـي النّهارِ وَتُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيـلِ} ما ينقص من أحدهما فـي الاَخر يتعاقبـان فـي ذلك من الساعات. ٥٤٧٤ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن قوله: {تُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهَارِ وَتُولِـجُ النّهَارَ فِـي اللّـيْـلِ} نقصان اللـيـل فـي زيادة النهار، ونقصان النهار فـي زيادة اللـيـل. ٥٤٧٥ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: {تُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهَارِ وَتُولِـجُ النّهَارَ فِـي اللّـيْـلِ} قال: هو نقصان أحدهما فـي الاَخر. ٥٤٧٦ـ حدثت عن عمار، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن قتادة فـي قوله: {تُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ وَتُولِـجُ النّهارَ فِـي اللّـيْـلِ} قال: يأخذ اللـيـل من النهار، ويأخذ النهار من اللـيـل. يقول: نقصان اللـيـل فـي زيادة النهار، ونقصان النهار فـي زيادة اللـيـل. ٥٤٧٧ـ حدثت عن الـحسين، قال: سمعت أبـا معاذ، قال: حدثنا عبـيد بن سلـيـمان، قال: سمعت الضحاك يقول فـي قوله: {تُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهَارِ وَتُولِـجُ النّهَارَ فِـي اللّـيْـلِ} يعنـي أنه يأخذ أحدهما من الاَخر، فـيكون اللـيـل أحيانا أطول من النهار، والنهار أحيانا أطول من اللـيـل. ٥٤٧٨ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {تُولِـجُ اللّـيْـلَ فِـي النّهارِ وَتُولِـجُ النّهَارَ فِـي اللّـيْـلِ} قال: هذا طويـل، وهذا قصير، أخذ من هذا فأولـجه فـي هذا حتـى صار هذا طويلاً وهذا قصيرا. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وتُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وَتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ}. اختلف أهل التأويـل فـي تأويـل ذلك، فقال بعضهم: تأويـل ذلك: أنه يخرج الشيء الـحيّ من النطفة الـميتة، ويخرج النطفة الـميتة من الشيء الـحيّ. ذكر من قال ذلك: ٥٤٧٩ـ حدثنـي أبو السائب، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيـم، عن عبد اللّه فـي قوله: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وَتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} قال: هي النطفة تـخرج من الرجل وهي ميتة، وهو حيّ، ويخرج الرجل منها حيا وهي ميتة. ٥٤٨٠ـ حدثنـي مـحمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد في قول اللّه عز وجل: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وَتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} قال: الناس الأحياء من النطف والنطف ميتة، ويخرجها من الناس الأحياء والأنعام. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبـي نـجيح، عن مـجاهد، مثله. حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا أبـي، عن سلـمة بن نبـيط، عن الضحاك فـي قوله: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} فذكر نـحوه. ٥٤٨١ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} فـالنطفة ميتة تكون تـخرج من إنسان حيّ، ويخرج إنسان حيّ من نطفة ميتة. ٥٤٨٢ـ حدثنـي مـحمد بن عمر بن علـي بن عطاء الـمقدمي، قال: حدثنا أشعث السجستانـي، قال: حدثنا شعبة، عن إسماعيـل بن أبـي خالد فـي قوله: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} قال تـخرج النطفة من الرجل، والرجل من النطفة. ٥٤٨٣ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} قال: تـخرج الـحيّ من هذه النطفة الـميتة، وتـخرج هذه النطفة الـميتة من الـحيّ. ٥٤٨٤ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، عن مـجاهد فـي قوله: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وَتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ}.. الاَية، قال: الناس الأحياء من النطف، والنطف ميتة من الناس الأحياء، ومن الأنعام والنبت كذلك. قال ابن جريج، وسمعت يزيد بن عويـمر يخبّر عن سعيد بن جبـير، قال: إخراجه النطفة من الإنسان، وإخراجه الإنسان من النطفة. ٥٤٨٥ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وَتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} قال: النطفة ميتة، فتـخرج منها أحياء. {وتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} تـخرج النطفة من هؤلاء الأحياء، والـحبّ ميتة تـخرج منه حيا. {وتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} تـخرج من هذا الـحيّ حبـا ميتا. وقال آخرون: معنى ذلك: أنه يخرج النـخـلة من النواة، والنواة من النـخـلة، والسنبل من الـحبّ والـحبّ من السنبل، والبـيض من الدجاج، والدجاج من البـيض. ذكر من قال ذلك: ٥٤٨٦ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا أبو تـميـلة، قال: حدثنا عبد اللّه ، عن عكرمة قوله: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ} قال: هي البـيضة تـخرج من الـحيّ وهي ميتة، ثم يخرج منها الـحيّ. ٥٤٨٧ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا حفص بن عمر، عن الـحكم بن أبـان، عن عكرمة فـي قوله: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وَتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} قال: النـخـلة من النواة، والنواة من النـخـلة، والـحبة من السنبلة، والسنبلة من الـحبة. وقال آخرون: معنى ذلك: أنه يخرج الـمؤمن من الكافر، والكافر من الـمؤمن. ذكر من قال ذلك: ٥٤٨٨ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، عن الـحسن فـي قوله: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وَتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} يعنـي الـمؤمن من الكافر، والكافر من الـمؤمن، والـمؤمن عبد حيّ الفؤاد، والكافر عبد ميت الفؤاد. حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، قال: قال الـحسن فـي قوله: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} قال: يخرج الـمؤمن من الكافر، ويخرج الكافر من الـمؤمن. حدثنا عمران بن موسى، قال: حدثنا عبد الوارث، عن سعيد بن عمرو، عن الـحسن قرأ: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وَتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} قال: تـخرج الـمؤمن من الكافر، وتـخرج الكافر من الـمؤمن. ٥٤٨٩ـ حدثنـي حميد بن مسعدة، قال: حدثنا بشر بن الـمفضل، قال: حدثنا سلـيـمان التـيـمي، عن أبـي عثمان، عن سلـمان، أو عن ابن مسعود ـ وأكبر ظنـي أنه عن سلـمان ـ قال: إن اللّه عزّ وجلّ خمّر طينة آدم أربعين لـيـلة ـ أو قال: أربعين يوما ـ ثم قال بـيده فـيه، فخرج كل طيب فـي يـمينه، وخرج كل خبـيث فـي يده الأخرى، ثم خـلط بـينهما، ثم خـلق منها آدم، فمن ثم يخرج الـحيّ من الـميت ويخرج الـميت من الـحيّ، يخرج الـمؤمن من الكافر ويخرج الكافر من الـمؤمن. ٥٤٩٠ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن الزهري: أن النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم دخـل علـى بعض نسائه، فإذا بـامرأة حسنة النّعْمة، فقال: (مَنْ هَذِهِ؟) قالت: إحدى خالاتك، قال: (إنّ خالاتِـي بِهَذِهِ البَلَدَةِ لغَرَائِبُ! وأيّ خالاتِـي هَذِهِ؟) قالت: خـلْدة ابنة الأسود بن عبد يغوث، قال: (سُبْحانَ الّذِي يُخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ) وكانت امرأة صالـحة، وكان أبوها كافرا. ٥٤٩١ـ حدثنـي مـحمد بن سنان، قال: حدثنا أبو بكر الـحنفـي، قال: حدثنا عبـاد بن منصور، عن الـحسن فـي قوله: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وَتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} قال: هل علـمتـم أن الكافر يـلد مؤمنا، وأن الـمؤمن يـلد كافرا؟ فقال: هو كذلك. وأولـى التأويلات التـي ذكرناها فـي هذه الاَية بـالصواب تأويـل من قال: يخرج الإنسان الـحيّ والأنعام والبهائم الأحياء من النطف الـميتة، وذلك إخراج الـحيّ من الـميت، ويخرج النطفة الـميتة من الإنسان الـحيّ والأنعام والبهائم الأحياء، وذلك إخراج الـميت من الـحيّ، وذلك أن كل حيّ فـارقه شيء من جسده، فذلك الذي فـارقه منه ميت، فـالنطفة ميتة لـمفـارقتها جسد من خرجت منه، ثم ينشىء اللّه منها إنسانا حيا وبهائم وأنعاما أحياء، وكذلك حكم كل شيء حيّ زايـله شيء منه، فـالذي زايـله منه ميت، وذلك هو نظير قوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِـاللّه وكُنْتُـمْ أمواتا فأحْيَاكُمْ ثُمّ يُـمِيتُكُمْ ثُمّ يُحْيِـيكُمْ ثُمّ إلَـيْهِ تُرْجَعُون}. وأما تأويـل من تأوّله بـمعنى الـحبة من السنبلة، والسنبلة من الـحبة، والبـيضة من الدجاجة، والدجاجة من البـيضة، والـمؤمن من الكافر، والكافر من الـمؤمن، فإن ذلك وإن كان له وجه مفهوم، فلـيس ذلك الأغلب الظاهر فـي استعمال الناس فـي الكلام، وتوجيه معانـي كتاب اللّه عزّ وجلّ إلـى الظاهر الـمستعمل فـي الناس، أولـى من توجيهها إلـى الـخفـيّ القلـيـل فـي الاستعمال. واختلفت القرّاء فـي قراءة ذلك، فقرأته جماعة منهم: {تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وَتُـخْرِجُ الـمَيّتَ مِنَ الـحَيّ} بـالتشديد وتثقـيـل الـياء من الـميت، بـمعنى أنه يخرج الشيء الـحيّ من الشيء الذي قد مات، ومـما لـم يـمت. وقرأت جماعة أخرى منهم: (تُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيْتِ وَتُـخْرِجُ الْـمَيْتَ مِنَ الـحَيّ) بتـخفـيف الـياء من الـميت. بـمعنى أنه يخرج الشيء الـحيّ من الشيء الذي قد مات دون الشيء الذي لـم يـمت، وتـخرج الشيء الـميت دون الشيء الذي لـم يـمت من الشيء الـحيّ، وذلك أن الـميت مثقل الـياء عند العرب ما لـم يـمت وسيـموت وما قد ماتوأما الـميْت مخففـا: فهو الذي قد مات، فإذا أرادوا النعت قالوا: إنك مائت غدا وإنهم مائتون، وكذلك كل ما لـم يكن بعد، فإنه يخرج علـى هذا الـمثال الاسم منه، يقال: هو الـجائد بنفسه والطائبة نفسه بذلك، وإذا أريد معنى الاسم قـيـل: هو الـجواد بنفسه والطيبة نفسه. فإذا كان ذلك كذلك، فأولـى القراءتـين فـي هذه الاَية بـالصواب قراءة من شّدد الـياء من الـميّت، لأن اللّه جل ثناؤه يخرج الـحيّ من النطفة التـي قد فـارقت الرجل، فصارت ميتة، وسيخرجه منها بعد أن تفـارقه وهي فـي صلب الرجل، ويخرج الـميت من الـحيّ، النطفة التـي تصير بخروجها من الرجل الـحيّ ميتا، وهي قبل خروجها منه حية، فـالتشديد أبلغ فـي الـمدح أكمل فـي الثناء. القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ}. يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: أنه يعطي من يشاء من خـلقه، فـيجود علـيه بغير مـحاسبة منه لـمن أعطاه، لأنه لا يخاف دخول انتقاص فـي خزائنه، ولا الفناء علـى ما بـيده. كما: ٥٤٩٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا ابن أبـي جعفر، عن أبـيه، عن الربـيع فـي قوله: {وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ} قال: يخرج الرزق من عنده بغير حساب، لا يخاف أن ينقص ما عنده تبـارك وتعالـى. فتأويـل الاَية إذا: اللهمّ يا مالك الـملك، تؤتـي الـملك من تشاء، وتنزع الـملك مـمن تشاء، وتعزّ من تشاء، وتذلّ من تشاء، بـيدك الـخير إنك علـى كل شيء قدير، دون من ادّعى الـملـحدون أنه لهم إلَه ورب وعبدوه دونك، أو اتـخذوه شريكا معك، أو أنه لك ولد وبـيدك القدرة التـي تفعل هذه الأشياء، وتقدر بها علـى كل شيء، تولـج اللـيـل فـي النهار، وتولـج النهار فـي اللـيـل، فتنقص من هذا وتزيد فـي هذا، وتنقص من هذا وتزيد فـي هذا، وتـخرج من ميت حيا، ومن حيّ ميتا، وترزق من تشاء بغير حساب من خـلقك، لا يقدر علـى ذلك أحد سواك، ولا يستطيعه غيرك. كما: ٥٤٩٣ـ حدثنـي ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير: {تُولِـجُ اللّـيْـلِ فِـي النّهَارِ وتُولِـجُ النّهَارَ فِـي اللّـيْـلِ وتُـخْرِجُ الـحَيّ مِنَ الـمَيّتِ وتُـخْرِجُ الـمَيّتُ مِنَ الـحَيّ} أي بتلك القدرة، يعنـي بـالقدرة التـي تؤتـي الـملك بها من تشاء وتنزعه مـمن تشاء، وترزق من تشاء بغير حساب، لا يقدر علـى ذلك غيرك ولا يصنعه إلا أنت. أي فإن كنت سلطت عيسى علـى الأشياء التـي بها يزعمون أنه إلَه، من إحياء الـموتـى، وإبراء الأسقام، والـخـلق للطير من الطين، والـخبر عن الغيوب لتـجعله آية للناس، وتصديقا له فـي نبوّته التـي بعثته بها إلـى قومه، فإنّ من سلطانـي وقدرتـي ما لـم أعطه، كتـملـيك الـملوك، وأمر النبوّة ووضعها حيث شئت، وإيلاج اللـيـل فـي النهار، والنهار فـي اللـيـل، وإخراج الـحيّ من الـميت، والـميت من الـحيّ، ورزق من شئت من برّ أو فـاجر بغير حساب، فكل ذلك لـم أسلط عيسى علـيه، ولـم أملكه إياه، فلـم يكن لهم فـي ذلك عبرة وبـينة، إذ لو كان إلَها لكان ذلك كله إلـيه وهو فـي علـمهم يهرب من الـملوك، وينتقل منهم فـي البلاد من بلد إلـى بلد. |
﴿ ٢٧ ﴾