٤٨القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {وَيُعَلّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ } اختلفت القراء فـي قراءة ذلك، فقرأته عامة قراء الـحجاز والـمدينة وبعض قراء الكوفـيـين: {وَيُعَلّـمُهُ} بـالـياء ردّا علـى قوله: {كَذَلِكِ اللّه يَخْـلُقُ مَا يَشاءُ وَيُعَلّـمُهُ الكِتابَ} فألـحقوا الـخبر فـي قوله: {وَيُعَلّـمُهُ}، بنظير الـخبر فـي قوله: {يَخْـلُقُ مَا يَشاءُ}، وقوله: {فَـإِنّـمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَـيَكُونُ}. وقرأ ذلك عامة قراء الكوفـيـين وبعض البصريـين: (وَنُعَلّـمُهُ) بـالنون عطفـا به علـى قوله: {نُوحِيهِ إِلَـيْكَ} كأنه قال: ذلك من أنبـاء الغيب نوحيه إلـيك، ونعلـمه الكتاب. و قالوا: ما بعد (نوحيه) فـي صلته، إلـى قوله: (كن فـيكون)، ثم عطف بقوله: (ونعلـمه علـيه). والصواب من القول فـي ذلك عندنا، أنهما قراءتان مختلفتان غير مختلفتـي الـمعانـي، فبأيتهما قرأ القارىء فهو مصيب الصواب فـي ذلك لاتفـاق معنى القراءتـين فـي أنه خبر عن اللّه بأنه يعلـم عيسى الكتاب، وما ذكر أنه يعلـمه، وهذا ابتداء خبر من اللّه عزّ وجلّ لـمريـم ما هو فـاعل بـالولد الذي بشرها به من الكرامة، ورفعة الـمنزلة والفضيـلة، فقال: كذلك اللّه يخـلق منك ولدا، من غير فحل ولا بعل، فـيعلـمه الكتاب، وهو الـخط الذي يخطه بـيده، والـحكمة: وهي السنة التـي نوحيها إلـيه فـي غير كتاب، والتوراة: وهي التوراة التـي أنزلت علـى موسى، كانت فـيهم من عهد موسى، والإنـجيـل: إنـجيـل عيسى، ولـم يكن قبله، ولكن اللّه أخبر مريـم قبل خـلق عيسى أنه موحيه إلـيه، وإنـما أخبرها بذلك، فسماه لها، لأنها قد كانت علـمت فـيـما نزل من الكتب أن اللّه بـاعث نبـيا يوحى إلـيه كتابـا اسمه الإنـجيـل، فأخبرها اللّه عزّ وجلّ أن ذلك النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم الذي سمعت بصفته الذي وعد أنبـياءه من قبل أنه منزل علـيه الكتاب الذي يسمى إنـجيلاً، هو الولد الذي وهبه لها، وبشرها به. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك، قال جماعة من أهل التأويـل. ذكر من قال ذلك: ٥٦٩٩ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، قال: قال ابن جريج: (وَنُعَلّـمُهُ الكِتابَ) قال: بـيده. ٥٧٠٠ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة: (وَنُعَلّـمُهُ الكِتابَ والـحِكْمَةَ) قال: الـحكمة: السنة. ٥٧٠١ـ حدثنا الـمثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا عبد اللّه بن أبـي جعفر¹ عن أبـيه، عن قتادة، فـي قوله: (وَنُعَلّـمُهُ الكِتابَ وَالـحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ وَالإِنْـجِيـلَ) قال: الـحكمة: السنة، {وَالتّوْرَاةَ وَالإِنْـجِيـل} قال: كان عيسى يقرأ التوراة والإنـجيـل. ٥٧٠٢ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: (وَنُعَلّـمُهُ الكِتابَ وَالـحِكْمَةَ) قال: الـحكمة: السنة. ٥٧٠٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير، قال: أخبرها ـ يعنـي: أخبر اللّه مريـم ما يريد به ـ فقال: (وَنُعَلّـمُهُ الكِتابَ وَالـحِكْمَةَ وَالتّوْرَاةَ) التـي كانت فـيهم من عهد موسى {وَالإِنْـجِيـلَ} كتابـا آخر أحدثه إلـيه، لـم يكن عندهم علـمه إلا ذكره أنه كائن من الأنبـياء قبله. |
﴿ ٤٨ ﴾