٦٣القول فـي تأويـل قوله تعالـى: {إِنّ هَـَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقّ ...} يعنـي بذلك جلّ ثناؤه: إن هذا الذي أنبأتك به يا مـحمد من أمر عيسى، فقصصته علـيك من أنبـائه، وأنه عبدي ورسولـي، وكلـمتـي ألقـيتها إلـى مريـم، وروح منـي، {لَهُوَ القَصَصُ} والنبأ {الـحَقّ} فـاعلـم ذلك، واعلـم أنه لـيس للـخـلق معبود يستوجب علـيهم العبـادة بـملكه إياهم إلا معبودك الذي تعبده وهو اللّه العزيز الـحكيـم. ويعنـي بقوله {العَزِيزُ}: العزيز فـي انتقامه مـمن عصاه، وخالف أمره، وادّعى معه إلها غيره، أو عبد ربـا سواه، {الـحَكِيـمُ} فـي تدبـيره، لا يدخـل ما دبره وهْن ولا يـلـحقه خـلل. {فإنْ تَوَلّوْا} يعنـي فإن أدبر هؤلاء الذين حاجوك فـي عيسى عما جاءك من الـحقّ من عند ربك فـي عيسى وغيره، من سائر ما آتاك اللّه من الهدى والبـيان، فأعرضوا عنه، ولـم يقبلوه¹ {فإنّ اللّه عَلِـيـمٌ بِـالـمُفْسِدِينَ}، يقول: فإن اللّه ذو علـم بـالذين يعصون ربهم، ويعملون فـي أرضه وبلاده بـما نهاهم عنه، وذلك هو إفسادهم، يقول تعالـى ذكره: فهو عالـم بهم وبأعمالهم، يحصيها علـيهم ويحفظها حتـى يجازيهم علـيها جزاءهم. وبنـحو ما قلنا فـي ذلك قال أهل التأويـل: ذكر من قال ذلك: ٥٧٨٩ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير: {إنّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الـحَقّ} أي إن هذا الذي جئت به من الـخبر عن عيسى، لهو القصص الـحقّ من أمره. ٥٧٩٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج: {إنّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ}. إن هذا الذي قلنا فـي عيسى لهو القصص الـحقّ. ٥٧٩١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد فـي قوله: {إنّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الـحَقّ} قال: إن هذا القصص الـحقّ فـي عيسى، ما ينبغي لعيسى أن يتعدّى هذا، ولا يجاوز أن يتعدى أن يكون كلـمة اللّه ألقاها إلـى مريـم وروحا منه وعبد اللّه ورسوله. ٥٧٩٢ـ حدثنـي مـحمد بن سعد، قال: ثنـي أبـي، قال: ثنـي عمي، قال: ثنـي أبـي، عن أبـيه، عن ابن عبـاس : {إنّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الـحَقّ}: إن هذا الذي قلنا فـي عيسى هو الـحقّ {وَمَا مِنْ إلَهٍ إلاّ اللّه }.. الاَية. فلـما فصل جل ثناؤه بـين نبـيه مـحمد صلى اللّه عليه وسلم وبـين الوفد من نصارى نـجران بـالقضاء الفـاصل والـحكم العادل أمره ـ إن هم تولوا عما دعاهم إلـيه من الإقرار بوحدانـية اللّه ، وأنه لا ولد له ولا صاحبة، وأن عيسى عبده ورسوله وأبوا إلا الـجدل والـخصومة ـ أن يدعوهم إلـى الـملاعنة، ففعل ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم. فلـما فعل ذلك رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم انـخذلوا، فـامتنعوا من الـملاعنة ودعوا إلـى الـمصالـحة، كالذي. ٥٧٩٣ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، عن مغيرة، عن عامر، قال: فأمر ـ يعنـي النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ـ بـملاعنتهم ـ يعنـي بـملاعنة أهل نـجران ـ بقوله: {فَمَنْ حاجّكَ فِـيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْـمِ}.. الاَية. فتواعدوا أن يلاعنوه، وواعدوه الغد، فـانطلقوا إلـى السيد والعاقب، وكانا أعقلهم فتابعاهم، فـانطلقوا إلـى رجل منهم عاقل، فذكروا له ما فـارقوا علـيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال: ما صنعتـم! وندّمهم، وقال لهم: إن كان نبـيا ثم دعا علـيكم لا يغضبه اللّه فـيكم أبدا، ولئن كان ملكا فظهر علـيكم لا يستبقـيكم أبدا. قالوا: فكيف لنا وقد واعدنا؟ فقال لهم: إذا غدوتـم إلـيه فعرض علـيكم الذي فـارقتـموه علـيه، فقولوا: نعوذ بـالله! فإن دعاكم أيضا، فقولوا له: نعوذ بـالله! ولعله أن يعفـيكم من ذلك. فلـما غدوا، غدا النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم مـحتضنا حَسَنا آخذا بـيد الـحسين وفـاطمة تـمشي خـلفه، فدعاهم إلـى الذي فـارقوه علـيه بـالأمس، فقالوا: نعوذ اللّه ! ثم دعاهم، فقالوا: نعوذ بـالله! مرارا قال: (فإنْ أبَـيْتُـمْ فأسْلِـمُوا، وَلَكُمْ ما لِلْـمُسْلِـمِينَ وَعَلَـيْكُمْ ما علـى الـمُسْلِـمينَ، كما قال اللّه عزّ وجلّ¹ فإنْ أبَـيْتُـمْ فأعْطُوا الـجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وأنْتُـمْ صَاغِرُونَ، كما قال اللّه عَزّ وَجَلّ)، قالوا: ما نـملك إلا أنفسنا قال: (فإنْ أبَـيْتُـمْ فَإنّـي أنْبِذُ إلَـيْكُمْ عَلـى سَوَاءٍ، كما قال اللّه عزّ وجلّ)، قالوا: ما لنا طاقة بحرب العرب، ولكن نؤدّي الـجزية قال: فجعل علـيهم فـي كل سنة ألفـي حلة، ألفـا فـي رجب وألفـا فـي صفر. فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (قَدْ أتانِـي البَشِيرُ بِهَلَكَةِ أهْلِ نَـجْرَانَ حتـى الطّيْرُ علـى الشّجَرِ أوِ العَصَافِـيرُ عَلـى الشّجَرِ، لو تَـمّوا علـى الـمُلاَعَنَة). حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا جرير، قال: فقلت للـمغيرة: إن الناس يرون فـي حديث أهل نـجران أن علـيا كان معهم! فقال: أما الشعبـي فلـم يذكره، فلا أدري لسوء رأي بنـي أمية فـي علـيّ، أو لـم يكن فـي الـحديث. ٥٧٩٤ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلـمة، عن ابن إسحاق، عن مـحمد بن جعفر بن الزبـير: {إنّ هَذَا لَهُوَ القَصَصُ الـحَقّ} إلـى قوله: {فَقُولُوا اشْهَدُوا بأنّا مُسْلِـمُونَ} فدعاهم إلـى النّصَف وقطع عنهم الـحجة. فلـما أتـى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الـخبر من اللّه عنه، والفصل من القضاء بـينه وبـينهم، وأمره بـما أمره به من ملاعنتهم، إن ردّوا علـيه¹ دعاهم إلـى ذلك، فقالوا: يا أبـا القاسم دعنا ننظر فـي أمرنا، ثم نأتـيك بـما نريد أن نفعل فـيـما دعوتنا إلـيه. فـانصرفوا عنه، ثم خـلوا بـالعاقب، وكان ذا رأيهم، فقالوا: يا عبد الـمسيح ما ترى؟ قال: واللّه يا معشر النصارى، لقد عرفتـم أن مـحمدا نبـيّ مرسل، ولقد جاءكم بـالفصل من خبر صاحبكم، ولقد علـمتـم ما لاعن قوم نبـيا قط فبقـي كبـيرهم ولا نبت صغيرهم، وإنه للاستئصال منكم إن فعلتـم، فإن كنتـم قد أبـيتـم إلا إلف دينكم، والإقامة علـى ما أنتـم علـيه من القول فـي صاحبكم، فوادعوا الرجل ثم انصرفوا إلـى بلادكم حتـى يريكم زمنٌ رأيه. فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقالوا: يا أبـا القاسم، قد رأينا أن لا نلاعنك، وأن نتركك علـى دينك، ونرجع علـى ديننا، ولكن ابعث معنا رجلاً من أصحابك ترضاه لنا يحكم بـيننا فـي أشياء قد اختلفنا فـيها من أموالنا، فإنكم عندنا رضا. ٥٧٩٥ـ حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا عيسى بن فرقد، عن أبـي الـجارود، عن زيد بن علـيّ فـي قوله: {تَعَالَوْا نَدْعُ أبْنَاءَنا وأبْناءكُمْ}.. الاَية قال: كان النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم وعلـيّ وفـاطمة والـحسن والـحسين. ٥٧٩٦ـ حدثنا مـحمد بن الـحسين، قال: حدثنا أحمد بن الـمفضل، قال: حدثنا أسبـاط عن السدي: {فَمَنْ حاجّكَ فِـيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْـمِ}.. الاَية، فأخذ ـ يعنـي النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم ـ بـيد الـحسن والـحسين وفـاطمة، وقال لعلـيّ: (اتْبَعْنَا!) فخرج معهم، فلـم يخرج يومئذ النصارى، و قالوا: إنا نـخاف أن يكون هذا هو النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم، ولـيس دعوة النبـيّ كغيرها، فتـخـلفوا عنه يومئذ. فقال النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم: (لَوْ خَرَجُوا لاَحْتَرَقُوا). فصالـحوه علـى صلـح علـى أن له علـيهم ثمانـين ألفـا فما عجزت الدراهم ففـي العروض الـحلة بأربعين، وعلـى أن له علـيهم ثلاثا وثلاثـين درعا، وثلاثا وثلاثـين بعيرا، وأربعة وثلاثـين فرسا غازية كل سنة، وأن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم ضامن لها حتـى نؤديها إلـيهم. ٥٧٩٧ـ حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قال: ذكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم دعا وفدا من وفد نـجران من النصارى، وهم الذين حاجوه فـي عيسى، فنكصوا عن ذلك وخافوا. وذكر لنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم كان يقول: (وَالّذِي نَفْسُ مُـحَمّدٍ بِـيَدِهِ، إنْ كانَ العَذَابُ لَقَدْ تَدَلّـى علـى أهْلِ نَـجْرَانَ، وَلَوْ فَعَلُوا لاسْتُؤْصِلُوا عَنْ جَدِيدِ الأرْضِ). ٥٧٩٨ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن قتادة فـي قوله: {فَمَنْ حاجّكَ فِـيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْـمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْناءَنا وأبْناءَكُمْ} قال: بلغنا أن نبـيّ اللّه صلى اللّه عليه وسلم خرج لـيلاً عن أهل نـجران، فلـما رأوه خرج، هابوا وفرقوا، فرجعوا. قال معمر، قال قتادة: لـما أراد النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم أهل نـجران أخذ بـيد حسن وحسين وقال لفـاطمة: (اتْبَعِينَا)، فلـما رأى ذلك أعداءُ اللّه رجعوا. ٥٧٩٩ـ حدثنا الـحسن بن يحيـى، قال: أخبرنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر، عن عبد الكريـم الـجزري، عن عكرمة، عن ابن عبـاس ، قال: لو خرج الذين يبـاهلون النبـيّ صلى اللّه عليه وسلم لرجعوا لا يجدون أهلاً ولا مالاً. حدثنا أبو كريب، قال: حدثنا زكريا، عن عديّ قال: حدثنا عبـيد اللّه بن عمرو، عن عبد الكريـم، عن عكرمة، عن ابن عبـاس مثله. ٥٨٠٠ـ حدثنا القاسم، قال: حدثنا الـحسين، قال: ثنـي حجاج، عن ابن جريج، قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (وَالّذِي نفْسِي بِـيَدِهِ لَوْلا عَنُونِـي ما حالَ الـحَوْلُ وَبحَضْرَتِهِمْ مِنْهُمْ أحَدٌ إلاّ أهْلَكَ اللّه الكاذِبِـينَ). ٥٨٠١ـ حدثنـي يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: حدثنا ابن زيد، قال: قـيـل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: لو لاعنت القوم بـمن كنت تأتـي حين قلت {أبْناءَنا وأبْناءَكُمْ}؟ قال: (حَسَن وحُسَيْن). ٥٨٠٢ـ حدثنـي مـحمد بن سنان، قال: حدثنا أبو بكر الـحنفـي، قال: حدثنا الـمنذر بن ثعلبة، قال: حدثنا علبـاء بن أحمر الـيشكري، قال: لـما نزلت هذه الاَية: {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أبْناءَنا وأبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءكُمْ} الاَية، أرسل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلـى علـيّ وفـاطمة وابنـيهما الـحسن والـحسين، ودعا الـيهود لـيلاعنهم فقال شاب من الـيهود: ويحكم ألـيس عهدكم بـالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير؟ لا تلاعنوا! فـانتهوا. |
﴿ ٦٣ ﴾