٣١القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبّونَ اللّه فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّه غَفُورٌ رّحِيمٌ } اختلف أهل التأويـل فـي السبب الذي أنزلت هذه الاَية فـيه، فقال بعضهم: أنزلت فـي قوم قالوا علـى عهد النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: إنا نـحبّ ربنا، فأمر اللّه جلّ وعزّ نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم أن يقول لهم: (إنْ كُنْتُـمْ صَادِقِـينَ فِـيـما تَقُولُونَ فـاتّبِعُونِـي، فَـإِنّ ذَلِكَ عَلامَةُ صِدْقِكُمْ فِـيـما قُلْتُـمْ مِنْ ذَلِكَ). ذكر من قال ذلك: ٥٥١٢ـ حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد الرحمن بن عبد اللّه ، عن بكر بن الأسود، قال: سمعت الـحسن يقول: قال قوم علـى عهد النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: يا مـحمد إنا نـحبّ ربنا! فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {قُلْ إِنْ كُنْتُـمْ تُـحِبّونَ اللّه فَـاتّبِعُونِـي يُحْبِبْكُمْ اللّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} فجعل اتبـاع نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم علـما لـحبه، وعذاب من خالفه. حدثنـي الـمثنى، قال: حدثنا علـيّ بن الهيثم، قال: حدثنا عبد الوهاب، عن أبـي عبـيدة، قال: سمعت الـحسن، يقول: قال أقوام علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: يا مـحمد إنا لنـحبّ ربنا! فأنزل اللّه جلّ وعزّ بذلك قرآنا: {قُلْ إِنْ كُنْتُـمْ تُـحِبّونَ اللّه فَـاتّبِعُونِـي يُحْبِبْكُمْ اللّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} فجعل اللّه اتبـاع نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم علـما لـحبه، وعذاب من خالفه. ٥٥١٣ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج قوله: {إِنْ كُنْتُـمْ تُـحِبّونَ اللّه فـاتّبِعُونِـي يُحْبِبْكُمُ اللّه } قال: كان قوم يزعمون أنهم يحبون اللّه ، يقولون: إنا نـحبّ ربنا، فأمرهم اللّه أن يتبعوا مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم، وجعل اتبـاع مـحمد علـما لـحبه. حدثنـي مـحمد بن سنان، قال: حدثنا أبو بكر الـحنفـي، قال: حدثنا عبـاد بن منصور، عن الـحسن فـي قوله: {إِنْ كُنْتُـمْ تُـحِبّونَ اللّه }.. الاَية، قال: إن أقواما كانوا علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يزعمون أنهم يحبون اللّه ، فأراد اللّه أن يجعل لقولهم تصديقا من عمل، فقال: {إِنْ كُنْتُـمْ تُـحِبّونَ اللّه }.. الاَية. كان اتبـاع مـحمد صلى اللّه عليه وسلم تصديقا لقولهم. وقال آخرون: بل هذا أمر من اللّه نبـيه مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم أن يقول لوفد نـجران الذين قدموا علـيه من النصارى: إن كان الذي يقولونه فـي عيسى من عظيـم القول إنـما يقولونه تعظيـما لله وحبـا له، فـاتبعوا مـحمدا صلى اللّه عليه وسلم. ذكر من قال ذلك: ٥٥١٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن مـحمد بن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير. {قُلْ إِنْ كُنْتُـمْ تُـحِبّونَ اللّه } أي إن كان هذا من قولكم ـ يعنـي فـي عيسى ـ حبـا لله وتعظيـما له {فَـاتّبِعُونِـي يُحبِبْكُمُ اللّه وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} أي ما مضى من كفركم {وَاللّه غَفُورٌ رَحِيـمٌ}. قال أبو جعفر: وأولـى القولـين بتأويـل الاَية، قول مـحمد بن جعفر بن الزبـير، لأنه لـم يجز لغير وفد نـجران فـي هذه السورة، ولا قبل هذه الاَية ذكر قوم ادّعوا أنهم يحبون اللّه ، ولا أنهم يعظمونه، فـيكون قوله: {إِنْ كُنْتُـمْ تُـحِبّونَ اللّه فَـاتّبِعُونِـي} جوابـا لقولهم علـى ما قاله الـحسن. وأما ما روى الـحسن فـي ذلك مـما قد ذكرناه، فلا خبر به عندنا يصحّ، فـيجوز أن يقال: إن ذلك كذلك، وإن لـم يكن فـي السورة دلالة علـى أنه كما قال إلا أن يكون الـحسن أراد بـالقوم الذين ذكر أنهم قالوا ذلك علـى عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وفد نـجران من النصارى، فـيكون ذلك من قوله نظير إخبـارنا، فإذا لـم يكن بذلك خبر علـى ما قلنا، ولا فـي الاَية دلـيـل علـى ما وصفنا، فأولـى الأمور بنا أن نلـحق تأويـله بـالذي علـيه الدلالة من آي السورة، وذلك هو ما وصفنا، لأن ما قبل هذه الاَية من مبتدإ هذه السورة وما بعدها خبر عنهم، واحتـجاج من اللّه لنبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم، ودلـيـل علـى بطول قولهم فـي الـمسيح، فـالواجب أن تكون هي أيضا مصروفة الـمعنى إلـى نـحو ما قبلها، ومعنى ما بعدها. فإذ كان الأمر علـى ما وصفنا، فتأويـل الاَية: قل يا مـحمد للوفد من نصارى نـجران: إن كنتـم تزعمون أنك تـحبون اللّه ، وأنكم تعظمون الـمسيح وتقولون فـيه ما تقولون، حبـا منكم ربكم، فحققوا قولكم الذي تقولونه، إن كنتـم صادقـين بـاتبـاعكم إياي، فإنكم تعلـمون أنـي لله رسول إلـيكم، كما كان عيسى رسولاً إلـى من أرسل إلـيه، فإنه إن اتبعتـمونـي وصدقتـمونـي علـى ما أتـيتكم به من عند اللّه ، يغفر لكم ذنوبكم، فـيصفح لكم عن العقوبة علـيها ويعفو لكم عما مضى منها، فإنه غفور لذنوب عبـاده الـمؤمنـين رحيـم بهم وبغيرهم من خـلقه. |
﴿ ٣١ ﴾