٣٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيّا رَبّهُ ...} أما قوله: {هُنَالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبّهُ} فمعناه: عند ذلك، أي عند رؤية زكريا ما رأى عند مريـم من رزق اللّه الذي رزقها، وفضله الذي آتاها من غير تسبب أحد من الاَدميـين فـي ذلك لها، ومعاينته عندها الثمرة الرطبة التـي لا تكون فـي حين رؤيته إياها عندها فـي الأرض¹ طمع فـي الولد مع كبر سنه من الـمرأة العاقر، فرجا أن يرزقه اللّه منها الولد مع الـحال التـي هما بها، كما رزق مريـم علـى تـخـلـيها من الناس ما رزقها، من ثمرة الصيف فـي الشتاء، وثمرة الشتاء فـي الصيف، وإن لـم يكن مثله مـما جرت بوجوده فـي مثل ذلك الـحين العادات فـي الأرض، بل الـمعروف فـي الناس غير ذلك، كما أن ولادة العاقر غير الأمر الـجارية به العادات فـي الناس، فرغب إلـى اللّه جل ثناؤه فـي الولد، وسأله ذريّة طيبة. وذلك أن أهل بـيت زكريا فـيـما ذكر لنا، كانوا قد انقرضوا فـي ذلك الوقت. كما: ٥٥٨٧ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: فلـما رأى زكريا من حالها ذلك يعنـي فـاكهة الصيف فـي الشتاء، وفـاكهة الشتاء فـي الصيف، قال: إن ربّـا أعطاها هذا فـي غير حينه، لقادر علـى أن يرزقنـي ذرّية طيبة. ورغب فـي الولد، فقام فصلـى، ثم دعا ربه سرّا، فقال: {رَبّ إِنّـي وَهَنَ العَظْمُ مِنّـي وَاشْتَعَلَ الرأسُ شَيْبـا ...} وقوله: {رَب هَبْ لِـي مِنْ لَدُنْكَ ذُريّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعاءِ}. وقال: {رَبّ لا تَذَرْنِـي فَرْدا وأنْتَ خَيْرُ الوَارِثِـينَ}. ٥٥٨٨ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: أخبرنـي يعلـى بن مسلـم عن سعيد بن جبـير، عن ابن عبـاس ، قال: فلـما رأى ذلك زكريا ـ يعنـي فـاكهة الصيف فـي الشتاء، وفـاكهة الشتاء فـي الصيف عند مريـم ـ قال: إن الذي يأتـي بهذا مريـم فـي غير زمانه، قادر أن يرزقنـي ولدا! قال اللّه عزّ وجلّ: {هُنالِكَ دَعا زَكَرِيّا رَبّهُ} قال: فذلك حين دعا. ٥٥٨٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن أبـي بكر، عن عكرمة، قال: فدخـل الـمـحراب، وغلق الأبواب، وناجى ربه، فقال: {رَبّ إِنّـي وَهَنَ العَظْمُ مِنّـي وَاشْتَعَلَ الرّأسُ شَيْبـا} إلـى قوله: {رَبّ رَضِيّا} {فَنَادَتْهُ الـمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّـي فِـي الـمِـحْرَابِ ...}.. الاَية. ٥٥٩٠ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، قال: ثنـي بعض أهل العلـم، قال: فدعا زكريا عند ذلك بعد ما أسنّ، ولا ولد له، وقد انقرض أهل بـيته، فقال: {رَبّ هَبْ لِـي مِن لَدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً إِنّكَ سَمِيعُ الدّعاءِ} ثم شكا إلـى ربه، فقال: {رَبّ إِنّـي وَهَنَ العَظْمُ مِنّـي وَاشْتَعَلَ الرّأسُ شَيْبـا}.. إلـى: {وَاجْعَلْهُ رَب رَضِيّا} {فَنَادَتْهُ الـمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّـي فِـي الـمِـحْرَابِ}.. الاَية. وأما قوله: {رَب هَبْ لِـي مِنْ لَدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً} فإنه يعنـي بـالذرية: النسل، وبـالطيبة: الـمبـاركة. كما: ٥٥٩١ـ حدثنـي موسى، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسبـاط، عن السدي: {قال رَبّ هَبْ لِـي مِنْ لَدُنْكَ ذُرّيّةً طَيّبَةً} يقول: مبـاركة. وأما قوله: {مِنْ لَدُنْكَ} فإنه يعنـي من عندكوأما الذرية: فإنها جمع، وقد تكون فـي معنى الواحد، وهي فـي هذا الـموضع الواحد¹ وذلك أن اللّه عزّ وجلّ قال فـي موضع آخر مخبرا عن دعاء زكريا: {فَهَبْ لِـي مِنْ لَدُنْكَ وَلِـيّا} ولـم يقل (أولـياء)، فدلّ علـى أنه سأل واحدا. وإنـما أنث طيبة لتأنـيث الذرية، كما قال الشاعر: أبُوكَ خَـلِـيفَةٌ وَلَدَتْهُ أخْرَىوأنْتَ خَـلِـيفَةٌ، ذَاكَ الكمالُ فقال: ولدته أخرى، فأنث، وهو ذكر لتأنـيث لفظ الـخـلـيفة، كما قال الاَخر: كما يَزْدَرِي مِنْ حَيّةٍ جَبَلِـيّةٍسَكابِ إذا ما عَضّ لـيسَ بأدْرَدَا فأنث الـجبلـية لتأنـيث لفظ الـحية، ثم رجع إلـى الـمعنى فقال: إذا ما عضّ لأنه كان أراد حية ذكرا، وإنـما يجوز هذا فـيـما لـم يقع علـيه فلان من الأسماء كالدابة والذرية والـخـلـيفة، فأما إذا سُمي رجل بشيء من ذلك، فكان فـي معنى فلان لـم يجز تأنـيث فعله ولا نعته. وأما قوله: {إِنّكَ سَمِيعُ الدّعاءِ} فإن معناه: إن سامع الدعاء، غير أن سميع أمدح، وهو بـمعنى ذو سمع له، وقد زعم بعض نـحويـي البصرة أن معناه: إنك تسمع ما تدعي به. فتأويـل الاَية: فعند ذلك دعا زكريا ربه فقال: ربّ هب لـي من عندك ولدا مبـاركا، إنك ذو سمع دعاء من دعاك. |
﴿ ٣٨ ﴾